شراسة حرب المعلومات | مركز سمت للدراسات

شراسة حرب المعلومات

التاريخ والوقت : الخميس, 30 يونيو 2022

د. تركي آل رشيد

الشراسة الدموية في ميدان المعركة الروسية الأوكرانية صاحبها معركة معلومات تستهدف الشعبين الروسي والأوكراني من أجل حشد الدعم والتعاطف لكل شعب مع بلده. لم يكن لمعايير الإعلام وأخلاقياته نصيب في هذه المعركة التي هي بمثابة الحياة أو الموت.

الإعلامان الروسي والأوكراني استخدما كل الأساليب التي تهدف لكسب التأييد بغض النظر عن مصداقية الطرح. فكل طرح للإعلام الروسي ظهر نقيضه في الإعلام الأوكراني والعكس صحيح. فعندما بدأت الحرب، أطلق الروس وآلتهم الإعلامية على هذا الوقع مصطلح “عملية عسكرية” وذلك من أجل تأطير فعلهم في إطار محدود بعيدًا عن مصطلح الحرب الذي يعني الدمار العام وشل أركان الدولة المهجوم عليها. في المقابل، قابلت أوكرانيا وآلتها الإعلامية هذا الواقع بتسميته بـ”الغزو الروسي” لجعل روسيا في إطار الظالم الغازي. ثم سلط الإعلام الروسي على هذه المعركة وأشار إليها بـ”الأزمة الأوكرانية”، إشارة إلى أن أوكرانيا هي من أزمت الموقف وأنها من أطلقت شرارة الخلاف بين الطرفين وحاضنة المشكلة في ظل تمسك الأوكرانيين بمصطلح “الغزو” الذي صاحبه تأييد من قبل الإعلام الأوروبي والأميركي.

وتسليطًا للضوء على المناطق التي سيطرت عليها روسيا، سمَّى الإعلام الروسي من قام بالانقلاب على تلك المناطق بـ”الانفصاليين”، أي الذين يريدون الانفصال عن أوكرانيا، ولكن الإعلام الأوكراني أسماهم بـ”الوكلاء الروس” كمفهوم يشير إلى الخيانة وزرع روسيا لعناصر لها في الداخل الأوكراني، وهو ما يشير إلى انتهاك قوانين الدول السيادية.

أظهرت الدعاية الروسية محاولات لإنكار الوجود الأوكراني كدولة وكيف أنها كانت جزءًا محدودًا في كيان الاتحاد السوفييتي، حالها كان كحال بعض الدول المستقلة عن الاتحاد السوفييتي التي قال عن إحداها الرئيس “بوتين”: “إنها لم تكن موجودة في يوم من الأيام”. 

قابل الإعلام الأوكراني هذه الحملة الدعائية بمحتويات إعلامية تحاول موازاة دولتها وكيانها بدولة روسيا وذلك عندما أشارت الآلة الإعلامية الأوكرانية إلى أحد التفاهمات السياسية بين البلدين وقالت نصيًا: “الموقفان الأوكراني والروسي لهما منظوران متساويان” وهو المنظور المتوازي الذي لا يقبله الروس.

الدعاية والحملات الإعلامية الروسية لم تتوقف في عملية استقطاب الدول والشعوب لجعلهم في صفهم، بل واصلت عملها وأشارت إلى أن أميركا والغرب يقودان ضدهم حربًا بالوكالة في أوكرانيا. وهذا ينطبق كذلك مع الدعاية الأوكرانية وحملاتها الإعلامية التي تهدف إلى كسب التأييد والتأثير على الشعوب والرأي العام الدولي.

منظمتا “سافنتا كومريس الروسية للبحوث” و”مركز أبحاث الرأي العام الروسي VCIOM” عمِلا استطلاعًا قبل بدء الحرب لمعرفة مدى تأييد الشعب الروسي للعملية العسكرية في أوكرانيا، فوجدتا أن الأغلبية الصامتة من الروس يؤيدون الحرب بنسبة 60%. وبعد عشرة أيام من بدء الحرب ومع حشد الجهود الإعلامية الروسية لدعم موقف بلادهم، نما الدعم الشعبي لـ”بوتين” ليصل إلى 71%.

الحرب الروسية الأوكرانية يصحبها حرب معلومات بعضها صحيح والبعض مضلل، وذلك في منصات الإعلام المفتوح، وهو تكتيك رئيسي في الحرب الشاملة تكمن أهدافه في التالي:

1- خداع الناس بمظلومية بلد أو أحقية بلد.

2- زرع الشك وخلق ما يكفي من عدم الثقة في معلومات شعب الطرف الآخر في الحرب بحيث تغيب الحقائق عنهم ويتم زعزعة ولائهم تجاه دولتهم.

3- حرب المعلومات تهدف أحيانًا إلى تحويل الجناة إلى ضحايا والعكس صحيح، وهذا يظهر عندما يصور الإعلام الروسي للقتلى الأوكرانيين على أنهم نازيون جُدد أو أنهم أطراف في الناتو.

ختامًا، ما يدور في هذه الأحداث وغيرها، يعطي انطباعًا أنه أصبح لزامًا على كل دولة وضع أجهزتها الإعلامية تحت أهبة الاستعداد ومواجهة الأحداث الكبرى لكسب التأييد والدعم والحفاظ على المقدرات والمكتسبات الوطنية والحفاظ على الرأي العام الشعبي.

يقول الكاتب الأميركي “جيم مورسون”: “من يتحكم في الإعلام يتحكم بالعقل”. 

أستاذ الإعلام والاتصال المساعد*

المصدر:

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر