سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
د. سامي مبيض
لم تستغرق طالبان الكثيرَ من الوقت لتشكيل حكومتها الجديدة، إذ لم يمضِ سوى أسبوعين فقط من اقتحام كابول بعد رحيل الرئيس الأفغاني أشرف غني على وجه سرعة.
وقد أثارت هذه التشكيلة الرعبَ في قلوب سكان كابول نظرًا لأن 14 من بين 33 وزيرًا قد عملوا سابقًا في مناصب حكومية، خلال أول فترة من حكم طالبان من 1996 إلى 2001. لدى الأشخاص الذين بلغوا من العمر ما يكفي ليتذكروا ما حدث في السابق ذكريات سيئة عن حقبة طالبان الأولى، المعروفة باسم إمارة أفغانستان الإسلامية، ويربطون الكثيرَ من وحشيتها بالأسماء نفسها التي عادت إلى السلطة اليوم، وكلها تعمل بصفتها المؤقتة كحكومة تصريف أعمال.
يُظهر اختيار طالبان للوزراء أن حركة طالبان غير مهتمة بشكلٍ واضح بالاستعراضات المسرحية أو بتصدير صورة معتدلة للعالم. وخلافًا لتقارير وسائل الإعلام الأولية، لم تلطف الحركة من سلوكها أو من خطابها. وقد أوضح زعيمها الأعلى الملا هيبة الله أخونزادة ذلك مؤخرًا بإعلانه أن الحكومة الجديدة ستتمسك بالشريعة الإسلامية، دون الإشارة إلى الديمقراطية، أو الحريات الأساسية، أو سيادة القانون. الجدير بالذكر أن اثنين على الأقل من وزراء طالبان الجدد هما سجينان سابقان في خليج جوانتانامو من بينهم نائب وزير الدفاع محمد فاضل، ووزير الإعلام خير الله خيرخوا. ولا توجد نساء بين قائمة الأسماء الجديدة، كما أن أقلية الهزارة الشيعية غائبة بشكل واضح، على الرغم من أن حركة طالبان قد وعدت بتشكيل حكومة تضم جميع الأعراق.
وبالرغم من أن القائمة تضم بعض كبار السن من طالبان، فإن معظم الوزراء المعينين حديثًا هم في منتصف العمر، ولدوا بين عامي 1968 و1978. واثنان على الأقل من الـ 33 هما أبناء شخصيات تاريخية بارزة هما وزير الداخلية سراج الدين حقاني ووزير الدفاع الملا يعقوب. ويعتبر المحللون الغربيون يعقوب معتدلًا لكن السكان المحليين لا يتذكرونه إلا كابن للملا عمر (1960-2013)، المؤسس سيئ السمعة لحركة طالبان. فالملا عمر هو الذي جرَّ البلاد إلى حربٍ لا معنى لها مع الولايات المتحدة في عام 2001، بعد أن منح ملاذًا للقاعدة، ورفض بعناد جميع المطالب بتسليم صديقه أسامة بن لادن. وابنه الآن مسؤول عن جيش البلاد، في حين عُيّن شقيقه عبد المنان العمري للتو وزيرًا للعمل.
من شأن البحث والتدقيق في هذه القائمة أن يكشف أن هناك خطًا رفيعًا يربط بين التاريخ المهني لجميع الوزراء الجدد. لقد كانوا جميعًا إما من مؤسسي حركة طالبان أو من أوائل الأعضاء، الذين انضموا قبل وصول الحركة إلى السلطة في عام 1996. وهذا يعني أنهم انضموا جميعًا بدافع القناعة الأيديولوجية، وليس المنفعة الشخصية. والأهم من ذلك، لم يتخل أي منهم عن علاقاته مع طالبان خلال السنوات العشرين التي أعقبت الغزو الأمريكي عام 2001، ما يدل على مدى التزامهم بأيديولوجية الحركة. وتقاسموا وظائف موازية، أولًا في العمل السري، ثم في الحكومة، وأخيرًا، كمجرمين في كهوف وغابات أفغانستان وباكستان. وكان العديد من الوزراء الأقوياء جزءًا من مفاوضات عام 2020 مع إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، التي عُقدت في الدوحة. وكان الأمريكيون قد خطبوا ودهم على أمل بث الحياة في عملية سلام ولدت ميتة، إلى حد إخراج بعضهم من السجن.
فيما يلي نظرةٌ على الشخصيات البارزة في الحكومة الجديدة:
رئيس الوزراء بالإنابة: الملا محمد حسن خوند
كونه يعتبر من قدامى المحاربين في حقبة طالبان الأولى يتذكره الناس كوزير خارجية للبلاد ونائب رئيس الوزراء في الفترة 1996-2001. ينتمي للبشتون، وينحدر من مدينة قندهار. ولد خوند ونشأ في مملكة أفغانستان؛ دولة علمانية ذات معارضة إسلامية صاعدة آنذاك. وحصل على تعليمٍ ديني نموذجي، وكان أحد المقربين من الملا عمر. ولا يُعرف عنه الكثير، حتى تاريخ ميلاده لا يزال لغزًا، حيث يقول الاتحاد الأوروبي إنه يبلغ من العمر 76 عامًا. وتشير تقديرات أخرى إلى أن تاريخ ميلاده يتراوح بين عامي 1945 و1950. وخلال سنوات حكم طالبان السرية، عمل في مجلس شورى الحركة، المعروف باسم شورى رحباري.
وبما أن خوند أقدم عضو في حركة طالبان، فإنه يعرف الأخطاء التي حدثت خلال أول فترة لطالبان في السلطة، وما يلزم لتصحيح تلك الأخطاء اليوم. وعلى الرغم من أن المتشددين الشباب يحترمونه، فإنهم لا يحبون بالضرورة أن يعطيَ لهم الأوامر، كما أنهم يعتبرونه متقدمًا جدًا في العمر، وأكاديميًا أكثر من اللازم، وبعيدًا جدًا عن ساحة المعركة. وما لم يثبت خلاف ذلك، فإن الملا خوند لن يكون سوى سلطة شكلية، حيث تكمن السلطة الحقيقية في أيدي نائبه القوي، الملا عبد الغني برادار.
النائب الأول لرئيس الوزراء بالإنابة: الملا عبد الغني برادار
برادار، المولود في عام 1968، أصغر بكثير من رئيس الوزراء. لقد كان برادار أيضًا مقربًا جدًا من الملا عمر، ولكن على عكس خوند، كان الرجلان صديقين في طفولتهما ومتزوجين من شقيقتين. كما كانوا جزءًا من المجموعة الأساسية التي تضم أربعة مسلحين التي تأسست عليها طالبان في عام 1994. بدأ برادار حياته العسكرية في محاربة الغزو السوفييتي لأفغانستان، في الثمانينيات. وحارب مع المجاهدين، وظلَّ على جدول الرواتب التي تقدمها الولايات المتحدة لسنواتٍ. وخلال سنوات حكم طالبان، شغل مجموعة متنوعة من المناصب المهمة، بعضها سياسي، والبعض الآخر عسكري. شغل منصب حاكم هرات، ثم قائدًا لقوات طالبان في غرب أفغانستان، وأخيرًا نائبًا لرئيس الأركان في القيادة المركزية في كابول.
وقد حارب الغزوَ الذي قادته الولايات المتحدة لأفغانستان قبل أن ينتقل إلى باكستان لقيادة مجلس شورى طالبان من المنفى. اعتقلته المخابرات الباكستانية في عام 2010 بتهمة محاولة التفاوض على اتفاق سري مع حكومة الرئيس الأفغاني آنذاك حامد كرزاي. وفي نهاية المطاف، أُطلق سراحه بناء على طلب رسمي من الولايات المتحدة في عام 2018. انتقل برادار إلى قطر، وترأس مكتب طالبان في الدوحة، وفي فبراير 2020، تفاوض ثم أبرم اتفاقًا مع إدارة ترامب لانسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان. وعاد إلى كابول في 17 أغسطس 2021، وسط تقارير تفيد بأنه سيصبح الرئيس المقبل بعد أشرف غني.
النائب الثاني لرئيس الوزراء بالإنابة: عبد السلام حنفي
حنفي هو شخصية دينية، أوزبكي العرق من مقاطعة جوزجان، تلقى تعليمه في المدارس الدينية في كلٍّ من أفغانستان وباكستان. ولم يكن من بين مؤسسي طالبان، لكنه كان عضوًا مبكرًا في الحركة، ومقربًا أيضًا من الملا عمر، ولكنه لم يكن أبدًا بدرجة القرب التي يتمتع بها خوند أو برادار. وخلال الإمارة الإسلامية الأولى، شغل منصب وزير التعليم، وفرض نظامًا دينيًا صارمًا على المدارس والجامعات. حنفي مقرب من برادار، وخدم إلى جانبه في فريق التفاوض في الدوحة العام الماضي.
وزير الدفاع بالإنابة: الملا يعقوب المجاهد
الملا يعقوب، المولود في عام 1992، هو الابن الأكبر لمؤسس طالبان الملا عمر. نشأ مع أسامة بن لادن في منزل والده، وتأثّر به إلى حدٍّ كبير. عمل قائدًا عسكريًا في عهد والده، واعتبر مرتين قائدًا للحركة: أولًا، بعد وفاة والده بسبب المرض في عام 2013، وثانيًا، بعد مقتل خليفة والده أختر منصور في عام 2016. وفي كلتا المناسبتين، أسقط اسمه بسبب صغر سنه، ما دفعه إلى الخروج من أحد الاجتماعات اعتراضًا على ذلك. ومع اجتياحِ طالبان كابول الشهر الماضي، دعا الملا يعقوب مقاتليه إلى معاملة الجنود والمدنيين والأجانب بلطف، مرددًا ما قيل وقت فتح مكة: “من أغلق عليه داره فهو آمن، ومن دخل منزل أبي سفيان فهو آمن”.
وزير الخارجية بالإنابة: أمير خان متقي
متقي هو محارب قديم آخر في حقبة طالبان الأولى، وقد شغل سابقًا منصب وزير الإعلام والثقافة. ولد في عام 1970، وبدأ حياته المهنية مع حركة الانقلاب الإسلامي (حركة الثورة الإسلامية) قبل أن ينشق عن طالبان في منتصف التسعينيات. وقد عامله الملا عمر بشكلٍ جيد، حيث اعتمد عليه في العمليات الخاصة بالدعاية والبيانات الرسمية والتلقين، خاصة قبل وأثناء الغزو الأمريكي عام 2001 مباشرة. بعد سقوط النظام الإسلامي الأول، اختفى متقي مع رفاقه، وظهر أولًا كرئيس للجنة الدعوة والتوجيه (المكلفة بالتعامل مع الانشقاقات من الجماعات الأخرى)، ثم كعضو في مفاوضات الدوحة العام الماضي. فهو ليس شخصية دينية ولا عسكرية، ربما يعتبر من التكنوقراط، إذا كانت الكلمة تنطبق على النظام الجديد في أفغانستان. وكان أبرز إنجازاته تدمير تمثالي بوذا في باميان في مارس 2001، تمثالان من القرن السادس منحوتان على جانب منحدر في وادي باميان في وسط أفغانستان. فقد كانت تعتبر أصنامًا، ومن ثم تم تفجيرها بناء على أوامر الملا عمر، وهو ما لفت انتباه العالم إلى حركة طالبان.
وزير الداخلية بالإنابة: سراج الدين حقاني
سراج الدين (مواليد 1976) هو ابن المحارب الجهادي الأفغاني الشهير جلال الدين حقاني (1938-2018)، الذي قاتل السوفييت في الثمانينيات، واستقبله الرئيس الأمريكي رونالد ريجان في البيت الأبيض، الذي وصفه بأنه “مقاتل من أجل الحرية”. عند وفاته بسبب المرض في عام 2018، استولى ابنه سراج الدين على الوحدات العسكرية لوالده، المعروفة باسم شبكة حقاني. وعلى عكس والده، فهو على قائمة المطلوبين لدى مكتب التحقيقات الفيدرالي بسبب هجوم في يناير 2018 على فندق سيرينا في كابول الذي أودى بحياة ستة أشخاص، أحدهم مواطن أمريكي. كما اعترف بأنه حاول اغتيال الرئيس الأفغاني آنذاك، حامد كرزاي، في أبريل 2008. وبالإضافة إلى مؤهلاته في ساحة المعركة، يعمل حقاني حاليًا كأحد نائبي القائد الأعلى لطالبان هيبة الله أخونزادة.
في عام 2010، أصدر حقاني كتابًا من 114 صفحة باللغة البشتوية، كان بمثابة دليل عسكري للمقاتلين الأفغان. ويحمل أوجه شبه مذهلة مع عقيدة تنظيم القاعدة، حيث يدعو إلى قطع الرؤوس، والتفجيرات الانتحارية، والهجمات ضد أهداف غربية. وسعى بقوة خلال العامين الماضيين لبناء جسور مع الأمريكيين: أولًا، من خلال تسويق نفسه كعدو لداعش، وثانيًا، من خلال كتابة مقال رأي لصحيفة “نيويورك تايمز” في 20 فبراير 2020 بعنوان “ما نريده نحن، طالبان“.
وزير العدل بالإنابة: عبد الحكيم اسحقزاي
ولد عبد الحكيم اسحقزاي الذي يعتبر ثاني أكثر رجال الدين نفوذًا في حركة طالبان، في قرية باند إي تيمور في منطقة مايواند، في عام 1967. وابتعد عن السياسة خلال حقبة طالبان الأولى، حيث عمل في محاكمها القضائية أثناء التدريس في دار العلوم الحقانية، مدرسة إسلامية شهيرة في شمال غرب باكستان، تخرجت منها شخصيات سيئة السمعة مثل الملا عمر وجلال الدين حقاني. وقد احتل مقعدًا خلفيًا خلال السنوات 2001-2021، حيث كان يدير معهدًا دينيًا في كويتا، ليظهر العام الماضي كعضو، ثم رئيسا للجنة التفاوض المؤلفة من 21 رجلًا في الدوحة. إسحقزاي باحث يحظى باحترام، ويتمتع بسلطة أخلاقية على مقاتلي طالبان الشباب، الذين نشأوا وهم يقرأون أعماله ويستمعون إلى خطبه، التي كانت توزع سرًا في أفغانستان، أولًا على أشرطة الكاسيت في الثمانينيات ثم على الأقراص المدمجة.
وزير الإعلام بالإنابة: خير الله خيرخوا
ولد خيرخوا في قندهار عام 1967، وكان حاكمًا لمدينة هرات في ظلِّ الإمارة الأولى لطالبان، قبل أن يشغل منصب وزير الداخلية في 1997-1998. كما عمل كمتحدث غير رسمي باسم طالبان، حيث أجرى مقابلاتٍ شهيرة مع “بي بي سي”، و”صوت أمريكا”. وكان في الأصل مسؤولًا في الشرطة في كابول، وتحالف مع الملا عمر، وساعد في إنشاء حركة طالبان في 1994. واعتقله الأمريكيون بعد الإطاحة بطالبان وأرسلوه إلى جوانتانامو، حيث وصل في 1 مايو 2002. وظلَّ خيرخوا خلف القضبان حتى مايو 2014، عندما أطلق سراحه بناء على طلب رسمي من الرئيس كرزاي، الذي اعتقد خطأ أن إطلاق سراح خيرخوا سيعطي زخمًا لدفع محادثات السلام المتوقفة مع طالبان.
المصدر: كيو بوست
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر