ما وراء الاتصال الجماهيري | مركز سمت للدراسات

ما وراء الاتصال الجماهيري

التاريخ والوقت : الثلاثاء, 28 نوفمبر 2017

عبير خالد

يشير الاتصال الجماهيري وفقًا للباحث الشهير “دينيس ماكويل” إلى: “العملية التي تنقل من خلالها منصات إعلامية محددة كالراديو، أو التلفاز، أو الجريدة، كمًا من المعلومات لجمهور كبير ومتفرق”. ونحن بدورنا كأفراد نتعرض للاتصال الجماهيري بشكل يومي ومكثف، وهذا قد يعرضنا للتأثر، أو ربَّما، عدم التأثر – هذه قضية مختلفة -، ولكن من خلال النظر لمجرّد التعرض لمحتويات تمَّ نقلها عبر الاتصال الجماهيري، نجد أن هناك أمورًا – وربَّما أدوات – لها دور مهم في الطريقة التي نتعاطى فيها كجمهور مع المحتوى، ومدى تأثرنا أو عدمه، ويمكن تلخيص هذه الأمور كالتالي:

١- الوسيط

من المهم عند النظر لأي عملية اتصال جماهيري، الاهتمام بالناقل أو الوسيط لتلك العملية، حيث إنه – غالبًا – سيكون من يمارس مهنة تشكيل المعاني، وتحديد الأدوار، وتوزيع المكانات الاجتماعية والثقافية. وهذه أمور – غالبًا – تعتمد على ما هو متعارف عليه في مكان حدوث عملية الاتصال، إلا أنها تظل قابلة للتغيير من قبل الوسيط، أو التدرج بالتغيير. إن الوساطة إذن، تؤثر في المعنى، أو حتى تُغيِّره، وهناك اتجاه متزايد نحو تغيير “الواقع” للتواكب مع متطلبات العرض الإعلامي بدلاً من العكس.

٢- الوقت

من المهم رصد أمور وقتية، مثل: “متى حدث الاتصال الجماهيري؟ وكم من الوقت استغرق حدوثه؟ وكم من الوقت كان بين وقوع الحدث وتغطيته؟”؛ إذ إن الوقت يعد عاملاً مهمًا ومؤثرًا في أي عملية اتصالية. وهذا العامل يزداد أهمية بالنظر لتقنيات الاتصال الحديثة التي سرّعت وصول المعلومات، ومكنّت الأشخاص والجهات من حفظ وقت عمليات الاتصال، أو زمن حدوثها، بدقة أكبر.

٣- المكان

حينما يحدث الاتصال في مكان معين، فهو يعكس سمات السياق الجغرافي الذي خرج منه، وبالطبع فهو يتشرّب محيط سكانه وقاطنيه. والاتصال الجماهيري أيضًا، منذ نشأة التلفاز في السبعينيات الميلادية، قارب بين الأماكن، وقلل من تعقيدات المسافة التي تفصل بين الأفراد والبلدان والثقافات. ولكن مثل الوقت، فإن القضية المكانية تزداد أهمية بالنظر للتقنيات الحديثة الإعلامية التي دمجت كل البقع الجغرافية، وفقًا لماكلوهان، في شيء يشبه “القرية العالمية”، حيث بات أي مكان في الأرض مألوفًا بالنسبة لآخرين لم يسبق لهم زيارته فعليًا، وصار تبادل المعلومات سهلًا ويسيرًا.

٤- الهوية

تشير الهوية، وفقًا للباحث الشهير “بينديكارت أندرسون”، إلى حس مشترك بالانتماء لثقافة، أو مجتمع، أو مكان، أو جماعة معينة، وتساهم في صناعة وتعزيز الهوية عدة عوامل، منها: الجنسية، واللغة، والعمل، والعرق، والدين، وأسلوب الحياة، بما في ذلك الثقافة والأدب والرموز الوطنية وغيرها. يرتبط الاتصال الجماهيري بالهوية، منذ تشكيلها وحتى المحافظة عليها، أو طمسها؛ الأمر الذي يجعله عنصرًا مهمًا في أي تغيير يتعلق بالهوية، والعكس صحيح.

٥- الهيمنة

من المهم قبل تحليل أي عملية اتصالية، النظر للمهيمنين ثقافيًا على المحتوى والإرسال والتلقي، وهذه الممارسة حللها الإيطالي “أنتونيو جرامشي” في اصطلاحه الشهير: “الهيجوموني”، حيث يصف “جرامشي” الهيمنة بأنها امتلاك ونقل المعرفة، فمن يملكون المعارف ووسائل نقلها للآخرين، ثقافيًا وإعلاميًا، يستطيعون فرض هيمنتهم، وهم – في نظر جرامشي – برجوازيون بالمعنى الكامل للكلمة. وهذا تعريف سلطوي مختلف عن ماركس الذي يختزل الهيمنة في المال، ويعتقد أن البرجوازي مهيمن بسبب ما يمتلكه ماديًا من مصانع ومنتجات لا أكثر. الاتصال الجماهيري بدوره لا يعتبر أن الهيمنة تُفرض بالإكراه، ولكنه مكوّن أساسي لا يستغني عنه أي شخص، أو قوة صاعدة، سواء بالمفهوم الماركسي المادي، أو مفهوم جرامشي الثقافي.

٦- الواقع الاجتماعي

يفترض – معياريًا – أن الاتصال الجماهيري قادر على توفير تقارير وانعكاسات للواقع الذي نعيشه، بالشكل الأقرب للحقيقة، حتى لو كان هذا الأمر بإشراف وإدارة عليا. ويمكن أيضًا القول إن الاتصال الجماهيري، يهدف إلى معرفة الأسباب، والاستقصاء، وأحيانًا عرض المشكلات ومناقشتها علنًا، والتطرق لمدى فاعليته ودوره في توفير حلول مناسبة.

٧- المعنى

يهدف الاتصال الجماهيري إلى نقل المعاني (بغض النظر عن طرق فهم المتلقين لذلك المعنى)، حيث إن هناك من يقول بأن الاتصال الجماهيري بالمفهوم الخطي (أو مفهوم الرصاصة السحرية)، لم يعد صالحًا في وقت تعدد مصادر المعلومة، وتعدد منصات الرد والنقد والتفاعل. أضف إلى ذلك، أن الاتصال الجماهيري يتأثر بتباين المعارف بين الأفراد، ومجموعات الأقليات المتعددة، وغير ذلك. وسواء كان الجمهور نشطًا في إظهار تبايناته، أو خاملاً، فإنه من المهم النظر للاختلافات بين أعضائه بهدف التنبؤ باحتمالات حدوث سوء فهم بشكل مسبق، وذلك لتجنبها أو الحد منها.

٨- الحوكمة

وهذا المصطلح، في حال استخدامه في السياق الإعلامي أو الاتصالي، يشير إلى كافة القوانين والتشريعات والقرارات التي يخضع لها الإعلام في كل مكان حول العالم. يذكر أن كل ذلك تأثر مع الثورة التقنية الحديثة بشكل أو بآخر، حيث إن عمليات الاتصال الجماهيري، باتت أقل عرضة لفلترات التشريعات وحدود القوانين، ومع ذلك يمكن القول إن كثيرًا من الالتزامات الأخلاقية تكيّفت مع المنصات الحديثة، وظلت سبل الإبلاغ عن المخالفات متاحة.

المصادر:

  • كتاب دينيس مكويل (٢٠١١): نظريات الاتصال الجماهيري. الفصل الأول.
  • كتاب بينديكارت أندرسون (٢٠٠٦): المجتمع الخيالي. المقدمة.
  • كتاب أنتونيو جرامشي (١٩٢٦): مذكرات السجن. الفصلان الأول والثاني.

مبتعثة لدراسة بكالوريوس الإعلام والاتصال، لندن*

@erov2

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر