مناطق النفوذ والأمن العالمي | مركز سمت للدراسات

مناطق النفوذ والأمن العالمي

التاريخ والوقت : الإثنين, 21 مارس 2022

د. رضوان السيد

 

عندما بدأت روسيا عام 2008 بدعم منطقتي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، إنما كانت تفكر في كسْر الطوق عليها. وهو الطوق الذي تكوّن بالتدريج منذ تسعينيات القرن الماضي إثر سقوط الاتحاد السوفييتي. وقد اتخذ هذا الطوق إحدى صيغتين: الأولى مستترة وتتمثل في الاتحاد الأوروبي، والأُخرى ظاهرة وتتمثل في حلف شمال الأطلسي (الناتو). لكن في ذلك الوقت كانت الأذهان والاستراتيجيات قد افترقت بين الأميركيين والأوروبيين.

أما الأميركيون فكانوا يعتبرون أنّ هذا الطوق حول روسيا قد استحكم، وما عاد هناك خطر استراتيجي على أوروبا، وإذا أرادت روسيا فكَّ الطوق فإنها تحتاج إلى عشرات الحروب على عدة جهات: جهة الدول الإسلامية في آسيا الوسطى والقوقاز، وجهة شرق أوروبا وجمهوريات البلطيق وبولندا ورومانيا ومولدافيا وبلغاريا، ودول البلقان من وراء ذلك. وإلى ذلك فإنّ الولايات المتحدة كانت مشغولةً بالخروج من العراق وأفغانستان. واحتاج الأمر إلى بعض الوقت لتصارح أميركا الجميعَ بأنها تود مغادرةَ الشرق الأوسط وأوروبا لتركّز جهدها على الصين. والاستراتيجية نفسها (استراتيجية التخفف والخروج) بدأت بريطانيا العظمى تفكر فيها أيضاً وصولاً فيما بعد إلى بريكست ومغادرة الاتحاد الأوروبي.

أما الأوروبيون الغربيون الذين أظهروا انزعاجاً من التخفف الأميركي، فإنهم (وفي الطليعة منهم ألمانيا) بدأوا يفكرون من جهة في تقوية دفاعاتٍ مستقلة، ومن جهةٍ أخرى في الاتجاه إلى استدراج شراكة اعتماد متبادل مع روسيا الاتحادية: السِلَع الروسية الضرورية لهم (الغاز والبترول) والسوق الروسية الضخمة. وقد تحدث المستشار الألماني السابق شرودر، صديق روسيا الدائم، عن «تحالف التقدم». ففي روسيا تعمل عشرة آلاف شركةٍ ألمانية. ولا أحد يدري بتفاصيل المحادثات التي كانت المستشارة الألمانية السابقة ميركل، على مدى عقدٍ ونيف، تقودها مع الرئيس بوتين!

بيد أنّ روسيا وقد اختبرت هدوءاً أوروبياً تجاه أحداث جورجيا، مضت في سياسات كسر الطوق بالقوة في مولدافيا، وعودةً من جديد إلى روسيا الصغرى، إلى أوكرانيا، فأخذت منها في عام 2014 شبه جزيرة القرم للتحكم في البحر الأسود وبحر آزوف، ثم أقبلت على تكوين نواة جمهوريتين في منطقة دونباس بشرق أوكرانيا (عام 2015). لقد كانت عينها دائماً على التطورات الداخلية بالجمهوريات الجديدة. أما أوكرانيا فاستمرت في التطلع نحو الاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي، رغم أنّ أميركا كانت تُظهر زهداً متدرجاً بالأطلسي وأعبائه، بلطف أيام أوباما، وعلناً أيام ترامب.

منذ حرب فيتنام، ما عادت لحروب الولايات المتحدة في بقاع شتى من العالم تأثيرات داخلية. وظلّت الاستراتيجيات الجديدة باتجاه الصين وما حولها من دولٍ وبحارٍ هي الغلاّبة. فهل تُغيّر الحربُ في أوكرانيا من هذا التوجه الغلاّب رغم كل الاعتبارات؟ وهل تغيّر الحرب الجديدة في توجهات القارة القديمة التي يعتبرها الأميركيون والروس عجوزاً عاجزةً؟!     الكثيرون الآن يتوجهون نحو الولايات المتحدة، أي نحو «الناتو»، للاستنصار والحماية. وما انتظر الألمان الحديث الفرنسي عن الجيش الأوروبي، بل أقبلوا على إنفاق مائة مليار يورو لتقوية جيشهم.

والإيطاليون والأسبان (وليس الصغار فقط في شرق أوروبا) يتوجهون نحو الولايات المتحدة، لكنهم يراقبون بحذرٍ النوايا والتحركات الألمانية. هل قطعت ألمانيا الأمل بروسيا، وهل تستطيع ذلك؟ ربما يفضّل الفرنسيون التفاوض مع روسيا على القوة الألمانية، وعلى «الناتو» الأميركي! إنما كيف يفكّر الأميركيون؟

أَوَ ليسوا هم الذين أرسلوا جونسون، رئيس الحكومة البريطانية، إلى المنطقة مؤخراً، وقد أهملوها وجَفَوها طويلاً؟ هل هو تكتيكات مثل اتجاههم نحو فنزويلا؟ أم أنّ الأمن الأوروبي والعالمي سيقتضيهم العودة إلى حلفائهم القدامى في الغرب والشرق؟ سيجتمع الأطلسيون الأسبوع القادم في قمة يحضرها بايدن. والجميع ينتظر قراراتٍ حاسمة.. فهل تنجح المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا؟

المصدر: صحيفة الاتحاد

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر