سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
م.هاني بن إبراهيم الغفيلي
ما هو مستقبل الإعلام؟ وهل سيتغير الإعلام خلال السنوات المقبلة؟ وما أبرز ملامحه؟ باتت هذه الأسئلة ملحة وتثير اهتمام كافة الممارسين والمهتمين بالجانب الإعلامي.
في السطور القادمة سأحاول استقراء الواقع وتحولات المستقبل المتوقعة – بإذن الله – من خلال عدد من النقاط. كما سأستعرض أبرز ملامح الإعلام وتغيراته الحالية وتطوراته المستقبلية.
البداية ستكون مع التغيرات والتحولات لمفهوم الإعلام الحالي لمرحلة ما يعرف بالتعهيد الجماعي (crowdsourcing) التي تعتمد على الاستفادة من حشود الجماهير في تكوين المعرفة وخلق المحتوى الإعلامي. في هذه المرحلة العامل المهم هو بصحة وموثوقية هذه المعلومات التي تصل من قبل الناس، ولكن هناك ثلاث طرق لزيادة التوثيق ورفع المصداقية وهي بتفاعل جهات أو أشخاص لهم موثوقية عالية ومؤثرة، وبتشجيع إضافة المواد الداعمة (multimedia) مثل الصور والفيديو، وبزيادة ورفع مستوى وحجم التفاعل من قبل الجمهور.
لا يمكن الحديث عن مستقبل الإعلام دون التطرق إلى الذكاء الاصطناعي (AI) الذي سيدعم صناعة أدوات العمل الإعلامي لتحليل سلوك الجمهور (user behavior) بالمجال الاتصالي، وطريقة تقديم المحتوى من خلالها لفهم متطلبات المتلقي عبر خوارزميات التعلم الآلي، وبالإضافة تنفيذ وتقديم التقارير الإعلامية من خلال تحليل البيانات الضخمة big data وعمليات التنبؤ والاستنباط المعرفي.
يأخذنا ذلك إلى الحديث عن تقنيات الواقع الممتد (XR Extended Reality) وإمكانية التفاعل عبر كافة الحواس “الخمس” حتى حاسة الشم! وهذه التقنيات هي تجمع الواقع الافتراضي (VR) والواقع المعزز (AR) والواقع المدمج (MR)، ويدخل ضمنها التكنولوجيا القابلة للارتداء، مثل الساعة والنظارة والأساور الذكية وغيرها.
أما النقطة التي نلامسها حاليا ونعيشها كواقع وهي أن فضاء الإعلام أصبح يدار بالكامل بواسطة الشركات التقنية وهي المتحكمة بمحتواه.. لذا من المتوقع أن تتحول المؤسسات الإعلامية إلى مؤسسات تقنية تقدم العمل الإعلامي؛ وستصبح “طبيعة مخرجات العمل الإعلامي” و”آلية التعامل معه” و”تأثيراته وأشكاله”، حسب توجهات الشركات التقنية.
من المتوقع كذلك أن نشهد طفرة متزايدة باستخدام “الصوت” كجانب اتصالي، وظهور تقنيات متطورة ليس في تحول الصوت إلى نصوص فقط، بل ومعرفة سمات الشخص مثل الجنس والعمر والمنطقة…إلخ، وحتى في تحليل أسلوبه التواصلي؛ لذا، شركة مايكروسوفت تتنبأ بأن يؤدي هذا التزايد الكبير إلى اختفاء الكيبورد خلال الأعوام المقبلة.
من أبرز الملامح المتوقعة للإعلام مستقبلاً، ما يمكن أن نطلق عليه “الاختزال المتزايد”! ذلك أن سمة هذا الوقت هي السرعة والاختصار. والمنتجون حاليا يرون أن المواد المرئية الأكثر رواجًا تتراوح مدتها بين 30 و45 ثانية؛ بينما من جانب الصحافيون يقولون العناوين المختصرة جدًا بطريقة “الفلاش” التي تحقق انتشارًا أكبر؛ ولكن يومًا بعد يوم، يزيد الطلب على الإعلام بالاختصار أكثر وأكثر لتصبح أقصر واصغر!
أيضًا، الانتشار السريع “الفيروسي” للمحتوى الإعلامي عبر نموذج الدوائر والمجموعات، ونشاهد بعض أشكاله عبر مجموعات الوتساب وبعد مواقع الشبكات الاجتماعية، ويقاد عبر قادة الرأي أو من يطلق عليهم حاليا “المؤثرين”؛ ويصعب السيطرة على هذا النموذج الذي يعتمد على وصول المحتوى بشكل غير مباشر، ذلك أن عملية التواصل لا تكون بشكل مباشر بين مرسل المعلومة والجمهور المتلقي، ويغلب عليه الشائعات، ولكن مؤثر جدًا.
ولا نغفل بالطبع تطورات الإنترنت السريعة من خلال البيئات فائقة السرعة، فهي المحرك الأساسي لتغير الوسائل الإعلامية مثل Li-Fi و6G (ما زالت تحت التجارب). فمستقبل الإعلام بتوفر السرعات الفائقة سينقلنا إلى عوالم افتراضية تفاعلية، كما هو في “ميتافيرس” الذي صنع مرحلة جديدة بتجسيد هذا التفاعل الكامل.
أضف إلى ذلك آليات التعامل مع التضخم المعلوماتي المتزايد أو ما يطلق عليه “طفرة المعلومات” وكيفية التعامل والاستفادة من هذا الكم الهائل عبر منهجية واضحة ومناسبة للجهة الإعلامية، ويقترح أن تعتمد على “الفلاتر الثلاثة”: التحقق لـ”المصداقية”، والمعالجة لـ”الصياغة” والتصنيف لـ”التنظيم”. فالعملية الاتصالية مبنية لتحقيق الأثر بالكيف وليس بالكم، ويتم بمراحل معرفية وإقناع وتغيير سلوك.
ومن أهم العوامل التي يلعب دورًا في الإعلام خلال السنوات المقبلة، استخدامات إنترنت الأشياء، بأن تصبح الأشياء من حولنا قادرة على الاتصال فيما بينها عبر بروتوكول الإنترنت، بما يساهم في تغيير سلوكياتنا في الجوانب الحياتية والاتصالية والتسويقية. فمثلاً السيارة تتواصل مع التلفزيون ليشعره بقربه من المنزل، وآخر يتواصل مع التابلت ليعطيه الأخبار…إلخ.
وهناك سلوك متزايد نحو التأثيرات البصرية (VFX) حيث التركيز الكبير على الإبداع الإخراجي وتقنيات ثلاثية الأبعاد وتقنيات الرسوم المتحركة CGI، وارتفاع قدرات صناعة المحتوى بالمؤثرات البصرية وبطريقة إبداعية؛ أصبح هذا السلوك هو الركيزة الأساسية لنجاح العمليات الإعلامية والاتصالية والتسويقية.
كذلك، من سمات المستقبل الذي ينتظر الإعلام، الإقبال المتزايد نحو الإعلام الترفيهي الذي يركز على محتويات الترفيه من فنون وتسلية ورياضة وألعاب؛ غالبية نمط هذا المحتوى بسيط وعفوي ويبتعد عن الرسميّة، وقد تضاعفت كمية المحتوى الترفيهي في الإعلام؛ لذا أصبح أكبر وأقوى أنواع المحتوى الإعلامي حاليًا، وأكثره تفاعلاً وانتشارًا.
هذه السمات إنما تخبرنا بتغيّر سلوك الجمهور في متابعة الإعلام؛ كانوا في السابق هم من يبحثون عن الوسائل الإعلامية (شراء صحف، متابعة قنوات وإذاعات). بينما الآن، الجهات الإعلامية أصبحت “هي التي يجب أن تبحث عن الجمهور” (عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ومن خلال رسائل النشرات البريدية، وعبر وسائل تقنية أخرى).
كما سيكون من أهم مظاهر سلوك الجمهور مستقبلاً الميل الكبير للتفاعل الحي وعيش التجارب اللحظية الحقيقية. فالعرض الحي له جاذبية عالية ومفعول السحر بجذب الاهتمام. وكلما كانت الموضوعات تلامس عواطف الجمهور حققت اهتمامًا أعلى. وليس أدل على ذلك من برامج Reality TV التي حققت رواجًا كبيرًا بالسابق. وتجد نفسها الآن مطالبة بأن تتناسب مع الوسائل الاتصالية الحالية.
إن المستقبل للأدوات والتقنيات “الأسهل” و”الأبسط” في متابعة المحتوى الإعلامي. على سبيل المثال، تقنيات تعقب العين Eye tribe والتي يمكن الاستفادة منها في تصفّح المحتوى وقراءة الأخبار والتفاعل مع المواد بواسطة حركة العين فقط.
كما أن من أبرز التوجهات المستقبلية هو الإقبال المتزايد على القصص الإنسانية، والمحتويات الإعلامية التي تلامس العواطف والمشاعر، ويكون ذلك من خلال المشاركة الدائمة مع الناس في صنع قيم حقيقية وذات عمق انساني، ويكون لها تأثير عليهم وعلى احساسهم.
تغيرت اهتمامات الفئات العمرية في تلقي المعلومات عبر التقنيات، فقد كانت في السابق محصورة على فئة الشباب. أما الآن، ليست محصورة على فئة مخصصة، بل أن هناك طفرة في تزايد نسب المتابعة عبر التقنيات من قبل الفئات السنية (أكبر من ٥٥ عام) والفئة العمرية (أقل من ١٣ عام).
هناك صراع القائم وكبير على “سوق البيانات”، وباختصار الجهة الإعلامية الأقوى والأفضل هي التي تستطيع أن تمتلك أكثر قدر من البيانات، وتساعدها في تعزز قدرتها على التواصل مع الناس، وتستطيع تفهم سلوكهم لتقديم المواد الإعلامية لهم، وتساعدها في تحليل تلك البيانات لصنع محتويات إعلامية تحقق لها النجاح.
أخيرا، أهمية استشعار سباق اللحظة! وآلية التكيّف مع عصر السرعة، بتفعيل الأدوات والآليات الإعلامية التي تتجاوب مع العمل السريع، وتحقيق الأسبقية والتميّز، والبحث عن المعلومة والسبق الصحفي والتفاعل المباشر؛ فيوما بعد يوم سلوكنا يزداد تسارعا لذا يجب مواكبة هذا التسارع والتفاعل معه.
مستشار ومتخصص بالإعلام الرقمي*
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر