سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
استحوذت الإجراءات التي أعلنتها المملكة العربية السعودية خلال الساعات الماضية عقب إنشاء لجنة جديدة لمكافحة الفساد، على جانب واسع من اهتمام الإعلام الغربي، لا سيما بعدما أوقفت السلطات على إثرها 11 أميرًا وعشرات الوزراء السابقين، باتهامات تتعلق بالفساد وغسيل الأموال، ضمن توجه سعودي لإحداث تغييرات اقتصادية هامة بدأها ولي العهد، في العام الماضي بإعلان رؤية 2030 وأعقبتها إجراءات إصلاح اقتصادي حازت اهتمامًا وإشادة دولية واسعة.
وفرضت الإجراءات نفسها بقوة على الرأي العام العالمي، فبرزت عدة زوايا من بين التغطيات التي رسمت – في المجمل – صورة لحملة تطهير، في وقت تشهد فيه المملكة العربية السعودية تحولاً اجتماعيًا واقتصاديًا لم يسبق له مثيل، بالتزامن مع محاولات الأمير محمد بن سلمان، تكثيف جهوده الإصلاحية لمرحلة ما بعد النفط، حيث تنوعت زوايا التغطية بين رؤية المملكة الجديدة للإصلاح السياسي والاقتصادي، وأخرى تتطرق إلى مستوى الجرأة التي بدا عليها الملك سلمان ومستوى نجاح الإجراءات، وثالثة تطرقت إلى مكونات مجتمعية ودينية وموقفها من الإجراءات، وفق ما نقلت صحف كلٍّ من: ديجيتال جورنال، والإندبندنت، وبزنس إنترناشيونال تايمز، ورويترز، ونيويورك تايمز وغيرها من وسائل الإعلام والوكالات الدولية.
حملة تطهير
بدا الاهتمام بحملة المملكة لمواجهة الفساد واضحًا من خلال تغطية صحيفة «ديجيتال جورنال، التي تحدثت عن «تطهير دراماتيكي، غير مسبوق، في وقت تشهد فيه المملكة العربية السعودية تحولاً كبيرًا وبارزًا، تزامنًا مع إجراءات ورؤية، بدأها الأمير محمد بن سلمان، تتضمن تكثيف جهوده الإصلاحية في رسم مملكة جديدة لمرحلة ما بعد النفط، يمتاز اقتصادها بالتنوع والريادة الدولية. (1)
رؤية المملكة الجديدة، فرضت إعجابًا خاصًا لدى الصحيفة، التي وصفت ولي العهد بـ«مصلح ليبرالي في مملكة محافظة، بعدما تحدثت عن قيامه بسلسلة من الإجراءات الجريئة، بما في ذلك السماح للمرأة بقيادة السيارات، بداية من يونيو المقبل، التي كانت ممنوعة من قيادة السيارات في السعودية منذ تأسيس المملكة، وهدوء الإعجاب الذي تخطى الإجراءات القضائية الحالية، إلى الحديث عن طموح سياسي واقتصادي حالم للمملكة، دفع المراقبين إلى التنبؤ بمستقبل واعد للسعودية، حال انتهت تلك الإجراءات وفق ما رسمته خطة التنمية والإصلاح السياسي والاقتصادي في آن معًا.
زاوية أخرى ركزت عليها صحيفة «بزنس إنترناشيونال تايمز، تمثلت في ربط تلك الإجراءات بإصلاحات اجتماعية ودينية كبرى في المملكة، قالت إنها الحملة الأولى التي تقوم بها لجنة مكافحة الفساد، التي يرأسها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، للحفاظ على المال العام ومعاقبة الفاسدين ومن يستغل مواقعهم. وهي زاوية اعتبرتها الصحيفة جانبًا آخر، بدأ يتكشف من رؤية المملكة الإصلاحية، ترتكز على بدء حقبة جديدة من التنوع الاقتصادي القائم على الشفافية، لا سيما أن حملة مكافحة الفساد، هي جزء من برنامج إصلاح وصفتها الصحيفة بـ«النشط لمعالجة مشكلات مستمرة أعاقت جهود التنمية في المملكة خلال العقود الأخيرة؛ وهو ما فرض نظرة أكثر تفاؤلية لكاتب التقرير إزاء اقتصاد المملكة الذي دخل مرحلة أكثر تطورًا ونشاطًا.(2)
إضافة إلى قراءة مآلات الأحداث، فإن التقارير الصحيفة الدولية، ومن بينها تقرير لـ«يو إس أي توداي، تطرقت إلى الأسباب التي دفعت الملك إلى تشكيل تلك اللجنة، وهو ما أرجعته إلى «ميل بعض الأشخاص إلى سوء المعاملة ووضع مصالحهم الشخصية فوق المصلحة العامة وسرقة الأموال العامة، مستندة إلى التصريحات الرسمية التي أعقبت الأحداث. كما عاد كاتب التقرير للتذكير بأن السعوديين اشتكوا، منذ فترة طويلة، من الفساد المتفشي وسرقة الأموال العامة التي يتم إساءة استخدامها، لتعيد التأكيد من جديد على أن لجنة مكافحة الفساد تمتلك سلطات كبيرة في إصدار مذكرات توقيف، وفرض قيود على السفر، وتجميد الحسابات، إضافة إلى تتبع حركة الأموال وتصفية الأصول، واتخاذ كل التدابير الاحترازية، إلى حين إحالة تلك الملفات إلى القضاء السعودي؛ وهو إجراء تسلسلي يزيد من ثقة المجتمع الدولي بقدرة السعودية على الانتقال السريع إلى دولة تنوع اقتصادي قائم على مزيد من الشفافية والوضوح.(3)
البحث في التفاصيل
جانب آخر من التغطيات الغربية للحدث، لم تتطرق إلى تحليل الإجراء بقدر اهتمامها بالجانب الخبري فقط، بل اقتصرت على الإجراء والبحث في التفاصيل من خلال الاهتمام بمصير الموقوفين وأين يمكثون، وهو ما ركزت عليه أكثر من صحيفة من بينها «نيويورك تايمز، التي تحدثت عن إخلاء فندق “ريتز كارلتون” في الرياض لاستغلاله في حجز المتورطين في الفساد، وهي المعلومات التي لم تستند إلى تأكيد رسمي، ونقلت أيضًا إغلاق المطارات، وهي خطوة رأت أنها تسبق منع رجال الأعمال من الفرار إلى الخارج.
وانتقلت الصحيفة إلى الحديث عن تفاصيل أكثر سرية من خلال زعمها أن أكثر من ثلاثة من كبار مسؤولي البيت الأبيض ترددوا، الشهر الماضي، على السعودية في اجتماعات لم يتم الكشف عن تفاصيلها إلى الآن، وهي الزاوية التي ربطتها بأحداث الساعات الماضية، دون أن تستند أيضًا إلى تأكيدات رسمية، لكنّها عادت لتشير إلى أن إجراءات حصار الفساد تأتي كمرحلة لاحقة لإجراءات دولية، أو مناقشات مع دول أخرى ترتبط اقتصاديًا بالحالة مثار الاتهام.(4)
المخاطر.. وجرأة الملك
لكن ما سبق، لم يحجب الاهتمام الغربي عن التطرق إلى مستوى المخاطرة التي تواجه المملكة بسبب تلك الإجراءات، غير أن صحيفة «بلومبروج» نقلت عن هاني صبرا، وهو مؤسس شركة أليف الاستشارية، وهي منظمة سياسية في منطقة الشرق الأوسط، تأكيده على أن تحركات الأمير محمد بن سلمان، توحي بقدرته وقوته على إدارة الأزمة بشكل كبير وناجح، معززة ذلك بتصريحات الملك سلمان الذي قال: «القوانين ستطبق بحزم على كل من يلمس المال العام ولا يحميه، أو يختلسه، أو يسيء استغلال سلطته ونفوذه، وسيتم تطبيقه على الكبار والصغار ولن نخشى أحدًا، وهي التصريحات التي اعتبرتها الصحيفة أنها توحي بقدر كبير من الثقة بنجاح الإجراءات ومستوى الحزم والرغبة في التطهير.(5)
المكونات الاجتماعية والدينية
وفيما كان الجميع يترقب ردود الفعل المحلية جرّاء التغيرات المفاجئة، فإن الصحف الغربية كانت أكثر اهتمامًا بتعليقات المكونات الاجتماعية والدينية، إذ اعتبرت صحيفة «يو إس أي توداي»، بيان هيئة كبار العلماء بشأن اعتبار محاربة الفساد واجبًا إسلاميًا، «دعمًا دينيًا واضحًا لقرارات المملكة، وهي الخطوة التي دللت إزاءها الصحيفة على مستوى النجاح المتوقع للقرارات الصادرة وخطوة إيجابية باتجاه حصار الفساد وتطبيق رؤية المملكة الإصلاحية».(6)
علاقات دولية
زاوية أخرى كانت بارزة بقوة في تغطيات الصحف الغربية للإجراءات، تمثلت في ربط تلك التغيرات المفاجئة بملفات إقليمية قريبة من المملكة، إذ ربطت صحيفة «لوس أنجلوس تايمز، تلك الإجراءات بإعلان رئيس حكومة لبنان سعد الحريري استقالته من الحكومة من داخل العاصمة السعودية. إضافة إلى قيام الحوثيين بحملة عسكرية على الرياض من خلال إطلاق صواريخ باليستية تُجاه مطار الرياض مساء السبت، اعترضتها الدفاعات السعودية. وهي التطورات التي ذهبت الصحيفة من خلالها إلى أن القرارات الملكية تتزامن مع تهديدات تواجه السعودية، ويسعى الملك من خلالها إلى إحكام قبضته على أجزاء البلاد، ومنع أية محاولات لعرقلة مشروعات التنمية المخطط لها. (7)
إزاء ما سبق، فإن جانبًا من التغطيات الإعلامية، ربط تلك الإجراءات التي بدت في مجملها اقتصادية لمواجهة فساد مالي وغسيل أموال، بطموحات سياسية لولي العهد، الأمير محمد بن سلمان لتولي مقاليد الحكم في البلاد.(8)
وبعدما أفردت الصحافة العالمية جانبًا كبيرًا من التغطية الخبرية للأحداث الأحد، بدأت الاثنين التغطيات تلقي الضوء على نقاط أخرى تتعلق بماهية تلك التغيرات الطارئة وتأثيراتها على السياسة والاقتصاد، فضلاً عن إمكانية تحقيق الأهداف التي ترجوها الممكلة من ورائها، وفق ما نقلت صحف ديجيتال جورنال والإندبندنت وبزنس إنترناشيونال تايمز ورويترز ونيويورك تايمز وغيرها من وسائل الإعلام والوكالات الدولية.
ضرب أركان الفساد
جانباً كبيرًا من التغطيات كرر الحديث عن الملياردير الأمير الوليد بن طلال، في سياق قراءة أسباب التوقيف أو تبعاته، حيث تحدثت صحيفة «فاينانيشيال تايمز» عن المكانة الدولية للوليد، وتشابكه مع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب على تويتر، حيث قدرت ثروته بحوالي 18 مليار دولار، وهي الزاوية التي أفردت لها صحيفة «انترسبت» واصفةً نبأ احتجازه بالحادثة التي «هزت المجتمع العالمي بالكامل»، كما تطرقت إلى علاقة الملياردير بالرئيس الأمريكي، حيث عملا في الماضي معًا قبل أن يتحولان إلى أعداء.
في هذا الإطار اعتبرت صحيفة «نيويورك تايمز» أن القبض على واحد من أغنى المستثمرين في العالم بتهمة الفساد، هي خطوة جريئة تتخذها الممكلة للاستفادة من الخطط الطموحة في إطار نهج إصلاحي، بدا للمتابعين على المستويين الإقليمي والدولي مدى الثقة التي تتمتع بها السلطات السعودية لتحقيق الخطط التنموية وضرب أركان الفساد بجرأة منقطعة النظير. (9) (10)
الاقتصاد يبتهج
ارتداد تلك القرارات على الاقتصاد السعودي حظي أيضا بمساحة واسعة من الاهتمام لدى عدد من الصحف الغربية، ذلك أن بتر أطراف الفساد يساعد الاقتصادات الكبرى على النمو، وهو ما جاء تحت عنوان: «سوق الأسهم السعودية تشهد عوائد مذهلة بعد حملة كبرى للفساد» لصحيفة «ذا ستريت»، التي قالت إن المستثمرين السعوديين يحبون تكتيكات الذراع القوية، حيث سجل سوق الأسهم السعودية تداولاً إيجابياً بعد الحملة الكبرى ضد الفساد، إذ يمكن للمستثمرين أن ينظروا إلى الحملة التي طالت رموز رفيعة المستوى كفرصة للمملكة العربية السعودية في فتح إمكانيات اقتصادية غير مستغلة، باعتبار عمليات القبض على المتورطين هذه خطوة حيوية في خلق بيئة عادلة ومتكافئة لجميع المستثمرين المحتملين. (11)
قواعد المحاكمة عادلة
انتقل الاهتمام بحملة المملكة لمواجهة الفساد إلى ضمان إجراء محاكمات عادلة للموقوفين، ما يزيد من ترسيخ مبادئ الحملة التي تطالب عمليات فساد، ويزيل الشكوك التي يروجها البعض بكونها ذات أغراض سياسية، ما يقلل من أهميتها الاقتصادية والإصلاحية، إذ بدا من الرصد الغربي مساحة واسعة من الضمانات التي أعلنتها الممكلة لمسار التحقيقات التي تضمن حقوق الجميع خاصة ما يتعلق بممتلكاتهم وأموالهم، وهو ما ظهر جليًا من حديث الشيخ سعود المعجب النائب العام، بحسب صحيفة «فاينانيشيال تايمز»، إذ قال في بيان نشرته وزارة الإعلام إن «المتهمين بالفساد سوف يحتفظون بامتيازات قانونية كاملة تتعلق بممتلكاتهم وصناديقهم الخاصة خلال التحقيق»، وأن «هناك عملية قضائية مستقلة جارية سوف يتم احترامها بشكل كامل»، وهي التصريحات التي ثمنتها الصحيفة باعتبارها سندًا مهمًا يبرز مدى الجدية التي تتمتع بها الممكلة في مكافحة الفساد. (12)
زاوية أخرى لم تغفلها التغطية الغربية للواقائع تتمثل في تعزيز السلطات السعودية للقوة التي تحكم بها المملكة وهو ما يعطيها مساحة أكبر لتنفيذ إصلاحات اقتصادية، وسياسية، واجتماعية، بشكل أكثر جرأة متلاشية أي أزمات يحدثها أصحاب المصالح، وهو ما بدا من تغطيات “دويتش فيله”، التي قالت إن الأمير محمد بن سلمان ويقود الإصلاحات الاقتصادية في المملكة لتقليل الاعتماد على النفط، من خلال تنفيذ عدد من الإصلاحات.
القوة التي تتمتع بها السعودية الآن على كافة المستويات، دفعت المجتمع الدولي للنظر إلى تلك الإصلاحات الجريئة على أنها خطوة أولى لفرض مزيد من الإصلاحات، الاجتماعية، والاقتصادية التي تحوّل الدولة المعتمدة على النفط إلى أخرى أكثر انفتاحًا على العالم وتنوعًا اقتصاديًا، وهي الإجراءات التي وصفتها أيضًا صحيفة «واشنطن بوست» بـ «عمل قوى جدًا»، ذاهبةً في قراءتها إلى أن الأمير يغلق دائرة الأشخاص الذين يتكسبون بدون وجه حق، فبدلاً من وجود 10 آلاف شخص من أصحاب المصلحة لن يكون هناك سوى عدد قليل. (13) (14)
نتائج
– تشير مجمل التغطيات الإعلامية للإجراءات السعودية الأخيرة، إلى أن اهتمامًا من نوع خاص تفرده الصحف الغربية للتطورات التي تشهدها المملكة العربية السعودية التي تعتبر ركيزة أساسية وأكبر اقتصادات الشرق الأوسط.
– الاهتمام الغربي للتطورات التي تشهدها المملكة، كان مقرونًا بحالة تفاؤل وتفاعل إيجابي، استندت إلى ثقة واسعة بنجاح الملك سلمان في العبور بتلك الإجراءات إلى بر الأمان، لا سيما مع الدعم المحلي والإقليمي لتلك الخطوات.
– رؤية المملكة الجديدة، فرضت إعجابًا خاصًا لدى الصحف الغربية، التي اعتبرت مكافحة الفساد جزءًا من برنامج إصلاح نشط لمعالجة مشكلات مستمرة أعاقت جهود التنمية في المملكة خلال العقود الأخيرة.
– جانب آخر من التغطيات الغربية لم تتطرق إلى تحليل الإجراء بقدر اهتمامها بالجانب الخبري فقط، فقد اقتصرت على الإجراء والبحث في التفاصيل من خلال الاهتمام بمصير الموقوفين وأين يمكثون، والحديث عن تفاصيل أكثر سرية.
– بينما تحدثت أغلب التغطيات عن الجرأة التي بدا عليها الملك سلمان، إذ دللت – بناء على التصريحات – على أن لدى الملك قدرًا كبيرًا من الثقة بنجاح الإجراءات ومستوى الحزم والرغبة في التطهير، والقوة على إدارة الأزمة بشكل كبير وناجح.
– الصحف الغربية كانت أكثر اهتمامًا بردود فعل المكونات الاجتماعية والدينية، إذ اعتبرت بيان هيئة كبار العلماء «دعمًا دينيًا واضحًا لقرارات المملكة، وهي الخطوة التي دللت إزاءها بعض الصحف على مستوى النجاح المتوقع للقرارات الصادرة.
– ارتداد القرارات على الاقتصاد السعودي كان إيجابيًا، ذلك أن بتر أطراف الفساد يساعد الاقتصادات الكبرى على النمو، كما أن عمليات القبض على المتورطين هذه خطوة حيوية في خلق بيئة عادلة ومتكافئة لجميع المستثمرين المحتملين.
وحدة الرصد والمتابعة*
المصادر:
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر