موقف الإخوان المسلمين من المواجهة السعودية الإيرانية | مركز سمت للدراسات

موقف الإخوان المسلمين من المواجهة السعودية الإيرانية

التاريخ والوقت : الإثنين, 13 نوفمبر 2017

مي بنت محمد الشريف

 

مع تسارع التطورات الأخيرة في المنطقة وحمى المواجهة السياسية بين حزم المملكة العربية السعودية وحلفائها من جهة، وإيران وأذرع الميليشيات الإرهابية من جهة أخرى، وحتى هذه اللحظة، ما زال تنظيم جماعة الإخوان المسلمين في حالة صمت وصدمة من هذا التسارع في الأحداث، حيث لم يتبنَ أي موقف رسمي ثابت حتى الآن. أمَّا بعض منتسبيها، فلجؤوا إلى التشكيك في صحة اتهام السعودية للشريفة إيران حول استهداف مطار الرياض بصاروخ بالستي إيراني الصنع، الذي يثبت للعالم دعمهم للانقلابيين في اليمن. وزاد وتيرة هجومهم على السعودية بعد استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، وتوجيهه في خطاب مسجل، اتهامات غير مسبوقة لإيران وجماعة حزب الله اللبنانية ودورهما الخطر في بلاده، رافضًا أن يكون جزءًا من مشروع حسن نصر الله لربط لبنان بالجمهورية الإيرانية.

 

وهذا ليس غريبًا عليهم، فحنق جماعة الإخوان المسلمين وتأييدها المبطن لإيران، قد حدث عام ٢٠١٦، وتحديدًا بعد الاعتداء وحرق السفارة السعودية في طهران وقم، والتهجم على المملكة. حيث أثبت صمت منتسبي التنظيم، قوة العلاقة والتقارب الوثيق بين الحركة الإخوانية والحركة الخمينية.

 

ولفهم حالة الارتباك الإخوانية، علينا أن نستذكر العلاقات التاريخية الإيرانية مع جماعة الإخوان المسلمين. فمن ناحية ظروف نشأة الحركتين، فهي متشابهة مع اختلاف المكان والزمان. فأحداث القرن الماضي من غزو ثقافي وسياسي وعسكري على الدول الإسلامية، أدت إلى ظهور اتجاهات قوية في حكومات إسلامية مؤيدة للثقافة الغربية، وهذا كان ظاهرًا في توجهات الملك فاروق في مصر والشاه إيران. فكان التغريب الظاهر أسبابًا كافية جعلت حسن البنا “مؤسس جماعة الإخوان المسلمين” والخميني “قائد الثورة الإسلامية الإيرانية” في وضع يشعران فيه بخطر داهم يجب مقاومته أمام غرب غازٍ للعالم الإسلامي. فسعت الحركة الإخوانية بقيادة “البنا” إلى الدعوة لقيام عملية الإحياء الإسلامي بعيدًا عن أي نزعة مذهبية سنية واضحة لصالح نزعة إسلامية عامة من جهة، وتأثره بأجواء مصر بعد زواج الأميرة فوزية أخت الملك فاروق من الشاه إيران، واختلاط حسن البنا مع بعض معمي المذهب الشيعي من جهة أخرى، “لقاؤه مع السيد محمد تقي القمي ١٩٤٧، ولقاؤه عام ١٩٤٨ مع آية الله الكاشاني” الذين وُجِدوا في القاهرة بعد زواج الأميرة من ولي عهد إيران.

 

أمَّا موقف جماعة الإخوان المسلمين من الثورة الإيرانية، فقد كان مؤيدًا للثورة، حيث احتلت صورة الخميني غلاف مجلة “الدعوة” المجلة الرئيسية لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، والصادرة في شهر مارس ١٩٧٩، أي في الشهر التالي لوصوله للسلطة في طهران. ومن ثم نشر بيان تأييد الإخوان المسلمين للثورة الخمينية المنشور في مجلة “المجتمع” الكويتية. ولم يكتفِ قياديو جماعة الإخوان بهذا التأييد، ولكن سافر بعضهم إلى إيران في ١١فبراير من عام ١٩٧٩، ومن ثم ترتيب زيارة أخرى في شهر يونيو ١٩٧٩ إلى طهران. وأخيرًا، نشرت مجلة “الدعوة” الصادرة عن جماعة الإخوان المسلمين في مصر، في عددها لشهر أغسطس ١٩٧٩ فتوى، هي جواب عن سؤال تمَّ توجيهه حول الموقف من الثورة الإيرانية: فكان الجواب: “وثورة الخميني ثورة إسلامية، والقائمون عليها هم جماعة إسلامية وشباب تلقوا التربية في الحركات الإسلامية، وعلى جميع المسلمين عامة، والحركات الإسلامية خاصة، أن تؤيد هذه الثورة وتتعاون معها في جميع المجالات”.

 

أمَّا الموقف الثاني الذي تلاقى فيه الإخوان المسلمون مع إيران، فهو المتعلق بالحرب العراقية – الإيرانية عام ١٩٨٠ التي استمرت حتى ١٩٨٨، فقد تمَّ إصدار بيان باسم الإخوان يعترضون ويتهمون فيها صدام حسين، بأن هدف الحرب هو ضرب الحركة الإسلامية، وإطفاء شعلة التحرير الإسلامية التي انبعثت من إيران. فكانت مجهودات الإخوان المسلمين وصلت إلى اتصالات مع الملك فهد بن عبدالعزيز لإقناع العراق بوقف الحرب.

 

التماهي بين جماعة الإخوان المسلمين والثورة الخمينية امتد إلى القضية الفلسطينية حيث تمَّ تأسيس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عام  ١٩٨٧، فكانت حركة حماس عبارة عن تحالف استراتيجي بين حركة حماس، وكلٍّ من طهران وحزب الله، وخاصة في فترة ما بعد انقلاب حماس ضد فتح في قطاع غزة عام ٢٠٠٧، الذي أدى إلى قطع جسور كانت تربط حماس بالقاهرة والرياض. هذا التقارب الكبير بين (حماس) وإيران، توتر بعد تدخل طهران وحزب الله في الحرب السورية ودعمهما لبشار الأسد. وتمَّ في الشهر الماضي إعلان انتهاء التوتر بينهما، وعودة المياه إلى مجاريها. وفي الأسبوع الماضي تمَّ تداول خبر سفر وفود فلسطينية رفيعة من حركة حماس، والجهاد الإسلامي، والجبهة الشعبية، إلى طهران؛ لتقديم التعازي للجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، في وفاة والده.

 

وأخيرًا، يبقى المأزق السياسي الحالي لجماعة الإخوان، وهو الانكشاف الشعبي لازدواجية معاييرهم. فاستمرار تنسيقهم مع إيران في ظل ظروف الحرب السورية الدامية، وموقف السعودية الحازم، سيفقدهم ما تبقى من الشعبية وتعاطف الشارع العربي والإسلامي. فهذه المواجهة لا تقبل أنصاف الحلول، ولن يجدي تلون الإخوان وتذبذبهم في المواقف. فالسياسة السعودية الحديثة قامت بكل حزم بقطع أذرع الإخوان في الخليج، والمتمثل بدعم قطر لهم؛ وذلك لتوحيد الجهود لمواجهة المد الصفوي الإيراني في المنطقة، وحماية الحرمين الشريفين وثوابت العقيدة الإسلامية. وهذا يعزز مكانة المملكة العربية السعودية وحلفائها، ويؤكد قيادتها للعالم الإسلامي. ولعل هذا ما ضايق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إذ كان واضحًا في تصريحه الأسبوع الماضي، الذي انتقد فيه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان – حفظه الله – الذي تحدث في وقت سابق عن “الإسلام الوسطي المعتدل” كناية عن توجه المملكة العربية السعودية نحوه. وهذا ما يعارض طموح أردوغان وجماعة الإخوان بتنصيب تركيا قائدًا للعالم الإسلامي.

هذه الآمال قد تبددت مع حزم وحسم القيادة السعودية في تطويق المساعي الإيرانية والإخوانية. وبإذن الله تعالى، تحت ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – حفظه الله – ومواقفه الحازمة تجاه هذه المعطيات والمواجهات السياسية، ستعود المياه الإقليمية إلى مجاريها الطبيعية، وتعود للمنطقة استقرارها وسيادتها.

 

كاتبة وباحثة سعودية*

@ReaderRiy

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر