سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
عبدالله مغرم
ظهر مفهوم القوة الناعمة أول مرة في عام ٢٠٠٤، حيث استخدمه الدكتور جوزيف ناي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة هارفارد، للإشارة إلى استخدام وسائل الجذب والنفوذ للتأثير على الرأي العام لتحقيق مصالح الدول بدلاً من استخدام القوة العسكرية.
يدخل ضمن نقاط القوة الناعمة، عوامل عدة، منها: الثقافة، والتعليم، والإعلام، فضلاً عن استخدام الدبلوماسية الرقمية. ولدى المملكة العربية السعودية، مصادر ضخمة للقوة الناعمة، على النحو التالي:
الحرمان الشريفان
يعد الحرمان الشريفان مصدرين هامين للقوة الناعمة السعودية، إذ إنهما مهوى أفئدة أكثر من مليار ونصف مسلم حول العالم، ويزور الحرمين الشريفين سنويًا ما إجماليه 41 مليون زائر، حيث يزور مكة المكرمة 30 مليونًا، والمدينة المنورة 11 مليونًا، وهذه الأعداد الضخمة لا بدَّ أن تكون وسيلة لنقل رسالتنا للعالم.
الآثار والحضارات المتعاقبة على المملكة
نجحت المملكة في تسجيل عدد من الآثار على قائمة التراث الإنساني العالمي الذي تديره اليونسكو، ومنها: مدائن صالح، والدرعية التاريخية، كما أن المملكة أرض للحضارات المتعاقبة، ومنها: حضارات المقر، ومدين، وعاد، وثمود، ودلمون. كما تحوي المملكة عددًا كبيرًا من الأسواق التجارية التي تمتد لآلاف السنين، ومنها: سوق عكاظ. كلُّ ذلك الرصيد الحضاري، يمكن أن يشكل نواة للقوة الناعمة السعودية لاطلاع المشرق العربي والعالم على مساهمتنا الحضارية التي بدأت قبل قرون من الزمن.
الموروث الثقافي
تزخر المملكة بموروث ثقافي ضخم يشمل عادات وتقاليد الإنسان العربي الأصيل المتمثلة في الكرم، وإيواء الغريب، وعادات وتقاليد القبائل العربية والأعراف التي تحكم نمط تعامل بعضهم مع بعض، لا سيما في الصحراء. وفي المقابل تشتهر مختلف مناطق المملكة بألعاب شعبية ومأكولات متوارثة تشكل صبغة مميزة لكل منطقة من مناطق المملكة، تسير جنبًا إلى جنب مع أسواق شعبية موجودة من مئات السنين، تسمى بيوم من أيام الأسبوع، مثل: سوق السبت، وسوق الثلاثاء، وغيرها من الأسواق التي تشكل عصب الاقتصاد في حقب سابقة، ولا تزال موجودة إلى اليوم كجزء من الموروث السعودي، وهذا الموروث الضخم لا بدَّ أن يشكل جزءًا من معالم القوة الناعمة السعودية.
المبتعثون في الخارج
حول العالم يوجد عشرات الآلاف من السعوديين ينهلون من مختلف العلوم، ويتفاعلون مع مختلف الشعوب والثقافات، هؤلاء لا بدَّ أن يكونوا سفراء للمملكة على مستوى المؤسسات الأكاديمية، وكذلك في المجتمعات التي يعيشون فيها، بالاستفادة من وجود ٣٢٠ ناديًا سعوديًا حول العالم، ويكون ذلك من خلال حملة إعلامية وثقافية يستفاد من وجودهم للتعريف بالمملكة وثقافتها، ونظام الحكم، وغيرها من التفاصيل التي قد يجهلها الكثير، أو أعطت بعض الحملات الإعلامية صورة غير إيجابية عن المملكة.
سياسة إعلامية للمقيمين في السعودية
يعيش في المملكة قرابة 13 مليونًا من المقيمين في المملكة يعرفون أنظمة البلد وثقافتنا، ويعرفون عن المملكة ما لا يعرفه الكثير من بني جلدتهم، وبعضهم يرى السعودية كما لو أنها بلده الأول، كونه قضى فيها عقودًا من الزمن، وربَّما أكثر مما قضاه في بلده الأصلي. والحقيقة الماثلة أننا لم نستفد من وجودهم في المملكة ليكونوا قوة ناعمة سعودية لبلدانهم؛ لذلك من المهم إعداد سياسة إعلامية واضحة للتواصل معهم، وأن يكونوا نواة للقوة الناعمة السعودية.
“نيوم”
تقع مدينة “نيوم” في موقع جغرافي مميز عالميًا، فهي بين ثلاث دول، وبالقرب من الأسواق ومسارات التجارة العالمية، وتعد المدينة من أهم مدن المستقبل على مستوى الابتكار والتطور المدني، حيث إن المدينة أخذت على عاتقها أن تكون موردًا مهمًا للإبداع في العالم، ومن ضمن عناصر الإنتاج الإعلامي والعلوم الرقمية؛ وهو ما سيساهم بشكل جيد في تعزيز القوة الناعمة السعودية بعد افتتاح المرحلة الأولى في عام ٢٠٢٥م، وحتى إنجاز المدينة لا بدَّ أن تكون مدينة المستقبل حديث العالم، فهي من ناحية دعامة هامة للقوة الناعمة السعودية، ومن ناحية أخرى ستساهم في ضخ الاستثمارات المالية الضخمة المخططة للمدينة.
السينما السعودية
شهدت السنوات القليلة الماضية تحولاً ضخمًا في صناعة الأفلام على مستوى العالم، فاحتكار إستديوهات الإنتاج العالمية الستة لامتلاكها ميزانيات ضخمة للإنتاج، لم يعد واردًا، فالمرحلة الحالية في إنتاج الأفلام اتسمت بدخول منتجي الأفلام المستقلين، وغالبيتهم من فئة الشباب، ويعد السبب في اكتساح الشباب نجاحهم في استثمار التطور التقني الذي خفض تكاليف الإنتاج؛ كل ذلك يفتح الباب أمام تطوير صناعة السينما السعودية، ويتطلب ذلك العمل على ثلاثة مستويات: تطوير مهارات الإنتاج السينمائي منخفض التكلفة عبر تصميم برامج متخصصة، وإطلاق مهرجانات سينمائية على المستوى العربي والإسلامي في المملكة، ودعم بث الإنتاج السينمائي السعودي على منصات بث الفيديو تحت الطلب كنيتفليكس، وأمازون برايم فيديو وغيرها، كل ذلك سيعزز من القوة الناعمة السعودية.
الإعلام الغامر
ظهر مفهوم الإعلام الغامر قبل عدة سنوات، ويقصد به أن يصل عقل المشاهد إلى مرحلة الشعور بوجوده في البيئة التي يشاهدها في البيئة الافتراضية، لذلك تمتلك التقنية درجة تأثير أعلى من أي وسيلة إعلام أخرى، ويندرج تحت ذات التقنية ثلاثة أقسام رئيسية: تقنية الواقع الافتراضي (Virtual Reality)، والواقع المعزز
(Augmented Reality)، والواقع المختلط (Mixed Reality). تقنية الواقع المختلط والواقع المعزز لا تزال في بداياتها، ولكن تقنية الواقع الافتراضي أثبتت نجاحها كنموذج جديد في إنتاج الأفلام بزاوية مشاهدة ٣٦٠ درجة عبر استخدام نظارات مخصصة للمشاهدة. وبالإضافة إلى استخدام أسلوب مشاهدة المحتوى التقليدي الذي يوظف السمع والبصر، يمكن كذلك استخدام الشم واللمس في إنتاج الأفلام؛ مما يعني توظيف أربع حواس في مشاهدة المحتوى، وهو ما يعطي بعدًا جديدًا في مشاهدة المحتوى الإعلامي ويفتح صفحة جديدة في إنتاج الأفلام، ولا بدَّ من الاستفادة من ذات التقنية في إنتاج أفلام عن المملكة وتراثها وعاداتها وتقاليدها، وعقد جلسات مشاهدة حول العالم، وهو ما يساهم في تعزيز القوة الناعمة السعودية لتكون نواة السعودية الجديدة.
كاتب ومستشار إعلامي ومخرج أفلام واقع افتراضي*
@amaghram
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر