سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
فردوس عبدالباقي
خلال القمة الافتراضية التي عُقدت بين الصين ودول آسيا الوسطى في يناير 2022 بمناسبة مرور ثلاثين عامًا على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين، أشار الرئيس الصيني “شي جين بينج” إلى التطور الذي شهدته علاقات الجانبين خلال تلك الفترة، حيث مشاريع التنمية، والشراكات الاستراتيجية، ومبادرة “الحزام والطريق”، وتأسيس نوع جديد من العلاقات الدولية.
عرض “شي” مجموعة من الاقتراحات خلال خطابه تساهم بدورها في توثيق علاقات الجانبين في المستقبل، ومنها: تعزيز التضامن والثقة المتبادلة لتحقيق التنمية والازدهار المشترك، والحفاظ على أي محاولة خارجية لزعزعة هدوء تلك البلدان وإثارة الثورات الملونة في آسيا الوسطى. وأشار إلى دور دول آسيا الوسطى في مبادرة الحزام والطريق، حيث نوه بالسعي لتطوير ممرات النقل ومشروع السكك الحديدية وقيرغيزستان وأوزبكستان، واستعداد الصين لفتح سوقها أمامهم، ومواصلة عقد منتدى التعاون الاقتصادي والتجاري بين الجانبين ليصل حجم التبادل التجاري إلى 70 مليار دولار بحلول عام 2030.
وسرد “شي” مجموعةً من التهديدات الخارجية التي تفرض تعزيز التعاون في مجالات مثل إدارة الحدود ومراقبتها، وهي القوى الإرهابية والمتطرفة والانفصالية وإدارة الحدود ومراقبتها، وتطوير شبكة الأمن الإقليمية لمكافحة استخدام الإرهابيين للإنترنت، وأشار إلى أفغانستان في هذا السياق وعبر عن دعمها لإقامة هيكل سياسي يفصلها عن الإرهاب. وأدرج وباء كورونا ضمن هذه التهديدات لأنه يتجاوز الحدود والدعم الذي تقدمه الصين المتمثل في توفير اللقاحات وإنشاء مراكز طبية، وأعلن أن الصين ستقيم 5000 ندوة لمساعدة دول آسيا الوسطى على تدريب المهنيين في الصحة والحد من الفقر.
في ضوء هذه الإشارات، تُشير العناصر القادمة لمجموعة من الأمور التي يمكن من خلالها استنباط أهم أسس اهتمام الصين بمنطقة دول آسيا الوسطى في إطار مبادرة الحزام والطريق وعلاقتها مع روسيا، ورغبتها في تأمين الحدود الغربية الصينية.
استندت الاستراتيجية الصينية تجاه آسيا الوسطى لمجموعة من الأسس وتدرجت عبر مراحل عدة استهدفت من خلالها تحقيق مجموعة من الأهداف، يمكن ذكر بعضها في الآتي:
ورغم أن التنمية الاقتصادية في دول آسيا الوسطى ستساعد في تخفيف التوترات الاجتماعية وظهور الإرهاب الإسلامي، لكن كانت شينجيانج صاحبة نسبة المرور الأقل ضمن أكثر من 28 نقطة عبور للتجارة الحدودية بين الجانبين، مما ساهم في تعزيز شعور الإقصاء لدى تلك المنطقة التي تعد أكبر مقاطعة صينية من حيث المساحة، إذ تحتل حوالي سدس أراضي البلاد، ولها أهمية اقتصادية في أنها تنتج ثلث القطن الصيني وتمتلك أكبر احتياطات من النفط والغاز في البلاد.
وفي فترة التسعينيات من القرن العشرين، اقتصرت استراتيجية تعزيز النفوذ الصيني على المجال الدبلوماسي الاستراتيجي، وبعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر وما سببه الوضع الاستراتيجي في آسيا الوسطى، ركزت بكين أيضًا على تعزيز التعاون في المجال الاقتصادي على وجه الخصوص.
وتوقعت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن تستهلك الصين في عام 2050 ما يقرب من ثلاثة أضعاف كمية الغاز الطبيعي التي استهلكتها في عام 2018 التي بلغت 280.30 مليار متر مكعب، وكانت هناك توقعات قبل جائحة كورونا بأن حصة الغاز الطبيعي في الاستهلاك الصيني للطاقة ستصبح 14% بحلول عام 2030، لكن ذهبت التوقعات بأن تتزايد هذه الحصة في ظل التعافي الاقتصادي من الجائحة والتوجه لتحسين جودة الهواء في إطار تزايد الدعوات الدولية بإقامة منشآت ومعدات بما يُمكّن من استخدام الغاز الطبيعي ذو بصمة كربونية أقل لخدمة هدف “حيادية الكربون” الذي تسعى له الصين، فمن المتوقع أن يصل استهلاك الصين من الغاز الطبيعي إلى ذروته عام 2040، وسيصبح أكبر مصدر للوقود الأحفوري في البلاد عام 2050.
ورغم أن الصين تحتل المرتبة الأولى بين أكبر عملاء للغاز الطبيعي المسال الأمريكي، إلا أنها لا تعتمد عليها بشكل كبير، لذا كان ظهور آسيا الوسطى مهمًا في إطار تنويع مصادر الواردات الصينية من الطاقة، لذا عملت على تطوير دبلوماسية الطاقة مع المنطقة كي تحافظ على مصدر أكثر استقرارًا وأقرب للطاقة الوفيرة، خاصة أن آسيا الوسطى تمثل حوالي 4% من احتياطات الطاقة العالمية. بجانب أن تطوير روابط الطاقة يساعد الصين على حفظ استقرار منطقة شينجيانج.
استنادًا للأسس السابق ذكرها، كانت زيارة الرئيس “شي” لآسيا الوسطى في عام 2013 بمثابة إشارة لإعادة إدخال آسيا الوسطى في مبادرة الحزام والطريق كأحد محاورها الأساسية، وقد شملت استراتيجية التنمية الصينية فيما يتعلق بآسيا الوسطى إنشاء خطوط أنابيب للنفط والغاز لنقل الطاقة للساحل الشرقي للصين، والتوسع في خطوط السكك الحديدية لنقل البضائع من قواعد التصنيع في الصين إلى أوروبا وآسيا الوسطى. وبالفعل تم إنشاء خط أنابيب الغاز بين الصين وقيرغيزستان وأوزبكستان، والطريق السريع بين الصين وطاجيكستان. كما شهد خط السكة الحديد الواصل بين الصين وأوروبا ويمر عبر آسيا الوسطى نموًا ملحوظًا.
ثم بدأت مبادرة الصين “الذهاب غربًا” لتحفيز التنمية في مناطقها الداخلية والحدودية عبر توجيه فائض رأس المال من المناطق الساحلية.
وتشير تحليلات إلى أن الصين دخلت هذا الإقليم باستراتيجية جغرافية اقتصادية لتعزيز التجارة وتأمين إمدادات الطاقة وبناء البنية التحتية عبر الحدود، إلى أن أصبحت الشريك الرئيسي أو أحد الشركاء التجاريين الرئيسيين لكل دولة من دول آسيا الوسطى، وباتت أكبر شريك تجاري للمنطقة بأكملها بما جعلها تحل محل الهيمنة الروسية في التجارة مع آسيا الوسطى.
وبالنسبة للتبادل التجاري بين الصين ودول آسيا الوسطى، فقد أشارت بيانات وزارة الخارجية الصينية إلى أن التجارة بين الجانبين ارتفعت بأكثر من 100 مرة خلال فترة الثلاثين عامًا للعلاقات بينهما، ففي عام 1992، بلغ حجم التجارة حوالي 460 مليون دولار، ومن المتوقع أن يتجاوز 40 مليار دولار، وتجاوز رصيد الاستثمار المباشر الصيني في دول آسيا الوسطى 14 مليار دولار، بما يشير لوجود هيكل تجاري ثنائي متكامل.
ومن المتوقع في إطار انضمام الدول الخمس لمبادرة الحزام والطريق تزايد التجارة المتبادلة في السنوات المقبلة، لأنه كانت أحد العوائق أمام تنميتها كان ضعف الخدمات اللوجستية للنقل خاصةً النقل البارد. كما ستساهم مبادرة الحزام والطريق في توسيع التعاون المشترك في الاقتصاد الرقمي والاقتصاد الأخضر والاستثمار.
ففي الاقتصاد الأخضر على سبيل المثال؛ تستثمر الصين –من خلال شركة في إطار مبادرة الحزام والطريق في محطة “زاناتاس” لتوليد الطاقة من الرياح بطاقة 100 ميجاواط في كازاخستان من خلال 40 توربينًا للرياح باستثمارات إجمالية تُقدّر بـ150 مليون دولار، ويعد هو المشروع الأكبر قدرة من نوعه في آسيا الوسطى. يساهم هذا المشروع في توفير ما يقرب من في تقليل استهلاك ما يعادل 110 مليون طن سنويًا من الفحم بما يساهم في حماية البيئة في كازاخستان.
وحازت التبادلات الزراعية مكانة هامة في زيادة التجارة الثنائية بين الجانبين خلال العقود الثلاثة الماضية، كما كان لدول آسيا الوسطى مساهمة كبيرة للمنتجات الزراعية الصادرة للصين بسبب تغير هيكل واردات الصين في ظل الحرب التجارية الجارية مع الولايات المتحدة وأستراليا اللتان كانتا من مصادر المنتجات الزراعية الرئيسية.
سعت الصين لتطبيق الدبلوماسية العسكرية في السياسة الخارجية عبر إنشاء موطئ قدم استراتيجي لها عبر التأثير على دول المنطقة من خلال توفير التقنيات المتطورة وتدريب المسئولين بما سيكون له تأثير على تكوين القيادة العسكرية في آسيا الوسطى في المستقبل. يمكن شرح هذا في العناصر الآتية لمعرفة الدوافع والآليات وراء تلك الدبلوماسية العسكرية:
كما أن هناك دورًا لقوات الشرطة المسلحة الصينية في التدريب مع نظيرتها بدول آسيا الوسطى على عمليات مكافحة الإرهاب والإرهاب العابر للحدود في إطار سلسلة التدريبات المعروفة بـ”التعاون 2019″. وكان لشركات الأمن الخاصة الصينية تواجد في دول آسيا الوسطى في إطار السعي لتوفير أشكال الأمن غير التقليدي للمواقع الصناعية وشبكات النقل الصينية خاصةً التابعة لمبادرة الحزام والطريق، وتلعب تلك الشركات في تشكيل السياسات المحلية والخارجية لدول مثل طاجيكستان وقيرغيزستان.
تتعامل روسيا عقب سقوط الاتحاد السوفيتي مع آسيا الوسطى على أنها منطقة نفوذها، وأنها الدولة الوحيدة التي تقدم لدول المنطقة ضمانًا أمنيًا رسميًا تنفيذًا لمعاهدة الأمن الجماعي (CSTO) وتمتلك شبكة من القواعد العسكرية في أنحاء المنطقة. كما أن لروسيا ميزة نسبية فيما يخص الروابط اللغوية والثقافية التي تطورت في ظل الحكم السوفيتي، حتى لو تجاوزت الصين الهيمنة التجارية الروسية بفضل الفرص الاستثمارية التي وفرتها مبادرة “الحزام والطريق”.
تتوافق القوتان من خلال شراكتهما على أن روسيا هي الشريك الأمني الميهمن بينما تأخذ الصين زمام المبادرة في الشئون الاقتصادية “روسيا تحمي- والصين تستثمر”، وأن التصريحات العلنية من الجانبين تعتبر أن مبادرة الحزام والطريق ستكون مربحة لكلا القوتين حتى لو باتت الصين القوة الاقتصادية الأولى في المنطقة، إذ اعتبر الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” في منتدى مبادرة الحزام والطريق لعام 2019 أنها تكمل جهود موسكو لتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع المنطقة في إطار الاتحاد الأوراسي.
ورغم مشاركة الصين وروسيا الرغبة في الحد من النفوذ الأمريكي في آسيا، وتأكيد كل منهما على بذل الجهود لاستيعاب بعضهما البعض، وإقامتهما لتدريبات في آسيا الوسطى في الفترة من 2014- 2019، إلا أن مصالح الدولتين ظلت متباينة بشكل متزايد إلى الحد الذي يسمح للانخراط العسكري في المنطقة أن يؤدي إلى اضطراب التوازن الصيني الروسي، حتى لو كانت الصين تبدي احترامًا للدور الروسي في المنطقة حين تشاورت مع موسكو قبل فتح قاعدتها في طاجيكستان على سبيل المثال.
حتى لو ظلت حصة روسيا من واردات الأسلحة من آسيا الوسطى ثابتة عند 60% في السنوات العشر الأخيرة، وأن الصين لا تؤثر في نشاطها على تلك الحصة، إلا أنها قد تبدأ في التأثير في ظل تطور صناعة الأسلحة المحلية في الصين والسعي إلى أسواق التصدير، لذا يمكن أن تصبح المشاركة الأمنية الصينية مصدرًا أكثر أهمية لمنافسة القوى العظمى على النفوذ الإقليمي.
حتى لو كان من غير المرجح أن تفسر روسيا تلك التصرفات على أنها عدائية، لكن سيتم اختبار هذا التعايش في ظل تنامي الدور الأمني الصيني، وقد يكون لنتائج العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا نتائج على العلاقات الروسية الصينية من حيث توسع النفوذ، لكن من غير المتوقع أن تظهر في المدى القصير، إذ ستعمل الصين على تجنب التورط بشكل مباشر.
إجمالًا؛ فإن اهتمام الصين بمنطقة آسيا الوسطى نابع من دوافع استراتيجية وأمنية واقتصادية، فهي تريد الحفاظ على الاستقرار والأمن في منطقة شينجيانج الغربية، وألا تصبح تهديدًا للحزام والطريق للدول حولها. كما تستهدف من اهتمامها الحفاظ على آسيا الوسطى خالية من الهيمنة الغربية، بالإضافة لئلا يؤدي نشاطها لاستفزاز روسيا في إحدى مناطق نفوذها خاصةً في ظل التطورات الأخيرة التي تشهدها الأزمة الأوكرانية التي جاءت نتيجة استفزاز وتهديد للأمن القومي الروسي.
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر