سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
جاي شازان – وماكس سيدون
تحت ضغط متزايد تقديم مزيد من المساعدة لأوكرانيا مع استعدادها لغزو روسي محتمل، اقترحت الحكومة الألمانية الأسبوع الماضي ما كانت تعتقد أنه مبادرة جديدة جريئة، تزويد كييف بخمسة آلاف خوذة.
قوبل التصريح بكم هائل من السخرية. وسأل فيتالي كليتشكو، عمدة كييف، العاصمة الأوكرانية، “ما نوع الدعم الذي ستقدمه ألمانيا تاليا؟ وسائدا؟”.
تتخبط ألمانيا في الأزمة الأولى في فترة ما بعد ميركل. يلقي الإرث المعقد للحرب العالمية الثانية بثقله على جهودها لصياغة سياسة متماسكة تجاه روسيا. ويتم جر حكومة جديدة مضى عليها في السلطة سبعة أسابيع فقط، في اتجاه واحد من قبل جماعة ضغط قوية تعارض الحرب وفي الاتجاه الآخر من قبل واشنطن.
يقول مسؤولون ألمان إن الحكومة تلعب دورا مهما في إبقاء القنوات الدبلوماسية مفتوحة مع روسيا.
لكن المنتقدين يقولون إن برلين فشلت في استيعاب حجم التهديد الروسي الهائل لأوكرانيا.
ويشعرون بالقلق من أن ألمانيا التي تحصل على 55 في المائة من وارداتها من الغاز من روسيا، تهتم أكثر بتأثير العقوبات التي ستقع على اقتصادها من تكوين جبهة موحدة ضد موسكو. بدأت بعض دول حلف الناتو بالشك في أن برلين شريك يمكن التعويل عليه.
يقول ولفجانج إيشينجر، وهو دبلوماسي ألماني كبير سابق ورئيس مؤتمر ميونخ للأمن، “كم عدد الأشخاص في برلين الذين يدركون حقا الضرر الهائل الذي تسببه سياستنا المربكة تجاه أوكرانيا، ليس فقط لألمانيا بل للاتحاد الأوروبي بأسره؟”.
لا يزال موقف ألمانيا غامضا فيما يتعلق بالقضايا الرئيسة في الأزمة ـ في العلن على الأقل. ترددت فيما إذا كانت ستفرض عقوبات على نورد ستريم 2، خط أنابيب غاز يمر عبر بحر البلطيق اكتمل بناؤه أخيرا، في حال حدوث غزو روسي. وشككت في الحكمة من تعليق عضوية موسكو في نظام سويفت الدولي للدفع. ورفضت بشكل قاطع إرسال أسلحة دفاعية إلى أوكرانيا.
تقول كونستانز شتيلزنمولر، رئيسة فريتز ستيرن في معهد بروكينجز في واشنطن، “كانت إدارة بايدن تبذل أقصى جهدها للعمل مع ألمانيا وهي مستاءة من الفوضى الكبيرة المقبلة من برلين”.
يأتي الحشد الهائل للقوات الروسية على الحدود الأوكرانية في لحظة صعبة لألمانيا. تنحت أنجيلا ميركل في كانون الأول (ديسمبر) بعد 16 عاما من العمل مستشارة، ويترأس خليفتها، أولاف شولتز، ائتلافا هشا من ثلاثة أحزاب بينها خلافات كبيرة بشأن السياسة الخارجية. بالنسبة لحزب الخضر، في الأغلب ما تكون حقوق الإنسان لها الأسبقية على المصالح الاقتصادية، في حين يعتقد كثيرون في الحزب الاشتراكي الديمقراطي اليساري، بقيادة شولتز، أن الناتو هو المعتدي وروسيا هي الضحية.
تقول سابين فيشر، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، “لم يكن لدى الحكومة وقت لتكيف نفسها وتترسخ. أسابيع فقط في المنصب وتواجه هذه الأزمة الأمنية الهائلة”.
لكن الخلاف حول سياستها تجاه أوكرانيا بلور السؤال الأساسي حول السياسة الخارجية الألمانية في فترة ما بعد ميركل. هل سينجح شولتز الذي فاز في انتخابات أيلول (سبتمبر) الماضي بناء على أجندة محلية إلى حد كبير، في إبداء القيادة الهادئة الحازمة نفسها في السياسة الأمنية الغربية كما فعلت ميركل؟ أم ستنزلق ألمانيا مرة أخرى إلى لعب دور أكثر سلبية يتسم بردود الفعل التي تتناقض مع أهميتها الاقتصادية والسياسية؟
يخشى فريدريك ميرز، زعيم المعارضة، من الاحتمال الأخير. في مناظرة في البوندستاج “البرلمان” الخميس، قال الرئيس الجديد لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي إن “الكونجرس الأمريكي المنقسم بشكل ميؤوس منه” أصبح الآن “متحدا في نظرته تجاه ألمانيا على أنها مرتبكة ولا يعول عليها”. أضاف موجها الحديث إلى شولتز، “وهذه مسؤوليتك، سيدي المستشار، هذه سياستك.
أنت لا تقود، سواء في ألمانيا أو في أوروبا”.
وتجادل برلين بأنها لعبت دورا مهما في الجهود الغربية لردع موسكو عن الغزو، ووعدت بتقديم دعم اقتصادي وسياسي لأوكرانيا وحذرت روسيا من “الثمن الباهظ” التي ستدفعه إذا هاجمت جارتها الغربية. وسيجتمع شولتز بالرئيس الأمريكي، جو بايدن، في واشنطن في السابع من شباط (فبراير) لمناقشة الأزمة.
يقول نيلس شميد، المتحدث باسم السياسة الخارجية للحزب الاشتراكي الديمقراطي، “لقد كنا متمسكين بالتأكيد بصيغة الردع والحوار. يجب على العقوبات التي ناقشها الحلفاء أن تظل قائمة، لكن يجب أن يلعب الحوار الآن دورا أكثر أهمية”.
ويشير إلى كيفية قيادة برلين لإعادة إحياء محادثات “صيغة نورماندي” بين روسيا وأوكرانيا وفرنسا وألمانيا بشأن حل الصراع في منطقة دونباس الحدودية الشرقية لأوكرانيا، التي بدأت مرة أخرى الأسبوع الماضي في باريس. يقول، “كان تدخل ألمانيا هو السبب الذي أعاد فتح هذا الباب الصغير للدبلوماسية”.
ولا تزال برلين تعتقد أنها تمارس تأثيرا فريدا على موسكو يفتقر إليه حلفاؤها. يقول إيان بوند، مدير السياسة الخارجية في مركز الإصلاح الأوروبي، وهو مؤسسة فكرية، “أقنعت ألمانيا نفسها، بتشجيع روسي، بأن لها علاقة خاصة مع موسكو ومسؤولية خاصة للحفاظ على السلام في أوروبا.
و”هي” ترى أن اهتمام أوكرانيا الذي عبرت عنه بحرية في الاقتراب من الغرب هي مسألة ثانوية”.
لكن يتم إجراء مقارنات لا تداهن أحدا بالفعل بين شولتز وميركل التي قادت الرد الغربي على ضم روسيا لشبه جزيرة القرم والتدخل العسكري في دونباس في 2014، مع الحفاظ على الحوار مع فلاديمير بوتين بينما كانت أيضا في مقدمة العقوبات الصارمة ضد موسكو التي لا تزال سارية.
كتب المعلق كريستوف فون مارشال في صحيفة تاجشبيجل البرلينية الخميس، في عهد ميركل “كانت برلين هي النقطة المحورية الرئيسة لسياسة الغرب تجاه روسيا وأوكرانيا. بالمقارنة بـذلك، يبدو شولتز فاشلا”.
قضايا ألمانيا الشائكة
وتم تغذية الشكوك بشأن موقف ألمانيا من أوكرانيا عبر افتقار الحكومة لخط منسجم حول نورد ستريم 2، خط الأنابيب الذي تبلغ قيمته 9.5 مليار يورو ـ يمر تحت بحر البلطيق ـ الذي اكتمل لكنه لا يزال ينتظر موافقة الجهات التنظيمية.
يقول منتقدو خط الأنابيب، الذي سيجلب الغاز الروسي مباشرة إلى ألمانيا، متجاوزا أوكرانيا، إنه يمنح موسكو نفوذا أكبر على كييف ويجعل أوروبا أكثر اعتمادا على صادرات الطاقة الروسية مما هي عليه بالفعل. قالت وزارة الخارجية الأمريكية إن خط الأنابيب “لن يمضي قدما” إذا غزت روسيا أوكرانيا.
لكن شولتز أصر في البداية على أن نورد ستريم 2 “مشروع تجاري بحت” ولم يكن له أي علاقة بالأزمة الأوكرانية. ثم غير موقفه في وقت سابق من هذا الشهر، حين قال إن الغزو الروسي سيضع مستقبل خط الأنابيب موضع شك. ومن المتوقع الآن بشكل كبير أن يشكل خط الأنابيب جزءا من حزمة العقوبات الغربية في حال نشبت الحرب.
يجسد نورد ستريم 2 معضلة تواجهها ألمانيا. صناعتها تعتمد بشكل كبير على الغاز الروسي، وسيزداد هذا الاعتماد مع تخلص الدولة التدريجي من الطاقة النووية والفحم. يقول ماركوس كريببر، الرئيس التنفيذي لشركة الطاقة الألمانية، إر دبليو إي، “كان لدينا لأعوام اعتماد متبادل وثيق. نحن بحاجة للغاز الطبيعي الروسي، وروسيا بحاجة للعملة الأجنبية. نشأت بيننا توترات في الماضي، لكن الغاز كان يأتي دائما”.
هذا ما يفسر حساسية ألمانيا تجاه قضية العقوبات. يقول دميتري ترينين، رئيس مركز كارنيجي في موسكو، “اليوم تعد ألمانيا أكبر قوة غربية ذات فوائد حقيقية وأساسية في العلاقات الاقتصادية مع روسيا. لذلك ستكون الخاسر الأكبر من فرض عقوبات على روسيا، على خلاف الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، اللتين لن تخسرا شيئا”.
كذلك تعرضت ألمانيا لانتقادات شديدة بسبب موقفها من مبيعات الأسلحة لكييف. تفرض برلين حظرا صارما على تصدير الأسلحة الفتاكة إلى مناطق الصراع وتقول إنها لن تستثني أوكرانيا، لكنها تمنع أيضا دولا أخرى من إمداد كييف بالأسلحة.
ففي وقت سابق من هذا الشهر، بينما قامت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بتسريع إيصال أطنان من “المساعدة الأمنية الفتاكة” إلى أوكرانيا، اتضح أن ألمانيا منعت إستونيا من إرسال بعض مدافع الهاوتزر البالغة من العمر عقودا إلى كييف التي كانت تعود سابقا لجيش ألمانيا الشرقية.
لم يقرر الوزراء بعد ما إذا كان ينبغي لهم الموافقة على تسليم الأسلحة أو إيقافها. لكن مجرد حقيقة التأخير أثارت عاصفة من الاحتجاجات في أوروبا الشرقية. ووصف وزير دفاع لاتفيا، أرتيس بابريكس، عدم رغبة ألمانيا في الموافقة على الشحنة بأنه أمر “غير أخلاقي”.
قال بابريكس، “إذا كان شخص يسير في زقاق مظلم وكان شخص ما يتعرض للضرب وأنا أقول ’بمجرد تعرضك للضرب سأتصل بسيارة الإسعاف‘ فإن هذا غير لائق”.
لكن وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بربوك، دافعت عن الحظر الذي تفرضه بلادها على صادرات الأسلحة إلى أوكرانيا، قائلة إن السماح بها يمثل “تغييرا بمعدل 180 درجة في سياستنا الخارجية” ويخاطر “بإغلاق باب التهدئة الذي فتح للتو مرة أخرى بطريقة مترددة”.
رحبت روسيا بالنهج الألماني تجاه الأزمة. قال سيرجي جافريلوف النائب الروسي، “موقف ألمانيا المتحفظ هو عامل مهم للغاية في عملية المصالحة وبناء الثقة والاستقرار. إنها لا تريد أي دور في أعمال أوكرانيا الاستفزازية، ولا تريد أن تزود الأسلحة للصراع في دونباس ولا تستخدم الخطاب العدائي الاستفزازي مثل الأمريكيين والبريطانيين”.
لكن المسؤولين الألمان يدركون سرا الضرر الذي تسببه قضية الأسلحة. قال أحدهم، “إنها حالة كلاسيكية حيث يتعارض المبدأ الألماني مع سياسات التحالف. هذا يثير السؤال – أي نوع من الحلفاء أنت؟”.
ثقل التاريخ
وتتجه قضية الأسلحة مباشرة إلى صميم عقدة الشعور بالذنب الألماني بشأن الحرب العالمية الثانية. احتمال مقتل الجنود الروس مرة أخرى بأسلحة من ألمانيا هو أمر ينظر له كثير في برلين نظرة رعب.
لكن الجدل حول شعور ألمانيا بالذنب إزاء الحرب يثير غضب الأوكرانيين. ويردون بالقول إن أوكرانيا هي التي تحملت العبء الأكبر من الفظائع التي ارتكبتها الفيرماخت “قوات الدفاع” وقوات الأمن الخاصة الألمانية بين عامي 1941 و1944، مشيرين إلى أنها عانت خسائر في صفوف المدنيين أكثر بكثير من روسيا، وبالتالي لديها مطالبة أكبر بكثير بالتعاطف الألماني.
يقول أندريج ميلنيك، السفير الأوكراني في برلين، “لا يمكننا فهم حجة التاريخ هذه. إذا كنا نتحدث عن التاريخ، فعندها يمكننا القول إن لدى ألمانيا مسؤولية تاريخية تجاه أوكرانيا”.
سعت بربوك إلى معالجة حساسيات أوكرانيا بشأن هذه القضية. قالت مؤخرا، “لدينا واجب تجاه جميع دول الاتحاد السوفياتي السابق بسبب المعاناة الرهيبة التي تسببنا فيها في الماضي لملايين الأشخاص هناك”.
لكن طغت على تعليقاتها فضيحة في البحرية الألمانية كشفت القدر الضئيل من الاحترام تجاه أوكرانيا من قبل بعض كبار الضباط الألمان. أجبر كاي أكيم شونباخ قائد البحرية، على الاستقالة في 22 كانون الثاني (يناير) بعد تصويره وهو يقول إن بوتين يستحق أن يعامل من قبل الغرب على قدم المساواة، وقال إن شبه جزيرة القرم لن تعود أبدا إلى سيطرة كييف.
قال لمؤسسة فكرية هندية، “ما يريده “بوتين” حقا هو الاحترام “…” احترام شخص ما أمر قليل التكلفة، بل دون تكلفة “…” من السهل منحه الاحترام الذي يطلبه حقا – وربما يستحقه أيضا”.
وقد سر الروس بتصريحاته. قال جافريلوف، عضو في مجلس الدوما “البرلمان”، “الأغلبية العظمى من الألمان يشاركونه الموقف نفسه، إنهم فقط لا يعلنون عن ذلك”. لكن المسؤولين الأوكرانيين غضبوا.
قال السفير ميلنيك، “هذا الموقف المتعالي يذكر الأوكرانيين بأهوال الاحتلال النازي عندما عوملوا على أنهم دون البشر”.
على الرغم من ذلك، قفز بعض الألمان للدفاع عن شونباخ. قال هارالد كوجات، المفتش العام السابق للبوندسفير “القوات المسلحة الألمانية”، إن الأدميرال كان يوضح فقط ما هو واضح – أن أي رأي بإمكانية إعادة شبه جزيرة القرم إلى السيطرة الأوكرانية ’سخيفا تماما‘”، مشيرا إلى عدم وجود أي خطأ في اقتراح أن يتفاوض الغرب مع روسيا على قدم المساواة – “هذا بالضبط ما يفعله الأمريكيون”.
وأخذ كوجات الأمر إلى أبعد من ذلك، حين كشف عن استعداد مذهل لرؤية العالم من خلال رؤية بوتين. قال لراديو إر بي بي، “يجب ألا تصبح أوكرانيا بؤرة استيطانية للغرب ضد روسيا، وهذا بالضبط ما يحدث الآن”.
التطبيع بين الشرق والغرب
تمثل هذه الملاحظة الموقف الذي اتخذته الجماعة الألمانية المتعاطفة مع بوتين في أزمة أوكرانيا، وكثير منهم من الحزب الاشتراكي الديمقراطي. تم تجسيد الاتجاه المؤيد لروسيا في الحزب الاشتراكي الديمقراطي من قبل جيرهارد شرودر، المستشار السابق الذي أصبح رئيسا للجنة المساهمين في نورد ستريم بعد فترة وجيزة من ترك منصبه في 2005 وتولى في 2017 رئاسة مجموعة روسنفت النفطية الروسية التي يسيطر عليها الكرملين.
لكن شرودر الذي أشار ذات مرة إلى بوتين بأنه “ديمقراطي لا تشوبه شائبة” وأدان الأسبوع الماضي قعقعة “التهديد العسكري” الصادرة عن أوكرانيا في الأزمة مع روسيا، ليس وحده. يشاركه في وجهات نظره بشأن روسيا بعض الديمقراطيين الاجتماعيين البارزين الآخرين، مثل ماتياس بلاتزيك، رئيس الحزب الديمقراطي الاشتراكي السابق الذي يرأس الآن المنتدى الألماني الروسي.
قال للتلفزيون الألماني في وقت سابق، “إذا كنت تريد أن تنجح الدبلوماسية، عليك أن تقول “لروسيا” نعم، نحن ندرك احتياجاتك الأمنية، ومخاوفك الأمنية، وسنتعامل معها. إننا لم نفعل ذلك منذ 30 عاما”.
هذه الآراء منتشرة على نطاق واسع في الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وتجعل من الصعب على شولتز – الذي اشتهر بخسارة المنافسة على قيادة الحزب في 2019 ولا يزال الجناح اليساري للحزب الاشتراكي الديمقراطي لا يثق به – أن يتبنى نهجا أكثر تصادما مع روسيا.
كذلك تتعقد مهمته بسبب حنين الاشتراكيين الديمقراطيين المستمر إلى سياسة التطبيع بين الغرب والشرق، وسياسة التقارب والمشاركة مع الكتلة السوفياتية التي اتبعها المستشار فيلي برانت في أواخر ستينيات وسبعينيات القرن الماضي. ولا يزال لدى بعضهم اعتقاد راسخ أنها عجلت بنهاية الحرب الباردة، بدلا من سباق التسلح الذي أشعله رونالد ريجان في الثمانينيات.
النتيجة هي أن روسيا تواصل لعب دور كبير في النظرة الألمانية للعالم. يقول شميد، “روسيا حاضرة في ألمانيا كعامل مؤثر أكثر من أي مكان آخر – بسبب تاريخنا وثقافتنا، وبسبب الدور الذي لعبه ميخائيل جورباتشوف في إعادة توحيد ألمانيا، وبسبب العلاقات الاقتصادية العميقة بين البلدين”.
لكن حتى في الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي ينتمي إليه شميد، تضاءل التعاطف مع روسيا في الأعوام الأخيرة، وسط استياء متزايد من انجرافها نحو الشمولية وموقفها الخطير تجاه جيرانها.
يقول المسؤول الألماني، “لم تعد هناك علاقة خاصة بين روسيا وألمانيا – لقد دمرها الروس في 2014. استخف الروس بالصدمة التي أحدثها ضم شبه جزيرة القرم في ألمانيا”.
ويتضح التحول في المشاعر في اتفاق الائتلاف الذي صاغه شولتز مع الخضر والليبراليين، الذي يحتوي على خطاب أكثر صرامة بشأن روسيا من أي خطاب صدر عن ميركل خلال 16 عاما من عملها مستشارة، مع انتقادات حادة لسجلها في أوكرانيا والحقوق الديمقراطية.
تقول سابين فيشر، من حزب العمال الاشتراكي، “لقد تغير الخطاب الألماني بشأن روسيا كثيرا خلال الأعوام العشرة أو الاثنتي عشرة الماضية – أصبح أكثر ميلا للانتقاد”. وتستشهد بقرار ألمانيا
2020 معالجة زعيم المعارضة الروسي، أليكسي نافالني، بعد أن تسمم بغاز الأعصاب – فيما ادعى أنه محاولة اغتيال أمر بها الكرملين.
يقول فيشر، “كان لتسميم نافالني صدى هائل في المجتمع الألماني، مثلما فعلت الحملة الكاملة على المجتمع المدني في روسيا”.
لكن على المستوى الرسمي، لا تزال النغمة محترمة، بل مراعية للرغبات الروسية. تجسد ذلك في الخطاب القصير الذي ألقته بربوك في رحلتها الأولى إلى موسكو أخيرا، عندما تحدثت عن “العار والرهبة” اللذين شعرت بهما أثناء وضع إكليل من الزهور على قبر الجندي المجهول بالقرب من الكرملين. قالت، “لا شيء يمكن أن يعوض عن المعاناة والدمار اللذين عاقبنا بهما نحن الألمان شعوب الاتحاد السوفياتي”.
تمت الإشادة على نطاق واسع بأداء بربوك في موسكو لكونه واثقا وراسخا، وقد استقبلت استقبالا وديا من قبل نظيرها، سيرجي لافروف. لكن المراقبين يقولون إن احترام روسيا للحساسيات الألمانية تضاءل على ما يبدو منذ أن تركت ميركل السلطة. أشار دبلوماسي أوروبي في موسكو إلى أن روسيا نشرت مسودة مقترحاتها الأمنية التي تضمنت إنهاء توسع الناتو باتجاه الشرق وحرمان أوكرانيا من العضوية المستقبلية في الحلف، بعد تسعة أيام فقط من مغادرة ميركل منصبها.
قال، “لم يجرؤوا على فعل ذلك عندما كانت ميركل في السلطة. لم تكن لتدعمه أبدا. والآن لم يعودوا يهتمون”.
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر