“بريكست” فشل بوضوح بعد سنة من البدء بتنفيذه | مركز سمت للدراسات

“بريكست” فشل بوضوح بعد سنة من البدء بتنفيذه

التاريخ والوقت : الإثنين, 3 يناير 2022

جون سبرنغفورد

وقعه الكارثي أسهم في ارتفاع تأييد معظم دول القارة للبقاء في الاتحاد الأوروبي.

 الآن وقد مرت سنة على سريان اتفاق “بريكست” ودخوله حيز التنفيذ، بات مهماً التأمل في الادعاءات الأولية التي صدرت من السياسيين الذين أجبروا البلاد على الخروج من السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي.

 إذ اعتبر ديفيد ديفيز أن من شأن اتفاق التجارة [مع أوروبا] أن “يوفر الفوائد نفسها تماماً” كعضوية الاتحاد الأوروبي. وتوجه بوريس جونسون إلى الناخبين سائلاً “هل ثمة من يعتقد بشكل جدي أنهم سيفرضون رسوماً جمركية على منتوجات المملكة المتحدة من أي نوع؟”. وادعى مايكل غوف أن “بريكست” سيشجع دولاً أعضاء في الاتحاد الأوروبي على استعادة سلطاتها منه، معتبراً “أن الذي سيُغضب النخب في الاتحاد الأوروبي ويُشتت انتباهها، يتجسّد في نجاح المملكة المتحدة خارج الاتحاد”، وبالتالي فإن “شعوب الاتحاد الأوروبي سترى أنه من الممكن صنع أوروبا مختلفة”.

 لقد تبين كذب كل هذه الادعاءات. نعرف جميعاً الآن أن اتفاق التجارة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي قد فرض تكاليف كبيرة على المستوردين، والمصدرين وأرباب العمل. وقد فرض الاتحاد الأوروبي رسوماً جمركية [على المنتوجات البريطانية]. كذلك اكتسب الاتحاد الأوروبي مزيداً من السلطات بدلاً من أن يذوب في فيدرالية تشد عناصرها إلى بعضها بعضاً روابط أقل متانة.

 وجدتُ في التقدير الذي أعده شهرياً عن تكلفة “بريكست” أن مغادرة السوق الموحدة قد أدت منذ مارس (آذار) إلى تقليص تجارة السلع البريطانية بما يتراوح بين 11 و16 في المئة، بما في ذلك التجارة مع دول الاتحاد الأوروبي وبقية دول العالم. وتعتبر تلك النسبة قريبة جداً من المدى الذي جرى التكهن به قبل وضع “بريكست” موضع التطبيق، إذ تراوح آنذاك بين 10 في المئة (وفق توقعات حكومة تيريزا ماي) و17 في المئة (ما تنبأنا به نحن في “مركز الإصلاح الأوروبي”). ولم تفرض المملكة المتحدة حتى الآن رقابة تامة على الواردات، إذ ستدخل الحدود الكاملة [الإجراءات الجمركية والرقابية بشتى أنواعها] حيز التنفيذ مع حلول يوليو (تموز) 2022، وسيعني ذلك فرض تكاليف إضافية على الأعمال التجارية. واستطراداً، يستخدم “مكتب مسؤولية الميزانية” تقديراتي من أجل اختبار توقعاته الطويلة الأمد بالنسبة إلى تأثير “بريكست” على الناتج المحلي الإجمالي، ويرى أنه ليس هناك من سبب يبرر تغيير فرضيته بأن الاقتصاد سيكون أصغر بمقدار أربعة في المئة.

 وبالتالي، إن “بريكست” أبعد ما يكون عن تعزيز الاقتصاد البريطاني، لا بل جعله أكثر ضعفاً وعرضة للصدمات. دعونا نأخذ الجائحة، مثلاً. لقد استعادت تجارة البضائع ضمن الاتحاد الأوروبي حجمها [قبل الجائحة]، الأمر الذي أدى إلى معاناة مواطنيه شحاً في السلع على نطاق أصغر من ذلك الذي واجهه البريطانيون.

 نحن نعلم أن عدداً كبيراً من مواطني الاتحاد الأوروبي غادروا المملكة المتحدة خلال الجائحة، حينما تضاءلت فرص العمل. وفاق عدد الأوروبيين الذين خرجوا من بريطانيا عدد من دخلوها، على الرغم من أننا لا نعرف كم كان عدد المغادرين كبيراً (لا تزال بيانات الهجرة في المملكة المتحدة ضعيفة). يزيد هذا النزوح من شح العمالة، لا سيما حين يجري ضمه إلى سعي المواطنين البريطانيين إلى العثور على أعمال أفضل أو اختيارهم التقاعد المبكر. وتمخضت هذه القيود على العرض إلى ارتفاع التضخم في المملكة المتحدة أكثر من دول أخرى عانت هبوطاً مشابهاً في الناتج المحلي الإجمالي بسبب إدارتها الضعيفة بشكل مماثل للجائحة.

وفي السياق نفسه، افترضت معظم التكهنات التي وضعت قبل الشروع بتنفيذ “بريكست” أن تكلفة اتفاق تجارة حرة [مع الاتحاد الأوروبي] ستكون أقرب إلى تنفيذ “بريكست” بلا صفقة، منها إلى البقاء ضمن السوق الموحدة. ومرد ذلك أن الخلافات على الحدود شبيهة [في الحالتين المذكورتين آنفاً] لجهة إثبات الامتثال لمعايير الاتحاد الأوروبي ومصدر السلع (بين جوانب أخرى). وطبقاً لبحث أجرته “جامعة ساسكس”، دفعت الرسوم الجمركية على نحو ربع الصادرات البريطانية التي استوفت شروط الدخول من دون رسوم إلى الاتحاد الأوروبي، إما لأن المُصَدِّرين لم يثبتوا أن منتوجهم قد صُنع جزء كبير منه في المملكة المتحدة أو لم يستطيعوا البرهنة على ذلك، وإما لأنه كان من المكلف جداً تعبئة المعاملات الورقية.

 في ذلك الصدد، لقد تغير الاتحاد الأوروبي منذ بدء تطبيق “بريكست”، وتمثل هذا التبدل في تحوله كياناً أكثر تماسكاً. وقد ازداد التأييد للبقاء في الاتحاد الأوروبي في معظم دوله الأعضاء، ويعود ذلك جزئياً إلى اعتبار اتفاق “بريكست” فاشلاً، وجزئياً إلى التغلب على أزمات الهجرة واليورو، إلى حد بعيد. وفي المقابل، جاء بدء المملكة المتحدة عمليات التلقيح في وقت مبكر كانتصار لـ”بريكست” من نوع ما، لكنه لم يدم فترة طويلة. إذ لقحت المملكة المتحدة حتى الآن نسبة من مواطنيها تعادل نسبة من تلقوا اللقاح في الاتحاد الأوروبي، بل إنها أقل من نسبة الملقحين في معظم دول أوروبا الغربية. وخلق “صندوق التعافي” قدرة مالية على مستوى الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي يجعل من المستبعد أن تحذو إيطاليا أو بولندا حذو بريطانيا فتخرجان مثلها من الاتحاد.

 في سياق متصل، منذ دخل “بريكست” حيز التنفيذ، تطور الاتحاد الأوروبي في اتجاه أقل ملاءمة لمصالح المملكة المتحدة. إذ تتبنى الكتلة الأوروبية حالياً النهج الفرنسي في النظر إلى التجارة، أكثر من أي وقت مضى مع وجود مجموعة من السياسات لفرض التكافؤ على المستوى الدولي، مثل آلية تعديل الحدود الكربونية، والتدقيق في الاستثمار الداخلي من أجل استبعاد الصين والدول المستبدة الأخرى. واستطراداً، يواجه الحي المالي في لندن الذي يكاد لا يشمله اتفاق التجارة والتعاون بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، يواجه احتمال نزوح مؤسسات مالية أوروبية عنه. ويعود ذلك إلى انتقال الاتحاد الأوروبي نحو مزيد من نشاطات الخدمات المالية في الدول الأعضاء نفسها [بدلاً من دول خارجية كبريطانيا] في السنوات القليلة المقبلة.

 وإذ تتراكم الأدلة على تكاليف “بريكست”، بدأ الذين تحمسوا لمصلحة تحقيق “بريكست” يجادلون بأنك لا تستطيع الحكم على مشروع ما من خلال [تقييم] سنته الأولى، بل سيستغرق الأمر سنوات عدة قبل الحسم بشأن نجاحه من عدمه. ربما. في المقابل، يتطلب ذلك المشروع [بريكست] جهوداً حكومية منسقة كي ينجح. لم نرَ حتى الآن قائمة بالإجراءات الروتينية الخاصة بالاتحاد الأوروبي التي ستلغيها الحكومة. ومع بعض الحظ، قد ترفع اتفاقات التجارة الحرة حجم التعاملات التجارية مع دول سريعة النمو خارج أوروبا، لكن هناك قليل من الأمل في التعويض عن [أضرار] الحواجز [المستجدة] مع دول الاتحاد الأوروبي، حتى في حال إبرام صفقات تجارية مع الولايات المتحدة والصين. لقد أخفق العام الأول من “بريكست” بمعايير المدافعين عنه، ويبدو من غير المرجح أن مزاعمهم ستتحقق على الإطلاق.

المصدر: independentarabia

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر