سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
مصطفى صالح
تعتبر الأزمة الأوكرانية من أكثر الأزمات الدولية الراهنة التي تؤثر على دول العالم المختلفة في تداعياتها الداخلية والإقليمية والدولية، ولعل هذه المخاوف تصاعدت بسبب تطورات الأزمة التي ساهمت في تنامي دور الوساطة من جانب الدول للحيلولة دون تفاقم الأوضاع الصراعية بين روسيا من جانب وأوكرانيا والدول الغربية من جانب آخر.
وقد جاءت هذه الجهود تعبيرًا عن حالة الخوف المتصاعد بسبب تنامي اللجوء إلى الاعتماد على الخيارات النووية بعدما تم استهداف المفاعل النووي في محطة زابوروجيا، بالإضافة إلى اتجاه الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية إلى تعزيز قدرات الدول المجاورة لروسيا عسكريًا لمواجهة هذا التصعيد.
أدوار متعددة
ظهرت مجموعة من الأدوار التي اقترحتها دول العالم المختلفة للوساطة في الأزمة الأوكرانية في محاولة من جانبهم للوصول إلى تفاهمات مشتركة يمكن أن تؤدي إلى بلورة اتفاق ينهي الأعمال العدائية المترتبة على التدخل الروسي في إقليم دونباس والاعتراف باستقلال جمهوريتي دونتسك ولوهانسك.
ويجب الإشارة هنا إلى أن هذه الجهود جاءت وفق مسارين أولهما الطلب الأوكراني الرسمي، وثانيهما مبادرة الدول الذاتية التي يمكن أن تلقى قبول الأطراف المتصارعة. وضمن هذا الإطار، أفرزت الأزمة مجموعة متباينة من المواقف وتداخلت دعوات الوساطة مع المطالبة بوقف التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا على سبيل المثال عرض رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت خدمات بلاده كوسيط للسلام مع محادثة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وعلى الرغم من إدانة وزير الخارجية الإسرائيلي الغزو الروسي لأوكرانيا، بما اتسق مع إدانات غربية، أحجم بينيت عن ذلك. وتشعر إسرائيل بالقلق من إثارة خلاف مع روسيا التي لها نفوذ عسكري في سوريا المجاورة وتمتلك معها علاقات في كثير من الملفات. ويؤكد على ذلك ما أعلنه جاري كورين المسؤول البارز بوزارة الخارجية لإذاعة كان إن إسرائيل كانت على اتصال بجميع أطراف الصراع، وإن إدانة روسيا على استحياء الهدف منها ترك الباب مفتوحًا أمام دور وساطة لإسرائيل.
وضمن هذا السياق، حددت دولة الإمارات العربية المتحدة، أولوياتها في الأزمة الأوكرانية، بسياقات دبلوماسية أفسحت المجال للتكهّن باحتمالات أن تكون أبو ظبي تسعى للمباشرة في مهمة الوساطة لإنهاء الأزمة الأوكرانية المفتوحة على احتمالات صعبة تستدعي من الأطراف الدولية التعلق بكل السبل، ودعم أي محاولة اختراق باتجاه التهدئة؛ حيث وصف المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، أنور قرقاش، الأزمة الأوكرانية، بأنها اختبار صعب واستقطاب حاد يهدد أسس المجتمع الدولي ويزيد من عوامل عدم الاستقرار.
والجدير ذكره ان الإمارات تمتلك علاقات سياسية واقتصادية مع روسيا وأوكرانيا بما يؤهلها لأن تكون قوة مؤثرة على وهو ما يبرر التكهّن باحتمال أن تكون زيارة عبد الله بن زايد إلى موسكو مؤشرًا محتملًا لإطلاق جُهد رسمي بالوساطة في قضية استعصت حتى الآن على جهود مماثلة.
من ناحية أخرى، وعلى الرغم من التوترات الروسية – التركية حول الانتقادات حول سلوك روسيا في ضم شبه جزيرة القرم، تقدمت تركيا بعرض للوساطة قبل التصعيد العسكري المتبادل بين روسيا وأوكرانيا؛ حيث عرض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استضافة مباحثات رفيعة المستوى بين أوكرانيا وروسيا، في محاولة لخفض التوترات بين الجارتين. وقال أردوغان في مؤتمر صحفي عقده مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كييف: سنكون سعداء لاستضافة قمة على مستوى القادة أو مباحثات على مستوى فني.
تشابك النتائج
على الرغم من تعدد الجهود المبذولة لتسوية الأزمة من خلال جهود الوساطة، إلا أن هناك مجموعة من التحديات التي تواجه نجاحها، بعضها يتعلق بطبيعة الأزمة وأهداف أطرافها والظروف المحيطة بها، والبعض الآخر يتعلق بحدود وقدرة الأطراف على طرح أنفسهم كوسطاء ومدى قبول أطراف الأزمة بدورهم.
ويجب الإشارة أنه على سبيل المثال يمثل الثقل النسبي للدول التي طرحت نفسها للأزمة كوسيط يمثل تحدي كبير أمامهم فيما يتعلق بقدرتهم على تسوية الأزمة خاصة وأن طبيعتها تتطلب سلسلة من الجهود الكبيرة للوصول إلى توافقات حول تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتصارعة خاصة وأن الأزمة خرجت من إطارها الإقليمي إلى امتداد تأثيراتها على أوضاع الاستقرار وعدم الاستقرار في النظام الدولي.
على سبيل المثال يمكن أن تكون للوساطة الإماراتية المحتملة ميزة نوعية مقارنة بوساطات أخرى كالتي عُرضت رسميًا من طرف تركيا وإسرائيل، ومثلها التي مارسها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في كون أبو ظبي نأت بنفسها مبكرًا عن الانحياز، فضلًا عن أنها تمتلك علاقات قوية مع جميع أطراف الأزمة.
من جانب آخر، فإن تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي “الناتو”، تحتفظ بعلاقات وثيقة مع كل من أوكرانيا وروسيا، ومن ثم فهي مؤهلة للمساعدة في نزع فتيل التوترات بين موسكو وكييف، كما أنه على الرغم من أنقرة عرضت التوسط، لكن دعمها لأوكرانيا جلب اتهامات روسية بأن أنقرة تغذي المشاعر العسكرية لدى كييف. لذلك فإن هناك تباعدًا حقيقيًا بين أهداف أردوغان وتوقعات بوتين.
كما أنه في حال فشل الجهود الدبلوماسية المتعلقة بأدوار الوساطة ومحاولات تقريب وجهات النظر بين الطرفين، فإن هناك مسارات تتعلق بالتصعيد المتبادل الذي قد يمتد إلى المواجهة النووية وتعقيد الأزمة بصورة أكبر. من ناحية أخرى فإن هناك دعوات متبادلة من جانب روسيا وأوكرانيا إلى الحوار المباشر.
في الختام: تظل الجهود الدبلوماسية ضمن أعمال الوساطة تحتل أهمية متراجعة في ظل استمرار التصعيد العسكري المتبادل بين أطراف الأزمة، كما أن طبيعة الأهداف الروسية في الأزمة لم يتم الاستجابة لها والتعامل مع تعقيدات المشهد الداخلي الأوكراني فيما يتعلق بإقليم دونباس، وانه على الرغم من ذلك، فإنه مهما طالت الأزمة إلا أن الخطوات الدبلوماسية تحتل أهمية كبيرة في الدفع بأطراف الأزمة إلى النظر في التطورات التي قد تفرزها الأزمة على مختلف المستويات.
المصدر: المركز العربي للبحوث والدراسات
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر