تُعد روسيا وأكرانيا من بين أهم منتجي السلع الزراعية في العالم، وللدولتين أهمية خاصة في مساهمة قطاع الحبوب من الإنتاج العالمي، فكلاهما مصدران صافيان للمنتجات الزراعية، وكلاهما يلعبان أدوارًا رائدة في تزويد الأسواق العالمية بالمواد الغذائية، وبالتحديد بالنسبة للشعير والقمح والذرة؛ إلا أن الاضطرابات الناجمة عن الحرب أدت إلى تعرض أسواق الغذاء العالمية لمخاطر متمثلة في ضعف القدرة على تلبية الطلب على الواردات وارتفاع أسعار المواد الغذائية الدولية، وهو ما دفع الدول المستوردة للبحث عن بدائل أخرى (مثل الهند والأرجنتين) لسد احتياجاتها من السلع الغذائية والحبوب وخاصة محصول القمح.
تطور إنتاج وصادرات روسيا وأوكرانيا من القمح
برزت روسيا في المركز الثالث ضمن أكبر منتجي القمح عالميًا خلال عام 2020/2021 بعد الصين والهند وبحجم إنتاج بلغ نحو 85 مليون طن متري، أما أوكرانيا فقد جاءت في المركز الثامن عالميًا وبحجم إنتاج سجّل حوالي 25 مليون طن متري، إلا أن صادرات روسيا من القمح شكّلت 17.6% من إجمالي صادرات القمح العالمية لتأتي بذلك روسيا في مقدمة الدول المصدرة للقمح عالميًا وبحجم صادرات بلغ نحو 39 مليون طن متري أي ما قيمته (7.9 مليارات دولار أمريكي). أما أوكرانيا فقد بلغ حجم صادراتها 16.9 مليون طن متري وبقيمة بلغت 3.6 مليارات دولار أمريكي وذلك عام 2020/2021، وفقًا لوزارة الزراعة الأمريكية.
وفيما يتعلق بإنتاج وصادرات البلدين من القمح خلال العام الحالي 2021/2022، فإنه يتوقع أن يتراجع إنتاج روسيا من القمح ليبلغ نحو 75 مليون طن متري، وفي المقابل يتوقع ارتفاع إنتاج أوكرانيا بالرغم من الحرب لتسجّل 33 مليون طن متري، أما حجم الصادرات فستتراجع أيضًا في روسيا لتصل إلى 33 مليون طن متري، إلا أن صادرات أوكرانيا ستزيد لتصل إلى 19 مليون طن متري، ويمكن متابعة تطور إنتاج وصادرات روسيا وأوكرانيا من القمح من خلال الأشكال التالية:
وكان من المرجح أن يبدأ موسم حصاد القمح الشتوي في أوائل يوليو في أوكرانيا، لكن بسبب الحرب، من المرجح أن تظل ما بين %20 و30% من المناطق التي تزرع فيها المحاصيل الشتوية دون حصاد خلال موسم 2022/2023، وسيحدد مدى توفر الوقود مقدار المساحات التي يمكن حصادها وتخزين غلة المحاصيل.
وبشكل عام، يعتمد أكثر من 30 مستوردًا صافيًا للقمح على البلدين في سد أكثر من 30% من احتياجات استيراد القمح. فعلى سبيل المثال، حصلت إريتريا على كامل وارداتها من القمح في عام 2021 من كل من روسيا (53%) وأوكرانيا (47%).
أهم الدول البديلة المنتجة والمصدرة للقمح
على الرغم من أن الصين والهند في مقدمة الدول المنتجة للقمح عالميًا بمساهمتهما بـ17.3% و13.9% من إجمالي الإنتاج العالمي من القمح على التوالي عام 2020/2021، ليبلغ حجم إنتاج الصين من القمح 134.25 مليون طن، أما الهند فقد بلغ إنتاجها من القمح 107.86 ملايين طن، إلا أن كلتا الدولتين تساهمان بنسب ضئيلة جدًا (الصين:0.45% والهند: 1.3%) من إجمالي صادرات الدول المنتجة للقمح عالميًا، أي ما يعادل 0.76 و2.56 مليون طن للصين والهند على التوالي، بل إن الهند قامت بفرض قيود على الصادرات وأعلنت في مايو عن حظر تصدير القمح بعد أن أثر الطقس الحار بشكل غير معتاد على محصول القمح، واقتصرت صادراتها على الإذن الممنوح للدول الأخرى لتلبية احتياجات الأمن الغذائي الخاصة بها وبناءً على طلب حكوماتها، وبالرغم من أن الهند ليست مصدرًا رئيسيًا للقمح إلا أن القرار أدى إلى عدم استقرار الأسواق العالمية، حيث ارتفع مؤشر القمح القياسي في شيكاغو بنسبة 6٪ تقريبًا، ويمكن متابعة إنتاج وصادرات أهم الدول المصدرة للقمح بخلاف روسيا وأوكرانيا من خلال الشكل التالي:
ووفقًا للبيانات الصادرة عن وزارة الزراعة الأمريكية، فإن هناك توقعات بارتفاع الكميات المنتجة والمصدرة من القمح في كل من الأرجنتين وأستراليا والاتحاد الأوروبي، وبحسب التوقعات ستتراجع الكميات التي تنتجها وتصدرها كندا من القمح عام 2021/2022 بنحو 61.5% مقارنة بعام 2020/2021 وذلك بسبب الجفاف، إلا أنه يتوقع زيادة المساحة المزروعة في كندا لتصل إلى الحد الأقصى ليعود الإنتاج إلى المستويات المعتادة وبالتبعية ستزداد الصادرات وفقًا لتوقعات الإحصاءات الكندية عن عام 2022/2023، كما ستتراجع الكميات التي تنتجها وتصدرها الولايات المتحدة الأمريكية من القمح عام 2021/2022 وذلك لاعتبارات تتعلق بمدى انخفاض أو ارتفاع العائد النسبي للقمح والتغيرات في البرامج الحكومية التي تمنح المزارعين مرونة أكبر في الزراعة وزيادة المنافسة في أسواق القمح العالمية. ويمكن متابعة توقعات إنتاج وصادرات أهم الدول المصدرة للقمح من خلال الشكل التالي:
تأثير الحرب على صادرات القمح والكميات المنتجة عالميًا
قوضت بداية الحرب صادرات الحبوب الأوكرانية بشكل كبير، بسبب عدم الوصول إلى موانئ البحر الأسود ومحدودية وسائل النقل البديلة، مثل النقل بالسكك الحديدية أو النهري أو البري، للتعويض عن نقص الشحنات المنقولة بحرًا. وبافتراض استمرار هذه الاضطرابات المرتبطة بالحرب، تشير توقعات الفاو الأولية لعام 2022/2023 (يونيو ويوليو) إلى أن صادرات القمح الأوكراني يمكن أن تنخفض بنسبة 50% (أو ما يعادل 9 ملايين طن) مقارنة بمستويات 2021/2022 المقيدة بالفعل لتصل إلى 10 ملايين طن، وإذا حدث ذلك فإن الانخفاض المتوقع في الشحنات الأوكرانية، إلى جانب الاضطرابات المتوقعة في الإنتاج في المصادر البديلة مثل أستراليا والأرجنتين، قد يفوق الشحنات المتوقعة من الاتحاد الأوروبي وكندا وروسيا، مما يؤدي إلى انكماش تجارة القمح العالمية من مستويات 2021/2022.
ومن المتوقع أن تجد معظم البلدان التي تستورد عادةً من أوكرانيا بدائل أخرى للشراء مما يحافظ على إجمالي وارداتها بالقرب من مستويات الموسم الماضي. فعلى سبيل المثال، من المتوقع أن تشهد واردات مصر (أكبر مستورد عالمي للقمح) زيادة طفيفة في 2022/2023، مدعومة بالتدابير الحكومية المتخذة لتسهيل الواردات من مصادر أخرى، بما في ذلك الأرجنتين والهند.
وبالنسبة لإيران (خامس أكبر مستورد للقمح في العالم في عام 2021/2022) التي تستورد في المتوسط أكثر من 60% من وارداتها من القمح من أوكرانيا وروسيا خلال 2016/2017 – 2020/2021، فمن المتوقع أن تنخفض واردات إيران من القمح بنسبة 57% على أساس سنوي في عام 20122/2023.
وبحسب وزارة الزراعة الأمريكية، تتمثل التوقعات العالمية للقمح لعام 2022/2023 في انخفاض الإمدادات، وانخفاض الاستهلاك، وانخفاض التجارة بشكل جزئي، وانخفاض طفيف في المخزونات النهائية، كما أنه تراجعت إمدادات الأسواق العالمية بالقمح بمقدار 1.7 مليون طن لتصل إلى 1052.8 مليون، حيث ستؤدي زيادة إنتاج روسيا من القمح إلى تعويض انخفاض إمدادت القمح من الهند، والذي انخفض بمقدار 2.5 مليون طن إلى 106.0 ملايين طن، حيث أدت درجات الحرارة القصوى في مارس وأبريل إلى انخفاض الغلة أثناء تعبئة الحبوب، كما عزمت الحكومة على تقييد الصادرات إلى بعض الوجهات لضمان الإمدادات المحلية الكافية.
ومن المتوقع أن تنخفض التجارة العالمية في عام 2022/2023 بمقدار 0.3 مليون طن إلى 204.6 مليون، حيث لم يتم تعويض انخفاض الصادرات من الهند بشكل كامل من خلال زيادة الصادرات من روسيا وأوزبكستان.
وتم رفع إنتاج روسيا 1.0 مليون طن إلى 81 مليون طن مع كل الزيادة في القمح الشتوي في ظل الظروف المناخية المواتية بشكل عام حتى الآن، وزادت صادرات روسيا 1.0 مليون طن إلى 40.0 مليون، وبالتالي ستحقق ثاني أكبر صادرات على الإطلاق، ومن المتوقع أن ترتفع الإمدادات الروسية في 2022/2023 على اعتبار أن أسعار صادراتها أكثر تنافسية من معظم المصدرين الآخرين، وتم تخفيض المخزونات العالمية المتوقعة في 2022/2023 بمقدار 0.2 مليون طن إلى 266.9 مليون، وهو أدنى مستوى في ست سنوات.
وهناك توقعات بأن ينخفض الاستهلاك العالمي لعام 2022/2023 بمقدار 1.5 مليون طن إلى 786.0 مليونًا، وذلك بشكل أساسي على أساس انخفاض الأعلاف واستخدام المتبقي من القمح في الهند وتقليل استخدام الغذاء والبذور في الاستخدام الصناعي في كل من سريلانكا والأرجنتين.
وبالرغم من توقعات زيادة إنتاج وصادرات أهم الدول المصدرة للقمح باستثناء أوكرانيا وكندا بسبب العوامل السابق ذكرها، فإن الحرب الروسية الأوكرانية تؤثر على أسواق القمح وتذبذب أسعاره مما يشكل تحديًا أمام الدول المستوردة للقمح، وبشكل خاص منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث تهدد الحرب بدفع أسعار المواد الغذائية المتزايدة للارتفاع وتسبب صعوبة في الحصول عليه، خاصة مع عدم وصول المساحة المزروعة من القمح في أوكرانيا لمستوياتها المعهودة في ظل الحصار الروسي بجانب احتجاز كميات كبيرة من القمح في موانئ على البحر الأسود، مما دفع الدول المستوردة للقمح لبذل الجهود للحصول على القمح من بدائل أخرى كفرنسا وألمانيا أو من دول مثل كازاخستان والأرجنتين وكندا وأستراليا.