يمكننا تشبيه الأمر بذات العمل الذي يقوم به مخترقو الأنظمة (الهاكرز)، فنحن نستغل نقاط الضعف في النفس البشرية.
مخترعو هذه الأدوات ومطوروها أمثالي ومارك زوكربيرغ وكيفن سيستروم (مؤسس إنستغرام)، طبقوا ذلك عن قصد، مدركين أن هذا الأمر يغيّر فعليا العلاقات في المجتمع، ويؤثر على الإنتاجية، وله عواقب إيجابية أخرى خطيرة على أدمغة أطفالنا.
وفي جلسة نقاش بكلية الدراسات العليا في “ستانفورد للأعمال” سنة 2017، قال المدير التنفيذي السابق في “فيسبوك”، شاماث باليهابيتيا: “تعمل حلقات التغذية الراجعة قصيرة المدى التي يحركها الدوبامين عندما يعجب شخص ما أو يعلّق على صورة أو منشور، والتي أنشأناها على تدمير طريقة عمل المجتمع وتناغمه، فلا حوار متحضر ولا تعاون، مجرد معلومات مضللة وغير صحيحة. إنها مشكلة عالمية، وأشعر بالذنب للعواقب السيئة المترتبة على استخدام أدوات التواصل الاجتماعي. إنها تفتت أسس تفاعل البشر فيما بينهم، والحل الوحيد لذلك هو التوقف عن استعمال تلك الأدوات، وهو ما فعلته منذ سنوات”.
وبيّن باليهابيتيا أن “سلوكيات المستخدمين تتغير وتتأثر بالآليات التي تعتمدها منصات التواصل. على الجميع أن يقرروا مدى استعدادهم للتخلي عن استقلاليتهم الفكرية”.
يصلح المثل القائل: “أن تأتي متأخرا أفضل من ألا تأتي أبدا” على كلام كل من باليهابيتيا وباركر، وأعتبره خطوة نحو الأمام على طريق كشف التداعيات الخطيرة للاستخدام غير المسؤول لوسائل التواصل الاجتماعي.
ويبرز هنا السؤال الأهم، هل نحن مستعدون لمقاومة ومواجهة مواقع التواصل، واستخدامها بطريقة تجعل العالم الذي نعيش فيه مكانا أفضل؟
تحاول شركات مثل “فيسبوك” و”غوغل” و”تويتر” أخيرا إصلاح عدد من المشكلات الكبيرة التي أوجدتها وساهمت في نشوئها، وإن كانت تعمل على ذلك بطريقة مجزأة، وبخطوات متواضعة بطيئة.
وهنا نتساءل، هل سبب ذلك تعرض هذه الشركات لضغوط، أم لأنهم باتوا يشعرون أن هذا هو الشيء الصحيح الذي يجب فعله؟
برأيي الشخصي، الإجابة على هذا السؤال قد تكون مزيجا من الدافعين.
تعمل هذه الشركات اليوم على تعديل سياساتها، وتوظف أشخاصا مؤهلين لمراقبة كل شيء، وتشغّل خبراء في تحليل البيانات، لابتكار “خوارزميات” تحول دون تسببها بأي مشكلات، أو وصمها بصفات غير مرغوبة.
وتغيّر مؤسسات شعاراتها القديمة، فمثلا بدلت “فيسبوك” شعارها الخاص بالمطورين والذي كان معتمدا حتى سنة 2014، وهو “تحرك بسرعة وحطم الأشياء من حولك”، واستبدلته بآخر يأخذ في الحسبان تقديم أدوات أقل خطورة للمستخدمين، وهو ما أشار إليه مارك زوكربيرغ بالقول: “غيرنا شعارنا القديم كاعتراف بأن الأدوات والخدمات الجديدة التي كنا نقدمها لم تكن مثالية، فالسرعة جعلتنا نرتكب بعض الأخطاء”.
وشرح زوكربيرغ وجهة نظره قائلا: “ما أدركناه بمرور الوقت، هو أن استراتيجيتنا لم تساعدنا على التحرك بشكل أسرع، لأنه كان علينا أن نبطّأ سرعتنا لإصلاح هذه الأخطاء”.
وتابع موضحا: “سيساعدنا ذلك في بناء تجارب أفضل لكل مستخدم نقدم له خدماتنا، كما أنه سيرتقي بأساليب أعمالنا التي نعتمدها”.
إن ما يبرر كلام زوكربيرغ هو العائد الكبير من الإعلانات الذي تعتمد عليه “فيسبوك”، وضرورة استمراريته المستندة على المستخدمين، إذ مثّل الإعلان عبر الهواتف المتحركة في عام 2014 ما نسبته 59 في المئة من إجمالي عائدات الشركة الإعلانية، أي 30 في المئة أعلى من الأرباح المحققة في 2013.
لا يعني إظهار الندم من جانب عدد من “الهوامير” في “وادي السيليكون” أن دور المستخدمين في إعادة التواصل الحقيقي بين أفراد المجتمع قد انتهى، فعليهم أن يشاركوا بفعالية في حل المشكلة التي هم جزء منها، مع ضرورة إدراكهم بأن الوعي بقدرة شبكات التواصل على التلاعب بتوجهاتهم وجعلهم مدمنين، أول خطوة على طريق التحرر منها، وإدخال إصلاحات حقيقة مؤثرة.