ارتدادات ضاغطة.. الأبعاد الاقتصادية للتوتر بين روسيا وأوكرانيا | مركز سمت للدراسات

ارتدادات ضاغطة.. الأبعاد الاقتصادية للتوتر بين روسيا وأوكرانيا

التاريخ والوقت : الأحد, 20 فبراير 2022

بسنت جمال

 

اشتدت حدة التوترات على الحدود المشتركة بين روسيا وأوكرانيا على خلفية حشد الأولى آلاف العسكريين ونشر أسلحة ثقيلة على مقربة من الحدود الأوكرانية خلال الفترة الماضية لمواجهة تزايد وجود حلف “الناتو” قرب حدودها، حيث تتطلع موسكو لتأمين ضمانات أمنية غربية تتعلق بوقف تمدد الحلف شرقًا والعودة لحدود عام 1997، مع الامتناع عن نشر أسلحته داخل دول الاتحاد السوفيتي السابق التي تعتبرها مجالًا حيويًا لأمنها القومي ومنطقة نفوذ حصرية لها.

وقد أثارت التحركات الروسية الأخيرة المخاوف الغربية بشأن احتمالية غزو الأراضي الأوكرانية، مما أدى إلى تصاعد وتيرة التهديدات الأمريكية والأوروبية بفرض عقوبات اقتصادية واسعة النطاق على روسيا، مما قد يدفع الأخيرة إلى استخدام الغاز كسلاح جيوسياسي ضد القارة العجوز.

وفي هذا السياق،ثمة أهمية لتتبع كافة التداعيات الاقتصادية المحتملة للأزمة الأوكرانية-الروسية عبر دراسة أسواق الطاقة والسلع، فضلًا عن تقييم البدائل المحتملة أمام أوروبا لتقليل الاعتماد على الغاز الروسي.

انعكاسات كارثية

تتمحور التداعيات الاقتصادية للأزمة الأوكرانية-الروسية حول الإجابة عن الأسئلة الآتية: “ماذا لو شنت موسكو حربًا ضد كييف؟”، و”كيف سيتمكن الغرب من استخدام الأدوات الاقتصادية للضغط على بوتين؟”، “وإلى أين سيصل الرد الروسي في حال تنفيذ أي عقوبات اقتصادية غربية؟”، ويُمكن استعراض تلك التداعيات على النحو الآتي:

• تفاقم أزمة الطاقة: صبت التوترات السياسية بين أوكرانيا وروسيا مزيدًا من الوقود على أزمة ارتفاع أسعار الطاقة التي تعاني منها غالبية دول العالم منذ نهاية العام الماضي على خلفية ارتفاع مستويات الطلب بدعم من التعافي الاقتصادي وانتشار عمليات التلقيح بالتزامن مع تراجع الإمدادات واضطراب سلاسل التوريد، وذلك على الرغم من تأكيد الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” أنه لا يخطط لاستخدام القوات التي يحشدها على الحدود لغزو أوكرانيا. وفي هذا السياق، أكد صندوق النقد الدولي أن الصراع المتصاعد بين الدولتين سيؤدي إلى زيادة تكاليف الطاقة وأسعار السلع، مما سيُبقي معدلات التضخم مرتفعة لفترة زمنية طويلة.

ويدلل على ذلك ارتفاع أسعار كلٍ من الخام الأمريكي وخام برنت إلى أعلى مستوياتهما المسجلة خلال شهر إلى نحو 91.25 دولارًا للبرميل، وحوالي 97.28 دولارًا للبرميل بحلول السابع من فبراير الجاري، مما سيضر بالدول المستوردة للنفط من خلال التأثير على ميزانها التجاري وتآكل رصيدها من الاحتياطي النقدي وتراجع قيمة عملتها المحلية.

كما ساهمت الأزمة الحالية في ارتفاع العقود الآجلة للغاز الطبيعي للسوق الأوروبية  إلى حوالي 83.75 يورو لكل ميجاوات/ساعة بحلول الرابع عشر من فبراير مقارنة مع المستوى الذي تم تداوله قبل يومين عند 73.75 يورو لكل ميجاوات/ساعة، ورغم انخفاض هذه المستويات مقارنة بتلك المسجلة خلال ديسمبر عند 180 يورو لكل ميجاوات/ساعة بفضل زيادة شحنات الغاز الطبيعي المسال والظروف الجوية المعتدلة، إلا أن جميع التوقعات تشير إلى احتمالية ارتفاع الأسعار من جديد إذا تصاعدت التوترات الروسية-الأوكرانية إلى الحد الذي يصل إلى المواجهة العسكرية المباشرة، ويرجع ذلك لما سنشرحه تاليًا.

أطلقت الإدارة الأمريكية والدول الأوروبية تهديدات بفرض عقوبات اقتصادية شديدة على روسيا قد تصل إلى استبعادها من نظام المدفوعات الدولي “سويفت” أو إيقاف تشغيل خط أنابيب الغاز “نورد ستريم 2” الذي يربط بين ألمانيا وروسيا عبر بحر البلطيق، كما تبين الخريطة التالية:

وفي حال تنفيذ هذه التهديدات، رغم وجود عدة عقبات أمامها، فسيكون أمام روسيا أحد الاتجاهين التاليين للرد على تلك العقوبات، وهو ما يقلل من احتمالية لجوء الغرب إلى فرض عقوبات اقتصادية قوية:

1. الاتجاه الأول- قطع إمدادات الغاز الطبيعي عن أوروبا بشكل كامل: يتمركز هذا السيناريو في قيام روسيا بقطع إمدادات الغاز تمامًا عن القارة العجوز، وهو ما سيصيب النظام الطاقوي الأوروبي بالشلل، ولكن لا يعتبر هذا الاتجاه ممكنًا بسبب احتمالية الضرر بسمعة موسكو كشريك استراتيجي يُمكن الوثوق به، فضلًا عن تأثيراتها السلبية على الاقتصاد الروسي انطلاقًا من اعتماده على صادرات الطاقة في تأمين العملات الأجنبية، ولا سيما أن حصة صناعة النفط والغاز في الاقتصاد الروسي تمثل حوالي 15% حتى عام 2020.

2. الاتجاه الثاني- قطع إمدادات الغاز الطبيعي عن أوروبا عبر أوكرانيا فقط: قد تلجأ روسيا إلى هذا الطريق في ظل صعوبة السيناريو الأول، وهو ما سيترتب عليه تهديد إمدادات الغاز المُرسلة إلى الدول الأوروبية من خلال أوكرانيا والمُقدرة بنحو 40 مليار متر مكعب بما يمثل نحو ثلث الغاز الروسي المُصدَّر إلى أوروبا، وما يقرب من نصف ما تستهلكه ألمانيا سنويًا.

ويتبين من الخريطة السابقة مدى اعتماد أوروبا على روسيا في تأمين احتياجاتها من الغاز الطبيعي، حيث بلغت حصة الأخيرة في إجمالي واردات الغاز الأوروبية (خطوط الأنابيب والغاز الطبيعي المسال معًا) نحو 43% حتى الربع الثالث من عام 2021. ويبين الشكل الآتي نسب اعتماد الدول الأوروبية على الغاز الروسي:

الشكل 1- حصة روسيا في إجمالي إمدادات الغاز الأوروبية

وبطبيعة الحال سيؤثر انخفاض إمدادات الغاز الروسية سلبًا على التعافي الاقتصادي من جائحة كورونا، كما سيعيق أهداف مبادرة “الصفقة الخضراء” الخاصة بالاتحاد الأوروبي للوصول إلى الحياد المناخي بحلول عام 2050.

• تهديد الأمن الغذائي: يُمكن وصف نتيجة الأزمة الأوكرانية-الروسية على الصناعات الغذائية وسلاسل التوريد الزراعية بما يُعرف بـ “تأثير الدومنيو” بسبب عاملين أساسيين، وهما: أهمية الدول الواقعة على البحر الأسود بالنسبة لصادرات السلع الزراعية، والإضرار بصناعة الأسمدة عن طريق نقص الإمدادات القادمة من روسيا أو بفعل تداعيات أزمة الطاقة.

تُعد كل من روسيا وأوكرانيا ورومانيا من أكبر الدول المُصدرة للحبوب وخاصة القمح لجميع دول العالم عبر موانئ البحر الأسود التي قد تعاني من اضطرابات وانقطاع في سلاسل التوريد نتيجة لأية أعمال عسكرية أو عقوبات اقتصادية، مما سيؤدي بالتأكيد إلى قفزة في أسعار السلع الغذائية، والتي كانت تُعاني بالفعل من ارتفاع حاد قبل حدوث التوترات الأخيرة، كما يتبين من الشكل التالي:

شكل 2- مؤشر أسعار الغذاء شهريًا الصادر عن منظمة “الفاو”

ويدلل الشكل الآتي على أهمية دول البحر الأسود بالنسبة لإمدادات القمح والوزن النسبي لكل دولة في السوق العالمية لتصدير الذهب الأصفر:

الشكل 3- صادرات القمح لأكبر 10 دول خلال 2019

يتبين من الشكل السابق أن كلاً من روسيا وأوكرانيا ورومانيا استحوذت على حوالي 28.56% من صادرات القمح العالمية خلال 2019 وفقًا للبيانات الصادرة عن منظمة “الفاو”، حيث صدر كل منها حوالي 31.87 مليون طن، و13.29 مليون طن، و6.1 ملايين طن على الترتيب.

ومن ناحية أخرى، قد تنتقل تداعيات أزمة الطاقة ونقص إمدادات الغاز الطبيعي إلى بعض الصناعات المهمة لقطاع الأغذية كالأسمدة، حيث أجبرت الأزمة العديد من المصانع والشركات على خفض إنتاجها أو إغلاق مصانعها، كما تُعد روسيا أيضًا واحدة من أكبر الدول المصدرة في العالم للأسمدة، مما يعني أن تعطيل الإمدادات قد يؤدي إلى ارتفاع تكاليف السلع الغذائية والزراعية.

ومع تضرّر صناعة الأسمدة، من المرجح أن يتأثر إنتاج ثاني أكسيد الكربون الذي يُعد منتجًا ثانويًا للصناعة ويستخدم في عمليات التغليف لإطالة صلاحية المنتجات وفي تصنيع الثلج الجاف للحفاظ على المنتجات المجمدة أثناء التسليم، بالإضافة إلى أنه يُستخدم عند ذبح الدجاج وغيرها، وكل ذلك يعني أن الأزمة الحالية قد تؤثر على الأمن الغذائي عبر مسارين يُمكن عرضهما على النحو الآتي:

ومن شأن كل ما سبق أن يلقي بظلاله على الدول المستوردة للغذاء حول العالم، ومن بينها مصر التي تعد المستورد الأول للقمح، حيث من الممكن أن تعاني تلك الدول من تراجع الإمدادات الغذائية وارتفاع في مستويات الأسعار أيضًا انطلاقًا من مبدأ “التضخم المستورد”.

• ارتفاع أسعار المعادن: طالت تداعيات الأزمة الحالية أسواق المعادن أيضًا حيث صعدت أسعار الذهب لتتخطى حاجز 1800 دولار للأوقية منذ بداية الشهر الجاري بدعم من توجه المستثمرين نحو سلع الملاذ الآمن في ظل عدم اليقين الناتج عن التوترات الجيوسياسية وللتحوط من احتمالية ارتفاع أسعار السلع الأساسية. وانطلاقًا من حقيقة اعتماد العالم على روسيا في تأمين إمدادات العديد من المعادن والمواد الخام المستخدمة في عدد من الصناعات كالسيارات والإلكترونيات والأجهزة المنزلية، فإن أي اضطراب سيحدث في سلاسل التوريد العالمية نتيجة لغزو أوكرانيا وفرض عقوبات غربية على الاقتصاد الروسي من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع أسعار تلك المواد والإضرار بالصناعات المعتمدة عليها التي تعاني بالفعل من أزمة في نقص الرقائق وأشباه الموصلات.

• تذبذب أسواق العملات والأسهم: شهدت العملة الروسية تراجعًا أمام نظيرتها الأمريكية حتى توقيت كتابة هذا التحليل إلى 77.01 روبل روسي مقابل الدولار، في حين صعد الين الياباني –الذي ينظر إليه كعملة ملاذ آمن- إلى 115.16 ين لكل دولار، كما سجل مؤشر الدولار أعلى مستوى في أسبوعين عند 96.328 نقطة. فيما ارتفعت مؤشرات مخاطر الائتمان للديون الروسية والأوكرانية على الرغم من أنها لم تصل إلى المستويات المسجلة قبل أقل من شهر. وعلاوة على ذلك، سجلت غالبية البورصات العالمية تراجعًا في مؤشراتها الرئيسية في ضوء انحسار شهية المخاطرة لدى المستثمرين؛ إذ انخفض مؤشر الأسهم العالمية ” MSCI”، الذي يقيس الأسهم في 49 دولة، بنحو 3.17% إلى 534.26 نقطة.

• الضرر بالاقتصاد الأوكراني: تضرر اقتصاد أوكرانيا بشدة جراء الخطوة الروسية بضم شبه جزيرة القرم عام 2014 مما أدى إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنحو 10.079%، وفقًا لبيانات البنك الدولي، حيث تأثرت جميع القطاعات سلبًا وتراجعت نسبة نمو قطاع الصناعة وتجارة الجملة والبناء على التوالي بنحو 10.1% و15% و21.7% على أساس سنوي. وقد خسر الاقتصاد الأوكراني مصدرين حيويين للنقد الأجنبي بسبب التوترات السياسية حينذاك مما فاقم من الأمر سوءًا، حيث هربت رؤوس الأموال وتخارج المستثمرين من الأسواق، كما يتبين من الرسم الآتي:

الشكل 4- الاستثمارات الأجنبية المباشرة في أوكرانيا 

وعلاوة على ذلك، تراجع عدد السائحين الوافدين إلى أوكرانيا لمستويات متدنية مقارنة بما كان الوضع عليه قبل عام 2014، ولم يستطع القطاع التعافي منذ ذلك الحين، مما أضر الاقتصاد الوطني ككل، حيث يساهم قطاع السياحة والسفر بنحو 1.4% في الناتج المحلي الإجمالي، ويوظف حوالي 1.3% من إجمالي العمالة، كما هو موضح في الشكل التالي:

الشكل 5- عدد السائحين الوافدين إلى أوكرانيا

وبناء على ذلك، فمن المُرجح أن يشهد الاقتصاد الأوكراني التداعيات ذاتها مرة أخرى في ظل الصراعات الجيوسياسية الحالية حيث سيكون من الصعب إعادة بناء صورة إيجابية لأوكرانيا كوجهة استثمارية أو سياحية جذابة، فضلًا عن زيادة احتمالية خسارة عائداتها من تصدير الحبوب وغيرها من المنتجات في حال نشبت حرب بين الدولتين.

بدائل مُحتملة

تصاعدت وتيرة البحث عن بدائل للغاز الروسي بأوروبا في الآونة الأخيرة لتعزيز أمنها الطاقوي والحد من قدرة موسكو على التلويح باستخدام سلاح الغاز في تحقيق أهدافها السياسية والاستراتيجية، وقد ظهرت في هذا الشأن عدة بدائل محتملة أمام القارة العجوز، يُمكن أن عرضها على النحو التالي:

• الغاز المُسال: من المحتمل أن تلجأ الدول الأوروبية إلى زيادة مشتريات الغاز المُسال من بعض الدول المنتجة له كالولايات المتحدة واليابان حيث زادت الأولى شحناتها من الغاز الطبيعي المُسال إلى أوروبا في الأسابيع الأخيرة، فيما أعلنت الثانية استعدادها لمد القارة العجوز بالغاز، كما برزت إمكانية الاعتماد على دول الشرق الأوسط في هذا الشأن، ورغم ذلك، قد لا تستطيع تلك المصادر الوفاء باحتياجات أوروبا الغازية، حالة توقف موسكو عن تزويدها.

وفي الوقت ذاته، أجرت الحكومة الأمريكية محادثات مع العديد من شركات الطاقة الدولية بشأن إطلاق خطط طوارئ لتزويد أوروبا بالغاز الطبيعي مما أدى إلى تحويل وجهة المزيد من شحنات الغاز من آسيا إلى أوروبا، إلا أن الأمر قد لا يستمر على هذا النحو بسبب العوائق الآتية:

1. ارتباط العديد من المنتجين بعقود طويلة الأجل مع العملاء في آسيا ومناطق أخرى في العالم مما قد يدفعهم إلى عدم التنازل عن علاقاتهم طويلة الأمد مع المشترين الآسيويين لتقديم دعم مؤقت لأوروبا؛ إذ إن آسيا هي سوقهم الأساسي.

2. عدم جاهزية البنية التحتية في بعض أنحاء أوروبا لاستقبال الغاز المُسال بما يزيد من صعوبة شراءه حيث يحتاج هذا النوع من الغاز منشآت خاصة لتغييزه أي إعادة تحويله من الحالة السائلة إلى الغازية قبل استخدامه.

• الطاقة النووية والمتجددة: أدركت الدول الأوروبية أهمية تسريع الخطى نحو التحوّل إلى مصادر الطاقة المتجددة، والتي ستنعكس إيجابيًا ليس فقط على صعيد مكافحة التغيرات المناخية وخفض الانبعاثات الكربونية ولكن على صعيد تعزيز أمن الطاقة في أوروبا. فيما اعترفت دول مثل فرنسا وهولندا وبريطانيا أن تعزيز استقلال الطاقة في أوروبا سيكون صعبًا دون استثمار ضخم في مجال الطاقة النووية. ورغم صعوبة تنفيذ هذه الخطط بين عشية وضحاها، إلا إنها قد تكون مسارًا بديلًا في المستقبل.

• الفحم: قد تجبر الأزمة الحالية القارة الأوروبية على إعادة تشغيل مزيد من محطات الكهرباء العاملة بالفحم، حيث اضطرت ألمانيا وبريطانيا إلى إعادة تشغيل محطات طاقة الفحم بعدما كانت على وشك إخراجها من الخدمة تنفيذًا لتعهداتها بالحد من الانبعاثات الكربونية، في حين، أعلنت صربيا إنها لن توقف محطات الطاقة العاملة بالفحم قريبًا في ظل مساعيها للتخفيف من حدة تداعيات أزمة كورونا. ولكن، لا يعتبر الفحم حلًا جذابًا، نظرًا للجهود التي تبذلها العديد من الدول الأوروبية لتقليل الانبعاثات الحرارية والتصدي لتغير المناخ.

• مشروعات الربط الكهربائي: ظهرت الدولة المصرية في المشهد كشريك استراتيجي للقارة الأوروبية يُمكن الاعتماد عليه حيث بدأت القاهرة مفاوضات مع الدول الأوروبية لبيع الفائض عن الاحتياطي الاستراتيجي من الكهرباء، الذي يُقدر بنحو 25% من إجمالي إنتاج مصر، لا سيما في ظل الخطوات الحثيثة التي تتخذها مصر لتصبح مركز إقليمي لتصدير الطاقة. وفي هذا الصدد، وقعت مصر اتفاقيتين متتابعتين أكتوبر الماضي للربط الكهربائي؛ الأولى مع اليونان، والثانية مع قبرص، كجزء من مشروع “يورو أفريكا” الذي يربط بين شبكات الكهرباء في مصر والدولتين الأوربيتين، وتبلغ استثماراته 4 مليارات دولار.

ويرتكز المشروع على مد كابل بحري بين مصر وقبرص بطول 498 كيلومترًا (309 ميلًا)، وعمق 3000 متر (9800 قدم) ثم توصيل قبرص بجزيرة كريت اليونانية بكابل يبلغ طوله 898 كيلومترًا (558 ميلًا)، بإجمالي طول 1396 كيلومترًا (867 ميلًا)، لتنطلق منه كهرباء بقدرة 2000 ميجاوات لأوروبا، ويمكن تزويدها إلى 3000 ميجاوات.

https://marsad.ecss.com.eg/wp-content/uploads/2021/10/image-18.png

ومن ناحية أخرى، تسعى موسكو أيضًا لإيجاد بدائل للسوق الأوروبية في حال اضطرت لقطع أو تقليص حجم إمدادات الغاز الخاصة بها، وهنا، برزت الصين كبديل أمام روسيا حيث وقعت الدولتان في مايو 2014 اتفاقية لتوريد الغاز الطبيعي عبر خط أنابيب “باور أوف سيبيريا” بمقدار 38 مليار متر مكعب سنويًا ولمدة 30 عامًا، وتوضح الخريطة التالية خطوط الغاز بين روسيا والصين:

ومع ذلك، لن تستطيع الصين أن تحل محل السوق الأوروبية بالنسبة لروسيا حتى وإن بلغت كمية الغاز المنقول إليها 38 مليار متر مكعب، حيث صدرت الأخيرة نحو 168 مليار متر مكعب للأولى خلال عام 2020 وحده، وهو ما يؤكد الضرر الذي سيقع على موسكو في حيال قيام غزو لأوكرانيا.

خلاصة القول، فإن التداعيات محتملة الحدوث للأزمة الروسية-الأوكرانية الحالية تتعدد ما بين انعكاسات على الاقتصاد الروسي في حال فرضت الدول الغربية عقوبات اقتصادية تدفعها لقطع إمدادات الغاز المُرسلة للقارة الأوروبية، وانعكاسات على الاقتصاد الأوكراني كونه يقف في مهب ريح الأزمة، وأخيرًا انعكاسات خطرة على قطاع الطاقة والغذاء. كما أن أوروبا لن تتمكن من التخلي عن الغاز الروسي بالكامل ولكنها تستطيع تقليل الاعتماد عليه تدريجيًا مع تذليل العقبات الماثلة في وجه البدائل المُتاحة أمامها.

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر