المشاهير.. كفكرة اتصالية حديثة | مركز سمت للدراسات

المشاهير.. كفكرة اتصالية حديثة

التاريخ والوقت : الخميس, 31 مارس 2022

أمجد المنيف

 

منذ عشر سنوات تقريًبا من بزوغ ما يعرف بـ”المشاهير” – والمقصود بهم الأشخاص أصحاب الانتشار الكبير في منصات التواصل الاجتماعي – والجدل حولهم وما يقدمون مستمر ومتجدد، وأظنه باقيًا لوقت طويل، حتى (يصحح السوق نفسه بنفسه). وهذا يتحقق بعدة أشياء، منها: تشريعات حديثة ومواكبة، وارتفاع الوعي في التعامل مع المحتوى من المرسل والمتلقي، وقبول التنوع والخيارات الفردية، ووجود متخصصين في جميع المجالات.

الملاحظة الأهم في هذا الملف، هي أن الفكرة ثابتة والأسماء متغيرة. مشاهير السنوات الماضية ليسوا تمامًا هم مشاهير هذا العام، وقد يتغيرون مستقبلاً، وهذا مرتبط بالمحتوى وخيارات المتلقي وتغير المنصات، ونضوج الأشخاص والأفكار، وغيرها من العوامل والظروف المصاحبة. وقد يأتي يوم يمر فيه الجميع على الشهرة، إمِّا مرورًا عابرًا، أو بقاء دائمًا، ويصبح التميز في أن يكون الأشخاص غير معروفين.

أكثر ما لفت انتباهي، خلال الرصد الشخصي في السنوات الماضية، هو تغيُّر الأدوات المساعدة في الانتشار. قد تكون البدايات تعتمد على البحث والنشر والإبهار، وهذا يتطلب معرفة جيدة في بناء المحتوى الرصين. لاحقًا، أصبح المحتوى الرشيق والسريع هو الأكثر طلبًا وتفاعلاً. أمَّا الآن، فأظنُّ أن الاحتياجات الأبرز هي المهارات الشخصية والمتمكنة في البث المباشر، والتفاعل الآني، والاستجابة لما يعرف بـ”الترند” الحالي. قد يتطلب المستقبل مهارات أكثر، لكنها بالتأكيد ستلغي الخصوصية تدريجيًا، حتى تصبح حياة الأفراد كلها online!

ولتدريب ذواتنا على استيعاب معظم أشكال المحتوى، يُفترض أن نؤمن بحق كل شخص في نشر أي شيء، بغض النظر عن اتفاقنا معه أو عدمه، ما لم يتجاوز القانون أو على الغير. وبالتوازي، يجب أن ندرك بفكرة أن محتوى المشاهير “تافه”؛ قد لا تكون كذلك دائمًا.. والتفكير بأنه قد تغير احتياج الناس واستهلاكهم دون أن نشعر. من المهم أن نرى الأشياء بنظرة شمولية، وعدم اختزال الفكرة بالاحتياج أو الاهتمام الفرداني، واستيعاب وجود أجيال جديدة تختلف بنوعية الاهتمامات والاستهلاك والأولويات.

السؤال: هل هذا ما يحدث في كل العالم؟ أميل للإجابة بقول: (نعم)، و(لا) في نفس الوقت! يوجد حراك بالتأكيد في معظم الدول، وللمشاهير تأثيرهم تقريبًا، إلا أنهم لا يحضرون كبديل في الجوانب التخصصية، ما لم يكن المشهور متخصصًا. وفي اعتقادي الشخصي، أن من أهم أسباب عدم حدوث “الخربطة الرقمية” لدى الدول المتقدمة؛ وجود صحف صفراء ومنشورات متخصصة بالمشاهير بالغرب، سهَّل من تعاملهم مع المنصات الرقمية، ولكن الوضع لدينا قفز تقريبًا من الصحف الرصينة إلى الحرية الكلية. وكان الفضول أساس المتابعة.

السوق الإعلامية الغربية أيضًا سريعة التغيير والتفاعل، إذ لم تكتفِ بالعمل الإعلامي على المنصات الإعلامية الرسمية، كما هو معروف سابقًا؛ بعدما أطلع البيت الأبيض أصحاب حسابات تطبيق “تيك توك” المؤثرين، على الأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة في أوكرانيا.. أيضًا، يُفترض ألا يفهم ما حدث على أنه طريقة الحكومات الغربية الحديثة؛ لأن كل ما يحدث في الأزمة الروسية – الأوكرانية يعتبر مختلفًا، على الأقل سقطت فيه الكثير من الشعارات والقيم المزيفة، وخاصة فيما يحدث في الإعلام وترهيب شبكات التواصل الاجتماعي. انهارت كل أسقف حرية الرأي المزعومة تمامًا.

عودة للمشاهير، وهم أساس الحديث، فلا بدَّ من معرفة أن الشهرة تأتي غالبًا بالتوازي مع ارتفاع المداخيل، ويتناسب الأمر طرديًا مع زيادة المحتوى واللغط؛ لذلك ما نراه من منظور قيمي هو بالضرورة “تجارة” من المنظور الآخر. ليس من المنطق أن نطلب من الآخرين التوقف عن التكسب المادي، وهذا عكس الفطرة البشرية. قد تتغير قناعاتنا متى ما فكرنا من ناحية المشهور، وحاولنا استيعاب منطلقاته.
وكل هذا يفضي بنا للسؤال القديم المتجدد: هل يجب على المنظمات الاستعانة بالمشاهير في حملاتها التواصلية؟ السؤال واسع.. ويحتمل الكثير من الأفكار، لكنه يحتاج إلى تفصيلات كثيرة. لا يمكن القول (نعم)، أو (لا). للحديث بقية.. والسلام.

 

مدير عام مركز سمت للدراسات، وكاتب سعودي* @Amjad_Almunif

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر