أزمة لاجئين جديدة تندلع في غابات أوروبا | مركز سمت للدراسات

أزمة لاجئين جديدة تندلع في غابات أوروبا

التاريخ والوقت : الإثنين, 22 نوفمبر 2021

محمد الدخاخني

 

يُعدّ الدّور الّذي لَعِبته الغابات في ديناميكيّات الصّراع من بين الثّيمات الأساسيّة لأفلام الحرب العالميّة الثّانية.

بالنّسبة إلى سكان غابة «بيالويزا» المهيبة على الحدود بين بولندا وبيلاروسيا، أدّت قشعريرةٌ قديمةٌ من الهشاشة إلى بردٍ في العظام في الأسابيع الأخيرة. هناك شعور بأنّ قوى أكبر تعمل في المنطقة الشّاعريّة، محوِّلةً المخاطر بالنّسبة إلى السّكان المحلّيّين والأجانب على حدّ سواء.

في هذه المرحلة، لا توجد قنابل أو رصاص. النّاسُ هم الذّخيرة. يحاول المهاجرون المتنقّلون، كأفراد أو عائلات، بناء حياة جديدة في أوروبا، لكن المصير الآنيّ لهؤلاء الوافدين الجدد مُريع. في غضون ذلك، يلوح في الأفق شتاءٌ قارسٌ ويواجهون مآزق قاسية. الشّيء نفسه يحصل في غابات البوسنة حول مدينة بيهاتش، حيث يوجد ما يقدّر بنحو 4,000 مهاجر، كثير منهم من الشّرق الأوسط، تقطّعت بهم السّبل في خيام مؤقّتة على سفح التّلّ.

إذا تحرّكت غرباً، فإنّ الغابة الممتدّة عبر الحدود بين فرنسا وبلجيكا، بالقرب من مدينة كاليه السّاحليّة الفرنسيّة، توفّر غطاء، إن لم يكن مأوى، لجيش صغير. هنا، النّاس، وكثير منهم من دول مثل العراق وأفغانستان، ينتظرون الفرصة للعبور عبر «القناة الإنجليزيّة» إلى المملكة المتّحدة. على نحو محبط لجميع المعنيّين، يتجمّع الآلاف هنا وهناك. ويعني هدوء البحار أنّ 1,200 قد حاولوا العبور يوم الخميس وحده.

تمتد أزمة أوروبا عبر حدودها. إنّها مهزلة إنسانية ستتواصل خلال فصل الشتاء. حشدَ السكان المحليون في بولندا أنفسهم للعثور على ملابس وإمدادات أخرى للأشخاص العالقين بين مساحات شاسعة من أشجار التنوب. لديك أيضاً منظّمات مثل «كير فور كاليه»، الّتي تنظّم شيئاً من الطّعام والمأوى والنّظافة للأشخاص الّذين يتجمّعون في فرنسا بحثاً عن وسائل لدخول المملكة المتّحدة.

لا توجد قنابل أو رصاص. النّاسُ هم الذّخيرة. يحاول المهاجرون المتنقّلون، كأفراد أو عائلات، بناء حياة جديدة في أوروبا، لكن المصير الآنيّ لهؤلاء الوافدين الجدد مُريع

لسوء الحظّ، مع حلول فصل الشّتاء البائس، تتصاعد الخلافات السّياسيّة حول الأزمة بشكل مطّرد.

أجرت المستشارة الألمانيّة، أنجيلا ميركل، مكالمةً هاتفيّةً الأسبوع الماضي مع الرّئيس الرّوسيّ، فلاديمير بوتين، تناشده فيها استخدام نفوذه لوقف الاستخدام السّافر لسياسة الضّغط من قِبل حكومة بيلاروسيا، حليفة موسكو، لتوجيه المهاجرين إلى الحدود الأوروبيّة.

في أيّامها الأخيرة في المنصب، تقدّم ميركل وجهاً مختلفاً تماماً فيما يخصّ وضع المهاجرين هذا مقارنةً بالوضع في عام 2015. تمّت الإشادة بها حينها في جميع أنحاء العالم بسبب تعليماتها القائلة بأنّه «يمكننا القيام بهذا»، أي السّماح لمليون لاجئ عراقيّ وسوريّ بإكمال الرّحلة إلى ألمانيا. وكان عليها بعد ذلك احتواء ردّ الفعل العنيف في وطنها.

كما تذكُر إحدى الصّحف الألمانيّة الآن، فإنّ ردّها هذه المرة «يأتي مباشرة من المجر». بعبارة أخرى، إنّها تسير على قواعد الحكومة اليمينيّة في بودابست الّتي رفعت الأسوار حول حدودها ودفعت أيّ وافد إلى العودة. تورد الصّحف الألمانيّة أن سياسة الّلجوء المسمّاة «أوروبا الحصينة» لم تعد غير واردة.

الدّيناميكيّة بين مينسك وموسكو والدّول الأوروبيّة الآن على رأس الأجندة الدّبلوماسيّة. أرسلت روسيا وبيلاروسيا مظلّيين للمشاركة في التّدريبات العسكريّة في المنطقة. ودعت إنغريدا شيمونيت، رئيسة وزراء ليتوانيا، وهي جبهة أخرى تستهدفها مينسك، الاتّحاد الأوروبيّ، يوم الجمعة، إلى بناء سياج حدوديّ على طول الحدود مع بيلاروسيا. في غضون ذلك، نشرت المملكة المتّحدة قوّات لمساعدة القوّات البولنديّة في مسيراتها.

اعترافاً منها بالأزمة الإنسانيّة الّتي يواجهها مواطنوها، أشارت بغداد إلى استعدادها لنقل بعض مواطنيها الّذين حصلوا على تأشيرات للذّهاب إلى بيلاروسيا في رحلة إنسانيّة للعودة إلى بلادهم

واعترافاً منها بالأزمة الإنسانيّة الّتي يواجهها مواطنوها، أشارت بغداد إلى استعدادها لنقل بعض مواطنيها الّذين حصلوا على تأشيرات للذّهاب إلى بيلاروسيا في رحلة إنسانيّة للعودة إلى بلادهم.

تعتقد الحكومة البولنديّة أنّ هؤلاء الأشخاص يتلقّون المساعدة في رحلتهم عبر الغابات من عملاء بيلاروسيّين. ويستعدّ الاتّحاد الأوروبيّ لمعركة قانونيّة لمنع رحلات الرّكّاب من دول مثل العراق الّتي شَهِدت زيادةً مفاجئةً في عدد الأشخاص الّذين يحصلون على تأشيرات بيلاروسيّة. ردّاً على ذلك، قالت مينسك إنّها ستوقف جميع عمليّات نقل النّفط والغاز إلى أوروبا من روسيا.

ومن دول البلطيق إلى البلقان، تُعدّ فكرة الاحتكاك بين الجيران أمراً مقلقاً للغاية.

يلعب المهاجرون أيضاً دوراً في التّوترات المتزايدة بين المملكة المتّحدة وأوروبا. اتّهمت وزارة الدّاخليّة البريطانيّة فرنسا، يوم الجمعة، بالتّباطؤ فيما يخصّ الجهود المبذولة لمنع النّاس من مغادرة شواطئها في رحلات يائسة بالقارب فوق «القناة الإنجليزيّة» المزدحمة. احتلّت أزمة الهجرة في كاليه عناوين الأخبار باستمرار عندما كانت المملكة المتّحدة دولة عضو في الاتّحاد الأوروبيّ، ولكن كان هناك إطار عمل شامل للبلاد للعمل مع الفرنسيّين. مع الانقسام العميق الّذي سبّبه خروج بريطانيا من الاتّحاد الأوروبيّ، أصبحت القضيّة الآن إسفيناً بين البلدين الصّديقين والعدوين القديمين. ومسألة أنّ هذه المشكلة تأتي في وقت يرتفع فيه حجم الوافدين ما هي إلّا شيء أشبه بالدّوامة.

على خلفيّة تغيّر المناخ وقمّة «كوب26»، تُعدّ الهجرة واحدة من القضايا الرّئيسة في عصرنا. ما سيحدث في الأشهر المقبلة في غابات أوروبا هو مجرّد دليل آخر على مدى خطأ أن يعاني النّاس ويموتون وهم يتنقّلون بين البلدان بهذه الطّريقة.

من وجهة نظر إنسانيّة، فإنّ الوضع لا يُطاق. تُجذب المصالح العليا إلى الدّوامة، بينما تُجرّ الدّول إلى التّوتر والصّراع. يتنامى عدم الاستقرار بطريقة تشكّل خطورة على كلّ من أوروبا وجيرانها.

بالنّسبة إلى جميع المعنيّين، ينتظرنا شتاء رهيب.

المصدر: حفريات

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر