الكوارث.. محركات التغير والنمو | مركز سمت للدراسات

الكوارث.. محركات التغير والنمو

التاريخ والوقت : الأربعاء, 5 يناير 2022

ميسي سباركس

 

احتفالات رأس السنة تجدد طاقتي. فحين تُقرع أجراس عام جديد، أصبح أكثر أملا بشأن التغيرات التي ستحدث في حياتي. وما لم أدركه حتى وقت قريب هو أن جذور تقاليد الحفل السنوي تعود إلى عمق التاريخ، وفي الواقع، إلى ما قبل التاريخ. فالتغير دائماً له صوت. فعبارة «في البدء» التي وردت في العهد القديم تمثل صوتاً، قد يكون صوت رياح عاصفة أو انكسار موجة أو كلمة منطوقة.

إنها بداية لتغير تمخض عن شيء جديد، وفي هذه الحالة كان عالمنا ذاك الشيء الجديد. وهذه النظرية التي يطلق عليها البعض «الانفجار الكبير» تُستخدم لشرح كيف أن العالم، مع كل ما فيه، قد بدأ وولد وتحول وتطور ونما وتقدم وتحقق، ولك أن تختار ما تشاء من الكلمات.

صحيح أن هذه الانفجارات وما صاحبها من تغيرات كانت تبدو كما لو أنها خسارة ومأساة وأمور مؤلمة للقلب وكارثة، لكن إذا نظرنا إلى الجانب الإيجابي، أي الطريقة التي يحمل بها التغير العالم والحياة البشرية إلى المضي قدماً إلى الأمام، فربما نشهد إبداعات تتحقق. كانت أول أحلامي للعام الجديد هي أن يحملني العام إلى طريقة الحياة التي كانت قبل حدوث الكارثة التي يطلق عليها كوفيد-19. لكن الكوارث ليس المقصود بها العودة بنا إلى الخلف بل المضي قدماً إلى الأمام. إنها تدعونا إلى التعلم والتغير والنمو وإلى إبداع جديد. لقد تغيرت على مدار العامين الماضيين بمشيئي وبغيرها. وتعلمت أنه بمقدوري الاستمتاع بلقاء الناس افتراضياً دون أن أقول مرة واحدة إنني أرغب في أن نلتقي شخصياً، رغم أنني كنت أرغب في ذلك.

لقد تعلمت تمييز الحقيقة من الخيال بينما أدركت أن البيانات الجديدة تستطيع تغيير الحقائق وأن التحديث المتواصل للمعلومات الحقيقية يتحول إلى حكمة فاعلة في الوقت المناسب. والكوارث التي تتسبب في أضرار هائلة حدثت على كوكبنا مرات لا تحصى وحاول الناس دوماً الاستفادة مما حدث. وتوصل الأشخاص الذين يدرسون طبقات كوكبنا إلى أن أرضنا غطتها المياه مرة واحدة على الأقل، وربما ثلاث مرات. وتكهن الناس في عصور أقدم بهذه الاحتمالات أيضاً، وسردوا قصة عن كارثة تشمل العالم أطلقوا عليها الطوفان. وهذه القصة عن الطوفان لم تنطو فقط على كارثة أو كوارث وقعت في وقت ما في تاريخ كوكبنا، لكنها تقدم أيضاً قصة تحذيرية. صحيح أنها مأساة، لكن القصة تنتهي مع بقائنا جميعاً هنا.

ومع مرور الوقت، تعين علينا اجتياز كوارث أخرى، حروب عالمية وركود مالي عالمي وأمراض وغيرها. وقمنا بهذا بمواصلة تقييمنا وإعادة تقييمنا لمن نثق فيهم وبما نؤمن به. وفي جانب كبير، لم يكن للناس العاديين تأثير في الانفجارات التي جعلت الأمور تحدث، لكني أتعلم أنه من خلال أصوات مثل التعاطف والحقيقة والعدل، يمكنني أن أجعل صوتي قوة تحقق التغير الذي يمضي بقصة البشرية قدماً إلى الأمام. وبتحليل الحقائق والعمل التعاوني، يمكن تحويل مسار الكوارث والخروج منها وتحويلها إلى شيء آخر. وهذا أمل أحمله في العام الجديد. عالمنا موجود منذ نحو 14 مليار عام وأثبت قدرته على الصمود لكنه يتغير دوماً وينمو ويتحرك.

ونحن البشر، في طورنا الحالي، موجودون على هذا الكوكب منذ نحو 200 ألف عام. ورغم الكوارث المتواترة- الطبيعية منها وما نبتلي بعضنا به البعض الآخر، مثل الحروب على الأرض والنفط وغيرها- استطعنا حتى الآن النجاة والتعافي. ويحدوني حب استطلاع بشأن القصص التي سنكتبها والدروس التي سننقلها إلى الأجيال التالية. هل سنقدم لهم حكمة الحياة التي تساعدهم على إدارة كوارثهم؟ الاعتماد المتبادل بين أفراد البشرية هو الدرس الذي استفيده من كارثتنا الحالية ويحدوني أمل أن ألقي الضوء على تعزيز الوعي بأهميته.

فحين تقع كارثة لا يمكنني الاهتمام بسلامتي فقط بل يتعين الاهتمام بسلامة الآخرين أيضاً، حتى لو كان الاهتمام بالآخرين يعني بعض المضايقة لي. ومن نافلة القول إنه لا يتعين علينا انتظار وقوع كارثة حتى نهتم بسلامة الآخرين. فمثل كل عام مضى، سيكون لهذا العام الجديد انفجاراته، هي لحظات تبدو في البداية كما لو أنها حالة ضياع ومأساة وانفطار للقلب أو كارثة، لكن مع الانصات بعمق والتفكير، فمثل هذه الأحداث إذا اختار المرء التعلم منها والنمو والتغير يمكننا إثبات أن تكون هي الأحداث نفسها التي تجعل الإنسان أكثر إنسانية.. إننا نطوي صفحة وندخل عاماً جديداً. وفي احتفالي بالعام الجديد أدركت أنه لا يمكننا إعادة الماضي الذي نتوق إليه ولا الذهاب إلى المستقبل الذي نحلم به، دون أن يرفع عدد أكبر منا أصوات الحقيقة والسلامة والمساواة والعدل لخيرنا جميعاً.

 

المصدر: صحيفة الاتحاد – خدمة “كريستيان ساينس مونيتور”

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

[mc4wp_form id="5449"]

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر