سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
بات من الواضح أن سياسة «الغموض الاستراتيجي» التي انتهجتها واشنطن تجاه تايوان خلال السنوات الماضية أصبحت من الماضي، وأنه جرى استبدالها بسياسة جديدة تستهدف احتواء الصين أكثر مما تستهدف الدفاع عن الديمقراطية والحلفاء في جنوب شرق آسيا.
مؤشرات هذا التغيير ظهرت مع زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي، مؤخراً إلى تايوان في إطار جولتها الآسيوية، على الرغم من التحذيرات الصينية المتكررة، واشتعال غضب الصين واندفاعها لإجراء مناورات غير مسبوقة رفعت حرارة التصعيد إلى مستوى يضاهي أجواء الحرب.
ومع ذلك لم تتردد واشنطن في سعيها إلى تبريد حرارة الغضب بإعادة تأكيد موقفها المتفق عليه على أساس الاعتراف بمبدأ «صين واحدة بنظامين»، لكن ذلك لم يقنع أحداً وبدا أشبه بورقة محروقة، بعدما أصرّت واشنطن على المضي في التحدي، وتجاهل تحذيرات بكين، وحتى المصالح الاقتصادية المشتركة. الطريقة الاستعراضية التي تمت بها زيارة بيلوسي، ثم إرسال وفد من الكونغرس إلى الجزيرة، يعكسان إصرار واشنطن على التحدي، ويدفعان الصين إلى العودة للتشدد، بعدما حاولت استمالة تايوان للعودة الطوعية إلى حضن الوطن الأم، عبر ما أسمته «الكتاب الأبيض»، بمنحها حرية كاملة في التطور الاجتماعي والازدهار الاقتصادي.
لكن رفض تايبيه للكتاب الأبيض ولمبدأ «صين واحدة بنظامين» (وهو المبدأ المعترف به دولياً)، وتغيير النهج الأمريكي تجاه الصين، سواء بتكثيف الزيارات الرسمية أو الإعلان عن عبور سفن وطائرات حربية أمريكية بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان، باسم حرية الملاحة الدولية، بينما تعتبره بكين جزءاً من مياهها الإقليمية، صار يُفهم منه أن الهدف الأمريكي الحقيقي هو محاولة احتواء الصين، أو دفعها إلى اللجوء للقوة لاستعادة تايوان. وبينما تدرك واشنطن أن بكين لن تقبل بالاحتواء أو الرضوخ، فإنها تتوقع أن تلجأ إلى القوة العسكرية على غرار العملية الروسية في أوكرانيا، لكن من دون وجود أي ضمانة بأن تتحول مثل هذه العملية إلى حرب صينية أمريكية، وربما إلى حرب بين الصين وروسيا من جهة، والولايات المتحدة من جهة أخرى، وهو ما حذّر منه، أكثر من مرة، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق والدبلوماسي العريق والمخضرم هنري كيسنجر، داعياً إلى تخفيف حدة التصعيد مع الصين وروسيا.
التغيير في النهج الأمريكي تجاه الصين، برز في الواقع منذ أشهر طويلة؛ إذ فضلاً عن الحرب التجارية التي بدأت في عهد ترامب وامتدت إلى عهد بايدن، فقد تم تأسيس حلفين أمنيين وعسكريين أحدهما باسم «أوكوس»، ويضم بريطانيا وأستراليا إلى جانب الولايات المتحدة، والآخر باسم «كواد»، ويضم أستراليا واليابان والهند إلى جانب الولايات المتحدة، بهدف ما سُمي ضمان حرية الملاحة في المحيطين الهادئ والهندي، ولكنه فُسِّر من قبل المراقبين بأنه محاولة لمحاصرة الصين والسيطرة على بحرها الجنوبي.
ومن البديهي القول إن خيار الدبلوماسية والحوار هو الحل الوحيد للمشاكل العالقة ولجم التصعيد؛ لأن اللعب بالأزرار النووية بين واشنطن وموسكو وبكين، قد يحرق الجميع في لحظة غضب لن تسلم منه البشرية.
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر