كيف سلطت جائحة كورونا الضوء على أهمية الشركات الناشئة؟
التاريخ والوقت :
الإثنين, 14 فبراير 2022
بسنت جمال
شهد العالم خلال العامين الماضيين العديد من الأزمات المتتالية بشكل غير مسبوق، والتي جاءت مدفوعة بانتشار فيروس كورونا وتداعياته على جميع الأصعدة مما أدى إلى توقف النشاط الاقتصادي وتعطل سلاسل التوريد واضطراب حركة التجارة والنقل البري والبحري والجوي وإغلاق أبواب الشركات والمؤسسات وتسريح العمالة. ولكن لم تكن الصورة الكاملة قاتمة على هذا النحو، فقد قامت الجائحة بإنجاز ما لم يستطع العالم تحقيقه خلال العقود الصارمة، حيث أعطت دفعة قوية للشركات الناشئة وريادة الأعمال التي يعتبرها البعض الآن عنصرًا أساسيًا في عملية التعافي الاقتصادي من جائحة كورونا، رغم التحديات التي واجهتها خلال فترة الوباء.
ويُنظر إلى نمو قطاع الشركات الناشئة على إنه ركيزة بالغة الأهمية للإسهام في النهوض بالاقتصادات الوطنية عبر توفير فرص عمل جديدة، ومواكبة واستغلال التطورات التكنولوجية حيث إنها لا تعتمد على التقنيات الجديدة فحسب، بل تطور أيضًا ابتكارات ومنتجات جديدة تُساهم في تيسير الحياة اليومية والارتقاء بها، كما يُمكن للشركات الناشئة التحقق بسرعة وفعالية من احتياجات المستهلكين من خلال إنشاء أسواقًا جديدة أو تطوير الأسواق القديمة، وعلاوة على ذلك، يعزز هذا النوع من الشركات المنافسة في الأسواق.
الشركات الناشئة وجائحة كورونا
دفعت جائحة كورونا العديد من رواد الأعمال لإطلاق شركاتهم وبدء أعمالهم التجارية الخاصة إما بدافع مواكبة التطور التكنولوجي والتصدي للتحديات التي فرضتها الإجراءات الاحترازية وإما بهدف زيادة الدخل وبناء الثروات في ظل ارتفاع عمليات تسريح العمالة وانخفاض مستويات الدخول.
كما استغل أصحاب الشركات الناشئة ما أحدثته الجائحة من تغيير ملحوظ في سلوكيات المستهلكين حيث ازدهرت أدوات المدفوعات الرقمية والتكنولوجيا المالية والتجارة الإلكترونية، وكذلك اغتنموا التسهيلات المالية التي قدمتها الحكومات حول العالم للشركات الناشئة والأعمال التجارية الصغيرة؛ إذ جمعت العديد من الشركات الناشئة المزيد من التمويل خلال عام 2020 مقارنة بالعام السابق، فعلى سبيل المثال، أطلقت فرنسا صندوقًا بقيمة 4 مليارات يورو لدعم سيولة الشركات الناشئة، وأعلنت ألمانيا عن برنامج حكومي لمساعدة الشركات على بدء أعمالها، وأنشأت المملكة المتحدة صندوق تمويل مشترك للشركات المبتكرة التي تواجه صعوبات مالية.
ونتيجة لذلك، قفزت عدد الطلبات المُقدمة لبدء نشاط تجاري جديد في الولايات المتحدة إلى أعلى مستوياته على الإطلاق خلال يوليو 2020، وارتفعت نسبة تسجيلات الشركات الجديدة في فرنسا بنحو 20% على أساس سنوي خلال أكتوبر من نفس العام، فيما ارتفعت تلك النسبة بنحو 30% في المملكة المتحدة خلال شهري نوفمبر وديسمبر 2020.
وهكذا، استمرت الشركات الناشئة في لعب دور حاسم للاقتصاد العالمي خلال أزمة كوفيد-19 حيث استجابت للوباء بشكل سريع ومرن واستطاعت أن تساعد الدول على التحول نحو الرقمنة من خلال ابتكار أدوات تُسهل العمل والتعليم وتقديم الخدمات الطبية عن بُعد. ومن هنا يُمكن القول إن عمليات الإغلاق ساهمت في إفساح المجال وخلق فرص جديدة أمام الشركات الجديدة التي يمكنها تقديم منتجات جديدة بأسعار أفضل للعملاء.
ومن ناحية أخرى، لا يُمكن إغفال التحديات التي واجهت معظم الشركات الناشئة خلال الجائحة انطلاقًا من انخراطها في أنشطة عالية المخاطر مما يجعلها أكثر عرضة للصدمات، فيما أبلغت بعض الشركات عن صعوبات في تأمين التمويل الكاف لاستمرار أعمالها والحفاظ على موظفيها، وكذلك عن صعوبات في إيجاد أصحاب المهارات والمواهب الجيدة بسبب عدم توافق المناهج التعليمية مع متطلبات التوظيف في الشركات الناشئة، وأخيرًا، أعرب بعض رواد الأعمال عن مخاوفهم المتعلقة بالأمن السيبراني.
ويؤكد هذا التحليل أن فترات الأزمات لا تمثل تحديًا فحسب، بل إنها يُمكن أن توفر فرصًا أيضًا ينبغي أن يتم استغلالها، حيث يمكن للشركات الناشئة أن تساعد في التخفيف من حدة تداعيات الجائحة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية.
وضع الشركات الناشئة في مصر
تستحوذ مصر على 19.8% من الشركات الناشئة النشطة في جميع أنحاء إفريقيا حيث تمتلك حوالي 562 شركة ناشئة تعمل في جميع أنحاء البلاد حتى سبتمبر 2021. ويجذب قطاع التجارة الإلكترونية العدد الأكبر من الشركات الناشئة في البلاد على عكس غالبية الدول الأفريقية التي تشهد رواجًا ملموسًا في قطاع التكنولوجيا المالية باعتباره القطاع الأكثر شعبية لأنشطة ريادة الأعمال. ويوضح الشكل الآتي توزيع الشركات الناشئة في مصر وفقًا للقطاعات:
الشكل 1- توزيع الشركات الناشئة وفقًا للقطاعات
يتبين من الشكل السابق أن قطاع التجارة الإلكترونية يستحوذ على 20.8% من الشركات الناشئة في مصر بعدد يبلغ 117 شركة، يليه قطاع التكنولوجيا المالية بعدد 65 شركة، ومن ثم قطاعي التكنولوجيا الصحية والتعليمية بعدد 53 شركة و42 شركة على الترتيب. والجدير بالذكر أن أهمية تلك الشركات بدأت في التجلي مع انتشار فيروس كورونا للأسباب السالفة الذكر. وجاءت مصر في المركز الثالث بالشرق الأوسط فيما يتعلق بحجم تمويل الشركات الناشئة خلال 2021، كما يتضح تاليًا:
الشكل 2- تمويل الشركات الناشئة بالشرق الأوسط خلال 2021
Source: Magnitt, Report of state of startup funding of emerging venture markets.
يوضح الشكل السابق أن الإمارات تحتل المركز الأول في حجم التمويل الموجه للشركات الناشئة في الشرق الأوسط بنحو 1.165 مليار دولار تليها السعودية والتي قدمت حوالي 548 مليون دولار فيما استطاعت مصر أن تؤمن حوالي 502 مليون دولار للشركات الناشئة لتحصل شركة “حالًا” وحدها على تمويل بقيمة 120 مليون دولار خلال العام الماضي، وهو الأعلى في البلاد.
وتتركز أهمية الشركات الناشئة بمصر في توفير فرص عمل جديدة حيث توظف حوالي 13 ألف شخص بمتوسط يبلغ 23 موظف لكل شركة، ويحتل قطاع التجارة الإلكترونية المركز الأول في هذا الصدد ويليه قطاع التكنولوجيا المالية ومن ثم قطاع تكنولوجيا التعليم. وتحتل الشركات الناشئة الآتية المراكز الخمس الأولى في توظيف العدد الأكبر في مصر:
الشكل 3- الشركات الناشئة الأكثر توظيفًا
وشهدت مصر حوالي 15 عملية استحواذ في سوق الشركات الناشئة من عام 2016 وحتى أول تسعة أشهر من 2021، وهو ما يتبين من الشكل الآتي:
الشكل 4- صفقات الاستحواذ بين الشركات الناشئة خلال يناير 2016 – سبتمبر 2021
يتبين أن جنوب أفريقيا شهدت حوالي 30 صفقة استحواذ بين الشركات الناشئة خلال الفترة المذكورة سلفًا، وهو ما يمثل ضعف العدد التي شهدته مصر خلال نفس المُدة، فيما شهدت نيجيريا وكينيا نحو 12 عملية استحواذ و7 عمليات استحواذ على الترتيب.
وتعد الحكومة المصرية واحدة من أكثر الحكومات نشاطًا في القارة الأفريقية عندما يتعلق الأمر بدعم صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات المحلية والنظام البيئي لبدء تشغيل الشركات التكنولوجية، ولم يقتصر الدعم المقدم للشركات الناشئة على الدعم الحكومي فقط، بل ساعد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي على تأسيس حوالي 233 شركة ناشئة في مجال التكنولوجيا، بجانب توفير الدعم إلى 247 شركة صغيرة ومتوسطة في مختلف مراحل النمو خلال 2021، كما وفرت منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو) وهيئة الأمم المتحدة للمرأة خدمات داعمة للشركات الناشئة تمكنهم من الدعم والاستمرار بالإضافة إلى تعزيز المهارات التكنولوجية للنساء.
وفي الختام، ينبغي الإشارة إلى بعض أوجه القصور التي تعتري الشركات الناشئة في مصر، ومنها؛ ضعف مشاركة النساء في هذا المجال حيث إن 12.5% فقط من الشركات الناشئة تم تأسيسها أو المشاركة في تأسيسها من قبل امرأة، حيث تتخلف مصر عن الركب في هذا الصدد مقارنةً بجميع أنحاء إفريقيا، كما تعاني بعض الشركات من ضعف الجهود التسويقية حيث لا يعلم العديد من المواطنين عن وجود هذا العدد من الشركات التي تقدم خدمات مختلفة من الممكن أن تسهل سبل المعيشة اليومية.