هناك بالتأكيد قلق أكبر هذه المرة، وهناك سعي حثيث لدرء الأخطار التي تحيق بعالمنا عند كثيرين، خصوصا بين العلماء والخبراء، غير أن تفكير السياسيين ما زال محصورا في كيفية تحقيق معدل أعلى من النمو الاقتصادي وتخفيف تأثيرات جائحة كورونا التي أربكت الحياة خلال العامين المنصرمين وساهمت في إبطاء الحركة الاقتصادية في معظم دول العالم، خصوصا الصناعية منها.

أكبر الدول التي تطلق غاز ثاني أوكسيد الكربون، الملوِّث للبيئة منذ عام 1750 حتى الآن، حسب بيانات مؤسسة Our World Data، هي الولايات المتحدة، تليها الصين، التي أصبحت في العقود الأخيرة أكثر بلدان العالم تلويثا للبيئة بسبب نهضتها الصناعية ونموها الاقتصادي المتصاعد، تليها روسيا وألمانيا وبريطانيا واليابان، تتلوها الهند وفرنسا وكندا وأوكرانيا. أكثر البلدان المحسِّنة للبيئة هي البرازيل، بسبب وجود غابات الأمازون الشاسعة التي تخزن غاز ثاني أوكسيد الكربون وتطلق الأوكسجين، لكنها آخذة بالتقلص بسبب عمليات التجريف التي طالب كثيرون دول العالم بوضع حد لها.

العالم في خطر، ودرجة الحرارة، وفق المؤشرات الحالية، سترتفع بـ 2.7 درجة بحلول نهاية القرن الحالي، وهذا الارتفاع حسب الأمم المتحدة، سيحدِث كارثة. فإن ارتفعت حرارة الجو بدرجتين، فإن ذلك سيهدد إمدادات الغذاء العالمية، وإن ارتفعت بثلاث درجات، فإنها ستسبِّب حرائق في البراري والغابات وتحدِث أعاصير عاتية، بينما ارتفاعها بأربع درجات سيدمر المدن.

وحسب تقارير دولية نشرت أحدها جريدة الغارديان، فإن درجة الحرارة في الشرق الأوسط ترتفع بضعف المعدل العالمي بسبب انتشار الصحاري ونقص إجراءات مكافحة التصحر. الاحترار في جنوبي العراق وغربي إيران بلغ مستويات قياسية فاقمت الوضع الصحي في المنطقة، وأصبح سكان البصرة لا يستطيعون البقاء في منازلهم أثناء انقطاع التيار الكهربائي بل يجوبون الشوارع بسيارتهم من أجل التهوية. أما في إيران فإن التلوث البيئي يتسبب بموت 4000 شخص سنويا. كما أن تزايد عدد محطات تحلية المياه قد رفع نسبة الملوحة في البحار بنسبة تصل إلى 20% في بعض المناطق.

بإمكان العالم أن يوقف هذا التدهور البيئي إن اتخذت الدول الأكثر تلويثا للبيئة إجراءات جدية لمكافحة التلوث. التكنولوجية الحديثة التي تمتلكها الدول الصناعية يمكن أن تعكس المعادلة خلال فترة قياسية، وقد أشار رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، إلى ذلك في كلمته في مؤتمر غلاسكو. أما بقاء الحال على هذا المنوال فإنه ينذر بكارثة كبرى تجتاح الأرض، سماها جونسون “قنبلة موقوتة”.

عالم الطبيعة والإعلامي الإنجليزي المخضرم، ديفيد أتنبرا، البالغ من العمر 95 عاما، قال في مؤتمر غلاسكو إن الذين سيتأثرون بالتلوث البيئي لم يولدوا بعد، لأن تأثيرات التلوث الحالي ستظهر بنهاية القرن، ولكن ليس من حق الأجيال المتعاقبة أن تحرم الأجيال المقبلة من أن تحيا حياة طبيعية على هذا الأرض. المحيطات والحيوانات البحرية التي تعيش فيها مهددة. الحاجز المرجاني العظيم في أستراليا فقد نصف المرجان المكون له منذ عام 1995 بسبب احترار البحار الناتج عن التغير المناخي. أما الحرائق في الغابات والبراري والحقول فقد أصبحت متكررة بسبب ارتفاع درجات الحرارة التي يسببها الاحتباس الحراري الناتج عن الانبعاثات الغازية.
هناك رغبة جامحة لدى المؤتمرين لأن يعكسوا اتجاه التداعيات المناخية، بل يطمح المؤتمرون إلى تصفير انبعاثات الكربون، ولكن الأهم هو متى يتحقق هذا الهدف؟ فإن لم يسعَ العالم حثيثا الآن، فإن إيقاف عجلة التفاقم البيئي سيصبح عسيرا جدا إن لم نقل مستحيلا.

كانت الدول الغنية قد وعدت بتقديم مئة مليار للدول الفقيرة لمساعدتها على تحسين البيئة والحد من الانبعاثات الغازية، بحلول عام 2020، لكنها لم تفعل، إضافة إلى أن المبلغ هزيل لا يرتقي إلى التحديات المناخية. ولكن، برزت مساعي جدية في هذا المؤتمر يقودها محافظ البنك المركزي البريطاني السابق، مارك كارني، للاستثمار في التقنيات النظيفة وهذه الاستثمارات كبيرة بلغت ترليونات الدولارات.

أكثر من مئة بلد وعد باتخاذ إجراءات جدية بحلول عام 2030 لإيقاف التصحر واستعادة المساحات الخضراء التي التهمها خلال العقود المنصرمة، عبر زراعة الأشجار التي تحيا على كميات قليلة من المياه.

هناك أربعون دولة، بما فيها الصين وبريطانيا والهند والولايات المتحدة، وعدت بفرض قواعد ومقاييس جديدة، وتقديم الحوافز من أجل تأسيس أسواق للتقنيات الجديدة. ومن المؤمل أن تتفق هذه الدول على إنتاج نسبة معينة من الفولاذ دون استخدام الفحم. ولتعزيز هذا الإجراء وعدت كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا وألمانيا وفرنسا تقديم 8.5 مليار دولار لجنوب أفريقيا كي تتخلى عن انتاج الفحم، الذي يعتبر من أكبر الملوّثات للبيئة.

ثاني أسوأ غاز ملوث للبيئة هو الميثان، وهناك الآن مساعٍ لتخفيض انبعاثاته، لكن أكثر الدول المطلقة للميثان، وهي الصين والهند وروسيا، لم توقِّع على اتفاق للحد من انبعاثاته بحلول عام 2030. رئيس وزراء الهند، ناريندرا مودي، أعلن عن تحديد أهداف عالية للحد من انبعاثات الكربون بحلول 2030، لكن مراقبين يعتقدون بأنه هدفه لن يتحقق قبل حلول عام 2070، إلا إذا مورست ضغوط دولية على الهند للتقيد بوعودها!

المناخ العالمي يتدهور بسرعة، مهددا حياة ومعيشة الملايين من البشر والأحياء، وبعض المناطق قد تصبح غير مأهولة عندما تتحول الحقول إلى صحراء. لكن العكس يحصل في مناطق أخرى، حيث تهطل الأمطار بكميات غزيرة. وعندما تذوب الثلوج في المناطق المنجمدة، فإن الغازات المحبوسة فيها لقرون عديدة، سوف تنطلق في الجو، ما يفاقم التغير المناخي الذي يتخذ أشكالا مختلفة في أماكن مختلفة من العالم. ويعتقد العلماء بأن 550 نوعا من الأحياء سوف تختفي من الكرة الأرضية بحلول نهاية القرن، من الدب القطبي إلى الفيل الافريقي، إن لم تُتَّخَذ إجراءاتٌ فاعلة لخفض الاحترار الأرضي.

وحسب التنبؤات، فإن بعض الجزر قد تختفي كليا عندما ترتفع مناسيب مياه البحار، بينما تجتاح أفريقيا موجة من الجفاف الذي سيسبب نقصا حادا في الغذاء. الأجزاء الغربية من الولايات المتحدة سوف تعاني من الجفاف بينما تجتاح الأعاصير والعواصف مناطق أخرى فيها. أما الشرق الأوسط، فإن درجات الحرارة المرتفعة سوف تتسبب في تحويل الكثير من الحقول الزراعية إلى صحراء. والأمر نفسه ينطبق على أستراليا ومناطق أخرى.

لم تعد عملية خفض درجة حرارة الجو مسألة تَرَفِيَّة، فأخطار الاحترار الأرضي والتلوث البيئي ستشمل جميع بلدان العالم إن لم تتحرك الدول الصناعية الكبرى الملوِّثة للبيئة، وتبدأ فورا بعملية قلب المعادلة وعكس اتجاه التفاقم البيئي. ولكن يبدو أن الدول الصناعية لا تعتزم تطبيق كل ما وعدت به في مؤتمر المناخ في غلاسكو، فالطموح شيء والممكن شيء آخر. لكن المهم أن غالبية الزعماء والخبراء تدرك الآن خطورة الموقف. وأخطر ما يخشاه العالم هو تولي أعداء البيئة الحكم في البلدان المهمة، خصوصا الولايات المتحدة التي انسحبت من اتفاقيات كيوتو في عهد جورج بوش (43) واتفاقيات باريس في عهد دونالد ترامب. فوز المرشح الجمهوري، غلن يانغكين، المؤيد لترامب في انتخابات ولاية فرجينيا، أثار قلق كثيرين في أنحاء مختلفة من العالم من احتمال عودة الرئيس السابق، المعروف بمناهضته لإجراءات الحد من التدهور البيئي، إلى الحكم مجددا في 2024.

مسؤولية الحفاظ على البيئة وتقليص الاحتباس الحراري لا تقتصر على الحكومات، بل يمكن الأفراد أيضا أن يكافحوا التلوث عبر تغيير سلوكهم الحياتي وتقليص استخدامهم البلاستك وترشيد استهلاك الطاقة وعدم تبذير المياه دون ضرورة، وزيادة العناية بالطبيعة وتوسيع المساحات الخضراء في حدائق المنازل، وتقليص ثاني أوكسيد الكربون في الجو عبر زراعة الأشجار الخازنة للكربون، خصوصا تلك التي تستهلك كميات أقل من المياه. كما يمكن الحكومات أن تزرع المزيد من الأشجار وتوسع المساحات الخضراء وتشرع القوانين الملزِمة للأفراد بتقليص التلوث ونبذ السلوك المناهض للبيئة. وكما قال عالم البيئة البريطاني، السير ديفيد أتنبرا، فإن أبناءنا وأحفادنا يستحقون أن يعيشوا على هذه الأرض كما عشنا نحن، لذلك علينا ألا نفسدها قبل أن تطأها أقدامهم.