بعد فترة امتدت قرابة تسع سنوات من تراجع نشاطها في مواجهة الجيش، هاجم مقاتلو حركة 23 مارس الكونغولية، التي تتخذ من التلال العالية على طول الحدود الرواندية والأوغندية معاقل لها، مواقع الجيش الكونغولي في روتشورو، في التاسع من مارس 2022، حيث شهدت منطقة (روتشورو) بشرق البلاد معارك عنيفة بين الطرفين، حيث سيطرت الحركة على منطقتين استراتيجيتين هما (برونيوني – تشانزو)، ونظرًا لشدة المعارك فقد فر عشرات الآلاف من المدنيين إلى دولة أوغندا المجاورة، خوفًا من تجدد العنف مرة أخرى، وقد أعلن الجيش الكونغولي -عبر بيان له- أنه يعمل على إعادة بسط سلطة الدولة على وجه السرعة في المنطقتين اللتين سيطرت عليهما حركة 23 مارس.
أولًا- النشأة وجذور الصراع:
تأسست حركة 23 مارس حركة المتمردة من قبائل التوتسي عام 2006، وقد نشأت الحركة التي تدعمها رواندا وأوغندا في أواخر مارس 2012 بانشقاق الجنرال بوسكو نتاغاندا وهو ضابط كبير في الجيش الوطني لجمهورية الكونغو الديمقراطية، واتخذت الحركة اسمها من تاريخ معاهدة السلام التي دمجت جماعة نتاغاندا المسلحة (المؤتمر الوطني للدفاع عن الشعب) في عام 2009، بالجيش الكونغولي. وطوال فترة اندماجها في الجيش الكونغولي بموجب اتفاق السلام، كانت الحركة تعمل تحت تسلسل القيادة الخاصة بحركتهم من داخل جيش الكونغو الديمقراطية، مستفيدين من المعاهدة التي أبرمتها مع السلطات الحكومية والتي منحت الحركة وضع (جيش – داخل جيش).
وقد تمكنت عناصر حركة 23 مارس من تعزيز سيطرتهم على الموارد الطبيعية في شرق الكونغو من خلال عمليات التعدين للمناطق الغنية بالقصدير والذهب والتنتالوم، مما خلق نوعًا آخر من الصراع بينهم وبين القيادات العسكرية في الجيش الكونغولي. وقد أدى هذا الوضع إلى تبادل الاتهامات بين قيادات الحركة في الجيش والحكومة الكونغولية، ونتيجة لتلك الاختلافات عادت الأطراف مرة أخرى إلى المواجهات في شرق البلاد في عام 2013.
وقد أدت المواجهات إلى هزيمة الحركة أمام الجيش الكونغولي بعد شهور من الاشتباكات العنيفة مما دفعها إلى توقيع اتفاق سلام وهدنة بموجبه تم استيعاب قواتها في الجيش الكونغولي، وذلك بعد أن عمد الجيش الكونغولي إلى اتخاذ خطوات متأخرة لتفكيك شبكات المسلحين التابعين للحركة داخل القوات المسلحة الكونغولية. وقتها اكتشف الجيش الكونغولي تنامي رتب المنشقين داخل القوات المسلحة وازدياد الهجمات في العديد من المناطق في شرق البلاد. وقد استعان الجيش الكونغولي بكتائب خاصة مدربة استعادت السيطرة على مقاطعة كيفو. وبعد سلسلة من المعارك بينهما، انسحبت حركة 23 مارس إلى المرتفعات حول منطقتي (روتشورو – بوناغانا)، على الحدود مع دولة أوغندا إلى يومنا هذا.
وقد رفضت حركة 23 مارس السماح لجنودها بالمشاركة في برنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الاندماج في الجيش الكونغولي مرة أخرى، وكحل وسط وافقت الحركة على السماح بدمج قواتها في القوات المسلحة لجمهورية الكونغو الديمقراطية، بشرط ألا تكون هناك إعادة تدريب أو إعادة توطين خارج القوات المسلحة لجمهورية الكونغو الديمقراطية في مقاطعات كيفو. ويُمكن اعتبار مطلبهم بالبقاء في مقاطعات كيفو يؤدي دورهم المفترض كحماة لمجموعات التوتسي المقيمين في شرق الكونغو الديمقراطية بعد موجات متتالية من الهجرات.
ثانيًا- أسباب تجدد الصراع:
كشف تقرير لخبراء الأمم المتحدة بشأن الكونغو، تفاصيل جديدة بخصوص حركة 23 مارس، حيث أشار إلى أنّ الأسلحة الثقيلة والمقاتلين الذين يتم تدريبهم تدريبًا منظمًا وجميع تلك المعدات يتم إرسالها والإشراف عليها من قبل رواندا، وتلك التطورات التي كشفتها الأمم المتحدة فيها إشارات إلى تاريخ من تدخلات الحكومة الرواندية بشرق الكونغو لأسباب اقتصادية وسياسية. واتهم خبراء الأمم المتحدة رواندا وأوغندا بدعم مقاتلي حركة 23 مارس، فيما ينفي البلدان الاتهام ووقّعا على تعهد بعدم التدخل في الشئون الداخلية لجمهورية الكونغو الديمقراطية. كما تنفي الحكومتان مساعدة حركة 23 مارس بصورة قاطعة.
ولكن في أواخر عام 2021، اتهمت حركة 23 مارس السلطات الحكومية الكونغولية بعدم احترام التزاماتها مع الحركة بشأن رفض الحكومة إطلاق سراح منتسبي الحركة ومقاتليها وتسريحهم. وفي تسجيل بُث يوم الجمعة (8 أبريل 2022) قال المتحدث باسم الحركة إن حركته ردت بقوة على هجوم الجيش الكونغولي على تمركزات الحركة في شرق البلاد. وتعتبر حركة 23 مارس من أقوى الجماعات المتمردة في جمهورية الكونغو الديمقراطية على الرغم من تراجع نشاطها على مدى السنوات الماضية بعد هدنتها مع الدولة.
وثمة محاولات عديدة من حين إلى آخر، مصحوبة بجهود إقليمية ودولية، للحوار ونزع الأزمة الإنسانية في شرق البلاد، وأن تكون منطقة منزوعة السلاح، ولكن تلك المحاولات جميعها باءت بالفشل نتيجة للبطء الشديد في تنفيذ الاتفاقيات الموقعة بين الحكومة الكونغولية من جهة ومقاتلي حركة 23 مارس من جهة أخرى، وهو الأمر الذي جعل مقاتلي حركة 23 مارس يتخذون موقفًا عدائيًا تجاه الحكومة الكونغولية.
ثالثًا- التحالف بين حركة 23 مارس وداعش (ولاية وسط إفريقيا):
وفي الوقت الذي شنت فيه حركة 23 مارس هجومًا ضد الجيش الكونغولي، نفذت جماعة القوى الديمقراطية المتحالفة، التي بايعت تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” وحملت اسم ولاية وسط إفريقيا، هجومًا آخر في شمال شرق جمهورية الكونغو، مما أدى إلى مقتل 14 شخصًا في منطقة “إيتوري”، وأغلب الضحايا من جماعة (ناندي). وخوفًا من هجمات جديدة للمتمردين فر أغلب المزارعين من مناطقهم الزراعية إلى مناطق أخرى مجاورة أكثر أمانًا.
ومنذ ظهور تنظيم داعش في شمال شرق الكونغو، يخضع إقليم شمال منطقة كيفو وإيتوري لحالة استثنائية منذ مايو 2021، منحت بموجبه الحكومة الكونغولية صلاحيات كاملة للجيش الكونغولي الذي فشل حتى الآن في وقف الهجمات والانتهاكات التي ترتكبها وتنفذها الجماعات المسلحة في شمال شرق البلاد. وينشط متمردو القوات الديمقراطية المتحالفة في القرى على الحدود مع إقليم شمال كيفو شرق شمال البلاد. ومنذ نوفمبر 2021، يشن الجيشان الكونغولي والأوغندي عمليات مشتركة ضد القوات الديمقراطية المتحالفة في منطقة “بيني” بإقليم شمال شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية.
ومنذ اندلاع المعارك الجديدة في أواخر يناير 2022، في شرق الكونغو بين الجيش الكونغولي وحركة 23 مارس والجماعات المتحالفة معها، توقفت جميع الأنشطة الاقتصادية والإنسانية، وقامت جميع المنظمات العاملة في المجال الإنساني بتعليق أنشطتها ونقل موظفيها بما في ذلك منظمات دولية. فمنذ يناير الماضي نزح حوالي أكثر من 10000 شخص بسبب العنف بين الجيش الكونغولي ومقاتلي حركة 23 مارس.
وختامًا، تشكل عودة حركة 23 مارس لاستئناف القتال تهديدًا للأمن والاستقرار الإقليمي، ولمسار التنمية في بعض البلدان في شرق القارة، والتي كانت قد قطعت شوطًا مهمًا في تحقيقه. ويزيد من الأزمة أن التنظيمات الإرهابية قد دخلت على الخط، وتحاول أن تعزز من أنشطتها بالتعاون مع الجماعات المسلحة، كما أن بعض دول المنطقة في إطار التنافس الإقليمي والعداء وتداخل المصالح تؤجج من الصراعات، وهو ما قد يقود المنطقة إلى حلقة مفرغة من العنف والتدمير. بهذاتمثل عملية تحالف الجماعات المسلحة والتنظيمات الإسلامية الراديكالية في منطقة البحيرات تهديدًا مباشرًا للسلم والأمن الدوليين بالمنطقة، في ظل استمرار تصاعد المواجهات في بيئة جاذبة للجماعات الخارجة عن القانون.