دراسة: خطر الإرهاب لم يتقلص في ألمانيا والنمسا رغم جهود مجابهته | مركز سمت للدراسات

دراسة: خطر الإرهاب لم يتقلص في ألمانيا والنمسا رغم جهود مجابهته

التاريخ والوقت : الخميس, 16 ديسمبر 2021

مسلم عبد الودود

حذّرت دراسة جديدة صادرة عن المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، من أنّ مخاطر الجماعات الإرهابية ما زال يهدد الدول الأوروبية، وتحديداً ألمانيا وفرنسا، وهما موضوعا الدراسة، رغم الجهود التي بذلتها الدولتان لتقويضه، تحديداً خلال العام 2021.

وفيما تصنّف النمسا جماعة الإخوان منظمة إرهابية، فإنّ الجماعة مازالت غير محظورة في ألمانيا، رغم توصيات برلمانية عدة بتصنيفها جماعة إرهابية. ويعتبر المنظّرون في الفكر الراديكالي والجهاد أنّ جماعة الإخوان المسلمين وأفكار سيد قطب تُعدّ منهلاً رئيسياً لكافة الحركات والجماعات الجهادية.

تقول الدراسة المنشورة عبر الموقع الرسمي للمركز: إنّه “مع اقتراب العام 2021 من نهايته، ما يزال هناك العديد من أوجه عدم اليقين فيما يتعلق بالتهديدات الإرهابية لألمانيا والنمسا، مشيرة إلى أنّ السلطات الألمانية نجحت في تفكيك خلايا تنظيم داعش والجماعات المتشددة، ورغم مساعي ترحيل الإرهابيين المحتملين، لم ينخفض عدد الإسلاميين الخطرين أمنياً في ألمانيا. حيث بات متوقعاً ارتكابهم جرائم خطيرة، في وقت دعت فيه الاستخبارات الألمانية إلى إجراءات وقائية بهذا الصدد، ممّا يطرح مستقبلاً تحديات أمنية كبيرة على السلطات الأمنية في ألمانيا .

ويُقدّر عدد المتطرّفين الإسلاميين الخطيرين بشكل خاص في ألمانيا بنحو (2000) شخص، حيث يبلغ عدد من يُسمّون بـ “الأشخاص الخطرين” في مجال الإرهاب الإسلامي حالياً (554)، منهم (90) محتجزاً و(136) يعيشون خارج أوروبا، على سبيل المثال في إدلب معقل المعارضة في شمال سوريا. بالإضافة إلى ذلك، هناك (527) شخصاً معنياً، وهؤلاء هم الذين تعتقد السلطات أنّهم يستطيعون تقديم الدعم اللوجستي أو غيره من أشكال الدعم للأعمال الإرهابية،  وفقاً لـ DW في 11 أيلول (سبتمبر)2021

مستويات التهديد لأمن تكنولوجيا المعلومات في ألمانيا بات أعلى من أيّ وقت مضى، مع تزايد التهديدات السيبرانية، وأصبح مجرمو الإنترنت أكثر احترافاً .

وتشير الدراسة إلى أنّه “ما زالت الجماعات الإسلاموية المتطرفة في ألمانيا توسّع نفوذها تدريجياً في ألمانيا، وما يزال السلفيون الجهاديون هم المصدر الأساسي للتجنيد والاستقطاب. ويتضح من إحباط الأجهزة الألمانية للمخططات الإرهابية أنّ الجماعات المتطرفة لديها دوافع لتنفيذ هجمات إرهابية، رغم انخفاض مؤشر الهجمات الإرهابية. وتصف الأجهزة الاستخباراتية المشهد السلفي في ألمانيا بأنّه التيار الأسرع نموّاً في مجموعة واسعة من الجماعات المتطرفة”.

واستعرضت الدراسة انتشار النسخة  “الجهادية” من السلفية في ألمانيا على مدى الأعوام الـ3 الماضية، وألقت تحدياً خطيراً لتأثير المؤسسات الإسلامية الرسمية. وتظهر إحصائية “Statista Research Department” الصادرة في 10 آب (أغسطس) 2021 أنّ عدد السلفيين الذين يعيشون في ألمانيا عام 2020 بلغ (12150)، مقارنة بـ (380) عام 2011.

والجماعات الإسلامية المتطرفة في ألمانيا هي: جماعة الرؤية الوطنية “ميلي غوروش”، وجماعة الشريعة الإسلامية، وجماعة “الدين الحق”، ومنظمة الإسلام النشط السلفية، ومنظمة “الدعوة إلى الجنة” السرّية، ومنظمة أنصار الأسير، وشبكة “أبو ولاء”، وكتيبة “لوربيرغر”، وخلية “فولفسبورغ” الإرهابية.

على الرغم من حظر تنظيم الإخوان رسمياً في النمسا، لكنّ ممارساته السابقة، من خلال استقطاب الشباب وتجنيده في صفوفه، ساهمت في خلق مجتمع موازٍ

ولفتت الدراسة إلى جهود ألمانيا المتمثلة في حظر (3) جمعيات، بعد أن توصلت إلى أنّها جمعت أموالاً لحزب الله. وأكدت الداخلية أنّ نشاط هذه الجمعيات يتعارض مع فكرة التفافهم بين الشعوب. والجمعيات هي: “عائلة ألمانية لبنانية”، و”الناس من أجل الناس”، و”أعط السلام”، وفقاً لـ”DW” في 19 أيار (مايو) 2021، وكانت وزارة الداخلية الألمانية قد أعلنت في 30 نيسان (أبريل) 2020 تأكيد حظر حزب الله اللبناني بالكامل كونه “منظمة إرهابية”، ومنع جميع أنشطته في سائر الولايات، وحظرت السلطات النمساوية أنشطة “حزب الله” اللبناني، وفقاً لـ”سكاي نيوز عربية” في 14 أيار (مايو) 2021، بجناحيه السياسي والعسكري.

وشدّدت الدراسة على أنّه “لا يتعيّن على ألمانيا التعامل فقط مع الإرهاب الإسلامي، الذي كان المعيار السائد على الأراضي الأوروبية في الأعوام الأخيرة، ولكن أيضاً مع العنف اليميني المتطرّف المتصاعد”.

ورصدت الدراسة وجود (15) جماعة يمينية متطرّفة في ألمانيا، مشيرة إلى أنّ ألمانيا بذلت جهوداً واسعة في محاربة التطرّف والإرهاب خلال العام 2021، ونجحت بشكل جيد في الحدّ من أنشطة الجماعات المتطرّفة، من خلال وضع بعض المنظمات والجمعيات تحت المراقبة والبعض الآخر تمّ حظرها؛ فقد حظرت ألمانيا جماعة يمينية متطرفة معروفة باسم “لواء العاصفة 44” أو “لواء الذئب”، واتهم وزير الداخلية زيهوفر هذه المجموعة بأنّها تهدف إلى “إعادة بناء الدولة النازية السابقة”، حسبما جاء في DW في 3 كانون الأول (ديسمبر) 2020.

وفي سياق متصل، لفتت الدراسة إلى تزايد المخاطر السيبرانية، وقالت: إنّ “مستويات التهديد لأمن تكنولوجيا المعلومات في ألمانيا بات أعلى من أيّ وقت مضى، مع تزايد التهديدات السيبرانية، وأصبح مجرمو الإنترنت أكثر احترافاً، ووصلت مستويات التهديد إلى الإنذار الأحمر وفقاً لتقرير حالة أمن تكنولوجيا المعلومات لعام 2021 الذي نشره المكتب الفيدرالي لأمن المعلومات (BSI) ، وفقاً لـ DW في 21 تشرين الأول (أكتوبر) 2021. ويُظهر التقرير أنّه بين  أيار (مايو) 2020 و2021 ، تمّ تحديد (144) مليون متغير جديد، بزيادة قدرها 22٪ مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق.

إذا استمرّت ألمانيا والنمسا بتبنّي المنظومة القانونية الحالية، لا سيّما في جانب الحرّيات الممنوحة لأشخاص ذوي إيديولوجيات معيّنة، فإنّ الجماعات اليمينية المتطرفة ستجد مستقبلاً أرضاً خصبة لممارسة العنف

ويعتقد وزير الداخلية هورست سيهوفر أنّ التهديد سيستمرّ في النمو خلال الأعوام القليلة المقبلة، خاصة في مجالات أساسية، مثل الطاقة والبنية التحتية للرعاية الصحية، بسبب زيادة الرقمنة على مستوى العالم التي تمنح مجرمي الإنترنت المزيد من الفرص للهجوم.

النمسا

مثّل تاريخ 2 تشرين الثاني (نوفمبر) 2020 نقطة تحوّل في مواجهة النمسا للجماعات الإرهابية، ففي ذلك التاريخ قام عدة مسلحين ببنادق بفتح النار في (6) مواقع مختلفة بوسط العاصمة فيينا. تقول الدراسة: خاضت السلطات النمساوية مواجهة مفتوحة مع الجماعات الإرهابية والتنظيمات المتشددة والجمعيات الداعية للفكر المتطرف. وبدأت الشرطة النمساوية حملتها بجماعة “الإخوان المسلمين” التي تنشط خاصة في فيينا وغراتس، حيث تسيطر على العديد من الجمعيات والمنظمات.

وأقر المجلس الوطني في النمسا قانوناً جديداً لمكافحة الإرهاب والتطرّف في 8 تموز (يوليو) الماضي، ووفق وزير الداخلية النمساوي كارل نيهمر، تتيح التشريعات الجديدة تغليظ العقوبات على البيئات الحاضنة للمتطرفين، وتسهّل عملية مراقبتهم، وكذلك مراقبة خطاب الكراهية والتشدد الديني، واستغلال شبكة الإنترنت في هذه الأغراض، ويستهدف تعزيز جهود الدولة لحظر نشاطات التنظيمات الإرهابية وملاحقة مموّليها، حسبما أوردت  “سكاي نيوز”.  

ونصّ القانون نفسه على حظر استخدام رموز كلٍّ من: “داعش، والقاعدة، والإخوان المسلمين، وحماس، والذئاب الرمادية، وحزب العمال الكردي، والجناح العسكري لحزب الله، وحركة أوستاشا الكرواتية الفاشية”، وجميع الكيانات الأخرى المدرجة من قبل الاتحاد الأوروبي على أنّها جماعات إرهابية.

تقع النمسا بين فكي الجماعات اليمينية المتطرفة، والجماعات الإسلاموية التي تمثل تهديداً للقيم المجتمعية. فعلى الرغم من حظر تنظيم الإخوان رسمياً في النمسا، لكنّ ممارساته السابقة، من خلال استقطاب الشباب وتجنيده في صفوفه، ساهمت في خلق مجتمع موازٍ.

ورصدت الدراسة (7) جماعات إرهابية متشددة في النمسا؛ وهي: أكاديمية التّربية الدينية الإسلامية، ومنظمة الشباب النمساوي المسلم، وجمعية المللي جروس، والجمعية الدينية العربية، والمجمع الإسلامي للحضارات، ورابطة الثقافة الإسلامية في النمسا، وجماعة الإخوان المسلمين.

في المقابل، رصدت حركتين تنتميان لليمين المتطرف؛ وهما: حركة الهوية، أبرز جماعات اليمين المتطرّف خطراً في النمسا وأوروبا عموماً، إذ لها شبكات معقدة ومترابطة عبر أوروبا وحتى في الولايات المتحدة، بحسب تقرير صحيفة “العرب” بعنوان “النمسا في مواجهة تطرّف مزدوج، إسلامي ويميني” في 13 تموز (يوليو) 2021، وحزب الحرّية/ الأحرار، وقد تولى سابقاً (3) وزارات سيادية في الحكومة الائتلافية؛ هي الدفاع، والخارجية، والداخلية.

وفي الختام، حذّرت الدراسة من أنّه إذا “استمرّت ألمانيا والنمسا بتبنّي المنظومة القانونية الحالية، لا سيّما في جانب الحرّيات الممنوحة لأشخاص ذوي إيديولوجيات معيّنة، فإنّ الجماعات اليمينية المتطرّفة ستجد مستقبلاً أرضاً خصبة لممارسة العنف والتلاعب بقيم التعايش والاحترام المتبادل داخل أوروبا، وستتمكّن من التدمير التدريجي للأمن المجتمعي الأوروبي”.

ينبغي على السلطات الألمانية والنمساوية مواجهة التأثيرات السلبية لخطاب الشعبوية، عبر ترسيخ قيم الديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان، وإيجاد حلول للأزمات والتحديات الأمنية بالمهاجرين واللاجئين، ومراقبة مواقع التواصل الاجتماعي، وحذف التعليقات العنصرية التي تدعو للكراهية .

وقد دلّل عام 2020 على تزايد خطورة التهديدات السيبرانية التي صاحبت الوباء  في ألمانيا والنمسا؛ لتطال الوكالات الحكومية والمنظمات الصناعية والمؤسسات الصحية، وتستهدف الأفراد والشركات والدول الصغرى والمتوسطة والكبرى دون تمييز، وتُطوّر برمجيات الفدية وسبل الاختراق والقرصنة والمتاجرة بالبيانات وبيعها. ورغم تعدّد الفرص المتاحة من ناحية، وجهود الحماية الحكومية والدولية من ناحية ثانية، يظلّ الصراع على بيانات المستخدمين هو الأكثر احتداماً.

المصدر: حفريات

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر