سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
صلاح خليل
خضع الاقتصاد الإثيوبي لعملية إصلاح استمرت لعقود شهدت تجاوز البلاد سنوات الاضطرابات الاقتصادية والمجاعة خلال الثمانينيات في ظل النظام الماركسي تحت قيادة الجنرال “منجستو هايلي ماريام”، لتصبح واحدة من أسرع دول العالم من حيث معدل النمو الاقتصادي الذي بلغ في المتوسط 10.8% بين عامي 2004 و2014.
ولكن دخول البلاد في حرب تيجراي بالتوازي مع أزمة (كوفيد-19) جعل الاقتصاد الإثيوبي يعاني من أوضاع بالغة الصعوبة، حيث يعتمد أكثر من 5 ملايين على المساعدات الغذائية الطارئة، ويتعرض 400 ألف لخطر المجاعة بعد حلول موسم الحصاد في شهر سبتمبر، ولا تزال الحرب الأهلية المستمرة في إثيوبيا تهدد بتقويض آفاق الانتعاش الاقتصادي الذي حققته في السنوات الماضية.
فنتيجة لتفاقم التداعيات الاقتصادية للحرب، اتخذ البنك المركزي الإثيوبي، في 12 من أغسطس 2021، خطوة استباقية أولية، بتجميد جميع التعاملات فيما يتعلق بالقروض والتحويلات، بالإضافة إلى إيقاف جميع عمليات الاستيراد المباشر من الخارج، بعد ارتفاع سعر الدولار الموازي من 52 بر إلى 75 بر والذي أعقب إعلان الحكومة التعبئة العامة للقتال ضد جبهة تحرير تيجراي. تأتي هذه الإجراءات على خلفية أوضاع اقتصادية صعبة تعاني منها إثيوبيا منذ شهور في ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية، مما اضطر أعدادًا كبيرة من المواطنين للنزوح الداخلي خوفًا من شبح مجاعة، كما اضطر الحكومة الإثيوبية عبر سفاراتها في الخارج مطالبة جميع الإثيوبيين بدفع تبرعات مالية إجبارية. كما تكبدت الحكومة الإثيوبية نفقات الاستعانة بخدمات شركة ( Mercury Public Affairs) بغرض تقديم خدمات واستشارات وإدارة العلاقات الحكومية والعلاقات الإعلامية داخليًا وخارجيًا، وسط ضغوطات كبيرة تتعرض لها أديس أبابا. بالإضافة إلى ذلك تعمل الشركة على دعم الحكومة الإثيوبية لتعزيز وجودها على المستويين الداخلي والخارجي، خاصة بعد أن مارست واشنطن ضغوطًا متزايدة عبر الكونجرس وإدارة جو بايدن لوقف العنف في تيجراي.
تُشير الدلائل إلى أنه في حالة استمرار الحرب قد يفقد الاقتصاد الإثيوبي قدرته على سداد ديونه المستحقة لأطراف دولية متعددة، مثله في ذلك مثل العديد من الدول الإفريقية جنوب الصحراء، فقد اقترضت إثيوبيا من الصين بكثافة في السنوات الأخيرة وهو ما أدى لدخول إثيوبيا في محاولات لإطلاق عملية لإعادة هيكلة هذه الديون مع الصين وهي العملية التي تتسم بالطول والتعقيد. وفي مايو 2021، خفضت موديز (Moody’s) للتصنيف الائتماني إثيوبيا لتضعها في خانة Caa1، في مؤشر يوضح المخاطر الاقتصادية على إثيوبيا، وتعكس مخاوف وكالة التصنيف قدرات إثيوبيا على سداد ديونها. وجدير بالذكر أنه في فبراير 2021، طالبت الحكومة الإثيوبية البنك الدولي وصندوق النقد الدوليين بمساعدتها لتخفيف أعباء الديون بموجب بروتوكول وبرنامج أقرته قمة الدول العشرين يهدف إلى مساعدة إثيوبيا المتضررة من الحرب و(كوفيد-19). لا تمتلك إثيوبيا مساحة للمناورة أمام الدائنين الخارجيين، لذا يتوقع أن تشهد الحكومة الإثيوبية أزمة في ميزان المدفوعات، ولن تتمكن الخزانة من تمويل عجزها عن طريق بيع أذون الخزانة بسبب إجبار الدولة البنوك على طرح بالدين العام بأسعار فائدة منخفضة.
وقد فرض الصراع عبئًا ثقيلًا على الاقتصاد الإثيوبي، وتضاعفت علاوة المخاطرة على ديون إثيوبيا بالدولار هذا العام، وتراجع المستثمرون مع مناشدة الحكومة لإعادة هيكلة الديون. وارتفعت العلاوة المطلوبة للاحتفاظ بسندات (اليوروبوند) الإثيوبية لعام 2024، بدلًا من سندات الخزانة الأمريكية إلى 987 نقطة، وهو أعلى مستوى في إفريقيا بعد زامبيا التي تخلفت عن السداد. ومع ذلك فإن تكلفة الحرب، لاعتبارات اقتصادية وإنسانية، تحمل وزنًا كبيرًا على حكومة رئيس الوزراء آبي أحمد. فالحرب وتداعياتها أثقلت الحكومة الإثيوبية بديون كبيرة.
تراجع الدعم الخارجي
في بداية عام 2020، أشارت كوارتز إفريقيا إلى أن الاقتصاد الإثيوبي أصبح يتباطأ ويتجه إلى طريق الانهيار الاقتصادي السريع، ومع تفاقم الوضع الاقتصادي في أعقاب الحرب و(كوفيد-19)، خفض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو العالمي للعديد من دول العالم ومن بينها إثيوبيا. وقد يؤدي عدم الاستقرار والصراع في إقليم تيغراي، بسبب الاشتباكات العرقية والصراع على السلطة وغيرها من المشاكل، إلى تراجع المستثمرين الذين يساورهم القلق بالفعل بشأن تأثير الحرب في تيجراي، وأيضًا ديون الحكومة الإثيوبية المتزايدة، ولن يكون من المحتمل حدوث نمو اقتصادي، خاصة إذا كان أكثر أقاليمها جذبًا للاستثمارات الخارجية ساحة لمعركة مستمرة قاربت على العام الكامل. وفي الوقت الذي يشعر فيه المستثمرون الأجانب بالقلق، يخشى المسئولون في الحكومة الإثيوبية من تراجع الدعم الخارجي. ففي يناير 2021، علق الاتحاد الأوروبي 88 مليون يورو (107 مليون دولار) من دعم الميزانية المقررة لإثيوبيا حتى نتيجة الحرب التي شنتها الحكومة الإثيوبية في إقليم تيغراي.
التضخم
لم تحسن الحكومة الإثيوبية تقدير العواقب الاقتصادية للحرب في إقليم تيجراي. ففي بداية الحرب، كانت تعتقد أن تأثير الحرب الاقتصادي سوف يقتصر على إقليم تيجراي. ولكن بعد مرور 10 شهور من تلك الحرب، اعترفت وزارة التجارة والصناعة الإثيوبية بأن إغلاق المصانع ومواقع التعدين في تيجراي قد امتد ليشمل أقاليم أخرى، الأمر الذي زاد من معدل التضخم الذي كان يبلغ قبل الحرب 18%، ليتجاوز الآن 25%. وقد أدى هذا الوضع المتفاقم إلى انخفاض سعر البر الإثيوبي في السوق السوداء بنسبة كبيرة مقابل العملات الأجنبية، وأصبحت الشركات تنتظر وقتًا طويلًا في محاولتها الحصول على العملات الأجنبية من خلال القنوات الرسمية، ولمدة تصل لعام كامل على الأقل للحصول على مخصصاتها من البنوك التي تمتلكها الدولة الإثيوبية.
وأمام كل هذه المؤشرات الدالة على التراجع الحاد للاقتصاد الإثيوبي، لا تزال الحكومة الإثيوبية تتبنى مسار التصعيد في صراعها مع جبهة تحرير تيجراي، وهو الأمر الذي أصبح محل انتقاد إقليمي ودولي حيث يقطع الطريق مبكرًا على أي محاولة للوساطة أو وقف العمليات المسلحة. لكن يظل التراجع الاقتصادي حال تفاقمه مستقبلًا أحد العوامل التي من شأنها إجبار الحكومة الإثيوبية على مراجعة سياساتها تجاه الصراعات الداخلية.
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر