اتفاق بريطاني أميركي لمكافحة الإرهاب عبر الإنترنت.. هل ينجح؟ | مركز سمت للدراسات

اتفاق بريطاني أميركي لمكافحة الإرهاب عبر الإنترنت.. هل ينجح؟

التاريخ والوقت : الخميس, 4 أغسطس 2022

منير بن وبر

 

وقعت المملكة المتحدة، والولايات المتحدة، اتفاقية ثنائية تمكِّنهما من الوصول إلى بيانات وسائل التواصل الاجتماعي، ومعلومات الهاتف لمعالجة الجرائم الكبرى، بما في ذلك الإرهاب. ومن المزمع دخول الاتفاقية الجديدة حيز التنفيذ بحلول أكتوبر، من العام الجاري؛ ويُتوقع أن تساهم في تمكين الدولتين من إجراء تحقيقات أكثر فاعلية في الجرائم الكبرى.

لقد أوجد الإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي، ساحة معركة جديدة للإرهابيين والعصابات الإجرامية، ليس ضد دولهم فقط، بل أي دولة من دول العالم، في ظلِّ غيابٍ تام للحدود في عالم الإنترنت.

تستغل الجماعات الإرهابية القدرة على إخفاء الهوية في العالم الرقمي لترويج قضيتها، وتجنيد مقاتلين جدد، وجمع الأموال. تستخدم العصابات الإجرامية هذه الأدوات نفسها لاستهداف الضحايا والتهرّب من القانون، والعمل دولياً، وغسل الأموال دون الكشف عنها.

تُعتبر اتفاقية الوصول إلى البيانات (Data Access Agreement) الموقعة حديثاً بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة الأولى من نوعها. وسوف تسمح للمحققين في كلتا الدولتين بالوصول بشكلٍ أفضل وأسرع إلى البيانات المهمة لمكافحة الجرائم الخطيرة. تسمح الاتفاقية للشركات الخاضعة للولاية القضائية الأمريكية بمشاركة المعلومات التي لا يُسمح لها حالياً بمشاركتها بموجب القانون الأمريكي.

استغلال الإنترنت من قبل الإرهابيين والمجرمين

غيَّر الإنترنت طريقة تواصل الجماعات الإرهابية والجماعات الإجرامية. لم يعد من الضروري أن يكون لهذه المجموعات وجودٌ محسوس في مجتمعاتنا، من أجل ارتكاب جرائمهم أو نشر التهديدات أو خطاب الكراهية؛ يمكنهم القيام بذلك من أي مكان في العالم بنقرة زرٍ واحدة.

يعني ذلك أنه حتى لو فقدت الجماعات الإرهابية سيطرتها على الأراضي، فإن نشاطها سوف يستمر على الإنترنت، ربما حتى بتأثير أكبر؛ بسبب القدرة على الوصول إلى جمهورٍ أوسع، وإلهام المهاجمين الفرديين (الذئاب المنفردة).

استخدمت المنظمات الإرهابية وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الدعاية وجمع الأموال والتخطيط للهجمات. استخدموا أيضاً وسائل التواصل الاجتماعي لتشجيع هجمات الذئاب المنفردة، وتطرف الأفراد. تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» هو أحد أكثر الجماعات الإرهابية نشاطاً على الإنترنت. استخدم داعش وسائل التواصل الاجتماعي لنشر رسالته، وتجنيد أعضاء جدد من جميع أنحاء العالم، وتنفيذ الهجمات، كما أنهم يستخدمون التشفير لتجنب اكتشافهم من قبل السلطات.

الإنترنت أرض خصبة أيضاً لشبكات الجريمة. تستغل الجماعات الإجرامية الإنترنت لشراء وبيع البضائع غير القانونية، مثل المخدرات والأسلحة. يمكنهم أيضاً المشاركة في الجرائم الإلكترونية، مثل اختراق أجهزة الكمبيوتر، وسرقة المعلومات الشخصية. يمكن أن يتعاون المجرمون والإرهابيون لتبادل المنفعة أو تحقيق أهداف مشتركة أيضاً.

تستغل مثل تلك الجماعات القدرة على إخفاء الهوية لتجنب الكشف عنها. وفقاً لوزارة الداخلية في المملكة المتحدة، في تعليقٍ لها حول الاتفاقية الموقعة حديثاً، فإن الاتفاق “سيضمن أن المجرمين لا يستطيعون إخفاء بياناتهم وراء حواجز الخصوصية، لإخفاء أنشطتهم الإجرامية”.

جهود مكافحة الجريمة والإرهاب على الإنترنت

زيادة النشاط الإرهابي عبر الإنترنت فرض تحدياتٍ أكبر على وكالات إنفاذ القانون والاستخبارات لتتبع الهجمات الإرهابية ووقفها. لكن، بالنظر إلى خطورة الجماعات الإرهابية وجماعات الجريمة، فإن الدول والجهات المختصة سعَت لتطوير أساليب جديدة لمكافحة الإرهاب.

إحدى أكثر الطرق فاعلية المستخدمة في مكافحة الإرهاب والجريمة، عبر الإنترنت، هي مراقبة المواقع ومنصات التواصل الاجتماعي المعروفة باستخدامها من قبل الإرهابيين. والعمل مع شركات التواصل الاجتماعي لإزالة المحتوى الذي يحرِّض على العنف أو يروج للإرهاب. من خلال تتبع حركة الأشخاص والأفكار عبر الإنترنت، يمكن لأجهزة تطبيق القانون تحديد التهديدات المحتملة وإحباط الهجمات قبل حدوثها.

هناك طريقة أخرى يتم استخدامها بشكلٍ متكرر؛ وهي ما يعرف بـ«التنقيب عن البيانات». يتضمن ذلك استخدام البرامج لفحص كميات كبيرة من البيانات للعثور على الأنماط التي قد تشير إلى نشاطٍ إرهابي. يتم استخدام هذه التقنية بشكلٍ كبير خلال السنوات الأخيرة، مما أدى إلى منع العديد من الهجمات الكبرى في عدد من دول العالم، وإنقاذ العديد من الضحايا المُحتملين.

اتفاق الوصول إلى البيانات

تعمل العديد من شركات التواصل الاجتماعي ضمن الولاية القضائية الأمريكية، يحظر قانون الولايات المتحدة على هذه الشركات مشاركة بيانات معينة استجابةً لطلبٍ مُقدّم مباشرة من حكومة أجنبية. وهذا يعني أنه لا يمكن للدول الأجنبية الحصول على البيانات التي قد تكون ضرورية؛ لإجراء تحقيق يخص أمنها. وفي تطورٍ لافت وفريد، سعَت الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، لإزالة هذا العائق من خلال اتفاقية الوصول إلى البيانات.

وفقاً لوزارة الداخلية، فإن قانون “الوصول إلى البيانات”الجديد سيوفر للسلطات العامة ذات الصلة في المملكة المتحدة والولايات المتحدة إمكانية الوصول عبر الحدود في الوقت المناسب، وبطريقة قانونية وفعالة، إلى البيانات؛ بغرض منع واكتشاف والتحقيق في الجرائم الأكثر خطورة ومقاضاة مرتكبيها.

يُذكر أنه توجد بالفعل آليات تسمح بتقديم طلبات من حكومةٍ إلى حكومة للحصول على البيانات، إلا أنها تتسم بالبطء الشديد، وغالباً ما تستغرق عدة أشهر حتى تكتمل.

في مثل هذه الحالات، تصبح الشرطة والأجهزة الأمنية عاجزة عن التحقيق بشكلٍ أسرع، وفي نفس الوقت، يؤدي إلى استمرار المجرمين والإرهابيين في نشاطهم، وربما حتى استمرار الأذى ووقوع الضحايا.

ضرورة زيادة الوعي المجتمعي والجهود الدولية

تقوم الجماعات الإرهابية والمتطرفة بإنتاج مواد دعائية مقصودة؛ لنشر التطرف وإلهام الأفراد وتحريضهم على العنف، كما يقدمون الإرشادات والدروس الخاصة بصناعة المتفجرات وتنفيذ العمليات. ساعدت تلك الإنتاجات في إقناع العديد من الأفراد من جميع أنحاء العالم بالسفر والانضمام إلى جماعات، مثل داعش والقاعدة. كما ألهمت آخرين لشنِّ هجماتٍ مميتة في أوطانهم.

لا يتطلب نشر المواد الدعائية على الإنترنت الكثير من العناء من الجماعات الإرهابية والمتطرفة. وبما أنه سيكون هناك دائمًا من يتلقى تلك الدعاية؛ فقد لعب أولئك المتلقون أيضاً دوراً في زيادة الترويج لمواد الدعاية المتطرفة، من خلال إعادة نشرها أو إرسالها بشكلٍ شخصي، أو حتى التحدث عنها مع الآخرين.

لذلك، ومع تنامي تهديد الإرهاب، يجب أن تزداد كذلك الأساليب المستخدمة لمكافحته. بمساعدة التكنولوجيا، يمكن أن تصبح وكالات إنفاذ القانون والاستخبارات مجهزة بشكلٍ أفضل لتعقب الإرهابيين وإيقافهم، قبل أن يتمكنوا من تنفيذ مخططاتهم الخبيثة.

يستلزم تنامي التهديد كذلك مزيداً من التعاون بين الدول في مجال مشاركة المعلومات، ومراقبة تحرك الأفكار والاتجاهات. ولتقليل العبء على الدول؛ يجب العمل أيضاً داخلياً لزيادة الوعي المجتمعي، يشمل ذلك -على سبيل المثال لا الحصر- مراقبة نشاط الأبناء على الإنترنت، وعدم مشاركة المعلومات الخاصة عبر الإنترنت، وتعلم ومعرفة سلوكيات وبرمجيات الاستخدام الآمن للإنترنت، إضافة -وقبل كل شيء- إلى التوعية بخطورة الجماعات الإرهابية والمتطرفة، وما تحمله من أفكارٍ هدّامة للحضارة البشرية ككل، وليس للوطن الصغير فحسب.

 

المصدر: كيو بوست

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر