فرضت جائحة كوفيد-19 تغييرا في سلوك المستهلكين الذين تخلى كثيرون منهم عن الشراء التقليدي، لتسجل المبيعات الإلكترونية قفزة غير مسبوقة.
وشهدت الشركات العاملة في ميدان البيع عبر الإنترنت زيادة في معدلات التوظيف، واضطر بعضها لزيادة رواتب العاملين لديها.
وفي ظل الاختلافات الكامنة بين المبيعات عبر الإنترنت وتلك التي تتم بالطرق التقليدية، باتت الثقة أكثر أهمية في العلاقة بين البائع والمستهلك، كونها تمثل قاعدة الهرم التي تقوم عليها تلك الصلة.
شركات كثيرة وبائعون لعبوا على وتر هذه الثقة، أو بالأحرى عملوا على زرعها في نفوس المستهلكين بطرق ملتوية، إذ ارتفعت عمليات التقييمات الوهمية أو الزائفة “Reviews”، وخصوصا أن دراسات تسويقية تحدثت عن أن السواد الأعظم من عمليات الشراء عبر الإنترنت تتم عقب الاطلاع على تقييمات المشترين السابقين.
وفي سبيل تحقيق المزيد من الأرباح، تبنت شركات حيلا خبيثة للإيقاع بالمستهلكين عبر فخ التقييمات الزائفة التي كان موظفوها يكتبونها، أو عاملون يتقاضون رواتب مقابل التغني بمزايا المنتجات، والثناء على جودتها ومواصفاتها الإيجابية.
ولم تقتصر ممارسات بعض الشركات على ذلك بل وصل بها الأمر لنشر تقييمات زائفة تسيء لمنتجات الشركات المنافسة، ليجد المستهلك نفسه في نهاية المطاف تائها ومتخوفا من الإقدام على الشراء عبر الإنترنت من جهة، ويخشى في المقابل أن يقصد متجرا حقيقيا في ظل الجائحة، لينطبق عليه المثل القائل “كالمستجير من الرمضاء بالنار”.
ورغم الصورة التي تبدو قاتمة، إلا أن بعض الشركات والحكومات تحركت ضد تلك الأساليب التسويقية الخبيثة، فالحكومة البريطانية مثلا اقترحت الأسبوع الماضي حزمة من الإجراءات لمكافحة الغش الذي يتعرض له المستهلكون عبر الإنترنت، منها حظر المراجعات أو التقييمات المزيفة.
وبموجب هذه الإجراءات، سيكون من غير القانوني بالنسبة للشركات أن تدفع لشخص ما لكتابة أو استضافة تقييم أو مراجعة وهمية لمنتج أو خدمة، وسيتعين على المواقع التي تعرض تقييمات المستهلكين اتخاذ خطوات جادة للتحقق من صحتها.
وفي حال اعتماد مثل هذه الإجراءات، ستكون هيئة المنافسة وحماية المستهلك قادرة على فرض غرامة تصل قيمتها إلى ما يعادل 10 في المئة من مبيعات الشركة المخالفة لسوء معاملة عملائها، حسبما ذكرت تقارير لوسائل إعلام بريطانية.
وهكذا سيحصل المستهلك على حقه بشكل سريع، بعدما كان عليه في السابق أن ينتظر إجراءات المحاكم الطويلة، علما أن إنفاق الأسرة البريطانية على مشتريات بفضل التقييمات الخاصة بها عبر الإنترنت يصل إلى 900 إسترليني سنويا، وفقما ذكر تقرير لصحيفة “ذا غارديان”.
أمثلة كثيرة تحضرنا عند الحديث عن الحرب ضد التقييمات الوهمية، فشركة “أمازون” تحركت في هذا المجال، إذ أعلنت في يوليو 2021، أنها حذفت 200 مليون تقييما زائفا للمنتجات من مواقعها بمختلف أنحاء العالم في 2020.
وبحسب تحقيق لصحيفة “وول ستريت جورنال”، فإن “أمازون” زادت عدد المراجعات التي تقوم بتحليلها لتصل إلى 10 ملايين أسبوعيا بالاعتماد على مزيج من الموظفين وأدوات تعتمد الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى تضمينها لنتائج التقييم من جميع أنحاء العالم.
“غوغل” من جانبها أعلنت الشهر الماضي إجراءها تحسينات قالت إنها تتعلق بكيفية تحديد مراجعات المنتج التي تعرضها في نتائج البحث، وانتقاء “عالية الجودة” منها لتضمينها في نتائج البحث.
ورغم المبادرات التي اتخذتها بعض الشركات إلا أن حرب التقييمات الزائفة لن تكون سهلة لعدة أسباب أبرزها تقديم بعض بائعي الجملة مكافآت على شكل هدايا لمن يقدم تقييمات إيجابية عن منتجاتها، دون معرفة الشركة الأصلية المقدمة للمنتج أو الخدمة.
ولجأت بعض المواقع لتسهيل تزييف التقييمات عبر السماح للعملاء بتقديم آرائهم بشأن المنتجات من خلال أسلوب منح النجوم دون إرفاق نص يكشف المزايا الإيجابية التي وجدها المستهلك المفترض للمنتج.
ومن العقبات التي تعترض طريق التقييمات الموضوعية أيضا، التباين في المزايا والمواصفات في المنتجات باختلاف الدول، فآلة صناعة القهوة التي أشتريها في الشرق الأوسط مثلا قد تتضمن مزايا غير تلك التي تتوفر في السوق الأميركية، وعليه سيكون التقييم غير منصف.
كذلك ينشر الأشخاص صورا لمنتجات البائعين على مجموعات “فيسبوك” ومواقع المراجعة، وللتأهل للحصول على خصم، يختار المراجعون منتجا لشرائه، ويتبعون الإرشادات التي تهدف إلى تعزيز تصنيف المنتج.
تقع على عاتق العاملين في مضمار التجارة الإلكترونية اتخاذ المزيد من الإجراءات لحماية المستهلكين الذين يمثلون عماد أعمالهم، كتضمين روابط للإبلاغ عن أي إساءات في تقييم المنتجات، والتعاون مع مواقع التواصل الاجتماعي للإبلاغ عن الجهات الفاعلة التي تزرع مراجعات زائفة خارج المتاجر الرسمية.
ومن المفيد أيضا بالنسبة للعلامات التجارية تثقيف المستهلك عن المنتجات والوصول للتقييمات الحقيقية وحتى دفعه لتجربتها وتحديد نقاط الضعف فيها، فاعتماد مثل هذه الاستراتيجية ستعزز ولاء المشترين من جهة، وستساعد الشركة على تقديم ما يناسب عملاءها في المستقبل، ليخرج طرفا المعادلة رابحين في النهاية.
وإلى أن تحدث كل تلك التحولات في الحرب على التقييمات الزائفة، على المستهلك أن يكون أكثر حذرا في تصديق ما يقال عن المنتجات التي يود شراءها، وقد يفيده أيضا أن يراقب نسبة النجوم الممنوحة للمنتج، فإن التباين الكبير بالتقييمات قد يكون مؤشرا على وجود حيلة.
كما أن قراءة التقييم بالتفصيل مهم أيضا، إذ أن غياب الأسباب المنطقية وراء وجهة النظر الإيجابية والسلبية يعد دليلا على وجود تزييف.
ذكر المراجعات لمنتج منافس أو إجراء مقارنة بين منتجين، قد يدل على تضليل أيضا.
وبالإضافة إلى ما تقدم، فإن العثور على عدد كبير من التقييمات لمنتج غير مشهور، قد يعني أن معظمها غير حقيقي.
وأخيرا قد يكون من المفيد أيضا إصدار قوانين تجرّم نشر التقييمات الزائفة كونها تندرج تحت مسمى الغش والاحتيال.