سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
أمجد المنيف
أظن أن ليلة البارحة طويلة، لكن أفضِّل وصفها بالعميقة، في قياس التجديد والعدالة والتغيير. أعلنت السعودية منهجية في التعاطي مع الفساد، واتخذت خطوة جادة، لا تشبه كل التدابير “التخديرية” السابقة، التي كانت تستهدف أشباه الفساد، لكنها تتغاضى وتنشل في مواجهة الفساد الحقيقي.
في دوائرنا الضيقة، الضيقة جدًا، كنا نشكك – غالبًا – في محاربة الفساد المتجذر، لارتباطه بشخصيات متنفذة في الحكومة، وأسماء تنتمي إلى الأسرة الحاكمة، ونعتقد أن ما يمضي من القضايا يكون مصيره التاريخ، ليس له وجود في طاولات المحاكمة. وحتى عندما ولدت “رؤية السعودية 2030” الطموحة، كانت الأحاديث تدور حول الإصلاحات الاقتصادية، لكن الأشياء كانت تتغير أسرع من تحليلاتنا.
الملك سلمان بن عبدالعزيز، يعتبر من الحكام الحازمين، منذ أن كان أميرًا للرياض، ولذلك انعكست تجربته الإدارية الصارمة في قيادة الدولة، وهذا ما جعله يتخذ العديد من القرارات المحورية، منذ البداية، سواء في إعلان دعم الشرعية في اليمن، أو من خلال تعديل مسار السياسة الخارجية والتحالفات الدولية، أو عبر الإصلاحات التنموية والمجتمعية، التي كانت تحتاج إلى إرادة سياسية قوية، تتفهم الاحتياج المرحلي، وتراعي الحقوق الفردية للجنسين، وتعمل على إرساء العدل والمساواة، وتوفير البيئة الجاذبة، وتضمن تطبيق كل القرارات.
في ظني، أن تشكيل لجنة عليا برئاسة ولي العهد، وعضوية كلٍّ من: رئيس هيئة الرقابة والتحقيق، ورئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، ورئيس ديوان المراقبة العامة، والنائب العام، ورئيس أمن الدولة.. يعني أننا وصلنا إلى خط “اللا عودة” من العمل على مكافحة الفساد، حيث نقطة الصفر، ثم التفرغ للتطوير الاقتصادي والبناء الإنساني والتنافس التنموي.
محمد بن سلمان، منذ أن أطلق “الرؤية”، وهو يتحدث عن سعودية جديدة، تمت محاربتها من مستفيدين متنوعين، اختلفوا بطرائق معاداة الأمير وتجديده، واتفقوا على الفساد، واختاروا منافذ عدة للتشكيك وبث ثقافة الإحباط، وفي كل مرة يحاولون العبث؛ تكون ردة الفعل حادة، مباشرة ومؤثرة، والأهم تجد قبولاً وتأييدًا ومباركة شعبية.
إن أهم ما يرمي إليه الأمير، ومن خلال المرحلة الجديدة، هو العمل على تكافؤ الفرص، والشعور بالرضا من قبل الجميع، وهدم كل الاعتبارات غير العادلة، التي صنعت طبقية مجتمعية في أوقات ماضية، ومكَّنت البعض من الثراء الفاحش بطريق غير مشروعة، وسهلت لمتنفذين يعملون معهم الاستيلاء على الأموال والأراضي والوظائف النوعية، وهو ما يحتاج إلى جهد كبير للقضاء عليه.
لأول مرة في تاريخ السعودية، يتم الإعلان عن تورط هذا العدد الكبير من المسؤولين في قضايا فساد، نحن نتحدث عن أبناء ملوك وأمراء من فئة “السمو الملكي”، ووزراء حاليين وسابقين، ورؤساء هيئات وشركات ومستشارين، في سابقة تقول للعالم الخارجي، قبل مجتمعنا الداخلي، إننا في مرحلة لا تتناغم مع أي مداهنة، شعارها: لن ينجو أي شخص يثبت تورطه في قضايا فساد.
هذا السقف من الشفافية، والمستوى العالي من المكافحة للفساد، يرفع بتطلعات المحاسبة والمتابعة، وهذا ما سيرسي قواعد جديدة في ملفات النزاهة، ويشجع على التكاتف الحكومي الشعبي؛ ولهذا ينتظر الناس معرفة قضايا المتورطين، وطرائق الفساد، بأرقام المبالغ الواجب استردادها، وكيفية صرفها أو إعادة تدويرها في الميزانية الحكومية، أو في بعض المشاريع الخاصة.
حسب ما أعرفه، من مصادر خاصة، أن هناك قوائم أخرى من المتورطين، ستظهر تدريجيًا، بعضهم ما زالوا في إطار التحقق، وآخرون موجودون خارج البلاد، قد تضطر الحكومة إلى ملاحقتهم عبر الإنتربول، وهذا ما يرسل بجدية المحاسبة، إلى كل المسؤولين، بدءًا من صباح اليوم، مولد النزاهة الجديد.
خارجيًا، وحتى داخليًا أحيانًا، كانت المآخذ على الحكومة، ثلاثة ملفات: اتهامات دعم الإرهاب، وتفشي الفساد، وضعف تمكين المرأة. الأمير محمد أدرك هذه التحديات مبكرًا، وعمل بشكل جاد ولافت على إصلاحها. والعمل متمرحل، ويحتاج إلى وقت للتمام، لكن ما أنجز يعدُّ مهمًا، مقارنة بالتحديات والسياقات والظروف.
في الملف الأول، قررت أن تقوض الرياض، دور رجال الدين المتشددين، وإعادة منهجية عمل الكثير من الإجراءات بالتوازي، بعدما أعادت النظر في المناهج التعليمية، وتحكمت تمامًا في عمليات التدفق المالي والعمليات المصرفية، وتأكدت من نشاط الجمعيات والهيئات الخيرية.. والأهم، ساهمت في بناء وقيادة مركز محاربة التطرف (اعتدال)، وعملت مع كثير من الحلفاء على تبادل قوائم الإرهابيين والمتطرفين.
أمَّا في ملف محاربة الفساد، فتميزت الحكومة الجديدة بالمراجعة الدائمة للقرارات، والتراجع عمَّا يثبت عدم صحته، أو تغير ظروفه، بالإضافة إلى محاكمة وزراء ورجال أعمال تورطوا في قضايا مشبوهة.. كما أنها تعترف بالأخطاء وتعمل على حلها وتتجاوزها، بعيدًا عن سياسة الصمت أو الهرب، وما حدث من تشكيل لجنة عليا لمكافحة الفساد، وإيقاف عدد من المتنفذين، لهو شرح للمنهجية التي تعمل عليها الرياض.
والملف الأخير، ملف المرأة، التي نقول بأن عام 2017 هو عام تمكين المرأة، حيث ظفرت بالعديد من الحقوق المعطلة والمؤجلة، فقد أصدر الملك قرارًا بعدم طلب موافقات ولي الأمر في إجراء لا يوجد ما ينص على مثل هذا الطلب، وسمح للنساء بقيادة السيارة، ودخول الملاعب الرياضية، وتولي المناصب القيادية.. قد تكون هناك بعض الأشياء المتبقية، لكن ما أنجز لا يمكن وصفه إلا بالاستثنائي.
أعتقد أن اللغة الشعبية المتفائلة، هي أهم ما يدعم بناء السعودية الجديدة، والثقة الكبيرة بالحكومة، ورؤيتها وطموحها، من خلال القرارات والمؤشرات.. والمشوار طويل، لكننا سننجح، ونحلم، تمامًا كما يريد الأمير. والسلام
مدير عام مركز سمت للدراسات، وكاتب سعودي*
@Amjad_Almunif
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر