معالجة كوابح الانفتاح الاقتصادي | مركز سمت للدراسات

معالجة كوابح الانفتاح الاقتصادي

التاريخ والوقت : الثلاثاء, 7 نوفمبر 2017

عبدالله الذبياني

 

واجه مساعي الإبقاء على الرساميل السعودية وجذب رساميل من الخارج للاقتصاد السعودي في سنوات ماضية، ثلاثة تحديات عميقة، كانت كفيلة بإحباط نتائج أي قرارات تتخذها الدولة في هذا الخصوص، عندما أقرت نظام الاستثمار (بشقه الأجنبي) في مطلع الألفية الجديدة، الذي تضمن محفزات للاستثمار الأجنبي لم تكن معهودة في المملكة، تلا ذلك بسنوات منح حوافز ضريبية للاستثمار في المناطق الجديدة تمثلت في الإعفاء الضريبي لمدة عشر سنوات في مناطق: حائل والحدود الشمالية وجازان ونجران والباحة والجوف، بما في ذلك المدن الاقتصادية والصناعية المقامة في تلك المناطق.

وأجرت الحكومة فيما بعد تعديلات وتطويرات على نظام الاستثمار الأجنبي مع تأسيس الهيئة العامة للاستثمار، وهذه التعديلات التي انطوت على تسهيلات كبيرة، مع إضافة انخفاض تكلفة الطاقة في المملكة وتسهيلات منح التأشيرات، كان من المفترض بالمقاييس العالمية، أن يزيد تدفق الاستثمار الأجنبي مصحوبًا بعودة الرساميل المحلية المهاجرة؛ لكن ذلك لم يحدث بالصورة التي كانت تقدرها الحكومة، وكان ذلك بسبب التحديات التي ذكرناها أعلاه، والتي تمثلت في: أولها عدم وجود قوانين واضحة لمكافحة الفساد، وثانيها هو القضاء الذي يقتصر قضاته على الخلفية الشرعية، وثالثها تداخل صلاحيات بعض الجهات ووجود جهات غير واضحة الصلاحية، مثل جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي كان يتدخل حتى في العلامات التجارية على لوحات المحال على سبيل المثال.

وليس أدل على قوة مكابح هذه التحديات من تأخر مشاريع المدن الاقتصادية، وتحديدًا مدينة الملك عبدالله الاقتصادية في رابغ التي حظيت بكل التسهيلات والمزايا والاستثناءات لاستقطاب المستثمرين الأجانب، ورغم ما يتم فيها حاليًا، فإنها دون السقف كثيرًا، وهي قبل كل ذلك أكملت العقد، ولم ترَ النور في صورتها الكاملة.

والسعودية، وهي تضع رؤية عملاقة تتطلب انفتاحًا على العالم واستقطاب أموال وخبرات أجنبية، كان لا بد أن تنظر إلى الصورة من أعلى، لتقف على العوامل أو الكوابح التي كانت تحول دون استقطاب الرساميل الأجنبية، رغم كل التسهيلات التي قدمتها الأنظمة ذات العلاقة.

ولم يكن من المنطق أن نستند إلى تلك الأنظمة في دعم مشاريع رؤية 2030، ولعله يبرز فيها على المستوى الاستثماري، مشاريع: “نيوم”، والبحر الأحمر، والقدية، وهي مشاريع تصل إجمالي تكلفتها إلى 600 مليار دولار تقريبًا. ومن هذه الرؤية جاءت المعالجة للجوانب التي كان يعتقد أنها جانبية، وليست ذات أهمية، على حين أنها كانت كوابح عميقة جدًا وذات تأثير قوي.

وبدأت المعالجة قبل العام ونصف العام، حيث وضعت الحكومة تنظيمًا محكمًا يحدد صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو الجهاز الذي كان يعيق مستويات معينة من الاستثمار، خاصة السياحي والترفيهي، ولا يمكن مع نشاطه المتشعب وصلاحياته غير الواضحة، أن يتمكن الاقتصاد من استقطاب شركات أجنبية كبيرة لصناعة سياحة داخل المملكة.

لكن الكابح الأقوى الذي تمَّ وضع اللبنة الأولى لإزاحته، تمثل في الأمر الملكي الذي صدر مساء السبت الماضي، والذي قضى بتشكيل لجنة عليا برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وعضوية رئيس هيئة الرقابة والتحقيق، ورئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، ورئيس ديوان المراقبة العامة، والنائب العام، ورئيس أمن الدولة.

وحسب الأمر الملكي، تقوم اللجنة استثناءً من الأنظمة والتنظيمات والتعليمات والأوامر والقرارات، بحصر المخالفات والجرائم والأشخاص والكيانات ذات العلاقة في قضايا الفساد العام، وبالتحقيق وإصدار أوامر القبض والمنع من السفر، واتخاذ ما يلزم مع المتورطين في قضايا الفساد العام.

كما للجنة الاستعانة بمن تراه، ولها تشكيل فرق للتحري والتحقيق، وعند إكمال اللجنة مهامها ترفع تقريرًا مفصلاً عما توصلت إليه، وما اتخذته بهذا الشأن. ولا يمكن بأي حال من الأحوال إخراج هذه اللجنة من سياق رؤية 2030 وتحسين بيئة الاستثمار، وربما كان تصريح معالي وزير المالية الأستاذ محمد الجدعان، تأكيدًا لذلك، حيث قال في تصريح مفصل، عقب إعلان تشكيل اللجنة: إن هذه القرارات الحازمة ستحافظ على البيئة الاستثمارية بالمملكة وتعزز مستوى الثقة في تطبيق النظام في المملكة على الجميع.

 

وأشار الجدعان، إلى أن ما يتم من إجراءات، يأتي في سياق قانوني وفق أسس نظامية ترتكز على العدالة والمساواة وحماية حقوق الأفراد والجهات الاعتبارية والمال العام. وهو ما يعزز ثقة المتعاملين في بيئة الأعمال التجارية والاستثمارية بالمملكة، ويحقق التنافس العادل بين المستثمرين، ويُسهم في تطويرها وفق أفضل الممارسات الدولية المتقدمة. وأضاف “أن الدولة ماضية في عدم التسامح، أو التغاضي عن أية مخالفات لمعايير الأعمال التجارية المحلية أو العالمية، ولن يكون هناك أية امتيازات أو استثناءات لأي من المستثمرين كائنًا من كان، لتوفير مناخ استثماري عادل وشفاف يقوم على الجدارة والاستحقاق بعيدًا عن المحسوبية والمحاباة؛ لتوفير بيئة صحية جاذبة للاستثمار، ما يسهم في تعجيل وتيرة التحول الوطني لتحقيق وعود رؤية المملكة 2030”. (انتهى تصريح الوزير الجدعان).

ولا شك أن الفساد ليس معيقًا للاستثمار الأجنبي ومحبطًا للاستثمار المحلي، بل إنه يوصف بأنه (الضريبة الخفية) على المواطنين، (ووفق تقرير لشركة PWC العالمية للاستشارات، التي أسست مؤشرًا لقياس الانطباع عن الفساد، فإن كل ارتفاع في انطباع المستثمرين حول الفساد بدرجة واحدة، يترجم بانخفاض الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد بواقع 380 دولارًا والعكس صحيح. وتعتبر برايس ووتر هاوس كوبرز، الفساد بمثابة ضريبة “خفية” يتحملها بالنهاية المواطنون).

ويبقى الآن الكابح الثالث في طريق انفتاح الاقتصاد السعودي على العالم وتحقيق مبدأ المنافسة العادلة في استقطاب الرساميل الأجنبية، وهذا الكابح يتمثل في استكمال تطوير منظومة القضاء، فالمعالجات السابقة التي ركنت إليها الدولة، لم تكن ذات منفعة عالية، وهذه المعالجات تمثلت في تأسيس ديوان المظالم للنظر في قضايا محددة وفق صلاحيته بعيدًا عن القضاء الشرعي، وكذلك اللجان القضائية في بعض الجهات، مثل الهيئة العامة للاستثمار، ومؤسسة النقد العربي السعودي وغيرها من اللجان. فمثل هذه القضايا التي تختص بها تلك اللجان، لم يكن لها حلول محددة أو مقننة في القضاء الشرعي، لكن لا يمكن الاستناد إليها الآن مع مشاريع الرؤية، فالمستثمر الأجنبي يهتم بالتفاصيل – كما يقال – ويهمه أن يعرف مسبقًا الجهات التي سيتقاضى أمامها، أو يلجأ إليها في حال الحاجة.

وربَّما آن الأوان لإعادة هيكلة القضاء ليس من ناحية تطويرية، بل هيكلة تنظيمية، لا تفرق بين القضاء الشرعي والقضاء المالي والإداري، بحيث يكون التقاضي تحت سقف واحد، ويكون القضاء من خلفيات مختلفة، يختص القضاة ذوو الدراسات والخلفيات الشرعية في قضايا الأحوال الشخصية مثلاً والمواريث وغيرها، ويكون لدينا قضاة من خلفيات قانونية ومالية وخلافه، ولهم سلطة القاضي الشرعي ومميزاته ويعملون جميعًا تحت سقف واحد.

لا شك أن هناك عدة محاولات خلال الأعوام الماضية لتطوير جهاز القضاء، غير أنها في سياق التطوير، مع الإبقاء على الهيكل كما هو دون تعديل جوهري. ولا نرى إلا أن الوقت مناسب جدًا في هذه المرحلة التي يقودها ملك حازم، وولي عهد شجاع، بحيث نخطو خطوات كبيرة وقياسية في سباق استقطاب الاستثمار ونقل الخبرات الأجنبية.

كاتب وباحث سعودي*
@abdullah_athe

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر