سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
أمجد المنيف
راهنوا كثيرًا على سقوط السعودية. في كل مرة يأتون بطريقة مختلفة، مرة بمزاعم الخلافات الداخلية، وأحيانًا بالثورات المزيفة، ومرات أكثر بالحقوق الوهمية. لا يتوقفون عن فكرة انهيار المملكة، ومع كل عهد جديد يبدؤون بادعاءات مختلفة، كان الرهان الدائم لديهم هو الوقت.
قدر الأرض المباركة أنها محفوظة من السماء. كلما اعتقدوا أنهم قريبون من العبث بها، بُعث لهم من يقف في وجوههم ويوقف تمدد أطماعهم. كان محمد بن سلمان هو الهدية السماوية. لو لم يأتِ لاحتجنا أن نوجده!
جاء الأمير ليقتل كل آمالهم القديمة، وهي المفاجأة التي لم تكن في حساباتهم المشبوهة والمشوهة. عملوا بكل آلات الكذب والتضليل، والسياسات الكاذبة، والإعلام المرتزق، والبروباغندا المتكررة، على أن يشوهوا مشروعه التنموي. هاجموه شخصيًا، وتخلت إمبراطوريات إعلامية عن مصداقيتها من أجل أجندتهم المنسقة، ورغم كل الضراوة في التهجم فإن تأثيرهم بدا محدودًا، خاصة عندما اصطدم بحقائق أقوى من الأكاذيب.
في حياة الدول والشعوب لحظات فارقة، مثل التأسيس والاستقلال وتحقيق نهضة اقتصادية، يتوقف مستقبل تلك الدول على حسن استغلال تلك اللحظات والتصرف بأسلوب يجاري التغير والتطور المتوقع. والمملكة – كأي دولة في التاريخ – مرت بعديد من تلك اللحظات، مثل تأسيسها في نسختها الأولى قبل حوالي ثلاثة قرون، أو إقامة الدولة الحالية على يد الملك المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود.
غير أن لحظات الدول الفارقة لا يجب أن تقتصر على التاريخ الماضي فقط، وإلا لأصبحت في طريقها هي الأخرى إلى الانقراض. لهذا، فإن السعودية مرت بأكثر من لحظة فارقة، تتجدد تلك اللحظات بتغير الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية محليًا وإقليميًا ودوليًا، لتواكب المملكة التطور الطبيعي والمتعارف عليه كأحد نواميس التاريخ البشري.
ويمكن وصف أهم لحظة فارقة عرفتها المملكة منذ مطلع الألفية الجديدة، بأنها لحظة بزوغ نجم الأمير محمد بن سلمان. ولعلَّ التغيرات التي شهدتها المملكة في كافة المناحي والمجالات، تثبت أن الأمير الشاب جاء في التوقيت المناسب ليأخذ على عاتقه حمل الراية ومواصلة الطريق في ظل عالم يعاني اهتزازات اجتماعية وأزمات اقتصادية وارتباكات سياسية، دفعت بعض دول المنطقة العربية من استقرارها ثمنًا لعدم الاستعداد لها.
من إحدى الجمل القليلة الصادقة التي وصف الإعلام الغربي بها الأمير، هي: سيد كل شيء. الحقيقة أنه جاء ليكون سفينة نوح في طوفان العالم وارتباك المنطقة. الملمح الأهم هو أنه وضع خطة واضحة المعالم للمملكة العربية السعودية، وخارطة تنموية طويلة الأمد، تشمل كل القطاعات والملفات، وأشرف على تحقيقها بنفسه.
طوَّر من مفهوم العمل السياسي للدولة، وتعامل في الكثير من الملفات كندٍّ مع الدول العظمى، واضعًا حدًّا لأي محاولات للإملاءات الخارجية. أعاد هيكلة الاقتصاد، وطوَّر جميع القطاعات، وخلق حقولاً صناعية كاملة كانت مهملة أو منسية. يمكن وصف النموذج الاقتصادي السعودي الحديث كأحد أهم النماذج العالمية.
الملف الأهم، هو الطاقة. أعاد بناء الصناعة بالكلية، وخلق خطوطًا موازية لصنابير النفط. كانت الطاقة المتجددة من أهم ما يشغل الأمير؛ ولذلك جاءت “ذا لاين” في “نيوم” شاهدًا على المشروع النظيف.
راجع الأنظمة القضائية، وأشرف على إطلاقها، وحسَّن من البيئة القانونية بالكلية. مكَّن الشباب وجعلهم يقودون الحكومة بجرأة، واستثمر بالموارد البشرية بالتوازي مع كل الاستثمارات الأخرى.
حارب بشراسة كل أشكال الفساد والتطرف والإرهاب، ولم يستثنِ أحدًا من المساءلة والعقاب. في المقابل، دعم المشاريع الفنية بجميع أنواعها، حتى صارت السعودية قبلة لكثير من المهرجانات والفعاليات.
ومنذ وطئت قدم المملكة الطريق الجديد، وهي تعيش في إطار نهضة شاملة يقودها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وينفذها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي بثَّ روح الشباب في أوصال الدولة بأفكاره ومبادراته وسياساته. لقد نجح الأمير الشاب في الانطلاق بالمملكة نحو تحقيق إنجازات لم تكن مدرجة ضمن الخطط السابقة. ولعلَّ هذا ما حدا بالعديد من المفكرين والكتَّاب والمتابعين إلى الحديث عن “السعودية الجديدة” وولي العهد بوصفه عرَّابًا لها، بعد إعلانه عن “رؤية المملكة 2030” التي مثَّلت المنهج والدستور لنهضة السعودية في القرن الحادي والعشرين.
بدايات العمل العام
استفاد سمو الأمير محمد بن سلمان خلال نشأته من التكنولوجيا، فقد كان جيله هو أوائل الأجيال التي استخدمت شبكة الإنترنت، وأول من حصل على معلوماته عبر الشاشات، فيقول: “نحن نفكر بطريقة مختلفة جدًا وأحلامنا كذلك مختلفة”، فدرس أدبيات رئيس الوزراء البريطاني الأسبق “وينستون تشيرشل”، وكتاب “فن الحرب” للصيني “سن زو”، ليتمكن من تحويل المصاعب التي يواجهها لصالحه.
ربَّما لا يعرف البعض أن محمد بن سلمان، رجل قانون من الطراز الأول، ولم يكتفِ بذلك، بل مارس هذا العمل رسميًا كمستشار قانوني في هيئة الخبراء بمجلس الوزراء، متزودًا بالمهارات القانونية، وذلك حرصًا على اكتساب سمات القيادة وإدارة عمل الدولة، ومعلنًا للجميع، منذ ذلك الوقت، أن لديه الطموح، وأن هناك خارطة طريق سيعقد العزم على إنجاز وتحقيق جميع خطواتها.
عُيِّن سموه مستشارًا متفرغًا بهيئة الخبراء بمجلس الوزراء السعودي في 10 أبريل 2007، واستمر بالهيئة حتى بعدما انتقل منها – بالمرتبة الحادية عشرة – إلى إمارة منطقة الرياض؛ إذ ظل مستشارًا غير متفرغ بهيئة الخبراء حتى تاريخ 3 مارس 2013، عندما صدر أمر ملكي بتعيينه رئيسًا لديوان سمو ولي العهد ومستشارًا خاصًا له بمرتبة وزير.
من هيئة الخبراء لإمارة الرياض
في 16 ديسمبر 2009، عُيِّن سمو الأمير محمد بن سلمان في إمارة منطقة الرياض، مستشارًا خاصًا للملك سلمان الذي كان أمير الرياض حينئذٍ. وعندما وُلِّيَ الملك سلمان بن عبدالعزيز ولاية العهد في المملكة في 2012، أصبح سمو الأمير محمد بن سلمان مستشارًا خاصًا ومشرفًا على المكتب والشؤون الخاصة لولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع.
في مارس 2013، صدر أمر ملكي بتعيينه رئيسًا لديوان سمو ولي العهد ومستشارًا خاصًا له بمرتبة وزير، وبعدها بأربعة أشهر أضيف منصب المشرف العام على مكتب وزير الدفاع إلى مهام عمله السابقة. وكانت آخر ترقياته قبل مبايعة الملك سلمان ملكًا، في 25 أبريل 2014، عند صدور الأمر الملكي بتعيينه وزيرًا للدولة عضوًا في مجلس الوزراء السعودي بالإضافة إلى عمله.
مصادر دبلوماسية غربية قالت عن الأمير محمد بن سلمان، بعد تسلُّمه لمنصبه كمستشار لوالده الملك سلمان عندما كان أميرًا للرياض، إنه الرجل القوي في المملكة، مشيرة إلى أنه يُشرف على كل ما هو مهم في البلاد.
وعندما نبحث في الأسباب التي جعلت منه مستشارًا لأمير الرياض، وهو في سن صغيرة، نرى حصوله على جوائز عدة، منها جائزة شخصية العام القيادية لدعم رواد الأعمال لعام 2013 المقدمة من مجلة “فوربس الشرق الأوسط”، وذلك بصفته رئيسًا لمجلس إدارة مركز الملك سلمان للشباب.
وتصفه “التايمز” بأنه يمتلك شخصية قيادية “ويستطيع التأثير على الآخرين بحضوره الطاغي”، بل ويصفه البعض بأنه “يمتلك صفات الكاريزما القيادية بصورة طبيعية”.
الانطلاقة من مكتب وزارة الدفاع
كانت علامات التحفز والعزم على التغيير والتطوير بادية على أفكار الأمير محمد بن سلمان منذ بداياته، ولعلَّ هذه العلامات هي التي أهلته ليصبح مشرفًا على مكتب وزير الدفاع في 13 يوليو 2013، وتكليفه بإصلاح وزارة الدفاع، في مرحلة كانت الوزارة تعاني فيها من مشكلات كبيرة، قال عنها سمو الأمير محمد بن سلمان: “بأنها مشاكل استعصى إيجاد حلول لها على مدى سنين”. لكن الأمير الشاب كان عازمًا على معالجة تلك المشكلات، واتخذ مجموعة من القرارات التي طالت أنشطة الوزارة جميعها، مثل تغيير إجراءات شراء الأسلحة، وإجراءات التعاقد، ونُظم استخدام وإدارة تكنولوجيا المعلومات والموارد البشرية. كما قرَّر سمو الأمير محمد بن سلمان انتداب مجموعة شركات استشارية عالمية لوضع خطط لتحديث وتنظيم الوزارة.
جهود الأمير الشاب في إصلاح وزارة الدفاع شملت أيضًا إعادة تفعيل دائرة الشؤون القانونية وتعزيز وجودها في الوزارة بعد أن كانت شبه “مُهمَّشة” قبل وصوله، فأعاد عشرات العقود لدراستها والنظر فيها. وأنشأ مكتبًا لتحليل صفقات الأسلحة والتأكد من سلامتها بعد اكتشافه عمليات شراء أسلحة لم تُعرض لفحص الجودة كما هو مطلوب وصُوّرت للقيادة بشكل خاطئ، إضافة إلى عدم وجود هدف واضح من امتلاكها، وهو ما جعل الوزارة ساحة لإبرام عقود سيئة و”مصدرٍ كبيرٍ للفساد” على حدِّ وصف فهد العيسى مدير عام مكتب وزير الدفاع وقتها، الذي وصف وضع الوزارة – آنذاك – بقوله إن المملكة “رابع أكبر منفق عسكري في العالم، ولكن عندما يتعلق الأمر بنوعية أسلحتنا، لا نكاد نكون من ضمن أفضل 20 دولة”.
في 23 يناير 2015، أصبح سمو الأمير محمد بن سلمان سابع وزير دفاع في تاريخ المملكة، إثر الأمر الملكي الذي عيِّن بموجبه الأمير الشاب وزيرًا للدفاع، ليُصبح بذلك التاريخ رئيسًا لمجلس إدارة المؤسسة العامة للصناعات العسكرية، بصفته وزيرًا للدفاع.
ومع إعلان سمو الأمير محمد بن سلمان عن “رؤية المملكة 2030″، حدَّد سموه خمسة أهداف استراتيجية لوزارة الدفاع، تنفيذًا لـ”رؤية 2030″، وهي: تحقيق التفوق والتميز العملياتي المشترك، وتطوير الأداء التنظيمي، وتطوير الأداء الفردي ورفع المعنويات، وتحسين كفاءة الإنفاق ودعم توطين التصنيع العسكري، وتحديث المعدات والأسلحة. وفي 2016، أعلن سمو الأمير محمد بن سلمان وضع الأسس لبرنامج حكومي (توطين الصناعات العسكرية في السعودية)، يستهدفُ من خلاله توطين 50% من الإنفاق العسكري السعودي. بعد أشهر من ذلك، كان الإعلان عن تأسيس الشركة السعودية للصناعات العسكرية في 17 مايو 2017.
“رؤية المملكة 2030″ ونجاحات متواصلة
في 25 أبريل 2016 أطلق سمو الأمير محمد بن سلمان رؤية المملكة العربية السعودية 2030، وهي خطة اقتصادية اجتماعية ثقافية سياسية شاملة للمملكة العربية السعودية تؤسس لدخول المملكة إلى عصر ما بعد النفط. برامج تحقيق “رؤية السعودية 2030” استطاعت تحقيق إنجازات استثنائية، وعالجت تحديات هيكلية خلال خمسة أعوام فقط.
وكان مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية قد استعرض ما حققته “رؤية المملكة 2030” بعد مرور خمس سنوات منذ إطلاقها، والتي كان تركيزها في تلك الأعوام على تأسيس البنية التحتية التمكينية، وبناء الهياكل المؤسسية والتشريعية ووضع السياسات العامة، وتمكين المبادرات، فيما سيكون تركيزها في مرحلتها التالية على متابعة التنفيذ، ودفع عجلة الإنجاز وتعزيز مشاركة المواطن والقطاع الخاص بشكل أكبر.
حجم الإنجازات كان أكبر من التوقعات، نذكر منها على سبيل المثال: تسهيل الحصول على الخدمات الصحية الطارئة خلال 4 ساعات بنسبة تتجاوز 87 %، مقارنة بـ36% قبل إطلاق “رؤية المملكة”، وخفض معدل وفيات حوادث الطرق سنويًا لتصل إلى 13.5 وفاة لكل 100 ألف نسمة بعد أن كانت 28.8، وارتفاع نسبة الممارسين للرياضة مرة واحدة على الأقل أسبوعيًا لتصل إلى 19% في عام 2020م مقارنة بـ13% قبل إطلاق الرؤية. كما ارتفعت نسبة تملُّك المساكن لتصل إلى 60% مقارنة بنسبة 47% قبل خمسة أعوام، إضافة إلى أن الحصول على الدعم السكني أصبح فوريًا بعد أن كان يستغرق مدة تصل إلى 15 سنة قبل إطلاق “رؤية المملكة 2030”.
وأسهمت برامج “رؤية السعودية” خلال الأعوام الخمسة الأولى لها في تحسين جودة الحياة في المملكة من خلال استقطاب وتنظيم عدد من المناسبات والفعاليات الرياضية العالمية الشهيرة، ونجاحها في الفعاليات الترفيهية التي أطلقتها، ومن ذلك إطلاق أكثر من 2000 فعالية رياضية وثقافية وتطوعية – بحضور ما يزيد على 46 مليون زائر حتى عام 2020م – أدت إلى تضاعف عدد الشركات العاملة في قطاع الترفيه لتبلغ أكثر من 1.000 شركة، مما أسهم في خلق ما يزيد على 101 ألف وظيفة حتى نهاية عام 2020م.
وتضَاعفت أصول صندوق الاستثمارات العامة لتصل إلى نحو 1.5 تريليون ريال في عام 2020م بعد أن كانت لا تتجاوز 570 مليار ريال في 2015م. وشملت مبادرات “رؤية المملكة 2030” إطلاق مشروعات كبرى لتسهم في رفاهية المجتمع وتوفير الوظائف وجذب الاستثمارات العالمية، ومن أهمها: نيوم، والقدّية، ومشاريع البحر الأحمر، وغيرها. وكذلك تسارع نمو نسبة الناتج المحلي غير النفطي من الناتج المحلي الإجمالي لتصل إلى 59% في عام 2020م بعد أن كانت 55% في عام 2016م. وارتفعت الإيرادات غير النفطية لتصل إلى 369 مليار ريال في عام 2020م بعد أن كانت 166 مليار ريال في عام 2015م بنسبة زيادة وصلت إلى 222%؛ في حين زاد عدد المصانع بنسبة 38% ليصبح 9.984 مصنعًا مقارنة بـ7.206 مصانع قبل إطلاق الرؤية. وتزامن ذلك مع إطلاق مبادرات رائدة، منها: إطلاق برنامج “صنع في السعودية”، وإطلاق برنامج “شريك” لتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص وزيادة وتيرة نمو الناتج المحلي الإجمالي، وإنشاء بنك التصدير والاستيراد، وإطلاق نظام الاستثمار التعديني.
الانتصار في مواجهة “كورونا“
منذ اليوم الأول لانتشار جائحة كورونا عملت حكومة المملكة، وبتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، على تقديم الخدمات لكافة المواطنين في الداخل والخارج.
وقد أجمع الحلفاء والخصوم، وحتى الأعداء، على الإنجاز العظيم الملحمي الذي قدمته المملكة خلال تفشي الجائحة، بأداء تفوق على دول العالم الأول المتقدم مثل الولايات المتحدة، في التعامل مع الجائحة من كافة الجوانب. لقد أضافت تجربة المملكة في مواجهة كورونا مفاهيم مبتكرة في إدارة الأزمات، وقدمت للعالم أنموذجًا في تعاملها مع تداعيات الموقف صحيًا، واجتماعيًا، واقتصاديًا، متفردًا بقيمه الإنسانية؛ فلم تفرق بين مواطن ووافد، وإلى أبعد من ذلك امتدت جهود المملكة خارجيًا لتساند دول العالم وملايين البشر في التصدي لخطر الجائحة.
الفترة الذهبية للمرأة السعودية
تعيش المرأة في المملكة عصرًا ذهبيًا منذ صعود نجم سمو الأمير محمد بن سلمان، وأخذت توجهاته الإصلاحية بشأن تمكين المرأة السعودية تتمثَّل بصورة سريعة. نظرته للمرأة لم تكن وليدة لحظة تقلده ولاية العهد، بل هي قناعة راسخة لديه عن دور المرأة في المجتمع. كانت أولى تلك الإشارات ما نُشِر في حوار مطوَّل له أجري في 16 أبريل 2016، مع مجلة بلومبيرغ الاقتصادية، حين قال: “نحن نؤمن أن لدى النساء حقوقًا في الإسلام لم يحصلن عليها بعد”، في حين كانت أكثر تلك الإشارات بروزًا حين عرض بعدها بأيام في 25 أبريل 2016، “رؤية المملكة 2030″، وهي الرؤية التي كفلت المساواة بين جميع المواطنين من كلا الجنسين؛ إذ أشار بوضوح إلى أنه لا يمكن للمملكة العربية السعودية أن تزدهر في ظل الحد من حقوق نصف المجتمع، في إشارة منه إلى الحقوق المسلوبة من المرأة السعودية.
كفلت رؤية الأمير محمد بن سلمان تسارع وتيرة الإصلاح الاجتماعي، وكان من أهم تلك الإصلاحات رفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارة وزيادة نسبة مشاركتها في سوق العمل، واتخاذ إجراءات مهمة لإسقاط نظام الولاية على المرأة، وهو النظام الذي كان سببًا في تحجيم دور المرأة السعودية على مدى عقود طويلة، خاصة منذ نهاية سبعينيات القرن العشرين.
إن النساء السعوديات مع الأمير محمد بن سلمان أصبح لديهن حقوق جديدة؛ إذ بات بإمكانهن الانضمام إلى السلك العسكري السعودي، وحضور الحفلات والأحداث الرياضية، وتقلد مناصب حكومية رفيعة. كل هذه الإصلاحات دفعت مراكز الفكر والأبحاث وكبرى الصحف العالمية والمنظمات الأممية إلى وصفها بأنها خطوات واسعة وغير مسبوقة في تاريخ المملكة العربية السعودية، وأنها ستؤثر جذريًا في حياة المرأة السعودية. في حين وصفت الأمير محمد بن سلمان بأنه: “أحد أكثر القادة السعوديين ديناميكية”.
طفرة تشريعية
تشهد المملكة مع الأمير محمد بن سلمان طفرة ملحوظة فيما يخص المنظومة التشريعية؛ إذ تسير البلاد وفق خطوات جادَّة نحو تطوير البيئة التشريعية، من خلال استحداث وإصلاح الأنظمة التي تحفظ الحقوق وتُرسِّخ مبادئ العدالة والشفافية وحماية حقوق الإنسان وتحقِّق التنمية الشاملة، وتعزِّز تنافسية المملكة عالميًا من خلال مرجعيات مؤسسية إجرائية وموضوعية واضحة ومحددة.
وفي هذا الصدد، أعلن سمو ولي العهد عن أربعة مشروعات أنظمة تعمل الجهات ذات العلاقة على إعدادها، وهي: مشروع نظام الأحوال الشخصية، ومشروع نظام المعاملات المدنية، ومشروع النظام الجزائي للعقوبات التعزيرية، ومشروع نظام الإثبات الذي أقره مجلس الوزراء في ديسمبر الماضي. ووعد سمو الأمير محمد بن سلمان أن هذه المشروعات ستكون بمثابة موجة جديدة من الإصلاحات، التي ستُسهم في إمكانية التنبؤ بالأحكام ورفع مستوى النزاهة وكفاءة أداء الأجهزة العدلية وزيادة موثوقية الإجراءات وآليات الرقابة؛ كونها ركيزة أساسية لتحقيق مبادئ العدالة التي تفرض وضوحَ حدود المسؤولية، واستقرار المرجعية النظامية بما يحدُّ من الفردية في إصدار الأحكام. ولتبيان أهمية هذه المشروعات، يكفي الإشارة إلى أن عدم وجود هذه التشريعات كشف عن تباين في الأحكام وعدم وضوح في القواعد الحاكمة للوقائع والممارسات، ما أدى إلى طول أمد التقاضي الذي لا يستند إلى نصوص نظامية، علاوة على ما سبَّبهُ ذلك من عدم وجود إطار قانوني واضح للأفراد وقطاع الأعمال في بناء التزاماتهم.
نحو نهضة ثقافية وفنية
ليس من باب المبالغة القول إن سمو الأمير محمد بن سلمان أعاد الحياة إلى الثقافة والفنون في المملكة، عبر مجموعة من القرارات والسياسات التي لاقت قبولاً شعبيًا لا يُضاهى. توافقت هذه القرارات مع رغبة سمو الأمير الشاب في تحقيق انفتاح مجتمعي بما يساهم في تفجير الطاقات والإبداعات الكامنة في المملكة، مثل قرارات منح التراخيص لفتح دور للسينما في السعودية بعد أربعين عامًا من المنع، وتسارع عجلة إنتاج الأعمال الفنية بمختلف أشكالها وتنظيم المهرجانات الفنية. وكذلك إنشاء الهيئة العامة للترفيه، صاحبة النجاح الكبير الذي حققته وتحققه منذ تأسيسها، بإقامة حفلات غنائية وترفيهية في المملكة على نحو مستمر.
كذلك لا ننسى – بالطبع – قرار إطلاق عدد من الهيئات الثقافية دفعة واحدة في فبراير 2020، لتهتم من جانب بالموروث الثقافي السعودي الذي تعمل على حفظه ونشره على الصعيد الوطني والإقليمي والعالمي بعد أن كان مغيبًا في المملكة، ومن جانب آخر لتؤسس قطاعات ثقافية للمساهمة في التنويع الاقتصادي. ومن هذه الهيئات: هيئة التراث، وهيئة المتاحف، وهيئة الأفلام، وهيئة الموسيقى، وهيئة المكتبات.
محاربة التطرف والإرهاب
لم يكن القضاء على التطرف داخل المملكة في عام 2017، خيارًا مطروحًا من الأساس، ولا السيطرة عليه أمرًا واردًا؛ ذلك أنه كان قد استشرى وقوي عوده بشكل كبير حتى وصل السعوديون إلى مرحلة يهدفون فيها في أفضل الأحوال إلى التعايش مع هذه الآفة. كل ذلك تغير بمجرد أن وعد سمو الأمير محمد بن سلمان بمحاربة التطرف والإرهاب، فتمكَّنت الحكومة السعودية خلال سنة واحدة، من القضاء على مشروع أيديولوجي صُنع على مدى 40 سنة.
اتخذ سمو الأمير محمد بن سلمان خطوات عديدة لمحاربة التطرُّف في المملكة، وأثمرت سياسة الأمير بأن أصبحت ثقافة التشدُّد في المملكة في انحسار، لصالح تعاليم الإسلام الحقيقية الضامنة لثقافة التعدُّدية الفكرية، المنفتحة على العالم، وعلى جميع الأديان، وعلى جميع التقاليد والشعوب.
انطلق سمو الأمير محمد بن سلمان في حربه على التطرف والإرهاب، من قاعدة وقناعة راسختين، بأن التشدد هو حالة غير عادية وغير طبيعية دخلت على المجتمع السعودي، وبدأت بنشر الإسلام غير المعتدل، من خلال سيطرتها على التعليم في المملكة، بعد أن أصبحت مدارس المملكة ساحة نشاط تعرضت للغزو من جماعات متشددة، من بينها الإخوان المسلمون، بالتزامن مع الثورة في إيران.
كان سمو الأمير محمد بن سلمان يعلم أن الحرب على الإرهاب والتطرف لا تقتصر فقط على الجانب الأمني، بل كان يراها الأسهل؛ في حين يتمثل أصعب ما في تلك الحرب في مواجهة الأفكار. من هنا، أطلق سمو ولي العهد مركز الحرب الفكرية التابع لوزارة الدفاع، لمواجهة جذور التطرف والإرهاب، ونشر ثقافة التسامح التي يدعو لها الإسلام. وافتتح خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان، المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف في الرياض، بحضور الرئيس الأميركي السابق “دونالد ترمب” وجمع من رؤساء الدول حول العالم، وهو مركز عالمي يخدم جميع دول العالم، ويُعنى بمحاربة التطرف فكريًا وإعلاميًا ورقميًا، وتعزيز قيم التعايش والتسامح بين الشعوب، وينشر بجميع اللغات حول العالم.
مكافحة الفساد
جهود سمو الأمير محمد بن سلمان لم تتوقف عند محاربة الإرهاب والتطرف، بل كانت تسير في أكثر من طريق بشكل متوازٍ بما يضمن تحقيق أكبر قدر من الإنجازات. لهذا، كانت معركة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بالتوازي مع حربه على الإرهاب، هي الحرب على الفساد، وترسيخ قيم النزاهة والأمانة والموضوعية والحياد والشفافية.
“لن ينجو أي شخص تورط في قضية فساد أيًّا كان، لن ينجو متورط (وزيرًا كان أو أميرًا)”.. بهذه الجملة أعلن سمو الأمير حربه ضد العدو الأخطر داخل المملكة. لم يكن كلام الأمير مجرد شعارات، بل رؤية كاملة وقادرة على محاربة الفساد واقتلاع جذوره من كافة القطاعات المختلفة، عبر تكريس نهج الشفافية والمكاشفة.
كانت الأرقام تقول إن الفساد يستهلك 5% إلى 15% من ميزانية الدولة، ما يعني أداء 5% إلى 15% أسوأ على أقل تقدير في مستوى الخدمات والمشاريع وعدد الوظائف وما إلى ذلك. ليس فقط لسنة أو سنتين، ولكن تراكميًا على مدى ثلاثين سنة. من هنا، كان توصيف سمو الأمير محمد بن سلمان لهذه الآفة بأنها “العدو الأول للتنمية والازدهار وسبب ضياع العديد من الفرص الكبيرة في المملكة” من أصدق وأهم ما قيل.
ساعدت هذه القناعة الراسخة لدى الأمير الشاب في السعي نحو اقتلاع الفساد من جذوره، وبات مجرد التفكير في الفساد في المملكة من الماضي، مع توعد سمو ولي العهد بأنه لن يتكرر بعد اليوم على أي نطاق كان دون حساب قوي ومؤلم لمن تسوِّل له نفسه، كبيرًا أو صغيرًا.
نتائج حملة مكافحة الفساد كانت واضحة للجميع، إذ بلغ مجموع متحصلات تسويات مكافحة الفساد 247 مليار ريال في ثلاث سنوات، بما يمثل 20% من إجمالي الإيرادات غير النفطية، بالإضافة إلى أصول أخرى بعشرات المليارات تم نقلها لوزارة المالية.
المصلحة السعودية أساس السياسات الخارجية
كان لسمو الأمير محمد بن سلمان نهجًا واضحًا في التعامل مع ملفات السياسة الخارجية، منهج عنوانه الواضح والصريح هو “المصلحة السعودية”. وفي ظل تعزيز المملكة لتحالفاتها مع جميع شركائها حول العالم بما يخدم مصالحها، تقف الرياض ثابتة دون الإخلال باستقلاليتها وسيادتها في إدارة شؤونها الداخلية، وعدم السماح بأي تدخلات أو تجاوزات دولية، مستندة في ذلك على ميثاق الأمم المتحدة القائم بعد الحرب العالمية الثانية، الذي لا يسمح بالتدخل في شؤون الدول الأخرى.
تتمتع المملكة بعلاقات استراتيجية مختلفة ومتنوعة لا تخلو من نقاط تباين، إلا أنها لم تؤثر على كونها علاقة استراتيجية طويلة الأمد وتصب مصالحها على كل الأطراف بشكل متماثل.
ويؤكد سمو ولي العهد دومًا أن المملكة لا تقبل الضغوط الخارجية من أي دولة مهما كانت العلاقة معها قوية واستراتيجية، كالولايات المتحدة على سبيل المثال. ويملك سمو الأمير مفهومًا فريدًا لمعنى العلاقة الاستراتيجية، فعلى سبيل المثال، العلاقات السعودية الأميركية استراتيجية وتاريخية، لكنها قائمة في الأساس على تبادل المصالح. لهذا، استشهد سمو الأمير محمد بن سلمان بأهمية النفط السعودي في المساهمة بخلق نمو اقتصادي أميركي يجعلها اليوم أحد أقوى اقتصاديات العالم؛ إذ منحت المملكة عقد امتياز النفط السعودي (عام 1933) للولايات المتحدة، وفي حال تم إعطاء العقد لبريطانيا في وقتها لكان وضع أميركا اليوم مختلفًا.
وتسعى المملكة حاليًا لتعزيز وخلق شراكات جديدة مع روسيا والصين والهند، ويؤكد سمو الأمير محمد بن سلمان أن المملكة تعمل على صنع شراكات جديدة بما يخدم مصالح السعودية. وفي هذا السياق، عزز سمو ولي العهد علاقات المملكة الاستراتيجية مع بكين خلال السنوات الأخيرة وشملت مختلف أوجه التعاون والتطور، وكانت العلاقات الاستراتيجية الهندية السعودية ملتزمة بالسلام والاستقرار، إذ تجاوزت المصالح الاقتصادية والتجارية لتصل إلى محاربة الإرهاب والعنف والتطرف.
مدير عام مركز سمت للدراسات، وكاتب سعودي*
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر