سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
جاي شازان
إريك إنغلهاردت (19 عاما)، طالب تكنولوجيا معلومات من بلدة سونبرج شرقي ألمانيا، ينظر إلى قرار ترحيب المستشارة أنجيلا ميركل باللاجئين السوريين عام 2015 بشكل مختلف عمن رحبوا بالقرار.
يتساءل: “هل كان على ألمانيا أن تسمح بدخول هذا العدد الكبير من الناس؟ هل كان ذلك التصرف منطقيا؟ أم أنه أضر بنا؟”. إجابته واضحة: كان خطأ فادحا. يقول: “لقد جاء هؤلاء الناس إلى ألمانيا وتم تقديم الدعم لهم من قبل الدولة، بينما يتعين على بعض العائلات الشابة هنا التفكير مرتين قبل الذهاب لقضاء عطلة”.
أضاف “إننا نشعر بأن الأشخاص الذين لا ينتمون إلى أمتنا يحصلون على أكثر من الأشخاص الذين هم في الواقع من هنا”.
إنغلهاردت عضو في حزب “البديل من أجل ألمانيا” الذي قاد في عام 2017 رد فعل عنيف ضد سياسة الهجرة التي تتبناها ميركل بشعار “أهلا بالجميع” ليصبح فيما بعد أنجح حزب يميني متشدد في تاريخ ألمانيا ما بعد الحرب. يشكل نوابه الآن أكبر مجموعة معارضة في البرلمان ولهم تمثيل في جميع البرلمانات الإقليمية الـ16. يقول إنغلهاردت الذي انضم للحزب قبل عام: “لقد أعجبت بتأكيدهم على الهوية القومية الألمانية”.
حزب “البديل من أجل ألمانيا” جزء من الإرث الذي ستتركه ميركل خلفها. كان حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي يفخر في السابق بكونه أكثر الأحزاب الكنسية رحابة صدر، وأنه قادر على توفير موطن سياسي حتى للمحافظين المتشددين. لكن الليبرالية التي تميزت بها ميركل جعلت الجناح الأيمن لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي مكشوفا، وأوجدت مساحة لحزب مغرور يتبنى وجهات نظر قومية، معادية للأجانب.
وقد انشق عنها عديد من الديمقراطيين المسيحيين السابقين لينضموا إلى حزب البديل من أجل ألمانيا.
إنغلهاردت عضو في المجلس التنفيذي لـ”يونج ألتيرناتيف”، جناح الشباب في حزب البديل من أجل ألمانيا، وهو يرى أن إرث ميركل ليس مجرد هجرة مفرطة، بل زيادة في عدم المساواة أيضا. يقول: “العبء الضريبي على الأسر – كل تلك الضرائب الجديدة والرسوم على انبعاثات الكربون – آخذة في الازدياد، لكن المداخيل لا ترتفع”. يضيف: “يوجد هنا أناس لديهم خوف حقيقي فيما يخص وجودهم”.
يشير إلى أن المشكلة حادة بشكل خاص في الأراضي التابعة لألمانيا الشرقية سابقا، فبعد 30 عاما من إعادة التوحيد، لا تزال مستويات الأجور أقل مما هي في غرب البلاد. ويقول: “لدينا هنا عدد أقل من الشركات الكبيرة، لذلك لا يزال العمال المهرة والمتدربون مجبرين على ’الهجرة‘ إلى الغرب من أجل العثور على عمل. لقد استمر هذا النهج في عهد ميركل ولم يتم عمل الكثير للحد منه”. كذلك يلقي باللوم على ميركل في دفع ألمانيا نحو “أقصى اليسار” خلال العقدين الماضيين. يقول: “ستترك ألمانيا يسارية أكثر مما كانت عليه عندما بدأت”.
لقد أصبحت ألمانيا أكثر ليبرالية بالفعل في عهد ميركل، على الرغم من أن بإمكان المرء الجدال في أن هذا يرجع في الأساس إلى يسار وسط الديمقراطيين الاشتراكيين، الذين حكمت ميركل معهم لمدة 12 عاما من مجموع الأعوام الـ16 الماضية ـ من خلال “تحالفات كبرى”. وفي ظل حكمها ألغت الدولة الخدمة العسكرية الإجبارية، وقدمت حدا أدنى للأجور، وسمحت بإجازة أبوية ممتدة، ووسعت مخصصات رعاية الأطفال بشكل كبير.
لقد أصبحت البلاد أكثر انفتاحا على التأثيرات الأجنبية والرؤى البديلة للمجتمع والأسرة.
لكن المزاج السياسي بات أكثر سخونة أيضا. على الرغم من أن ألمانيا ليست مستقطبة بالفعل مثل أمريكا، إلا أنها شهدت تصعيدا مقلقا في العنف السياسي. وقد بلغ ذلك ذروته في مقتل والتر لوبكي، أحد المسؤولين من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي بزعامة ميركل، عام 2019 على يد أحد النازيين الجدد، وهو أول اغتيال بأيدي اليمينيين لسياسي منذ الحرب العالمية. صار لوبكي شخصية مكروهة من اليمين بسبب دفاعه عن ميركل أثناء أزمة اللاجئين وبسبب قوله إن أي شخص لا يشارك ميركل في قيمها الإنسانية “بإمكانه مغادرة هذا البلد في أي وقت”.
محمد السهلي الذي قدم إلى ألمانيا مع أسرته، هاربا من الحرب الدائرة في سورية، ليس بغريب عن التوتر العنصري المتزايد. يقول إن كلا من والدته وشقيقته تعرضتا بشكل مستمر للدفع من قبل السكان المحليين أثناء تسوقهم في حي زيليندورف الثري في برلين. “إنهم يقولون إن عليهم العودة إلى ديارهم، لكن ألمانيا هي وطننا الآن”.
أصبح كثير من الشباب الألمان غير مبالين بميركل إلى حد ما في الوقت الذي بدأت فيه ولايتها الرابعة في منصب المستشارية عام 2018. لقد كانت لاعبا أساسيا، وهي دائما موجودة في الأخبار التلفزيونية، ولكن في مكان ما في الخلفية. يقول روفوس فرانزين، البالغ من العمر 17 عاما من برلين: “لقد كانت مُتّي (أما)”.
لقد تغير ذلك عندما ضربت الجائحة، وعادت ميركل إلى مركز الصدارة، إلى وعي الناس مباشرة. ففي بداية تفشي فيروس كورونا في أوائل عام 2020، سارعت إلى فرض الإغلاق وذهبت إلى التلفزيون لمخاطبة الأمة، وحثت مواطنيها على إظهار التضامن مع بعضهم بعضا من خلال تقليل تواصلهم الاجتماعي إلى الحد الأدنى.
لقد كان خطابا رصينا، لكنه خفف بلمسة شخصية غير عادية، حين أشارت إلى نشأتها في ألمانيا الشرقية الشيوعية. قالت: “بالنسبة إلى شخص مثلي، لمن كانت حرية التنقل بالنسبة إليه حقا صعب التحقيق، لا يمكن تبرير هذه القيود إلا بضرورتها المطلقة”. استمعت ميركل أيضا، الحاصلة على درجة الدكتوراه في الكيمياء الكمية، من كثب إلى العلماء وأخذت نصائحهم. “لقد قدر الشباب حقا قيادتها الهادئة والواضحة”، كما يقول شنيتزا، الباحث في شؤون الشباب.
نجح الإغلاق الأول، وبدا أن ألمانيا تمكنت من القضاء على الجائحة. لكن بعد الصيف بدأت أعداد الحالات في الارتفاع. وضغطت ميركل من أجل إغلاق آخر لكنها قوبلت بمقاومة 16 زعيما إقليميا في ألمانيا. رضخوا أخيرا في شتاء عام 2020، لكن بعد فوات الأوان على إيقاف موجة متسارعة من الإصابات الجديدة. قالت ميركل لكبار المسؤولين في الاتحاد الديمقراطي المسيحي في كانون الثاني (يناير): “لقد خرج الأمر من أيدينا”.
وتفاقمت الأمور مع بداية بطيئة بشكل صادم لانطلاق حملة التطعيم في البلاد، على الرغم من أن أحد أكثر اللقاحات فعالية تم اختراعه في ألمانيا.
في غضون ذلك، ضربت الجائحة الشباب بشكل خاص. أُجبرت مدارسهم وجامعاتهم على الإغلاق بينما ظلت المكاتب والمصانع مفتوحة. وكان التعلم عبر الإنترنت أثناء الإغلاق مدعاة للتندر نتيجة لضعف الشبكة الرقمية في ألمانيا، في حين تم تقييد استخدام المنصات سهلة الاستخدام مثل زووم بسبب مخاوف تتعلق بحماية البيانات.
إيمانويل روفر (16 عاما) من نيوكولن جنوبي برلين، عضو في “يوزوس”، جناح الشباب التابع للحزب الاشتراكي الديمقراطي، يحلم بأن يصبح مدرسا، يصف دروسا فوضوية عبر الإنترنت حيث لا يمكن رؤية الطلاب، أو سماعهم بسبب ضعف الاتصالات عبر الإنترنت. يقول: “عندما كنت في الدرس، كان على كل شخص آخر في المنزل أن يغلق شبكة الإنترنت اللاسلكية حتى يتمكن جهازي اللاسلكي من العمل. فيما يتعلق بشبكة الإنترنت اللاسلكية، تتخلف ألمانيا كثيرا عن بقية أوروبا، وقد أظهرت الجائحة ذلك حقا”.
وفي محادثاته مع اليافعين الألمان، سمع الباحث سايمون شنيتزا الذي ينشر أبحاثا منتظمة عن الشباب، أمثلة لا حصر لها عن مدى الخلل الذي وصل إليه النظام. يقول: “كان على بعض الأطفال الانتظار حتى الثالثة صباحا لتحميل واجباتهم المدرسية، لأن خوادم المدرسة كانت في حال ارتباك كامل خلال النهار”. كما تحدث إلى الأطفال الذين يعيشون في المناطق الريفية مع شبكات الجيل الرابع السيئة لدرجة أنهم “اضطروا إلى الصعود إلى أقرب تلة للحصول على إشارة كافية لتسلم واجباتهم المنزلية”.
لقد كشفت الأزمة عن المشكلات التي كان المعلقون مثل ريزو، وهو صانع محتوى على منصة يوتيوب يبلغ من العمر 29 عاما، يهاجمونها لأعوام. ففي مقطع فيديو خاص به عام 2019 على موقع يوتيوب، هاجم كلا من تزايد عدم المساواة في ظل حكم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي والمدارس المتداعية في ألمانيا.
سأل مشاهديه: “أي نوع من الهراء غير الكفؤ هذا؟”. ضربت انتقاداته على وتر حساس. في انتخابات البرلمان الأوروبي التي أجريت بعد ذلك بأيام، صوت 13 في المائة فقط من الذين تقل أعمارهم عن 30 عاما للديمقراطيين المسيحيين.
ولا تزال المشكلات التي سلط ريزو وآخرون الضوء عليها قائمة. يقول روفر: “أعرف المدارس التي لا تفتح نوافذها، ولا يوجد صابون في المراحيض والمباني تنهار”. وعلى النقيض من ذلك، يقول: “انظروا إلى مقدار الأموال التي أنفقوها على إنقاذ شركة لوفتهانزا”.
عند الحديث عن التحديات التي تواجه الأطفال أثناء الجائحة، غالبا ما فشلت ميركل في إيجاد النبرة الصحيحة. حين سئلت عن الصفوف الدراسية المتجمدة في الشتاء، عندما كانت النوافذ مفتوحة على مصراعيها في كثير من الأحيان لوقف انتشار فيروس كورونا، قالت إن على الأطفال “ثني ركبهم قليلا أو التصفيق بأيديهم” لكي يظلوا مستدفئين. أطلق عليها البرنامج التلفزيوني الساخر “هويتيه”، التي تعني اليوم، “آنجي الرياضية”.
استشاط الشباب غضبا عندما ظهر في الربيع أن عددا من أعضاء البرلمان المسيحيين الديمقراطيين تلقوا عمولات ضخمة على صفقات لشراء أقنعة الوجه لفيروس كورونا. تقول جوزيفا ألبريشت (17 عاما)، الناشطة في مجال المناخ: “يقول الاتحاد الديمقراطي المسيحي إنه يريد أن يجعل ألمانيا مناسبة للمستقبل. لكن كيف يمكن أن يحدث ذلك عندما يتجاهلون الناس وكل هذه الأموال تتدفق إلى جيوبهم؟”.
هذا الإحباط لدى جيل الشباب يزداد قوة، مع تحذير بعضهم من التوترات التي تلوح في الأفق بين الأجيال. لا يزال كثير من الأطفال الألمان يعانون صدمات نفسية من أشهر الإغلاق الطويلة ويعيشون في خوف من المزيد من حالات الإغلاق للمدارس. يقول شنيتزا: “الأطفال يقولون: السياسيون لا يستمعون إلينا أبدا، ولا يظهرون لنا أي اعتبار على الإطلاق. وهذا يمكن أن يؤدي إلى صراع”.
لطالما كانت أنجيلا ميركل مترددة في تلخيص إرثها. قالت ذات مرة لـ”فاينانشيال تايمز”: “لا أفكر في دوري في التاريخ. إنني أقوم بعملي”. لكن في خطاب ألقته في حملة لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الشهر الماضي، عددت ما اعتبرته أكبر إنجازاتها في المنصب: خفض معدل البطالة إلى النصف. وإصلاح المالية العامة في ألمانيا. وإطلاق المرحلة الانتقالية “إينيرجي ويند”، وهي التحول التاريخي لألمانيا من الوقود النووي والوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة المتجددة. وإنقاذ اليورو.
وعلى الرغم من تضارب آراء الشباب، إلا أن شريحة كبيرة من الناخبين الألمان ستفتقدها بشدة. يقول مانفريد غولنر، رئيس وكالة فورزا لاستطلاعات الرأي: “ستترك وراءها فراغا. يشعر الناس بعدم الأمان الشديد. فعلى مدى 16 عاما أعطت الناس إحساسا بالأمان (…) وبالاستقرار والاستمرارية”، مضيفا: “لقد شعر الناس أنها تعتني بهم، وتحرص على عدم تأثير الأزمات كثيرا في حياتهم اليومية. لقد كانت شبكة أمان”.
الرجل الذي يأمل في خلافتها – أرمين لاشيت، وهو مرشح حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي لمنصب المستشار – يسوق نفسه للناخبين باعتباره الوريث الطبيعي لها. يقول غولنر: “لكن الناس لا يصدقونه، لأنهم لا يعتقدون أنه سياسي قدير مثلها”. وحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، الذي يتخلف حاليا بحصوله على نحو 22 في المائة في استطلاعات الرأي “يخاطر بفقدان الكثير من ناخبي ميركل”.
في هذه الأثناء يبدو أن ميركل التي أخبرت أحد المحاورين قبل 23 عاما أنها لا تريد أن تكون “حطاما شبه ميت” عندما تترك السياسة، قد حصلت على رغبتها. ذلك أنها ستبلغ من العمر 67 عاما فقط عندما تتقاعد.
وأمامها فصل جديد بالكامل.
عندما تتنحى في وقت لاحق من هذا العام، فإنها ستصنع التاريخ، لتصبح أول مستشار بعد الحرب يتخلى عن السلطة بمحض إرادته الحرة، وفي الوقت الذي تختاره. فقد أُجبر سلفها العظيم كونراد أديناور من قبل حزبه على إفساح الطريق لمنافس. وتم التصويت على خروج هيلموت كول، مهندس إعادة توحيد ألمانيا، من السلطة بعد 16 عاما.
سيحزن بعض شباب ألمانيا على رحيلها. ويتطلع آخرون إلى التغيير في الأعلى. يقول إيمانويل روفر: “كلما ظهرت قضية جديدة، كنت تعرف نوعا ما كيف سيكون رد فعل ميركل (…) سيكون المستقبل غير متوقع”.
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر