سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
أحمد عسكر
وقفت إثيوبيا على أعتاب مرحلة جديدة عقب مصادقة البرلمان الإثيوبي في 6 أكتوبر الجاري (2021) على تشكيل الحكومة الجديدة التي يقودها رئيس الوزراء آبي أحمد، الذي أدى اليمين الدستورية أمام أعضاء البرلمان الجديد في 4 من الشهر نفسه، وذلك عقب فوز حزبه الحاكم (الازدهار) بالأغلبية في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 21 يونيو الماضي، ليبدأ ولاية جديدة لمدة خمس سنوات عقب مرحلة انتقالية شهدتها البلاد واستمرت ما يزيد عن ثلاث سنوات منذ صعوده إلى السلطة في أبريل 2018 في أعقاب الاحتجاجات الشعبية التي أجبرت رئيس الوزراء السابق هيلي ماريام ديسالين على الاستقالة.
هذه الولاية الجديدة لآبي أحمد تحظى بأهمية متزايدة في ضوء تعقد السياق الحاكم الذي تعكسه بعض الملفات الداخلية والإقليمية الضاغطة مثل الصراع في إقليم تيجراي، والاضطرابات العرقية في معظم أنحاء البلاد، وتباطؤ الاقتصاد الذي تأثر بفعل جائحة كوفيد-19، والتوترات الإقليمية، وهو ما يلقي بظلاله على اضطراب المشهد السياسي الإثيوبي، وانعكاسات ذلك على طبيعة التفاعلات بين الأطراف السياسية والعسكرية في الداخل الإثيوبي، ومن ثم مستقبل الدولة الإثيوبية ككل.
أعلن آبي أحمد تشكيل حكومته الجديدة التي تتألف من 22 حقيبة وزارية بعد أن كانت 20 حقيبة فقط، والتي شهدت الإبقاء على 11 وزيرًا من الحكومة السابقة مع بعض التغييرات في مناصبهم الوزارية، وتعيين 11 وزيرًا جديدًا[1]. وشهدت الحكومة الجديدة مشاركة معقولة للمرأة بنسبة 35% تقريبًا بواقع سبع وزيرات وإن كان ذلك يتعارض مع خطاب آبي أحمد خلال السنوات السابقة حول تمكين المرأة وتمثيلها بنسب كبيرة في المناصب الحكومية. كما قام بتعيين حوالي 61 مسئولًا حكوميًا في مختلف المناصب الفيدرالية في البلاد[2].
وقد شهد التشكيل الجديد تطوريْن رئيسيين هما:
1- اقتراح مجلس الوزراء بتغيير وظائف واختصاصات عدد من الوزارات والمؤسسات الحكومية، فضلًا عن تضمين ثلاث شخصيات معارضة لأول مرة في مناصب وزارية ضمن التشكيل، وهم: البروفيسور برهانو نيجا Berhanu Nega رئيس مجلس إدارة “المواطن الإثيوبي من أجل العدالة الاجتماعية”، وهو أستاذ سابق للاقتصاد في جامعة Bucknell الأمريكية، في منصب وزير التعليم، وبيلت مولا Belete Molla من حزب حركة أمهرة الوطنية، في منصب وزيرة الابتكار والتكنولوجيا، وكيجيلي ميرداسا Kejella Merdassa من حزب جبهة تحرير أورومو، في منصب وزيرة الثقافة والرياضة. ويُلاحظ أن المناصب الوزارية لأحزاب المعارضة ليست قوية على الصعيد السياسي، ولكنها تضمن لهم المشاركة في اجتماعات مجلس الوزراء، فضلًا عن توظيف آبي أحمد لهذه الخطوة بهدف حصد مكاسب سياسية وشخصية على الصعيدين الداخلي والخارجي.
2- إدراج حوالي 20 مؤسسة(*) بما في ذلك المؤسسات الاستخباراتية والأمنية والمالية الرئيسية لتصبح مسئولة مباشرة أمام مكتب رئيس الوزراء[3]، وهو ما يعكس رغبة آبي أحمد في إحكام السيطرة على مجريات الأمور في المؤسسات الرسمية بما يضمن التحكم في مفاصل الدولة الإثيوبية.
وقد شهدت بعض الوزارات السيادية بعض التغييرات وتولي وجوه جديدة مثل وزارة الدفاع الإثيوبية التي تولى حقيبتها ابراهام برهي Abrham Berhe والذي قد شغل مناصب عدة مثل: الرئيس السابق للإدارة المؤقتة في إقليم تيجراي التي عينها آبي أحمد، ووزير للابتكار والتكنولوجيا، والرئيس التنفيذي لشركة الطاقة الكهربائية الإثيوبية. كما أنه قد سبق له العمل مع آبي في وكالة أمن شبكات المعلومات ومكافحة التجسس في جهاز الأمن الإثيوبي. وكان ابراهام عضوًا سابقًا في اللجنة التنفيذية للجبهة الشعبية لتحرير تيجراي، قبل انضمامه لحزب الازدهار الحاكم. بالإضافة إلى وزارة المياه والطاقة التي تولى حقيبتها هابتامو اتيفا Habtamu Itefa والذي كان يشغل منصب رئيس مكتب المياه السابق لولاية أوروميا، والذي تولى خلفًا لوزير المياه السابق سيليشي بيكلي Seleshi Bekele الذي شغل منصب كبير مستشاري رئيس الوزراء بشأن الأنهار العابرة للحدود. بينما احتفظ ديميكي ميكونين Demeke Mekonnen بحقيبة وزارة الخارجية ومنصب نائب رئيس الوزراء الإثيوبي ونائب رئيس حزب الازدهار الحاكم، وهو ينتمي إلى قومية أمهرة[4].
يطرح تشكيل الحكومة الإثيوبية الجديدة دلالات عدة يتمثل أبرزها في:
1- سيطرة حزب الازدهار: يعد أول حزب يفوز بالانتخابات الإثيوبية عقب حقبة الائتلاف الحاكم السابق (الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية) التي سيطرت على الحكم قرابة ثلاثة عقود زمنية منذ عام 1991 برغم حداثة نشأته في عام 2019، ويتوقع أن يستمر في الحكم لسنوات طويلة قادمة.
2- العزلة الدبلوماسية: شهد حفل تنصيب آبي أحمد في أديس أبابا حضورًا ضعيفًا نسبيًا على الصعيدين الإقليمي والدولي، ففي الوقت الذي أفادت فيه تقارير بدعوة أديس أبابا لحوالي 45 رئيسًا؛ لم يحضر سوى سبعة رؤساء ورؤساء حكومات أفارقة وسط غياب كامل للحضور الغربي وبعض حلفاء آبي أحمد مثل الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان. ويمكن تفسير هذا الغياب في ضوء الاتهامات الأمريكية والغربية للنظام الحاكم في إثيوبيا على خلفية استمرار الصراع في إقليم تيجراي شمالي البلاد.
3- غياب المعارضة: ترى اتجاهات عديدة الانتخابات الإثيوبية الأخيرة غير مكتملة، مما قد يؤثر على العملية السياسية مستقبلًا، خاصة في ظل غياب بعض الأقاليم الإثيوبية مثل تيجراي، وبعض الأحزاب المعارضة الرئيسية في مناطق أوروميا والمناطق الصومالية، فضلًا عن انسحاب بعضها من سباق الانتخابات التي أجريت في يونيو الماضي مثل مؤتمر أورومو الفيدرالي وجبهة تحرير أورومو وجبهة تحرير أوغادين الوطنية، مما قد يخلق معارضة شرسة ضد سياسات آبي أحمد في المرحلة المقبلة.
4- نموذج إقليمي: يمكن أن تمثل تجربة آبي أحمد في الفوز بالانتخابات الإثيوبية نموذجًا يُحتذى به في منطقة القرن الأفريقي خاصة في الصومال وإريتريا، لاسيما أن الرئيسين الإريتري أفورقي، والصومالي محمد عبد الله “فرماجو” يسعيان للاستمرار في السلطة ويواجهان معارضة في هذا الصدد، مما قد يدفعهما إلى تبني الآليات التي استند إليها آبي أحمد.
5- آفاق جديدة للمصالحة الوطنية: طرح آبي أحمد مؤخرًا فكرة تنظيم منتدى استشاري وطني شامل بهدف إزالة الخلافات السياسية ومواجهة التحديات القائمة في البلاد بحيث يجمع كافة شرائح المجتمع وليس النخب السياسية فحسب، وذلك في إطار سياسة جديدة تتبنى- حسب رؤيته- نهجًا تشاركيًا وشاملًا لتحقيق حلم بناء إثيوبيا. إلا أن استمرار الصراع في تيجراي وحالة الاستقطاب السياسي في البلاد قد يعطل تنفيذ هذه الفكرة، كما أن توجه آبي أحمد نحو إنهاء الفيدرالية والتحول لمركزية الدولة التي تقلص من سلطات الأقاليم الإثيوبية قد تعصف بفكرة التوافق الوطني في البلاد. فضلاً عن أن اتجاهات عديدة تتهمه بأنه يحاول الترويج لادعاءات من أجل تعزيز موقعه السياسي فقط، دون أن تكون هناك إجراءات تنفيذية على الأرض.
6- الصعود السياسي لأمهرة: يكشف التمثيل السياسي القوي لأمهرة ضمن تشكيل الحكومة الجديدة الذي يصل إلى نسبة 50% تقريبًا أنها حكومة أمهرية بامتياز، في مقابل تهميش لبعض القوميات الأخرى مثل الأورومو وعفر، وهو ما يمكن التنبؤ معه بشأن طبيعة سياسات آبي أحمد المستقبلية في البلاد في ظل تحالفه القوي مع صقور أمهرة، وانعكاسات ذلك على تنامي الأزمات في البلاد واحتمال تدهور علاقة الحكومة الفيدرالية مع بقية الأقاليم الإثيوبية.
بانتظار الحكومة الإثيوبية الجديدة جملة من التحديات والملفات الضاغطة التي تزيد من تعقيد المشهد السياسي الإثيوبي خلال الفترة الأخيرة. ويأتي على رأس تلك التحديات الصراع في تيجراي المستمر منذ عام تقريبًا، والذي يُستبعد الوصول بشأنه لأي تسوية في المدى المنظور في ضوء إصرار أطراف الصراع على عدم تقديم تنازلات لإنهائه، وقدرة النظام الحاكم على احتواء المعارضة السياسية والمسلحة لتمرير مشروع آبي السياسي في البلاد بمساندة حليفه الرئيسي أمهرة.
ويرتبط ذلك بمحاولات آبي أحمد حسم سلسلة الأزمات الأمنية والتوترات العرقية التي تشهدها معظم أنحاء البلاد وإيجاد سبيل للخروج من المأزق السياسي والأمني والعرقي الراهن في البلاد. هذا إلى جانب، مساعي تخفيف حدة الضغوط الدولية ضد أديس أبابا التي تفرض عليها عزلة دبلوماسية تنعكس سلبًا على الدولة الإثيوبية، الأمر الذي قد يفرض على آبي أحمد تقديم بعض التنازلات في بعض الملفات الداخلية والإقليمية.
إجمالًا، ربما يدفع تشكيل الحكومة الجديدة والصعود السياسي لأمهرة الحليف الرئيسي لآبي أحمد في الداخل الإثيوبي نحو تسريع تنفيذ المشروع السياسي للأخير الذي يحقق له السيطرة الكاملة على مفاصل الدولة الإثيوبية، مما قد يزيد إصراره على القضاء على جبهة تحرير تيجراي وتزايد احتمالية شن حملة عسكرية جديدة ضد إقليم تيجراي بإيعاز من صقور أمهرة في السلطة، الأمر الذي يترتب عليه استمرار الصراعات في الداخل الإثيوبي وانعكاسات ذلك على وحدة الدولة الإثيوبية. وربما يلقى ذلك رفضًا لدى بعض الأقاليم الإثيوبية التي تشارك في الحرب ضد تيجراي خاصة بعد تهميشها في العملية السياسية الناتج عن التمثيل السياسي الضعيف لها في التشكيل الجديد، وما يعنيه ذلك من فك الارتباط بين تلك الأقاليم والحكومة الفيدرالية، وتزايد نشاط المعارضة السياسية والمسلحة في البلاد، الأمر الذي ربما يعصف بفكرة إجراء حوار وطني شامل مستقبلًا في ضوء تصاعد حالة الاستقطاب في المشهد السياسي الإثيوبي التي تضاعف من احتمالات عدم الاستقرار في البلاد خلال المرحلة المقبلة.
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر