سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
قالت صحيفة “نيويورك تايمز” إن الجيش الهندي قد اتخذ تدابير طارئة لتعزيز امتداد 500 ميل من الحدود المرتفعة في جبال الهيمالايا، وذلك لأول مرة بعد الاشتباكات الأكثر دموية منذ نصف قرن مع الصين.
وفي العام الماضي، ضاعف عدد القوات في منطقة لاداخ الشرقية، المتنازع عليها، لثلاثة أضعاف؛ لتصل إلى أكثر من 50 ألف جندي. كما هرع لتخزين المواد الغذائية والمعدات اللازمة لدرجات الحرارة المتجمدة والمرتفعات التي يبلغ ارتفاعها 15 ألف قدم، قبل أن تُعزل المنطقة خلال معظم فصل الشتاء.
وحسب الصحيفة، فقد أعلن الجيش الهندي أنه ستتم إعادة توجيه فيلق كامل، وهو عبارة عن قوة هجومية قوامها عشرات الآلاف من الجنود المتمركزين على الحدود المضطربة مع باكستان، نحو الحدود المتنازع عليها بشكل متزايد مع الصين؛ حيث يواجه الجيش الهندي الآن واقعاً كانت البلاد تخشاه طيلة ما يقرب من عقدَين من الزمن؛ فهو عالقٌ في صراع على جبهتَين مع جيران معاديين، وجميعهم مسلحون نووياً.
ويأتي ذلك في الوقت الذي تجد فيه الهند نفسها معزولة على نحو متزايد في محيطها الأوسع؛ حيث إنها جزء من الخلفية الأمنية العالمية لمناقشات الرئيس بايدن مع الهند وأستراليا واليابان، المجموعة المعروفة باسم التحالف الأمني الرباعي. وقد قامت الصين باستثماراتٍ وشقت طريقها من سريلانكا إلى نيبال. وأدى انتصار “طالبان” في أفغانستان، التي تربطها علاقات متزايدة مع الصين، إلى عزل الهند بشكلٍ أساسي عن بلدٍ تعتبره حليفاً طبيعياً في التوازن الإقليمي.
وحتى لو كانتِ الحربُ الشاملة على حدودها أمراً بعيد الاحتمال، فمن المؤكد أن الوضع القائم سوف يستنزف الهند مالياً. ومع تفاقم التباطؤ الاقتصادي بسبب جائحة “كورونا“، تجد القوة التي كانت بالفعل مواردها مستنزفة، وتكافح من أجل تحديث نفسها، في وضعٍ يصفه المسؤولون الحاليون والسابقون بأنه صراع مزدوج مستمر وصعب.
والواقع أن انهيار الثقة بين الجارتَين العملاقتَين بلغ حداً جعل عشرات الجولات من المحادثات منذ الاشتباكات المميتة التي وقعت خلال العام الماضي تنجح في احتواء التوترات؛ لكنها لم تسفر عن تهدئة التصعيد. ومن المرجح أن تظل الدولتان على أهبة الاستعداد، حتى لو لم تخوضا حرباً قط.
كفة الصين الراجحة
ويقول التقرير إنه على الرغم من براعة الهند في القتال على المرتفعات؛ فإنها تواجه جيشاً صينياً يتمتع بتمويل وتجهيز أفضل بكثير. كما تستثمر الصين، التي يبلغ حجم اقتصادها خمسة أضعاف حجم اقتصاد الهند، بكثافة في المنطقة لمواجهة النفوذ الهندي. كما ترتبط الصين وباكستان بالفعل بعلاقاتٍ عميقة. وبالتالي، فإن أي تعاون لإثارة المشكلات من شأنه أن يشكل اختباراً للاحتياطيات العسكرية الهندية.
ويقول الجنرال فيد براكاش مالك، القائد السابق للجيش الهندي، إن الاشتباكات التي وقعت في وادي جالوان العام الماضي، وأسفرت عن مقتل 20 جندياً هندياً و4 جنودٍ صينيين على الأقل، قد غيَّرت حسابات الهند بشكلٍ جذري. وأضاف مالك: “لقد حملت اشتباكات جالوان رسالةً أخرى مفادها أن الصين لا تحترم الاتفاقات التي وقعت عليها. وأكبر خسائر جالوان لم تكن أننا فقدنا 20 رجلاً؛ بل الثقة التي تحطمت”.
ويحاول رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، تسريع الإصلاحات الراكدة في الجيش لتحسين الموارد إلى أقصى حد. وقد سارعت حكومته لصرف أموال طوارئ إضافية للجيش في العام الماضي بعد الاشتباكات، إلا أن القيود التي فرضتها الهند نتيجة تباطؤ الاقتصاد، كانت واضحة في الرسالة الواردة بميزانية الدفاع الجديدة التي قدمها مودي، حيث أكد أنه لا يمكن للجيش ببساطة أن يتوقع زيادة كبيرة في الإنفاق.
وفي حين خصصتِ الميزانية مزيداً من الأموال لشراء المعدات، فإن المبلغ الإجمالي المخصص للدفاع استمر في الانخفاض، كحصة من الناتج المحلي الإجمالي، وإجمالي النفقات الحكومية. من جانبٍ آخر، سوف يشكل الحفاظ على مثل هذا الوجود العسكري في منطقة الهيمالايا مهمة لوجستية ضخمة، حتى وإن كان الجيش الهندي لديه خبرة فيها.
ومن المحتم أن تؤدي التكاليف المتزايدة إلى إبطاء الاستثمارات في تحديث قوة عفَّى عليها الزمن. فلا يمكن حماية الحدود ببساطة عن طريق اندفاع القوات لملء كل نقطة ضعف. ولطالما افتقر الجيش الهندي إلى الموارد؛ حيث تذهب نحو 75% من نفقات الدفاع إلى التكاليف الروتينية؛ مثل المعاشات التقاعدية والرواتب. ففي عام 2020 على سبيل المثال، أنفقت الهند نحو 73 مليار دولار على الجيش، مقارنة بـ252 مليار دولار في الصين.
قدرات الجيش الهندي
ومنذ الحرب الكبرى عام 1962، نجحت الهند والصين في احتواء النزاعات إلى حدٍّ كبير من خلال المحادثات والمعاهدات. وتحدث الاضطرابات بين الحين والآخر؛ لأنه خلافاً للوضع مع باكستان، حيث تم ترسيم الحدود بوضوح على الخرائط، لم تتمكن الهند والصين من الاتفاق على ترسيم محدد للحدود البالغ طولها 2100 ميل والمشار إليها بخط السيطرة الفعلية.
وقد كانت اشتباكات العام الماضي بمثابة صفعة لرئيس الوزراء الهندي الذي ركز على تطوير صيغة للازدهار المتبادل مع الصين؛ حيث سعى لبناء علاقة تعاونية تساعد في تحقيق هدفه في التنمية الاقتصادية في الداخل، وكذلك تجنيب البلاد ابتلاع الموارد بسبب خطر الصراع.
وخلال زيارات شي جين بينغ الثلاث إلى الهند، قدَّم له مودي جوز الهند الطازج، وشاركه أرجوحته. وفي إحدى رحلات مودي الخمس إلى الصين، رحَّب به “شي” مع فرقة صينية تعزف موسيقى بوليوود التصويرية من السبعينيات، بينما يصفق رئيس الوزراء، ويبتسم ابتسامة عريضة. وتقول كلمات الأغنية الأصلية: “أنت، أنت الذي دعاه القلب ملكاً له”.
وظلتِ المؤسسة العسكرية الهندية أكثر حذراً من مودي، وتعود تحذيراتها من الصين المنبعثة من جديد إلى منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. فقد كان الجيش ضعيفاً بشكل خاص في شرق لاداخ؛ حيث تتمتع الصين بميزة جغرافية -هضبة التبت التي تجعل تحريك القوات أسهل- وبنية تحتية أفضل على جانبها من الحدود.
وعلى الرغم من قيود الإنفاق، فإن التهديد الصيني قد يُعجل مسار بعض التحديثات المستمرة، فقد كثَّف مودي العمل على دمج قدرات الجيش والبحرية والقوات الجوية، من خلال عملية تُعرف باسم “قائد المسرح”، والتي يمكن أن تساعد في الحدِّ من التداخلات والتكلفة. كما أدى التهديد المتزايد في شرق لاداخ إلى إعادة تركيز العمل على بعض الطرق والأنفاق غير المكتملة.
ويقول آي بي سينغ، وهو لواء متقاعد قاد العمليات اللوجستية في لاداخ: “لو حدث أي اشتباك خلال الشتاء، فسيتعين علينا إرسال قوات إلى الممرات التي يغطيها جليد يبلغ عمقه 40 قدماً، وهذا هو الخيار الوحيد”؛ لكن الهند ستواجه صعوبة في الحفاظ على وجودها المتزايد على جبهتَين.
وسوف يعني الاندفاع المفاجئ لعشرات الآلاف من القوات الإضافية، نقل الأفراد والموارد ليس فقط من القوات الاحتياطية، ولكن أيضاً من الوحدات الموجودة على الجبهة الباكستانية؛ ما قد يخلق مشكلة أخرى في توازن خطط الهند الدفاعية.
المصدر: كيو بوست خدمة نيويورك تايمز
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر