لماذا لن يؤثر فرض العقوبات على روسيا؟ | مركز سمت للدراسات

لماذا لن يؤثر فرض العقوبات على روسيا؟

التاريخ والوقت : الأربعاء, 9 مارس 2022

سيمون كونستابل

بينما تفرض الولايات المتحدة وأوروبا عددًا كبيرًا من العقوبات الاقتصادية لمواجهة الغزو الروسي لأوكرانيا، هناك قدر ضئيل من التفاهم بأن الاعتماد المالي المتبادل بين الأطراف الرئيسية في الأزمة يشير إلى أنه من غير المرجح أن تنجح الحلول السريعة والسهلة في حل تلك الأزمة. وأسوأ من ذلك، أن فرض عقوبات على النخبة الروسية لن يفيد كثيرًا، إن وجد، في إعادة النظام الذي سرعان ما تحول إلى فوضى.

بوتين في مرمى العقوبات

على الرغم من ذلك، دفعت الأنباء التي صدرت في وقت سابق من هذا الأسبوع إلى أن روسيا أمرت جيشها بتقمص دور “حافظ السلام” في المناطق المتنازع عليها بمناطق شرق أوكرانيا بالديمقراطيات الغربية إلى فرض عقوبات على روسيا.

على وجه التحديد، فرضت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول أخرى عقوبات على بعض الشركات الروسية المحددة، وكذا على أفراد يحملون الجنسية الروسية، وضمت قائمة العقوبات في الولايات المتحدة بعض البنوك الروسية، بالإضافة إلى الأفراد الأثرياء والأوليغارك. علاوةً على ذلك، هناك حظر على شراء ديون الدولة. باختصار، تهدف هذه الإجراءات إلى إلحاق الضرر بالأثرياء والأقوياء في الدائرة المقربة من الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”. ولكن المشكلة هي أن قلة من الخبراء يعتقدون أن هذه الإجراءات ستحدث فرقًا كبيرًا.

يقول “بيتر تشير”، رئيس استراتيجية الاقتصاد الكلي العالمي في شركة أكاديمي سيكيوريتيز في نيويورك: “حتى الآن لم نرَ عقوبات حازمة على روسيا”. “لا تنجح العقوبات إلا عندما تجبر الدول التي تعاني منها على تغيير السلوك المتبع، وهو ما لم يحدث في حالة بوتين”.

القضية في روسيا اليوم، كما كانت في عهد القياصرة، هي أن السكان فقراء في المقام الأول. إذ يبلغ متوسط دخل الفرد السنوي في روسيا ما يقرب من خُمس ما هو في الولايات المتحدة. ولا يتمركز أحد في قمة الهرم الاقتصادي سوى عدد قليل من الأفراد فاحشي الثراء. في النهاية، ستكون تداعيات العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا أكبر بكثير على الفقراء منها على الأغنياء وأفراد النخبة الروسية. كما قال تشير: “طالما تعاملت روسيا مع الفقراء كما تتعامل مع الفلاحين”.

تاريخ ضعيف من نجاح العقوبات

يرى خبراء آخرون عيوبًا أكثر خطورة في فرض تلك العقوبات. إذ يقول “ستيف هانكي”، أستاذ الاقتصاد التطبيقي بجامعة جونز هوبكنز: “إن السجل الحافل لتلك الإجراءات يدل على فشلها”. وأن “هناك دائمًا حلولاً بديلة”؛ مما يعني أن العقوبات لن تمنع الأثرياء من نقل الأموال داخل وخارج البلاد.

في الواقع، تخضع روسيا لعقوبات منذ سنوات، على الأقل بعد ضم شبه جزيرة القرم في عام 2014، ولم يتغير سلوك البلاد بنحو إيجابي منذ ذلك الحين. كما طُبقت العقوبات السابقة، مثل العقوبات المطبقة، مؤخرًا، لاستهداف النُخب.

وواجهت دول أخرى عقوبات قاسية دون تغيير سلوكها. فيلاحظ “هانكي” أن العقوبات الأميركية ضد فنزويلا لم تؤدِ إلى الإطاحة بالرئيس السلطوي في البلاد “نيكولاس مادورو”. كما فشلت إجراءات مماثلة ضد كوبا في الإطاحة بالديكتاتور “فيدل كاسترو”. وبالمثل، وعلى الرغم من أكثر من أربعة عقود من العقوبات الأميركية القاسية ضد النظام الإيراني، لا يزال الملالي الثيوقراطيون في السلطة. إذ تكمن المشكلة في أن العقوبات كثيرًا ما تدفع الشعب إلى الالتفاف حول راية واحدة. يقول “هانكي”: “كل من يفرض العقوبات يعتبر عدوًا”. بعبارةٍ أخرى، تترسخ لدى الناس عقلية الحصار، حيث يتحدون معًا لمواجهة العاصفة الاقتصادية.

روسيا وأوروبا: الشركاء الاقتصاديون

الفروق الدقيقة الأخرى تعقد الوضع في أوكرانيا أكثر بكثير مما يبدو للوهلة الأولى، إذ تتمحور القضية حول اقتصاديات طرفين رئيسيين. في حين أن الولايات المتحدة وروسيا لا يعتمد أحدهما على الآخر كثيرًا، فلا يمكن قول الشيء نفسه بالنسبة لأوروبا وروسيا. فعندما يتعلق الأمر بالطاقة، فإن الأخيرين مرتبطان بشكل كبير جدًا. لذلك، لا يمكن فرض العقوبات على روسيا بطريقة تثير الصدمة والرهبة؛ إذ من المرجح أن يؤدي الحصار الاقتصادي الشامل إلى إلحاق الضرر بأوروبا تمامًا مثل روسيا.

تقول “إلينا ريباكوفا”، نائبة كبير الاقتصاديين في معهد التمويل الدولي ومقره واشنطن: “يكاد يكون من المستحيل بالنسبة لأوروبا التخلص التدريجي من الطاقة الروسية على المدى القصير والمتوسط”. إذ تدرك أوروبا، التي تستورد ما يقرب من ثُلث غازها الطبيعي من روسيا، أهمية ذلك. ففي جميع أنحاء القارة، يُستخدم الغاز للتدفئة المنزلية وكذلك لتوليد الكهرباء.

خلال العام الماضي، شهدت أوروبا أزمة طاقة مع ارتفاع الأسعار بسرعة كبيرة. وفجأة، أصبح انعدام أمن الطاقة تهديدًا حقيقيًا وقائمًا. فقد تفاقم الوضع بسبب انخفاض تدفقات الغاز الطبيعي من روسيا إلى أوروبا ما أدى إلى حدوث نقص وزيادة تكاليف الطاقة لكل من الشركات والمستهلكين. في غضون ذلك، دعت سياسات الحكومة الأوروبية بتزايد إلى التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري ونحو مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. ومع ذلك، فإن التخلص التدريجي من الطاقة القديمة لم يقابله إدخال تدريجي مناسب للطاقة الجديدة.

في الوقت نفسه، تحتاج روسيا إلى أموال الدول الأوروبية. إذ تُمثل عائدات تصدير روسيا للطاقة ما يقرب من 40% من الميزانية الفيدرالية للبلاد. فستكون هناك فجوة كبيرة في المحفظة الاقتصادية للحكومة الروسية بدون تلك الأموال. تقول “ريباكوفا”: “إن روسيا تعتمد بشكل كبير على جمع الأموال من الوقود الأحفوري”. ونتيجةً لذلك، فإن فكرة إغلاق روسيا لأنابيب الطاقة تعتبر فكرة تخمينية. وتقول: “تريد روسيا أن يُنظر إليها على أنها مورِّد جدير بالثقة”.

كل هذا يعني أنه في حين أن البيت الأبيض قد يكون غاضبًا من تصرفات “بوتين” في أوكرانيا، فإن التشابك الاقتصادي بين روسيا وأوروبا قد يعيق طريق التوصل إلى حل لهذه الأزمة. يقول “كونستانتينوس فينيتيس”، كبير الاقتصاديين في تي إس لومبارد في لندن: “روسيا تريد الدخل، وأوروبا لا تستطيع العيش بدون النفط والغاز”. من سيرغب في عرقلة تلك العلاقة التي تبدو مفيدة؟

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: time.com

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر