سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
دان شتاينبوك
على مدى العقد الماضي، تأثرت الآفاق الاقتصادية العالمية بسبب تراجع التجارة العالمية والاستثمار والهجرة، إلى جانب المعاناة غير المبررة لأكثر من 100 مليون نازح على مستوى العالم، إن ما يجري إنما هو مقدمة لمستقبل عصيب.
لقد استفادت الاقتصادات المتقدمة بشكل رئيس من موجة العولمة التي أعقبت حقبة الحرب الباردة. فبعد عام 1980، اقتحمت بعض البلدان النامية الكبيرة، ولا سيما الصين، الأسواق العالمية للسلع والخدمات المصنعة، مع اجتذاب رأس المال الأجنبي. وقد توازى عصر العولمة هذا مع الركود الذي أصاب الاقتصاد العالمي في عام 2008. ومع تراجع التعاون بين مجموعة العشرين فيما بعد، تضاءلت آفاق النمو العالمي أيضًا.
بين عامي 2008 و2016، ساءت أوضاع الاختلالات العالمية بشكل مطَّرد وذلك نتيجة لزيادة التمييز التجاري. فلم تظهر بعض علامات الانتعاش التجاري إلا في عام 2017.
ومع ذلك، تلاشت تلك الفرصة التاريخية مع الحروب التجارية الأميركية، تلتها موجات من جائحة كوفيد-19، والكساد العالمي الناتج عن ذلك، بالإضافة إلى الحروب الباردة الناشئة. وغالبًا ما يُقاس التكامل الاقتصادي العالمي بالتجارة العالمية والاستثمار والهجرة، وذلك رغم إمكانية إضافة التكنولوجيا والتمويل إلى القائمة.
هنا يبرز التساؤل حول التأثيرات المتراكمة خلال العقد الماضي، حيث تدهورت التجارة والاستثمار، وتباطأت الهجرة والنزوح العالمي.
تراجع التجارة العالمية
لقد خرجت المكاسب العابرة لحالة الهدنة، التي شهدتها العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، عن مسارها بسبب الوباء العالمي الذي أدى إلى انكماش تجارة الخدمات والسلع بنسبة 30% بمنتصف عام 2020. وقد تضررت المكاسب اللاحقة بسبب موجات جديدة من المتغيرات الوبائية وتدهور المشهد الاقتصادي الدولي.
في العام الماضي، توقعت منظمة التجارة العالمية أن ينمو حجم تجارة البضائع العالمية بنسبة 10.8%، ثم أعقبه ارتفاع بنسبة 4.7% في عام 2022. لكن من غير المرجح أن تتحقق هذه التوقعات حتى قبل الأزمة الأوكرانية.
لم تستمر أحوال التقدم الذي تحقق عام 2008، فقد تراجعت التجارة كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى المستوى الذي كانت عليه قبل أكثر من 15 عامًا. وقد أخرجت الجغرافيا السياسية احتمالات الانتعاش العالمي عن مسارها قبل وقت طويل من تفشي الوباء، بسبب الحمائية والحروب الباردة الجديدة، التي تفاقمت بفعل العقوبات الروسية.
إغراق الاستثمار العالمي
قبل الأزمة التي شهدها العام في عام 2008، شهدت الاستثمارات العالمية قفزة إلى ما يقرب من تريليوني دولار. لكن الانتعاش المأمول أثبت أنه حلم بعيد المنال وذلك بسبب حروب الرسوم الجمركية وجائحة كوفيد-19. إن الاقتصادات ذات الدخل المرتفع أدت دورًا حاسمًا في تدفقات الاستثمار العالمي إلى الداخل. ومع ذلك، وحتى قبل الأزمة الأوكرانية، فقد شهد الاستثمار العالمي تراجعًا إلى المستوى الذي وصل إليه في أواخر التسعينيات.
وفي عام 2020، انخفضت التدفقات العالمية للاستثمار الأجنبي المباشر بمقدار الثلث لتصل إلى تريليون دولار. وهو ما يعد أقل من أدنى مستوى سجلته أزمة عام 2008، فضلاً عن نصف الاستثمار العالمي في عام 2007. بجانب ذلك، فقد انعكست عقود من التقدم في سنوات قليلة فقط.
العولمة تتقوض والهجرة تتباطأ
في هذا الإطار كانت الاقتصادات الأشد فقرًا هي الأكثر تضررًا، وهو ما قد نشهده قريبًا. وعلى مدى العقدين الماضيين، ارتفع عدد المهاجرين بين الدول إلى 281 مليون شخص. ومع ذلك، فقد تباطأت الهجرة العالمية منذ عام 2008، لا سيما في الاقتصادات المتقدمة. ونتيجة لوباء كوفيد-19، فقد زاد عدد المهاجرين الدوليين بمقدار مليونين فقط؛ وهو ما يعد أقل مما كان متوقعًا بحلول منتصف عام 2020. ولنضع هذه الأرقام في سياقها التاريخي، فبين عامي 1870 و1914، هاجر حوالي 10% من سكان العالم بحثًا عن حياة أفضل. وفي حين أن العدد المطلق للمهاجرين بين العالم قد تضاعف ثلاث مرات في نصف القرن الماضي، فإن حصتهم النسبية ظلت أقل من 2% حتى عام 2010، بينما تقدر اليوم بنسبة 3.6% من سكان العالم؛ أي ثلث ما كان عليه قبل قرن من الزمان.
انفجار النزوح العالمي
بينما تتباطأ تدفقات الهجرة أو يتم حظرها، فقد انفجر عدد النازحين عالميًا، حيث تضاعف بسبب الحروب التي أعقبت 11 سبتمبر والتدخلات الخارجية منذ ما يسمى بالربيع العربي، الذي اعتبره الغرب في البداية مقدمة “لإرساء الديمقراطية” في الشرق الأوسط. وهو ما يشبه إلى حدٍ ما الحالة التي تشهدها أوكرانيا اليوم.
ونتيجة لذلك، فقد تضاعف عدد النازحين قسرًا في العقد الماضي. ومن المتوقع أن تؤدي الأزمة الأوكرانية وحدها إلى نزوح ما يصل إلى 6.7 مليون شخص داخليًا و4 ملايين نازح في الخارج.
ورغم قيود التنقل التي فرضتها جائحة كوفيد-19، فإن الرقم الإجمالي تجاوز 92 مليونًا في نهاية عام 2021، وارتفع مؤخرًا إلى أكثر من 100 مليون.
وبعبارة أخرى، فإن عدد النازحين على مستوى العالم قد زاد عن الضعف عما كان عليه بعد الحربين العالميتين، خلال أحداث الهولوكوست وهيروشيما وناجازاكي في عام 1945. فإذا كان ذلك نتيجة لحالة الاسترخاء، فإن المرء قد يفاجأ بشدة من تأثير ظروف الحرب التي شهدتها أوائل القرن الحادي والعشرين.
مقدمة لمستقبل أكثر قتامة
في نصف العقد الماضي، بلغت تكاليف الفرص الضائعة تريليونات الدولارات. وبالنظر إلى أخطاء السياسة المستمرة، فإن الأسوأ قد بات يلوح في الأفق. وعليه، فإن سيناريوهات النمو التي كانت تبدو محتملة في أوائل عام 2022 لن تتحقق لأنها كانت متوقعة في خريف 2021، وذلك عندما هدأت حالة الهدنة التي شهدتها الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، حيث لم يكن النزاع في أوكرانيا قد اندلع.
وحتى الآن، لم يتحقق إطلاق العقوبات التي تستهدف واحدًا من أكبر الاقتصادات في العالم، وأكبر منتج للغاز الطبيعي وثالث أكبر منتج للنفط. إذ لم يشرع مجلس الاحتياطي الفيدرالي في رفع أسعار الفائدة والتضييق الكمي، وهو ما سيؤدي إلى سنوات ضائعة في الغرب وضياع عقود في جنوب الكرة الأرضية.
فلطالما ظلت السياسات الحالية سارية في الغرب، فإن العقوبات قد تؤدي إلى تقويض النمو الأميركي، وزعزعة استقرار الاقتصاد الروسي، ومعاقبة منطقة اليورو، فضلا عن تباطؤ النمو الصيني. إن كل ذلك سيؤدي إلى تأثير سلبي على الآفاق الاقتصادية في جنوب وجنوب شرق آسيا.
غير أن الجنوب العالمي هو من سيدفع معظم الفاتورة فيما يتعلق بالتكاليف الاقتصادية، كما ستتأثر حياة الإنسان. وكلما طال هذا الركود غير المبرر، زاد احتمالات تحول الحروب الباردة الحالية إلى حروب ساخنة، وذلك على حساب الأجيال القادمة أو حتى كوكبنا. إن ذلك يعد شيئًا قد لا يريده أحد. لكن النتيجة النهائية للسياسات تبدو قصيرة النظر في الغرب.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: China US Focus
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر