ووافقت شركتا الاتصالات “أي تي آند تي” و”فرايزون”، مساء الثلاثاء، على تأجيل تشغيل بعض أبراج الاتصالات اللاسلكية الجديدة قرب مطارات رئيسية في أميركا.

وعلّق البيت الأبيض بالقول، إنه يرغب في التوصل إلى حل بشأن تشغيل خدمات الجيل الخامس، يصون السلامة الجوية، ويقلّص اضطرابات السفر جوا إلى أقل درجة ممكنة.

وأكد الرئيس الأميركي جو بايدن، مواصلة العمل مع وزارة النقل على النشر الآمن لشبكة الجيل الخامس في هذه المجموعة المحدودة من المواقع، والتي طالها التأجيل، وشملت مطارات رئيسية في البلاد.

ودافعت شركة “أي تي آند تي” عن تفعيل الشبكة الجديدة قائلة، إن 40 دولة حول العالم أدخلت هذه الخدمة حيز التنفيذ في محيط المطارات، دون ورود تقارير عن تداخل بينها وبين التقنيات المدمجة في الطائرات.

ورغم إنفاقهما ما يقارب 80 مليار دولار للحصول على ترخيص تشغيل الشبكة في أوائل العام الماضي، فإن الشركتان المشغلتان للخدمة في أميركا، تواجهان تحديا صعبا يكمن في إقناع الجميع بسلامة التقنية الثورية، ومدى أهميتها بفضل قدراتها العظيمة.

تقدم شبكات الجيل الخامس العديد من المزايا والقدرات غير المسبوقة، وتمثل هذه التقنية الجيل الجديد من معايير الاتصالات المتنقلة، وتعد بسرعة فائقة وتغطية كبيرة للشبكات اللاسلكية.

وتصل السرعة الجديدة لهذه الشبكة إلى 4.5 غيغابت في الثانية، في الوقت الذي تبلغ فيه الكفاءة القصوى لشبكات الجيل الرابع نحو 600 ميغابت في الثانية.

كذلك تخفض هذه الشبكة الثورية من زمن الاستجابة عند نقر رابط على الإنترنت أو تشغيل فيديو، ليصل إلى 1 ميلي ثانية، وهو الزمن الذي يستغرقه إرسال الطلب إلى الشبكة وتجاوبها والتحويل إلى الموقع المطلوب، وفق تقييم أجراه موقع “إنترستينغ إنجينييرينغ” التقني.

ونظرا لسرعتها العالية، تستخدم شبكات الجيل الخامس ما يسمى بـ”الموجات المليمترية”، وهي إشارات راديو ذات ترددات عالية.

صممت شبكة الجيل الخامس لربط عدد أكبر بكثير من الأجهزة مقارنة بتلك التي توفرها شبكات الخليوي التقليدية، وبالتالي فإنها تتيح تطبيق مفهوم “إنترنت الأشياء” بسهولة، بمعنى أن أي أداة أو جهاز في البيت أو الشارع أو العمل سيكون متصلا بالإنترنت.

وبفضل ذلك سيكون من السهولة بمكان دعم هذه التقنية لتطبيقات عديدة مثل المدن الذكية والعمل واللعب في الحوسبة السحابية والجراحة الطبية عن بعد والواقع الافتراضي والأتمتة الصناعية والسيارات ذاتية القيادة.

كما تعتمد شبكات الجيل الجديد تقنيات تقلل من الحمل على الأجهزة، الأمر الذي يقدم حلا للمشكلات التي تستنزف الطاقة، عندما تكون نقطة الاتصال بعيدة عن جهاز المستخدم.

ومع هذه الشبكات تحصل التطبيقات التي تعمل في نفس الوقت والتي تحتاج إلى اتصال بالشبكة العنكبوتية، على نفس سرعة الإنترنت القوية للاستخدام دون أن تؤثر خدمة معينة سلبا على سرعة تحميل المحتوى أو بث الفيديو أو نشاط آخر في نفس الوقت على الجهاز.

ولكن إذا كانت هذه التقنية تقدم كل تلك المزايا، فما هو مصدر خوف شركات الطيران، وهل هذا التوجس منطقي أم مبالغ فيه؟

لقد حذرت إدارة الطيران الفيدرالية الأميركية من أن تقنية الجيل الخامس يمكن أن تتداخل مع أدوات مثل أجهزة قياس الارتفاع، والتي تقيس المسافة التي تقطعها الطائرة فوق سطح الأرض، حيث تعمل تلك الأجهزة في نطاق تردد يتراوح بين 4.2 و4.4 غيغا هيرتز، وهو قريب جدا من ذلك الخاص بالشبكة الجديدة.

ويتجاوز الأمر إلى استخدام كابتن الطائرة لأجهزة قياس الارتفاع في الهبوط الآلي، والاعتماد عليها كأدوات مساعدة في اكتشاف التيارات الهوائية الخطيرة.

أي أنه في حالات الضباب والأحوال الجوية السيئة، سيكون الطيار عاجزا على الهبوط بسلام بالاعتماد على رؤيته فقط، دون الاستدلال بتلك الأجهزة التي قد يتداخل عملها مع شبكة الجيل الخامس.

وهنا تجدر الإشارة إلى التجربة الأوروبية في التعامل مع هذه الشبكة، حيث وضعت دول الاتحاد في عام 2019، معايير للترددات الخاصة بالتقنية الحديثة، لتعمل في نطاق يتراوح بين 3.4 و3.8 غيغا هيرتز، وهو أقل من ذلك الخاص بأميركا، واستخدم بأمان دون وقوع أي مشاكل.

وأصدرت وكالة سلامة الطيران التابعة للاتحاد الأوروبي التي تشرف على 31 دولة، بيانا في ديسمبر الفائت، أكدت فيه أن قضية مخاطر الجيل الخامس إن وجدت، فهي تتعلق بالمجال الجوي الأميركي، مستبعدة خطر التداخل غير الآمن في الترددات بالقارة العجوز.

كوريا الجنوبية من جانبها، والتي تبنّت هذه التقنية في أبريل 2019، اعتمدت ترددا يتراوح بين 3.42 و3.7 غيغاهيرتز لهذه الشبكة، ولم يتم الإبلاغ عن أي تداخل أو تأثير سلبي على حركة الطيران.

ورغم التأجيل المؤقت لإطلاق الشبكة الجديدة، إلا أن المشكلة ستظل قائمة، حاملة العديد من التساؤلات عن سبب منح إدارة الطيران الفيدرالية الإذن بالتشغيل دون أن تفكر بالمطارات التي تتطلب مناطق عازلة.

كذلك يتساءل كثيرون إلى متى سيظل هذا التأخير في توفير التقنية الجديدة، والتغييرات التي قد تفرض عليها لضمان سلامتها على الرحلات الجوية، والأطراف التي ينبغي أن تشارك في أي مفاوضات تجرى سواء كانت شركات الطيران وتلك المصنّعة للطائرات ومؤسسات النقل اللاسلكي والمتخصصة بتقديم الأدوات التي تشغّل هذه التكنولوجيا.

تبدو المسألة غاية في التعقيد، إذ أن هناك تداخلا كبيرا في الأطراف المعنية، والتقنيات التي ينبغي أن يعاد تكييفها وفقا للظروف والاتفاقيات التي قد تنجم عن أي مفاوضات قادمة.