سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
إميليا تايت
بحلول عام 2100، سيرحل ما يقرب من 4.9 مليار مستخدم من مستخدمي تطبيق “فيس بوك” عن عالمنا. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: من يتحكم بميراثنا الرقمي بعد فنائنا؟ فمع عودة مسلسل المرآة السوداء نتعمق أكثر فأكثر في هذا الموضوع.
البداية كانت على الأرجح عندما ظهرت تغريدة للمدونة الشابة “إستر إيرل” التي تبلغ من العمر 16 عامًا بعد وفاتها في 25 أغسطس من العام 2010، إثر معركة دامت 4 سنوات مع سرطان الغدة الدرقية. فبالرغم من سنها الصغير، فإنها اكتسبت العديد من المتابعين الأوفياء لها على منصات التواصل الاجتماعي، وذلك بعد أن نشرت عن مرضها وحبها الجم لرواية “هاري بوتر”. ففي 18 فبراير من العام 2011، أي بعد 6 أشهر على وفاتها، فُوجئ الجميع بنشر تغريدة على حسابها بتطبيق “تويتر” .@crazycrayon
نُشرت تلك التغريدة على حسابها بتطبيق “تويتر”، وأفادت فيها: “اليوم هو الجمعة 14 يناير 2010.. أريد أن أقول إنني آمل فقط أن أكون على قيد الحياة عندما تُنشر هذه التغريدة”، وأرفقتها مع رمز تعبيري لوجه مبتسم يرتدي نظارة شمسية.
هذه التغريدة أثارت أشجان وعواطف أصدقائها ومتابعيها على “تويتر”، بحسب ما ذكرت والدتها “لوري إيرل” من ولاية ماساتشوستس. إذ تقول الأم: “لقد أُصيب المتابعون بالفزع والانزعاج من تلك التغريدة لأنها كانت غير متوقعة”. وأوضحت “لوري” أنها لم تعرف ما هو التطبيق الذي استخدمته ابنتها في إعادة إرسال تلك التغريدة، لكنها بالتأكيد لم تكن تقصد إرسالها للجميع وإنما لنفسها على أمل أن تكون على قيد الحياة “فكانت تأمل أن تتلقى رسائلها الخاصة… حيث أظهرت آمالها وشوقها للبقاء على قيد الحياة”.
وعلى الرغم من أن “إستر” لم تكن تنوي أن ترسل تغريدتها إلى عائلتها بعد رحيلها عن عالمنا، فإنه يوجد الآن مجموعة من الخدمات التي تشجع الناس على التخطيط لما بعد الموت فيما يتعلق بالحسابات الرقمية. هل تريد مواصلة النشر على وسائل التواصل الاجتماعي وتبادل الرسائل مع أصدقائك بعد الموت؟ هناك الكثير من التطبيقات التي تساعدك على القيام بذلك! مثل: تطبيق “ريبليكا – Replika”، وتطبيق “إيتيرنيم – Eternime”، وهي تطبيقات تعتمد على روبوتات المحادثة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، إذ تقوم تلك الربوتات بتقليد أسلوب الكلام الخاص بك والتحدث إلى أحبائك وذويك. كما تُمكنك منصة “GoneNotGone” من إرسال رسائل البريد الإلكتروني بعد وفاتك. وعلى نحو مماثل، تتيح لك خدمة “goodbyetool” الموجودة بتطبيق “ديدسوشيال – DeadSocial” إخبار أصدقائك وعائلتك بأنك توفيت. فعندما نشاهد الحلقة الأولى من الموسم الثاني من مسلسل المرآة السوداء، نرى امرأة شابة تقوم بمحاكاة صوت وشخصية صديقها المتوفى في جسم آلي يعتمد على الذكاء الاصطناعي، والباقي أصبح موضوعًا خياليًا بائسًا مدته 44 دقيقة يقترب بشدة من الواقع.
وعلى الرغم من تصوير “تشارلي بروكر” (مؤلف المسلسل) للحياة الرقمية على أنها حياة مخادعة، فإن التراث الرقمي يمكن أن يكون مريحًا للثكالى والأشخاص الذين فقدوا أحبتهم. فعلى سبيل المثال: قامت “إستر إيرل” باستخدام خدمة “فيوتشر مي” لإرسال رسائل البريد الإلكتروني إلى نفسها، وتفيد تلك الرسائل بأنه يجب على والديها قراءتها عندما تُتوفى. إذ تلقت والدتها إحدى هذه الرسائل الإلكترونية بعد ثلاثة أشهر من وفاة “إستر”، تقول فيها: “إن المرض كان قويًا جدًا عليها، فقالت الوالدة: إنه على الرغم من القدر الذي جعلتنا هذه الرسالة نبكي، لكنها أدخلت الراحة والسكينة إلى قلوبنا. أعتقد أن السبب يكمن في نواياها وحقيقة أنها كانت تفكر في مستقبلها، وحالة الرضا التي تحلت بها عندما قبلت ما كانت عليه وما كانت تأمل أن تصبح”.
وقالت “إيرل” إنها ستقوم أيضًا بكتابة تلك الرسائل المجدولة لزوجها وأبنائها عندما تعلم أنها تحتضر، وذلك نظرًا لقوة رسائلها وما تحتويه من عاطفة وشجون. وأضافت: “أعتقد أنني سأكون واضحًة جدًا بشأن عدد الرسائل التي سأكتبها والموعد الصحيح لإرسالها”، مشيرة إلى أنها قد تسبب القلق للأقارب والأصدقاء بخلاف ذلك.
وفي الوقت ذاته الذي يقوم فيه المرضى الميؤوس من شفائهم بالتفكير في إرثهم الرقمي، فإن الغالبية منا لا يفعلون ذلك. ففي نوفمبر من العام 2018، أوضح استطلاع أجرته شركة “يوجوف” أن 7% فقط من الناس هم من يرغبون في استمرار عمل حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي بعد وفاتهم. ومع ذلك، فمن المقدر أنه بحلول عام 2100، سيرحل ما يقرب من 4.9 مليار مستخدم من مستخدمي تطبيق “فيس بوك” فقط عن عالمنا. فالتخطيط للموت الرقمي لا يتعلق بتحديثات الحالة لأحبائك أو إنشاء شخصية افتراضية خاصة بك.
فمن الناحية العملية، تُعدُّ تلك الحالة هي مجموعة من القرارات المُتخذة غير المرغوب فيها مثل حذف الحسابات الخاصة بك على تطبيقات التواصل (فيس بوك وتويتر ونيتفلكس)، أو حماية بريدك الإلكتروني من القراصنة والمتسللين، أو إهداء المكتبة الموسيقية الخاصة بك لأصدقائك، أو السماح لعائلتك بتنزيل الصور من السحابة الحاسوبية الخاصة بك، والتأكد من أن تظل الأسرار المتبادلة عبر الإنترنت مخفية في التجاويف الرقمية ذات الصلة.
تقول الدكتورة “إيلين كاسكيت”، عالمة النفس ومؤلفة كتاب (جميع الأشباح في الآلة: أوهام الخلود في العصر الرقمي): “يجب أن نفكر مليًا في أي شيء نعهد إليه أو نخزنه على أي منصة من منصات التواصل الرقمية”. مضيفة أنه “من السذاجة افتراض أن حياتنا على الإنترنت ستموت معنا”، محذرة من أن تخزين البيانات الرقمية الخاصة بنا على الإنترنت، يمكن أن يتسبب في حدوث مشاكل لا حصر لها لأهلنا وأصدقائنا، خاصةً حين يخفقون في الوصول إلى كلمات المرور الخاصة بنا.
يقول “ريتشارد”، 34 عامًا وهو مهندس تم تعيينه كوصي على أملاك والده قبل أربع سنوات من مقاطعة أونتاريو: “لقد لعنت والدي في كل خطوة أخذتها على الطريق”.. فعلى الرغم من أن والد “ريتشارد” ترك له قائمة مكونة من كلمات السر، فإن “ريتشارد” لم يتمكن من الوصول إلى حسابات والده الحكومية عبر الإنترنت، أو بريده الإلكتروني (لإبلاغ جهات اتصاله بشأن الجنازة)، أو حتى تسجيل الدخول إلى جهاز الكمبيوتر الخاص به، وذلك بسبب أن أيًّا منها لم يبقَ صالحًا حتى وفاته.
ولأسباب تتعلق بالخصوصية، رفضت شركة ميكروسوفت مساعدة “ريتشارد” في الوصول إلى كمبيوتر والده. إذ يقول عن هذا الأمر: “بسبب هذه التجربة، لن أقوم بالاتصال بشركة ميكروسوفت مرة أخرى”. وعلى نحو مماثل، خاض “جان أولي لينكي”، وهو أحد سكان مدينة هامبورغ ويبلغ من العمر 24 ويعمل موظفًا بصيدلية، تجربة مشابهة للتجربة السابقة، حيث ترك له والده ورقة تحتوي على كلمات المرور الخاصة بحساباته الشخصية عندما توفي قبل عامين. ويقول “لينكي”: “لحسن حظي، كانت عملية الوصول لتلك الحسابات سهلة للغاية. لقد جعلني هذا الأمر بالتأكيد أفكر في الإرث الرقمي الخاص بي”. فقد كان “لينكي” قادرًا على تحميل الصور من الملف الشخصي لوالده على جوجل، وقام بحذف بيانات بطاقة الائتمان من حساب أمازون الخاص به، بالإضافة إلى أنه قام بإغلاق البريد الإلكتروني لمنع المتسللين والقراصنة.
ومع ذلك، فإنه رغم الوعي المتزايد بالبيانات التي نتركها خلفنا، فإن القليل جدًا منا من يتخذ بعض الإجراءات ليقوم بحماية مثل تلك البيانات. في عام 2013، تصدرت شركة Cirrus Legacy التي تتخذ من مدينة برايتون مقرًا لها، عناوين الصحف بعد أن بدأت في السماح للأشخاص بترك كلمات المرور عند وفاتهم لمن يشاؤون. لم تعد شركة Cirrus Legacy موجودة الآن، ولم تتمكن صحيفة “الجارديان” من الوصول إلى مؤسسها للتعليق على هذا الأمر. وتقول شركة “كلاركسون رايت وجيكس”، وهي شركة محاماة مقرها في مقاطعة كينت وتقوم بتوفير خدمة Cirrus لعملائها، إن هذا الخيار لم يكن متاحًا للجميع.
يقول “جيريمي ويلسون”، رئيس فريق الوصايا والتخطيط العقاري في شركة “كلاركسون رايت وجيكس”: “لقد أدركنا منذ فترة طويلة أن المشكلة الكبرى للجيل القادم ستكمن في البصمات الرقمية. كما أدركت شركة Cirrus ذلك ودوَّنت ملاحظاتها، لكن بصراحة، لم يقم أحد بتناولها”.
يلاحظ “ويلسون” أيضًا أن الأشخاص يجهلون القوانين المتعلقة بالأصول والموجودات الرقمية مثل: الموسيقا والأفلام والألعاب التي قاموا بتنزيلها. وعلى الرغم من أن العديد منا يعتقدون أننا نمتلك مكتبة برنامج “آي تيونز”، أو مجموعة ألعاب البلايستيشن الخاصة بنا، فإن معظم هذه التنزيلات الرقمية تكون مرخصة لنا عند محيانا وتنتهي بمماتنا.
فهناك اختلاف كبير بين ما نريد القيام به فيما يتعلق بالإرث الرقمي وما يسمح لنا القانون بفعله. وعلى الرغم من ذلك، لا يتحكم القانون في الوقت الحالي في قراراتنا المُتخذة بشأن الموت الرقمي. إذ تقول إيلين كاسكيت إن “عملية وضع القوانين واللوائح التي تنظم تلك العملية هي واحدة من أبطأ العمليات التي تجري في هذه الأثناء، فينتهي المطاف ببعض المنصات والشركات مثل شركة (فيس بوك) بكتابة السياسات والقوانين الخاصة بها”.
وكمثال آخر، تُوفيت فتاة ألمانية تبلغ من العمر 15 عامًا في عام 2012 بعد أن صدمها قطار أنفاق في العاصمة الألمانية برلين. وعلى الرغم من معرفة والديها لكلمات المرور الخاصة بها على الإنترنت، فإنهم لم يتمكنوا من الوصول إلى الحساب الخاص بها على تطبيق “فيس بوك” لأنه تم “إحياء ذكراها” من قبل الشبكة الاجتماعية. فمنذ أكتوبر من العام 2019، قام تطبيق “فيس بوك” بتحويل الملفات الشخصية إلى صفحات تذكارية موجودة إلى الأبد. لا يمكن لأي شخص بعد ذلك تسجيل الدخول إلى الحساب أو تحديثه، ويظل مجمدًا للأحباء لمشاركة أحزانهم وإحياء ذكرى المستخدمين. قام والدا الفتاة برفع دعوى قضائية ضد شركة “فيس بوك” للوصول إلى حسابها وذلك لمعرفة ما هو سبب الوفاة وتحديد ما إذا كان انتحارًا أم لا. ولكن خسروا القضية أمام الشركة، على الرغم من منح المحكمة الألمانية الوالدين الحق في الحصول على حساب الفتاة بعد ست سنوات من وفاتها.
أضافت “كاسكيت”: “أنه لا يوجد أي شركة من الشركات الكبرى التي تعمل في مجال التكنولوجيا أثبتت حقًا أنها تقوم على الصدق والشفافية والميثاق الأخلاقي، وهو الأمر الذي يدعو إلى القلق، إذ تقوم الشركات بكتابة السياسات والقواعد الخاصة بآلية تخزين البيانات، وإصدار أحكام أخلاقية حول من يجب أو لا يجب أن يكون له الحق في الوصول للبيانات الشخصية الحساسة”.
يهتم المؤلف بكيفية استخدام تطبيق “فيس بوك” للوصول لبيانات المتوفين من أجل تحقيق الاستفادة الربحية، مجادلاً بأن المستخدمين الحاليين يحتفظون بالحسابات الخاصة بالمتوفين على التطبيق لأنهم لا يريدون إغلاق هذه الحسابات ويفقدون الوصول إليها تخليدًا لذكراهم. فوفقًا للحث المهني لها كونها طبيبة نفسية، تشعر “إيلين كاسكيت” بالقلق أيضًا من أن يملي تطبيق “فيس بوك” علينا كيفية حزننا. فتقول: “أنشأ (فيس بوك) ملفات تعريف تذكارية لمنع ما أطلقوا عليه (مسببات الألم)، مثل الحصول على تذكيرات بعيد ميلاد شخص متوفى. لكن إحدى الأمهات اللاتي تحدثت إليهن من أجل كتابي كانت مستاءة عندما تم إحياء ذكرى ابنتها وتوقفت عن تلقي مثل هذه التذكيرات. فكانت تقول في قرارة نفسها: “هذه ابنتي، لقد أنجبتها، ولا يزال عيد ميلادها”.
بينما يمتلك مستخدمو “فيس بوك” الآن إمكانية تعيين “جهة اتصال قديمة” يمكنها إدارة أو حذف الملفات الشخصية لهؤلاء المستخدمين بعد رحيلهم عن عالمنا الشخصي بعد الموت، لا يزال يتدفق القلق إلى “إيلين كاسكيت” وذلك بسبب وجود عدد قليل جدًا من خيارات التخصيص عندما يتعلق الأمر ببعض الخدمات مثل تذكيرات أعياد الميلاد، أو ما إذا كان بإمكان الغرباء النشر على الحساب الشخصي الخاص بك. وتقول: “إن الفردانية والخصوصية في الآلام والأحزان ستجعل (فيس بوك) يفشل في كل مرة يحاول فيها إيجاد حل يناسب الجميع”.
يقول “ماثيو هيلم”، وهو محلل تقني يبلغ من العمر 27 عامًا من ولاية مينيسوتا، إن ملف والدته على تطبيق “فيس بوك” زاد من أحزانه على فراق والدته بعد وفاتها قبل أربعة أعوام. ويضيف: “كانت السنة الأولى هي الأصعب بالنسبة لي”، حيث لاحظ أن بعض الأقارب يقومون بنشر أحزانهم على الصفحة الشخصية الخاصة بوالدته لجذب الانتباه. ويقول “هيلم”: “في البداية كنت أتمنى بالتأكيد أن أمسح كل شيء، إلا أنني لم أتمكن من الوصول إلى حساب والدتي”. فلم يطلب من شركة “فيس بوك” حذف الملف الشخصي الخاص بوالدته لأنه لم يرغب في إعطاء الشركة شهادة وفاة والدته.
وعلى النقيض، استغلت “ستيفاني نيمو”، الكاتبة البالغة من العمر 50 عامًا من ويمبلدون، الفرصة لتصبح جهة الاتصال القديمة لزوجها بعد وفاته بسرطان الأمعاء في ديسمبر من العام 2015. وتقول: “تشاركنا أنا وزوجي الكثير من المعلومات على تطبيق فيس بوك”. فقد أصبح هذا الأمر مثل كتابة اليوميات على الإنترنت. وأضافت: “لم أكن أريد أن أفقد هذا الأمر”. إذ تشعر بالسعادة عندما يستمر الأشخاص في الكتابة على الصفحة الشخصية لزوجها، وتستمتع بوضع علامات التوسيم عليه في مشاركة تنشرها تتعلق بالإنجازات التي يحققها أبناؤها. وتوضح قائلة: “أنا لا أقوم بإنشاء مزارًا لزوجي، فقط أعترف بأن والد أبنائي عاش ولعب دورًا مهمًا في حياتهم”. فهي الآن تعمل على تحفيز وتشجيع الناس على التخطيط لإرثهم الرقمي. كما ترك زوجها أيضًا كلمات المرور الخاصة بحساباته المصرفية وحساباته على تطبيقات ومنصات (ريديت وتويتر وجوجل) والحسابات المصرفية الأخرى عبر الإنترنت، إضافة إلى أنه قام بحذف الرسائل الموجودة على تطبيق “فيس بوك” التي لم يرغب أن تراها زوجته. وتقول “ستيفاني”: “حتى في الزواج، هناك أشياء معينة لا تريد أن يراها النصف الآخر لأنها خاصة بكن فهذا الأمر يقلقني إلى حد ما، فإن حدث لي شيء، فهناك بعض الأشياء التي لا أريد أن يراها أطفالي”. لذلك تُعتبر الخصوصية هي القضية الرئيسية عندما يتعلق الأمر بالاختيار بين السماح للأقارب بالوصول إلى حساباتك الشخصية أو السماح لشركة وسائل التواصل الاجتماعي باستخدام بياناتك إلى أجل غير مسمى بعد وفاتك. فعلى الرغم من كون الاختيار الأول ليس بالأمر الهين، فإن الاختيار الثاني يبدو أكثر بؤسًا.
أفادت الدكتورة “إيدينا هاربينيا”، وهي محاضرة في القانون بجامعة أستون، بأنه يحق لنا جميعًا قانونًا التمتع بخصوصية بعد الوفاة. إذ تقول: “يجب أن يكون للمتوفى الحق في التحكم فيما يحدث لبياناته الشخصية وهوياته الرقمية على الإنترنت عند وفاته”، موضحة أن قانون حماية البيانات لعام 2018 يعرِّف “البيانات الشخصية” على أنها حق أصيل فقط بالأشخاص الأحياء. وتقول “هاربينيا” إن هذا الأمر يمثل مشكلة لأن القواعد التي توضع على غرار اللائحة العامة لحماية البيانات في الاتحاد الأوروبي لا تنطبق على الموتى، ولأنه لا توجد أحكام تسمح لنا بنقل بياناتنا الرقمية لأشخاص آخرين ضمن الوصايا.
إذ يمكن أن تحدث العديد من المشكلات فيما يتعلق بهذا الأمر؛ لأننا لا نعرف ماذا سيحدث إذا كان هناك جهة اتصال موصى لها على تطبيق “فيس بوك” في نفس الوقت الذي يريد فيه أقرب الأقارب الحصول على إمكانية الوصول لهذا الحساب. على سبيل المثال، إذا قررت أنك تريدن من صديقك حذف صورك على تطبيق “فيس بوك” بعد وفاتك، فيمكن لزوجك أن يطعن في ذلك قانونيًا. إذ من المحتمل أن تنشب بعض الدعاوى القضائية فيما يتعلق بهذا الأمر.
تقول “كاسكيت” إن الناس “لا يدركون مقدار التحضير الذي يتعين عليهم القيام به من أجل وضع الخطط المناسبة التي يمكن بالفعل تنفيذها”. فمن الواضح أننا إذا لم نبدأ في اتخاذ قرارات بشأن فنائنا الرقمي، فسيقوم شخص آخر باتخاذها نيابةً عنا. وتُضيف: “لكل شخص مخاوفه التي تُعتبر بالنسبة للآخرين مجرد رغبات”.
استمرت “إستر إيرل” في التغريد لمدة عام آخر بعد وفاتها، إذ قامت المنشورات الآلية من موقع الموسيقا “لاست إف إم” بإطلاع متابعيها على الموسيقا التي استمعت إليه واستمتعت بها. فلا توجد وسيلة للتنبؤ بالمشاكل أو الأشياء التي سنتركها على الإنترنت عندما نرحل عن هذا العالم؛ لم تكن “لوري إيرل” تفكر مطلقًا في إلغاء أذونات موقع الموسيقا “لاست إف إم” للنشر على صفحة ابنتها قبل وفاتها. فتقول: “كنا سنغلق تلك المنشورات لو كنا تمكنا من ذلك”.
وأكملت “كاسكيت”: “إن الرسالة الأساسية هي التفكير في مقدار ما تخزنه من بيانات على المنصات الرقمية. فأجهزتنا، دون تدخل من أحد، تُخزن الكثير من الأشياء، نحن لا نفكر في العواقب عندما لا نكون هنا بعد الآن”.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: The Guardian
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر