سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
محمود الورواري
يُنظر إلى الشهرين الماضيين باعتبارهما محطة أخيرة للإخوان، بعد سقوط التنظيم في تونس، ثم لاحقا في المغرب عبر الانتخابات.
فبين 25 يوليو الماضي، منذ قرارات الرئيس التونسي الاستثنائية، وصولا إلى الانتخابات المغربية في سبتمبر الجاري، أحداث خلقت تأثيرات وتداعيات أحدثت انكشافا حقيقيا لمزاج دول المغرب العربي بأنها غير داعمة ولا مرحبة بالإخوان، الذين تسربوا خلال تغيرات سياسية في المنطقة كلها إبان موجة ما يسمى “الربيع العربي”.
وبقليل من التدقيق يتضح أن آلية سقوط الإخوان في بلاد المغرب العربي اختلفت عن آلية سقوطهم في بلدَين من بلدان المشرق العربي، مصر والسودان.
فلو نظرنا إلى ما حدث لإخوان مصر في 2013، وما حدث لإخوان السودان عام 2019، سنجد أن سقوط الإخوان في البلدين جاء عبر ثورة شعبية، بعد وصولهم إلى حكم مصر لعام واحد، وسقوط “نظام البشير” وتفكك التنظيم، الذي تغلغل في حكم السودان منذ عام 1989.
إذاً نحن أمام ثورات شعبية، غضبة شارع وجماهير في مصر والسودان، أسقطت حكم تنظيم الإخوان، حتى وإن تأخر حال السودان عن مصر في ذلك بفارق 6 أعوام.
أما السقوط الإخواني في بلاد المغرب العربي، فهو سقوط ناعم وليس خشنا، لم ينتج عن ثورة شعبية مزلزلة كما حدث في مصر والسودان، وإنما جاء عبر إجراءات سياسية، كالانتخابات -في المغرب- أو إجراءات إنقاذ دستورية -كتلك التي جرت في تونس- والتي أعلن خلالها الرئيس التونسي قيس سعيد تجميد عمل البرلمان، الذي يسيطر عليه الإخوان، وحل الحكومة، متكئًا في قرراته تلك على الفصل 80 من الدستور.
بعد هذه القرارات الشجاعة للرئيس التونسي في إنقاذ بلاده من فوضى الإخوان، حظي بالتفاف شعبي كبير، ولم تشهد قراراته أي انتقادات، إلا من الإخوان طبعا وطبقة المنتفعين من ورائهم والأحزاب الموالية لحركة “النهضة” الإخوانية.
أما في المغرب، فكان سقوط الإخوان أكثر نعومة وبلا صدام، وتمثل في خسارة حزب “العدالة والتنمية” الانتخابات.. إنه سقوط عبر صناديق الاقتراع، فطريقة الخسارة هنا هي الملفتة، فحزب “العدالة والتنمية”، الذي اكتسح انتخابات 2011 بـ107 مقاعد وشكّل الحكومة المغربية لولايتين استمرتا عشرة أعوام، لم يحصد في الانتخابات الأخيرة سوى 12 مقعدا فقط.
هذا التحول يطرح تساؤلات كثيرة جدا تتجاوز فكرة الحزب السياسي الضيق إلى الفكرة الإخوانية ككل.. هنا يصبح البحث مهما وواجبا في الفترة التي تلت سقوط الإخوان في مصر عام 2013، فنتساءل: لماذا تأخر سقوط الإخوان في السودان وتونس والمغرب؟ ولماذا بدأ سقوطهم في مصر، مكان انطلاقهم الأول؟
تلك المسافة الزمنية الفاصلة تعود إلى عنوان واحد، هو التجربة والاختبار ومقاومة آلة التزييف والكذب.
فبعد ثورة 30 يونيو 2013 في مصر اشتغلت آلة التزييف الإعلامي الإخوانية، التي شاركت فيها دول بالمنطقة تملك مؤسسات إعلامية، حاولت تسويق أفكار زائفة عن “مظلومية” الإخوان و”عدم حصولهم على فرصة”، رغم أنهم كانوا في الحكم ولفظهم الشعب المصري بعد عام مرير مع سياساتهم الفاشلة، وكذلك حدث معهم في السودان.
المحصلة أن الشعوب، التي منحت الإخوان فرصة تجريب، هي التي أسقطتهم مع فارق التوقيت.
التجربة المصرية كانت سبّاقة في كشف مخططات الإخوان لأسباب كثيرة، لأنها بلد نشأتهم، حيث تكونت الجماعة عام 1928 على أرضها كجماعة دعوية، ثم راقب الشعب بنفسه تحولها إلى تنظيم سياسي سري، ثم صدامي خلال العهد الناصري، الذي خاض مع التنظيم معركتين، عامي 1954 و1964.
الشعب المصري أعطى تنظيم الإخوان الفرصة لممارسة دور سياسي إبان فوضى “الربيع العربي”، لكن فطنة التجربة جعلت المصريين يكتشفون فشل هذا التنظيم خلال أقل من عام، فرأوا فيهم فقط طُلاب سلطة وليس لديهم أي مشروع سياسي لخدمة الوطن والمواطنين، فهم بلا انتماء للأوطان.
ورغم أن حركة “النهضة” الإخوانية في تونس تأسست عام 1972، تم الاعتراف بها كحزب سياسي عام 2011.
لذا فقد رأت الشعوب أن الفكرة الإخوانية، التي بدأت كبذرة نائمة، مكّنت الإخوان في 2011، لكن ما لبثت الشعوب أن استفاقت إلى أن شجرة الإخوان لا تثمر، فاضطرت إلى اقتلاعها وإحلال أفكار أخرى تكون ملائمة للبيئة العربية دون تزييف أو استغلال للدين في مطامع سياسية، مثلما ينتهج الإخوان دائما.
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر