للوهلة الأولى، يبدو أن بوريس جونسون قد ينجو من تداعيات آخر تطورات فضيحة “بارتي غيت” المستمرة منذ وقت طويل.
لا تبدو القلة من نواب حزب المحافظين الذين سحبوا رسائل بعثوا بها في السابق إلى اللجنة البرلمانية الخاصة للمطالبة باستقالة جونسون أنهم بصدد تغيير رأيهم. فعلى سبيل المثال، كرر أندرو بريدجن الإعراب عن اعتقاده بأن الحرب في أوكرانيا تعني أن هذا ليس الوقت المناسب [للاستقالة]. وحتى روجر غيل يريد تجميد هذا الإجراء في الوقت الحالي، مع العلم أنه واحد من أكثر منتقدي جونسون تصلباً، وممن لا يزالون يؤمنون أن البلاد ستصبح أفضل حالاً في ظل زعامة جديدة. ويبدو أن الحجة الزائفة ومفادها أن الحرب تحول دون عملية تغيير الزعامة- نافذة [تجدي نفعاً ومؤثرة إلى حد كبير]، ما يعني على ما يبدو أن زعامة حزب المحافظين مرتبطة بالقوة النسبية للقوات المسلحة الأوكرانية والروسية.
وكان دوغلاس روس، زعيم حزب المحافظين الاسكتلندي، الذي قد دعا في السابق رئيس الوزراء إلى التنحي ثم عكس موقفه، هو الشخصية البارزة الأولى التي سمحت لجونسون بالإفلات [من تبعات الفضيحة]، مع أن المقابلة التلفزيونية التي أجريت معه حول الموضوع، كانت أشبه بتسجيل مصور لرهينة. وعلى عادته، ما فعله [عضو حزب المحافظين] مايكل فابريكانت كان مضراً أكثر منه نافعاً، موجهاً الإهانات بشكل عرضي إلى مهنتي التعليم والتمريض [في معرض تصريح له يدعو فيه جونسون للاعتذار]. وحدها روث دافيدسون [عضو حزب المحافظين في اسكتلندا] جددت دعوتها لإبعاد جونسون.
غير أن التأييد [لجونسون] ظل يأتي. وبعد بداية بطيئة للغاية، فإن أعضاء مجلس الوزراء، وفي مقدمهم نادين دوريس، أكثر الموالين ولاءً، عمدوا إلى استعمال لغة نموذجية عبر منصة “تويتر” من أجل التعبير عن دعمهم. وبعد ساعات من الصمت المشؤوم، اتضح أنه جرى إقناع وزير المالية سوناك بالعودة عن الاستقالة. وتنفيس [هالة] ريشي سوناك، الذي يقال إنه مكروه جداً من قبل جونسون، يعني أن أكثر المرشحين لخلافة رئيس الوزراء مصداقية، قد هزم.
مع ذلك، لا يزال مبكراً على جونسون أن يمد يده لتناول الكعكة والشمبانيا [لتنفس الصعداء والاحتفال]. ففضيحة “بارتي غيت” لا تزال تتمتع بالقدرة على إحداث صدمة مفاجئة واضطراب، على الرغم من محاولة حزب “المحافظين” الحط من شأن أهميتهاا، لا بل بسبب هذه المحاولة بالذات. سيكون هناك المزيد من إشعارات الغرامة الثابتة، إحداها في الأقل سيكون موجهاً لرئيس الوزراء، على الأرجح. ويبقى ما قاله للبرلمان ولوسائل الإعلام حول الامتثال للقواعد مثيراً للجدل، وأحياناً مدعاة للسخرية. وتوحي استطلاعات الرأي أن عدداً كبيراً من الناخبين لا يثقون بجونسون، وهو أمر غير جيد [لا ينذر بالخير]. ففي حال ظهور موجة جديدة من “كوفيد”، سيجد صعوبة في جعل الناس يلتزمون بالقواعد.
ويتخلف حزب “المحافظين” في استطلاعات الرأي وذلك إلى حد بعيد بسبب “بارتي غيت”. وهو لا يزال متخلفاً، على الرغم من أنه حقق انتعاشاً جزئياً. ويواجه المحافظون حزب عمال متعافياً، لديه صفوف أمامية أقوى بكثير من تلك في انتخابات 2019. ويفتقد جونسون [رئيس حزب العمال السابق] جيرمي كوربين إلى درجة تعجز الكلمات عن وصفها.
وهناك انتخابات مهمة في 6 مايو (أيار). وقد أظهر [حزب] “الليبرالي الديمقراطي” ما يمكنهم أن يفعلوه في معاقل حزب المحافظين في نورث شروبشاير وتشيشام وأمرشام في الانتخابات الفرعية [التقدم واستمالة الناخبين]. ويحقق الخضر بعض التقدم في مقاطعات المحافظين، ولا سيما بما يتصل بمسائل التخطيط والزراعة. كما أن جونسون شخصية سامة في اسكتلندا، كما يدرك الحزب الوطني الاسكتلندي جيداً. وستدل الانتخابات أن جونسون هو عائق أمام النجاح الانتخابي وخطر قاتل بالنسبة إلى الاتحاد [بين مكونات المملكة الأربعة].
ويمكن للأزمنة السابقة أن تتكرر بسرعة ملحوظة في حزب “المحافظين”. فمارغريت تاتشر في عام 1990 كانت قد فازت في ثلاثة انتخابات عامة، وانتصرت في الحرب الباردة، وكانت شخصية عالمية، وقد ارتفعت الأصوات مدوية بالهتاف لها في مؤتمر الحزب في ذلك العام، كما كانت الحال على الدوام. وبعد بضعة أسابيع، كانت قد رحلت. هناك حيز محدود للعاطفية في حزب “المحافظين”، وليس فيه الكثير من الامتنان على أمجاد سابقة. والذي يهم هو الفوز. عاجلاً أم آجلاً سيدرك حزبه أن جونسون فاشل.