سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تقى النجار
يعاني تنظيم “الإخوان” من جملة من التحديات الهيكلية التي تعصف بقواعده التنظيمية والسياسية.
وقد تصاعدت حدة تلك التحديات بتصاعد الصراع بين أجنحته على خلفية القرارات الأخيرة الصادرة عن “إبراهيم منير” (القائم بأعمال المرشد العام)، إذ نشبت حرب داخلية بين جبهة “إبراهيم منير” من جهة، وجبهة “محمود حسين” (الأمين العام السابق) من جهة أخرى. ومن ثم تسعى هذه الورقة إلى استعراض هذا المشهد المتشابك بهدف تفكيك ملامحه وتفسير سياقاته واستشراف مستقبله.
مشهد متشابك
مع تنصيب “إبراهيم منير” في منتصف سبتمبر 2020 قائمًا بأعمال المرشد العام، شرع في اتخاذ جملة من الإجراءات التي تسببت في نشوب حالة من الجدل داخل التنظيم، إذ وصفها البعض بأنها خطوات إصلاحية، في حين فسرت من قبل البعض الآخر بأنها إجراءات استبدادية، حيث أصدر قرارًا بإلغاء “الأمانة العامة” التي كان يرأسها “محمود حسين”، ثم عمل على تشكيل “لجنة لإدارة التنظيم” تحت رئاسته، ضمت في عضويتها الثاني بصفته عضوًا منتخبًا بمكتب الإرشاد و6 قيادات آخرين هم: محيي الدين الزايط، وحلمي الجزار، وأحمد شوشة، ومحمد عبدالمعطي الجزار، ومدحت الحداد، ومصطفى المغير.
وفي مطلع يوليو من العام الجاري، أعلن “منير” حل “المكتب الإداري” لشئون التنظيم بتركيا نتيجة لعجزه عن القيام بمهامه، بجانب تأجيل الانتخابات الداخلية واختيار أعضاء “مجلس الشورى العام” (هو السلطة التشريعية لتنظيم “الإخوان”) لمدة 6 أشهر، فضلًا عن إصداره قرارًا في أغسطس الماضي بإحالة “محمود حسين” وعدد من أعضاء “مجلس الشورى العام” للتحقيق بسبب رفضهم الامتثال لقراراته، بجانب تشكيل “لجنة إدارة تركيا” (وهي لجنة خاصة تدير شئون الجماعة في تركيا) تتكون من مجموعة من القيادات الموالية له، وذلك على خلفية حل “مجلس شورى الجماعة” وحل “المكتب الإداري”.
وقد قوبلت تلك الإجراءات بالرفض من جانب جبهة “حسين” الأمر الذي عزز من حدة الخلاف بينهما. وفي محاولة لرأب الصدع داخل التنظيم اتفق الجانبان على إجراء انتخابات داخلية بهدف اختيار أعضاء “المكتب الإداري “للإخوان بتركيا. وعليه نُظم اقتراع بمنطقة الفاتح في “إسطنبول” في سبتمبر الماضي، وأسفرت الانتخابات عن خسارة جبهة “حسين”، وفي أعقاب تلك النتيجة شككت القيادات الخاسرة في نتائج الانتخابات ورفضت الاعتراف بها.
وفي ضوء ذلك المشهد، أصدر “منير” قرارًا في العاشر من أكتوبر الجاري بإيقاف 6 من قيادات التنظيم على خلفية “مخالفات إدارية وتنظيمية”. وهم: “محمود حسين” (الأمين العام السابق وعضو مكتب الإرشاد)، و”محمد عبدالوهاب” (مسئول رابطة الإخوان المصريين بالخارج)، و”همام علي يوسف” (عضو مجلس الشورى العام ومسئول مكتب تركيا السابق)، و”مدحت الحداد” (عضو مجلس الشورى العام)، و”ممدوح مبروك” عضو مجلس الشورى العام، و”رجب البنا” (عضو مجلس الشورى العام).
وفي مواجهة تلك الإجراءات، قررت جبهة “حسين” اتخاذ خطوات تصعيدية، إذ أرسل “ممدوح مبروك” رسالة داخلية إلى أعضاء المجلس الشورى العام في نفس اليوم الذي صدرت فيه قرارات “منير”، يدعو فيها الأعضاء إلى اجتماع عاجل لاتخاذ عدة قرارات، من بينها: “عزل نائب المرشد وإعفاؤه من منصب القائم بالأعمال، وإلغاء الهيئة المشكلة لإدارة شئون الجماعة، وبطلان قرار إيقاف 6 من قيادات مجلس الشورى”.
وجاء رد “منير” بإصداره بيانًا قال فيه إن المحالين للتحقيق وآخرين تقدموا بطلب “لمجلس الشورى العام” للتصويت على مشاريع قرارات تؤدي إلى شق الصف، وإحداث بلبلة بين صفوف “الإخوان” وإشغالهم عن مهامهم الرئيسية، وأنها إجراءات مخالفة للوائح وقوانين العمل الإخوانية، مؤكدًا “أن من ساهم في هذه الإجراءات قد أخرج نفسه من الجماعة”.
وعقب بيان “منير” بساعات قليلة نشر الموقع الرسمي للإخوان بيانًا إلكترونيًا يفيد بأن “مجلس الشورى العام” اجتمع في نصاب قانوني تجاوز 75%، وقرر إعفاء “منير” من مهامه كنائب للمرشد العام للإخوان وقائم بعمله بموافقة 84% من المشاركين، وموافقة 78% من المشاركين على إلغاء الهيئة المشكلة طبقًا لوثيقتها الصادرة عن “مجلس الشورى العام” في 16 يناير 2021، وإحالة ما بدأته من مشاريع إلى مؤسسات الجماعة التنفيذية والشورية المعنية.
وفي مساء 13 أكتوبر الجاري أعلن “طلعت فهمي” (المتحدث باسم الإخوان والمحسوب على جبهة محمود حسين)، عزل “منير” من موقعه كنائب لمرشد الإخوان وقائم بعمله، مع بقائه “في التكليفات الخارجية الموكلة إليه”. وعقب ذلك الإعلان بساعات قليلة جدد أعضاء “مجلس الشورى العام لجماعة الإخوان المسلمين المصريين بالخارج” “البيعة” “لإبراهيم منير” كقائم بأعمال المرشد العام، وأعلنوا إقالة “طلعت فهمي”، واعتبار ما نشر على موقع “إخوان أونلاين” وقناة “وطن”، وتصريح المتحدث الإعلامي المُقال، “مجافيًا للحقيقة”.
سياقات حاكمة
ثمة محددات حاكمة لوضع تنظيم “الإخوان” في التوقيت الراهن، يتعلق بعضها بمحددات داخلية، ويرتبط البعض الآخر بأوضاع خارجية، ويمكن استعراضها على النحو التالي:
أزمة القيادة: على الرغم من تنصيب “إبراهيم منير” (قائمًا بأعمال المرشد العام) في الوقت الحالي، إلا أنه مع إعلان القبض على “محمود عزت” (القائم بأعمال المرشد العام آنذاك) ظهرت حالة من عدم التوافق حول معظم المرشحين للمنصب، ولا سيما “إبراهيم منير”، و”محمود حسين”، حيث أصدرت مجموعة من شباب الإخوان في سبتمبر 2020 بيانًا بعنوان “هذا ما جناه منير وحسين”، نشر على موقع “تيليجرام”، وحمَّل البيان كلًا منهما ما وصلت إليه الجماعة من انقسامات حادة، هذا على صعيد. وعلى صعيد آخر، يمثل تنصيب “منير” خروجًا عن “الفقه الكلاسيكي” للتنظيم الذي يقتضي وجود من يتولى مسئولية ذلك المنصب في مصر، حيث تم التعاطي مع ذلك الموقف باللجوء إلى “فقه الضرورة”، وبالتالي هناك أزمة قيادة داخل التنظيم نتيجة لعدم وجود شخصية توافقية متفق عليها من قبل الجميع.
صراع جيلي: إذ يشهد التنظيم حالة من الصراع الجيلي، فمن ناحية تسبب الاختلاف التنظيمي حول أولويات العمل وإدارة الأزمة السياسية في تحجيم دور الشباب بالتنظيم، خوفًا من أي تطور يفقد القيادات السيطرة على التنظيم في ظل التوازنات السياسية التي تحكم مسار التنظيم مع الدول المستضيفة لها بالخارج، ما أدى لتراجع مصداقية هذه القيادات لدى الشباب. ومن ناحية أخرى، هناك أزمة مركبة داخل قطاع شباب “الإخوان” بفعل تدهور الأوضاع المعيشية لكثير منهم، سواء على الصعيد المعيشي، أو التعليمي، أو الطبي. مع ارتباط الدعم المقدم لهم بمستوى الولاء للتنظيم دون مراعاة لسابق فاعلية بعضهم سياسيًا وتنظيميًا.
انعدام الثقة: إذ تتصاعد حالة انعدام الثقة داخل التنظيم، فهناك حالة من الاتهامات المتبادلة بين جبهة “منير” وجبهة “حسين”، إذ تتهم الجبهة الأولى الثانية بالتورط في مخالفات مالية وإدارية، وتسجيلها لعقارات وممتلكات وأموال خاصة بالتنظيم بأسمائهم وأسماء أبنائهم. بينما تتهم جبهة الثانية الأولى بالرغبة في السيطرة على مقاليد الحكم واستبعاد كل من يختلف معهم. وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى التسريب الصوتي الخاص بـ”بسام أمير” (عضو مجلس شورى الإخوان)، والذي أشار فيه إلى فساد قيادات “الإخوان” الهاربة في تركيا، فضلًا عن حديثه حول الاختلاسات المالية لكل من “محمود حسين” و”إبراهيم منير”.
تراجع التأثير: يعاني التنظيم من تراجع التأثير داخل المجتمعات التي شهدت صعوده، وقد ظهر ذلك بشكل جلي مع سقوط حكم “الإخوان” في مصر في أعقاب ثورة 30 يونيو 2013، وتقويض نفوذ حركة “النهضة” في تونس نتيجة لفقدانها حاضنتها الشعبية بفعل ممارساتها الإقصائية، فضلًا عن الخسارة المدوية التي مُني بها حزب “العدالة والتنمية “في المغرب بعدما حصد 12 مقعدًا في الانتخابات التشريعية في سبتمبر الماضي مقارنة بـ125 مقعدًا في انتخابات عام 2016، ناهيك عن المصير المحتمل الذي ينتظره “إخوان” ليبيا وسط حالة الانقسام الداخلي والرفض الشعبي لهم.
ويمكن القول إن فشل التنظيم في الاستمرار في الحكم نتيجة لما يعانيه من إخفاقاته السياسية والأيديولوجية والتنظيمية. فعلى الصعيد السياسي، تحرك نحو الهيمنة السياسية وسعى إلى إقصاء مختلف الفصائل السياسية، ولم يستوعب التنوع الكامل للمجتمعات التي تتواجد بها. وعلى الصعيد الأيديولوجي، افتقر إلى المرونة الأيديولوجية لصياغة نموذج سياسي خاص به. وعلى الصعيد التنظيمي، منعه هيكله الهرمي الصارم من الاستجابة بنجاح للتغيرات المجتمعية السريعة، حيث عمل على إعطاء الأولوية للولاء على الكفاءة.
تضييق أوروبي: إذ يواجه التنظيم تضييقًا كبيرًا من قبل الدول الأوروبية، حيث شرعت العديد من الدول الأوروبية في مراجعة مواقفها السياسية المتعلقة به، وقد تطورت تلك المواقف من مرحلة المراقبة للتنظيم ومطالبته بنبذ التطرف، إلى مرحلة مناقشة حظره وتصنيفه كمنظمة إرهابية، وذلك بعد أن انكشفت ازدواجيته الأخلاقية، واستغلاله الديمقراطية الأوروبية لتنفيذ أجندته داخل أوروبا وخارجها لتحقيق أهدافه سياسية. ومن ثم يمثل ذلك المشهد بداية تحول في الموقف الأوروبي من التنظيم، مما يؤكد على أن هناك اتجاهًا جديدًا معاديًا للإخوان بدأ يتشكل في أوروبا.
سيناريوهات محتملة
يشير المشهد سالف الذكر المتعلق بتصاعد حدة الصراع السياسي الداخلي داخل التنظيم، بجانب السياقات الحاكمة له في الوقت الحالي، إلى ثلاثة سيناريوهات محتملة، يمكن استعراضها على النحو التالي:
السيناريو الأول: يُشير هذا السيناريو إلى احتمالية استقرار الأوضاع لصالح “إبراهيم منير” ولا سيما مع تجديد مجلس الشورى العام لجماعة الإخوان المسلمين المصريين بالخارج “البيعة” له كقائم بأعمال المرشد، واعتبار ما نشر على منصات “الإخوان” الدعائية مغايرًا للحقيقة، ناهيك عن اعتراض عدد من قيادات التنظيم على ما حدث من قبل جبهة “محمود حسين”، مشدّدين على رفضهم التام للخطوات التي اتُّخذت من جانبهم، وبصفة عامة هناك حاجه من قبل التنظيم إلى توحيد صفوفه الداخلية والالتفاف حول قيادة حتى لو كانت شكلية بهدف تجاوز التحديات الهيكلية التي يتعرض لها مؤخرًا، سواء على صعيد الصراع الجيلي، أو على صعيد انعدام الثقة، أو على صعيد تراجع التأثير.
السيناريو الثاني: وهو مرتبط بالسيناريو الأول، ويُشير إلى احتمالية أن يشهد التنظيم حالة من الانشقاق في أعقاب الصراع الدائر بين جبهة “إبراهيم منير” وجبهة “محمود حسين”، ممثلة في انشاق جبهة الثاني خاصة مع إعلان عدد من قيادات الإخوان دعمها لقرارات “منير” الأخيرة، ويُعد هذا السيناريو محتمل الحدوث ولا سيما مع وجود نموذج سابق تمثل في انشقاق “محمد كمال” (عضو مكتب الإرشاد، ورئيس اللجنة الإدارية العليا) في ظروف مشابهة، إذ أصدر “محمود عزت” (القائم بأعمال المرشد العام آنذاك) قرارًا في عام 2015 يقضي بحل “اللجنة الإدارية العليا” التي كان يرأسها “محمد كمال” وتحويله للتحقيق نتيجة لارتكابه مخالفات تنظيمية. وفي خضم ذلك المشهد انشق الأخير عن التنظيم وأسس كيانًا موازيًا أطلق عليه “جبهة المكتب العام”. ومن ثم يحمل هذا السيناريو في طياته احتماليه بروز كيانات جديدة تحمل أسماء مختلفة.
السيناريو الثالث: يُشير هذا السيناريو إلى احتمالية الإطاحة بإبراهيم منير سواء عبر نجاح جبهة محمود حسين في تشكيل تيار كبير داعم لها يقوم بعزله أو سواء عبر تعرضه للتصفية الجسدية، لا سيما وأنه طلب من قيادات التنظيم الدولي تكثيف تأمينه وزيادة أفراد حراسته الشخصية وحراسة منزله خشية تصفيته في أعقاب قراراته الأخيرة، إذ وصلته معلومات تؤكد وجود خطر يهدد حياته في ظل صراعه القوي مع مجموعة “إسطنبول”، وتُعد احتمالية حدوث هذا السيناريو باحتمالاته ضعيفة، غير أنه حال حدوثه يفتح الباب على مصراعيه أمام تحديات كبرى وإشكاليات عدة تواجه التنظيم.
مجمل القول، يمر تنظيم “الإخوان” بأزمات متعددة وتحديات مركبة، سواء على صعيد البنية التنظيمية، أو على صعيد تراجع الجاذبية الأيديولوجية، أو على صعيد فقدان الحاضنة الشعبة، غير أن أكثر الأزمات حدة هي المتعلقة بالصراع السياسي بين أجنحته والتي تعصف بتماسكه التنظيمي وهياكله المؤسسية، وتكمن خطورة تلك الصراعات في خروج كيانات جديدة من رحم التنظيم تعمل على اختراق المجتمعات وتقدم نفسها بصورة غير حقيقية مفادها الاعتدال واعتماد العمل السياسي البعيد عن التطرف والإرهاب.
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر