الأزمة الروسية الأوكرانية: الأسباب والدوافع | مركز سمت للدراسات

الأزمة الروسية الأوكرانية: الأسباب والدوافع

التاريخ والوقت : السبت, 9 أبريل 2022

أحمد حمادي

مر العالم بأزمة سياسية جديدة علي الساحة الدولية تحولت إلي أزمة عسكرية بين طرف دولي يعد أحد أقطاب القوي الدولية وهي روسيا الإتحادية وبين أحد دول أوروبا الشرقية وهي أوكرانيا، والحقيقة أن الأزمة لم تولد من فراغ ولكن كانت نتيجة طبيعية لإرهاصات قديمة منذ أن أعلنت روسيا ضم جزيرة القرم لها في عام 2014، كانت هذه علامة فارقة وبداية لحرب غير معلنة، وفي نفس الوقت، بدأت قوات روسية شبه عسكرية في حشد منطقة الدونباس الغنية بالفحم شرقي أوكرانيا.

لذلك يجب التطرق إلي أهم الأسباب والدوافع التي نتجت عنها هذه الأزمة هل هي أسباب تخص روسيا الإتحادية فقط في إستعادة الدول المتفككة عن الإتحاد السوفيتي أم هي أسباب لصراع بين المعسكر الشرقي متمثل في روسيا الإتحادية والمعسكر الغربي متمثل في الولايات المتحدة الامريكية، ومع صعود فلاديمير بوتين إلى السلطة، سعى الكرملين إلى استعادة نفوذه والسيطرة على مناطقه السابقة.

إذا تأملنا في الأسباب الحقيقية لنشأة الأزمة نجد أنه منذ تولي الرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين الحكم في روسيا الإتحادية عام 2000 وقد إنتهج مبدأ إستعادة روسيا لمكانتها الدولية مرة أخري كوريثة شرعية للإتحاد السوفيتي المتفكك في عام 1990، ولكن هناك العديد من التحديات التي واجهت رؤية الرئيس الروسي بوتين وهو أن العالم كان أحادي القطبية متمثل في الولايات المتحدة الأمريكية وبالتالي يجب إعادة التوازن الدولي مرة أخري وظهور روسيا كقوي دولية في خطوة لإستعادة دورها الدولي وبالتالي إتجاه العالم نحو تعدد القطبية مرة أخري.

ولكن لا يمكن أن تتحقق إستعادة روسيا الإتحادية لمكانتها الدولية دون الحفاظ علي مجالها الإستراتيجي وحمايته من التدخلات الغربية المحاصرة للمجال الروسي، ولذلك كان يجب علي فلاديمير بوتين أن يعي هذه النقطة جيداً، وبالتالى، تم الاتفاق على “مينسك 2″، وهي إتفاقية تشكل إلى اليوم أساس محاولات إحلال السلام، وما تزال بنودها لم تنفذ بالكامل بعد.

ولأن مسألة الإنضمام للناتو لم تنجح بسرعة، حاولت أوكرانيا الارتباط بالغرب من خلال إتفاقية تعاون مع الإتحاد الأوروبي، في صيف عام 2013. وبعد أشهر قليلة من توقيع الإتفاقية، مارست موسكو ضغوطاً اقتصادية هائلة على كييف وضيقت على الواردات إلى أوكرانيا، وعلى خلفية ذلك، جمدت حكومة الرئيس الأسبق يانوكوفيتش، الذي فاز بالانتخابات عام 2010، والتى انطلقت بسبب ذلك احتجاجات معارضة للقرار، أدت لفراره إلى روسيا في فبراير عام 2014.

ولكن في حقيقه الأمر عمل بوتين على تنفيذ عدة  إختبارات لموقف كل من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية بشكل عام مراراً؛ حيث أمر بوتين بحشد بعض القوات والعتاد العسكرية على الحدود الروسية الأوكرانية، وأدى ذلك إلى انتباه الولايات المتحدة الأمريكية، والتي سعت لإجراء مباحثات بين بوتين وبايدن، وبعد ذلك بأيام سحبت روسيا قواتها، ثم إعلان إنفصال إقليمي دونيتسك ولوهانسك، ثم أعلنتهما جمهوريتان شعبيتان يترأسهما حكام روس.

فقد حقق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالفعل الحد الأدنى في خطته وأقر باستقلال الإقلميين الإنفصاليين، بعد المرحلة السابقة  التى حدث خلالها تحقيق اتصال جغرافي بين الأراضي الروسية وشبه جزيرة القرم الأوكرانية التي ضمتها من جانب واحد، على طول البحر الأسود، حيث يوجد حالياً نحو 100 ألف جندي روسي متمركزين في نقاط مختلفة على طول الحدود الأوكرانية التي يبلغ طولها 1200 ميل.

وكشفت صور عبر الأقمار الصناعية أيضاً عن نشاط عسكري روسي في مناطق شمال شرق الحدود الأوكرانية. وأظهرت صور الأقمار الصناعية من يلنيا، المتاخمة أيضاً لبيلاروسيا، في نوفمبر 2021 أن روسيا تزيد من وجودها العسكري، الأمر الذي آثار مخاوف من اندلاع حرب، نظراً لموقعها الاستراتيجي بالقرب من العاصمة الأوكرانية كييف، ولا يزال عشرات الآلاف من القوات الروسية متمركزين داخل أراضي شبه جزيرة القرم التي تم ضمها مؤخرًا؛ حيث كشفت صور عبر الأقمار الصناعية عن عمليات انتشار كبيرة لقوات هناك في نوفمبر من العام الماضي. وأعرب مسؤولون أوكرانيون مراراً وتكراراً عن مخاوفهم بشأن الوجود العسكرى الروسي على الحدود، بينما يصر الكرملين على أنه مجرد “تدريب عسكري”.

ثم كبرت الأزمة الداخلية الأوكرانية ككرة الثلج وإمتدت آثارها دوليًا، لتصبح المواجهة بين شرق موال لروسيا ويعتبرها بلده الأم وغرب موال لسياسة الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية. أما سبب الأزمة المباشر فهو إندلاع تظاهرات في نوفمبر من العام الماضي في العاصمة كييف، بعد رفض الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش إتفاقية تؤمن المزيد من التقارب الاقتصادي مع الإتحاد الأوروبي لصالح التقارب مع روسيا.

ما يمكن قوله في هذا الإطار إن للأزمة الأوكرانية أضلاعاً أربعة سياسية وثقافية وإقتصادية وعسكرية على السواء، وتزداد عمقًا في أزمة الهوية التي يعيشها البلد الذي نال استقلاله في عام 1991 بعد تفكك الإتحاد السوفياتي السابق. والجدير بالذكر، أن الورقة السياسية هي العنصر الأكثر فعالية الذي يعتمده طرفا الأزمة في معركة عض الأصابع الدائرة بين روسيا من جهة والولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوروبي.  ومن جهة أخرى، اللذان لوحا بالعقوبات الاقتصادية ضد روسيا، في حال جرى ضم القرم إلى روسيا بعد الاستفتاء الذي حدث، كما هددت واشنطن باستبعاد روسيا من مجموعة الثماني، الأمر الذي قد ينعكس سلبا على الاقتصاد الروسي الذي يواجه صعوبات فعلية.

في حين أن روسيا تعتبر أوكرانيا “البلد الشقيق لروسيا” حسب تعبير الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهي جزء من صورة روسيا التي ترى نفسها عظمى بسبب إستمرار دوران أوروبا الشرقية، ومنها أوكرانيا في فلكها. أما القرم فهي شبه جزيرة تقع في جنوب أوكرانيا، وهي جزء من هذا البلد يتمتع بحكم ذاتي وظلت روسيا لمئات السنين مهتمة بالقرم، ممرها إلى البحر الأسود.

 

المصدر: المركز العربي للبحوث والدراسات

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر