سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
كريستيان لامير
تحركت الصين في عجلة لمحاولة خلق نفوذ لها مع الحكومة الأفغانية الجديدة برئاسة طالبان، ففي وقت مبكر من شهر يوليو الماضي، ومع تحول مجريات الحرب لصالح حركة طالبان، استضاف وزير الخارجية الصيني “وانغ يي” الزعيم السياسي لحركة طالبان في تلك الفترة، عبد الغني بارادار، والذي يشغل حالياً منصب نائب رئيس الوزراء الأفغاني، في مدينة تيانجين.
وفي أوائل سبتمبر، تعهدت بكين بتقديم 31 مليون دولار كمساعدات صحية وغذائية لجارتها الواقعة جهة الغرب، ومع ذلك، فهي إما غير قادرة أو غير راغبة في إدارة سياستها تجاه أفغانستان بمفردها، ومن المرجح استعانتها بباكستان لإدارة تلك الخطة.
ويبدو أن الدبلوماسية الصينية قد آتت أكلها، ففي مقابلة مع صحيفة جلوبال تايمز الحكومية الصينية في 10 سبتمبر الحالي، قال المتحدث باسم طالبان سهيل شاهين أن مقاتلي الأويغور قد غادروا أفغانستان بالفعل ولن يتم منحهم أي ملاذ في البلاد بعد سيطرة طالبان، ويعتبر منع استخدام أفغانستان كمركز تدريب وتجنيد لمقاتلي الإيغور أو المسلحين الإسلاميين في رأس قائمة أولويات الصين.
وتأتي دبلوماسية بكين المتجددة بالرغم من عدم اكتراثها بما يجري في البلاد وافتقارها إلى أي نفوذ على كابول وهو ما لم يحصل منذ فترة زمنية طويلة. علاوة على ذلك، فإن الصين لديها سياسة تحيز متأصلة ضد ربط علاقات خارجية متشابكة، على الرغم من أن هذا يتم اختباره من خلال المصالح الخارجية المتنامية للبلاد، إلا أنه لا يزال هناك قيود على الارتباطات الخارجية المكثفة.
وعليه، بالنسبة لبكين، فعلاقتها مع إسلام أباد أكثر فائدة في سياستها الأفغانية، أكثر من علاقتها بكابول.
وترى كابول الفوائد العائدة عليها من توددها وتقربها من الصين، فعندما كانت طالبان في السلطة لأول مرة في 1996-2001، كانت الصين قوة اقتصادية إقليمية رئيسية، ولكنها لم تكن قوة عالمية كما هي عليه الآن. إن النمو الصيني السريع على مدار العشرين عامًا الماضية، والذي مهد له الطريق انضمام البلاد إلى منظمة التجارة العالمية، يعني أن الصين أصبحت الآن شريكًا تجاريًا مربحًا ومصدرًا للاستثمار ومتعهد للدفاع عن أفغانستان.
ولكن المصالح الاقتصادية الصينية في أفغانستان لا تزال محدودة للغاية، فالتبادل التجاري في حده الأدنى، حيث وصل إلى 550 مليون دولار في عام 2020، وهو جزء ضئيل من إجمالي التجارة الصينية التي بلغت 5 تريليون دولار، ويوجد مشروع استثماري رئيسي واحد، وهو منجم النحاس في “مس عينك” بقيمة 4 مليارات دولار، لكن لم يبدأ العمل به على الرغم من توقيع الاتفاقيات في عام 2008.
وعلى الرغم من وجود مؤشرات آنية تشير إلى أن بكين قد تكون حريصة على استئناف المشروع الهش، إلا أن عدم استقرار حكومة طالبان واستمرار انعدام الأمن في أفغانستان يزيد من حجم المخاطر، كما أظهر تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان استعداده وقدرته على شن هجمات على أهداف دولية، خاصة بعد شن هجوم قاتل على مطار كابول في أواخر أغسطس.
ويمثل العنف غير الحكومي مصدر قلق لبكين لاستثماراتها في باكستان، حيث اجتذب الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، وهو ذراع لمبادرة الحزام والطريق، هجمات على مواطنين صينيين وخطوط الأنابيب، وبالرغم من الفوائد الإستراتيجية للاستثمار في أفغانستان، فمن المحتمل أن يكون هناك توجس وحذر حول الانخراط بعمق في واحدة من أقل دول العالم استقرارًا.
لكن يوجد هناك خيار آخر، فكما حدث في تسعينيات القرن الماضي، قد تفضل بكين استخدام النفوذ الأكبر الذي تتمتع به حليفتها باكستان، بصفتها وكيل لها.
وفي حين أن العلاقات الأفغانية الباكستانية معقدة وغالبًا ما يتخللها عنصر انعدام الثقة، فإن دعم إسلام أباد لطالبان يوفر درجة من النفوذ لا مثيل له بين الجهات الحكومية. ولإثبات ذلك، قام الفريق فايز حميد، المدير العام لوكالة المخابرات الباكستانية، بزيارة كابول في أوائل سبتمبر للاجتماع مع قيادة طالبان.
ولباكستان طموحاتها في أفغانستان، ولا سيما كبح جماح طالبان الباكستانية، وهي حركة طالبان باكستان (TTP)، وسيكون من اليسير على بكين اقتراح إضافة مقاتلي الأويغور إلى قائمة الجماعات التي تريد باكستان الخلاص منها، وقد مورست ضغوط مماثلة في التسعينيات، مما أدى في النهاية إلى عملية باكستانية في عام 2003 لقتل زعيم حركة تركستان الشرقية الإسلامية، حسن محسوم، بالقرب من الحدود الأفغانية.
وقد حاولت الصين بالفعل استغلال نفوذ باكستان في كابول من خلال الدبلوماسية الثلاثية، حيث عقدت أول حوار استراتيجي ثلاثي بين الجيران الثلاثة في فبراير 2015، تم عقدت النسخة الرابعة من ذلك الحوار في يونيو 2021.
ومع وجود طالبان الآن في الحكم، وتزايد النفوذ الباكستاني، يمكن أن تكون مثل هذه المنتديات أكثر فائدة، لكن من المرجح استمرار دبلوماسية بكين القائمة على الوكالة بهدوء وبدون ضوضاء إعلامية.
ولا تزال الصين متوجسة من الاندفاع لدعم طالبان، على الرغم من رغبتها في استقرار المناطق المتاخمة لحدودها، إلا أن طالبان لم تثبت بعد قدرتها على الحكم، ولا سيما كبح جماح الجماعات القوية المستقلة مثل شبكة حقاني.
وهذا سبب إضافي يدفع بكين إلى محاولة حشد نفوذها وتوظيفه من خلال باكستان، وهي سياسة ممتازة بالنسبة للصين، وتنص على عدم التورط بصورة مباشرة أثناء محاولة تثبيت الاستقرار في بلد شهد أكثر من 40 عامًا من الحروب والنزاعات المستمرة، والسؤال هو: ما الذي ستستقيده باكستان من لعب دور الوسيط؟
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر