تداعيات الصراع الروسي – الأوكراني على الحركات المتطرفة والإرهابية | مركز سمت للدراسات

تداعيات الصراع الروسي – الأوكراني على الحركات المتطرفة والإرهابية

التاريخ والوقت : الخميس, 24 مارس 2022

 

المقاتلون الأجانب

أشارت رهف الخزرجي (الباحثة ونائبة مدير قسم النشر العلمي في تريندز) إلى أن ظاهرة المقاتلين الأجانب شوهدت بصورةٍ واضحة في السنوات الأخيرة، من خلال حالة تنظيم داعش. العديد من أولئك الذين ذهبوا في الأصل للقتال في سوريا فعلوا ذلك لأنهم كانوا قلقين على إخوانهم المسلمين الذين كانوا يعانون على أيدي نظام بشار الأسد، قبل أن يتم جرهم إلى أحضان الجماعات المتطرفة.

وتشير الخزرجي إلى أن ثمة دينامية مماثلة تحدث في أوكرانيا الآن، حيث يسافر العديد من المتطوعين لمساعدة أوكرانيا، في حين أن مجموعات مثل كتيبة آزوف تقف في خلفية الأحداث تراقب وتحاول تجنيد هؤلاء الأشخاص. وقد يتطلع أعضاء اليمين المتطرف الأوروبي على وجه التحديد إلى السفر إلى أوكرانيا للحصول على تدريبٍ عسكري، وبهذه الطريقة يمكن أن تصبح الحرب نقطة ارتكاز للتطرف.

هناك بُعد إسلامي للحرب الأوكرانية، حسبما تشير الخزرجي. فلقد أرسل الرئيس الشيشاني رمضان قديروف -الذي نصبته الحكومة الروسية- قوات للقتال إلى جانب الجيش الروسي، في حين أن الشيشان الآخرين الذين خسروا الحروب في التسعينيات، يقاتلون إلى جانب الحكومة الأوكرانية. وهذا الأمر جعل الصراع نقطة جذب للجماعات الجهادية. فمن ناحية، أدان تنظيم داعش في صحيفته الأسبوعية “النبأ” المسلمين الذين ينحازون إلى أيٍّ من الجانبين في هذه الحرب. على الجانب الآخر، يميل تنظيم القاعدة والجماعات المتحالفة معه إلى الانحياز إلى أوكرانيا -أو بتعبير أدق لمعاداة روسيا- بسبب ما فعلته الحكومة الروسية في الشيشان، ومؤخرًا في سوريا.

من ناحيته، بدأ جاكوب زين (البروفيسور المساعد في برنامج الدراسات الأمنية بجامعة جورج تاون، والباحث في الشؤون الإفريقية والأوراسية في مؤسسة جيمستاون) بالإشارة إلى أن قدرًا كبيرًا من تدفق المقاتلين الأجانب الجهاديين قد تحوّل من بلاد الشام إلى غرب إفريقيا. وقد أدّى هذا إلى حدوث توتراتٍ شديدة في العديد من الدول، لاسيّما الجزائر والسنغال، الأمر الذي دفع هاتين الدولتين إلى حظر التجنيد لصالح الفيلق الأجنبي لأوكرانيا، لأنهما تخشيان أن ينخرط مواطنوها في أوكرانيا، ويجلبون المشكلات معهم إلى الوطن عندما تضع الحرب أوزارها.

فراغ أمني

أشار زين إلى تنامي النفوذ الروسي في عددٍ من دول غرب إفريقيا، خاصة في مالي، حيث أوصل الانقلابُ العام الماضي إلى السلطة حكومةً عسكرية، حاولت طرد قوة مكافحة الإرهاب الفرنسية من الدولة، وجلب القوات الروسية، سواء العسكرية الرسمية أو “المرتزقة” الذين يرتبطون ارتباطًا وثيقًا بأجهزة الاستخبارات الروسية. ومن المرجح أن تواصل روسيا محاولة تأمين شراكاتٍ عسكرية في غرب إفريقيا، كما يقول زين، في مسعى منها لتجنب العزلة.

ويرى زين أن دول آسيا الوسطى ترتبط ارتباطا قويًا بروسيا، بعد أن حكمها الاتحاد السوفييتي حتى عام 1991، فهي تتحدث الروسية، وعدد العمال المهاجرين من هذه الدول، في روسيا، يربطهم أكثر. لقد عانت دول آسيا الوسطى من مشكلة التطرف الإسلاموي، حيث انضمت أعداد كبيرة من مواطنيها إلى تنظيمي القاعدة وداعش في سوريا والعراق. والآن، وبعد عودة بعض هؤلاء الأشخاص، وما ترتب عليه من مشكلات أمنية، تخشى دول آسيا الوسطى من إغضاب روسيا. ذلك أن الروس يوفرون قدرات أمنية لهذه الدول -وبشكلٍ أكثر تحديدًا الحكومات، مثل إرسال قواتٍ لإخماد الاحتجاجات في كازاخستان في شهر يناير- وهي الآن قضية لا تزال حيّة وستثبت ما إذا كانت روسيا قادرة على حماية هذه “المنطقة الرخوة” في ظلِّ نشر عدد كبير من قواتها في أوكرانيا.

يضيف زين أن دول آسيا الوسطى تخشى روسيا بسبب أزمة أوكرانيا، خاصة كازاخستان حيث يوجد نزاع إقليمي طفيف في الشمال. ولكن هذا الأمر من المرجح أن يدفع هذه الدول لتكون متوافقة مع روسيا، لا أن تكون معادية لها. وأردف زين أن دول آسيا الوسطى تمكّنت حتى الآن من تجنب الانجرار إلى إرسال قوات لمساعدة روسيا في أوكرانيا، لكن هذا يتزامن مع تجنب أي إدانة علنية لروسيا، ومحاولة الحد من أي جهود يبذلها مواطنوها للانضمام إلى المجهود الحربي الأوكراني.

الدولة المهمة الأخرى في منطقة آسيا الوسطى هي أفغانستان، حيث تقيم روسيا علاقات أكثر قوة مع نظام طالبان في محاولة لخلق الاستقرار الذي من شأنه أن يمنع انتشار العدوى عبر حدودها. ومع ذلك، فإن هذه السياسة في المقابل تغضب داعش الذي يشن حملة حرب عصابات متواصلة ضد طالبان. ومع ذلك، يؤكد زين ما قالته الخزرجي: سياسة داعش المفضلة هي أن تنهك الدول “الكافرة” بعضها البعض.

بناءً على ما قاله زين، لفت أوفيد لوبل (المحلل السياسي في مجلس الشؤون الأسترالية-الإسرائيلية واليهودية، المتخصص في القضايا الأمنية في الشرق الأوسط، خاصة الإرهاب ودور روسيا)، الانتباه إلى جهود روسيا لإزاحة فرنسا كشريكٍ أمني لدول غرب إفريقيا. ولكن نظرًا لأن الحرب تسير بشكلٍ سيئ للغاية في أوكرانيا، ما يكشف عن خواء الجيش الروسي، والتمدد الإمبراطوري المفرط للكرملين، ربما يؤدي سحب الأصول الأمنية الروسية، لنشرها في أوكرانيا، إلى ترك مساحة لنشاط الجماعات الجهادية.

يرى لوبل أن الضرر الذي لحق بالهيبة الروسية، والحاجة إلى نقل الموارد العسكرية إلى أوكرانيا، سيؤثر أيضًا على سوريا، حيث فشلت روسيا بالفعل فشلًا ذريعًا في احتواء تمرد داعش في الشرق. ويعتقد أن هناك قضية إضافية في آسيا الوسطى وهي أن طالبان قد تغتنم الفرصة لتنفيذ رؤيتها العابرة للحدود الوطنية من خلال شنِّ هجماتٍ على دولة مثل طاجيكستان، وهي دولة تعتمد بشكلٍ حيوي على روسيا في أمنها، ولن تتمكن روسيا من الرد على ذلك.

إلى ذلك، تتفق آنا جوساروفا (مديرة معهد آسيا الوسطى للدراسات الاستراتيجية، الذي يركز على تقديم وجهات نظر جديدة للقضايا الأمنية والسياسية، وغيرها من القضايا، في دول آسيا الوسطى) مع زين ولوبل حول اعتماد المنطقة على روسيا في الأمن. وفي هذا الصدد، أشارت إلى أن آسيا الوسطى لم تُبتلَ بالتطرف الجهادي فحسب، بل باليمين المتطرف، الذي ترعاه روسيا، أيضًا.

في الوقت الحالي، استطاعت دول آسيا الوسطى النأي بنفسها عن الحرب الأوكرانية، وتعتبر القتال في دول أجنبية غير قانوني رسميًا، على الرغم من وجود قصص إخبارية مزيفة من وسائل الإعلام الروسية حول وجود متطوعين يسافرون إلى أوكرانيا. وترى جوساروفا أنه من السابق لأوانه الحديث عن كيف ستسير الأمور، لكنها تؤكد مجددًا أن دول آسيا الوسطى ما زالت تعاني من موجة المقاتلين الأجانب الذين سبق وأن سافروا إلى سوريا والعراق.

روسيا واليمين المتطرف الدولي

وصف لوبل روسيا بأنها مثل “إيران لجماعات تفوق البيض”، لأن دولة بوتين كانت تقرّب منها شبكة دولية من النازيين الجدد ووكلاء اليمين المتطرف وتدعمهم، وهي تقوم بكل ذلك في الوقت الذي تزعم أن هدف الحرب في أوكرانيا “اجتثاث النازيين” عن دولة رئيسها يهودي.

يقول لوبل إن القصة تبدأ بما يعرف بالمسيرة الحديدية (Iron March)، عبارة عن منتدى إلكتروني للنازيين الجدد، أسسه ألكسندر مخيتدينوف في عام 2011، ثم انبثقت منه شبكة عابرة للحدود تضم جماعات مثل “فرقة أتوموافين” (فرقة الأسلحة النووية) في ألمانيا و”ذا بيز” (The Base) (من المفارقات أنها سميت وفق الترجمة الإنجليزية لـ”القاعدة”)، في الولايات المتحدة الأمريكية. ويشير لوبل إلى أن مخيتدينوف يعيش علنًا في موسكو، وأن زعيم “ذا بيز”، رينالدو نازارو، ظهر أيضًا في روسيا وشوهد وهو يرتدي قميص عليه صورة بوتين. في الواقع، يبدو أن نازارو أسس “ذا بيز” في روسيا، وكان يدير مجموعته من روسيا، ويفحص ويجند أشخاصًا في أماكن بعيدة تصل إلى أستراليا. ومن الواضح أن مخيتدينوف ونازارو يعملان لصالح الاستخبارات الروسية.

وإلى جانب منتدى المسيرة الحديدية، فإن المحور الرئيس الآخر لما يصفه لوبل بأنه “النازية الدولية الجديدة” هو الحركة الإمبراطورية الروسية (RIM)، التي تصوّر أحيانًا على أنها جماعة مستقلة لديها “تفاهم” مع الدولة الروسية، لكن لوبل يقول إن العلاقة أعمق بكثير من ذلك، وأن استقلاليتها محض خيال بالأساس. وتقوم هذه الجماعة بتدريب عملاء اليمين المتطرف من جميع أنحاء العالم، ثم ترسلهم إلى بلدانهم الأصلية، لاسيّما السويد.

ثم هناك مجموعة فاغنر، التي يفترض أنها شركة عسكرية خاصة، ولكنها تعمل بناء على طلبٍ من الدولة الروسية، في مسارح متباعدة مثل سوريا، وجمهورية إفريقيا الوسطى، وهويتها الأساسية هي نازية جديدة.

ويرى لوبل أن الخطر مع هذه الجماعات هو أن روسيا ستستخدم هذه الأصول للانتقام من العقوبات الغربية من خلال شنِّ هجماتٍ إرهابية في الغرب. ومع ذلك، فهناك احتمال آخر يسلِّط لوبل الضوءَ عليه، هو أنه مع تحول الرأي العام الغربي بشكلٍ حاد ضد روسيا ووكلائها بسبب هذه الحرب، ستتحرك الدول الغربية بقوة لعزل اليمين المتطرف وتحييده، ليس فقط هذه الجماعات -التي صنفت العديد منها بالفعل كجماعاتٍ إرهابية في الدول الغربية- بل الأحزاب السياسية لليمين المتشدد أيضًا التي قدمت روسيا المال والدعم لها.

نقص الغذاء وزيادة عدم الاستقرار

أشار عزت إبراهيم (رئيس تحرير صحيفتي الأهرام ويكلي والأهرام أونلاين)، إلى أن تنظيمي داعش والقاعدة ما زالا يحتفظان بقدراتهما، وأنه مع تراجع الأمم المتحدة والنظام الدولي، بما في ذلك تشجيع المقاتلين الأجانب والمرتزقة في الحروب بالوكالة، سوف تنفتح “ثغرات” جديدة أمام الجماعات الإرهابية لاستغلالها. وقد تفاقم هذا الوضع بسبب جائحة فيروس كورونا، والآن مع انقطاع إمدادات القمح من أوكرانيا الذي يسهم في إضعاف بعض الدول. وسيكون لهذه التطورات تداعيات عميقة الأثر في مصر على وجه الخصوص، لأن الدولة تعتمد اعتمادًا كبيرًا على واردات الحبوب. ويرى أنه سيكون من الأفضل لجميع المعنيين احتواء الحرب، وإصلاح العلاقات بين الغرب وروسيا بسرعة.

وأشار الكولونيل ديفيد دي روش (البروفيسور في مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الاستراتيجية في جامعة الدفاع الوطني في واشنطن العاصمة، والمسؤول الحكومي الأمريكي السابق)، إلى أن الشرق الأوسط هشّ بشكلٍ عام، من الناحية البنيوية، بسبب ضعف المؤسسات واستشراء الفساد، من بين أمورٍ أخرى؛ وقد أضافت شبكات داعش وتدفقات المقاتلين الأجانب إلى قائمة المشكلات الموجودة من قبل. وقد ركز البروفيسور دي روش على انعدام الأمن الغذائي.

ومصر هي إحدى أخطر حالات انعدام الأمن الغذائي، كما يقول دي روش. ورغم أن دول الخليج، من حيث النسبة المئوية، أكثر اعتمادًا على واردات الحبوب، فإنها دول أكثر ثراء -باستثناء اليمن- وبالتالي تستطيع دفع ثمن تلك الواردات. كما أن هذه الدول تستورد الحبوب في الغالب من أستراليا، والعديد من الدول العربية في غرب إفريقيا تستورد من فرنسا. ويتمثل الضعف الخاص في حالة مصر في اجتماع عدد سكانها الهائل، والاعتماد الكبير على المحاصيل الأوكرانية والروسية، حيث تعطل الأول لأنه لا يمكن زراعته، وتعطل الثاني لأنه سيتم حظره بموجب العقوبات.

تجدر الإشارة إلى أن الخبز المدعم هو عنصر أساس في الاستقرار السياسي في مصر. وهنا، يُذكّر دي روش الحضور بمحاولة أنور السادات خفض هذه الإعانات في عام 1977 كجزء من الإصلاحات الاقتصادية، ما أدّى إلى أعمال شغب حادة عرفت باسم “انتفاضة الخبز” لدرجة أنه تراجع عن ذلك على الفور.

الاستراتيجية والإلهاء

يقول دي روش: “في كل حرب يظهر سلاح مثير للاهتمام”، وفي هذه الحرب الطائرات التركية بدون طيار بيرقدار تي بي 2. وقد أثبتت هذه الطائرات فعاليتها في دعم أذربيجان في حرب كاراباخ في عام 2020 وفي سوريا عندما دمرت تركيا قطاعاتٍ كبيرة من جيش الأسد في إدلب. ويقول دي روش إن هذا السلاح “أسر لب القادة الأمنيين في جميع أنحاء العالم”، من خلال توفير طريقة رخيصة لإحداث تأثير قوي في ساحة المعركة.

ويحذر دي روش من المبالغة في أهمية هذه الأسلحة، لأن الطائرات بدون طيار لا يمكنها القيام بهذه المهمة بمفردها، ذلك أنها تتطلب أن تكون الأجزاء الأخرى من النظام العسكري فعّالة. لكن أوكرانيا وجدت طريقة لاستخدام الطائرات بدون طيار: فهي لا تستطيع تدمير الجيش الروسي بشكلٍ كامل لأنه ببساطة كبير جدًا، ولكن من خلال اختيار الأهداف بحكمة “يمكنهم المساهمة في إبطاء تقدم القوات الروسية، ما يتيح بعد ذلك للشبكة اللوجستية السيئة جدًا أن تعرقل تلك القوات، خاصة تحت الضغط، ومن ثم إفشالها”.

من ناحيةٍ أخرى، ركَّز الدكتور ثيودور كاراسيك (مستشار أول لشركة جلف ستيت أناليتيكس، وهي شركة استشارية جيوستراتيجية مقرها واشنطن العاصمة، ومحاضر مساعد في كلية دبي للإدارة الحكومية)، على الدول التي ستستغل هذه الأزمة كفرصة لإساءة التصرف: إيران وكوريا الشمالية هما المرشحان الأكثر احتمالًا هنا، وقد بدأ الكوريون الشماليون بالفعل بإجراء اختبارٍ صاروخي.

على الجانب الروسي، هناك قضية أوسع نطاقًا تتمثل في علاقة الدولة بالإسلام. ذلك أن الضرر الذي لحق بتصورات المسلمين عن روسيا بعد الشيشان وسوريا خطير، ومن شأن سوء معاملة التتار في أوكرانيا أن يفاقم من ذلك، الأمر الذي سيخلق حالة عدم استقرار داخلي. ومع ذلك، أشار الدكتور كاراسيك إلى أن ثمة حملة قمع قاسية -تشبه أسوأ فترة للاتحاد السوفيتي في فترة الثلاثينيات من القرن الماضي- تجري الآن في روسيا، التي قد تحتوي هذا التهديد.

 

المصدر: كيو بوست

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر