قرار دخول المرأة الملاعب الرياضية كمساهمة وطنية في رؤية 2030 وآليات محاربة التطرف الإسلامي | مركز سمت للدراسات

قرار دخول المرأة الملاعب الرياضية كمساهمة وطنية في رؤية 2030 وآليات محاربة التطرف الإسلامي

التاريخ والوقت : الأربعاء, 1 نوفمبر 2017

ديانا الرفيدي

 

 

تنطوي رؤية 2030 الوطنية على ثورة وعي يصنع الحداثة الفكرية والمادية ولا

يستوردها، ويتوخى في الجانب المعرفي والثقافي قراءة التراث الديني

قراءة إنسانية واقعية تخلصه مما لحق به من تشويهات وخرافات لا معنى لها،

ومستقلة عن الاستهلاك الأيديولوجي المتطرف والقراءة الكلاسيكية التي

ساهمت في نبذ الآخر وتهميشه، وأسست لقطيعة تاريخية بين الأديان والمذاهب

المتغايرة، وفرضت نمطًا واحدًا من الأفكار المنغلقة والأحكام الفقهية

الكيفية والعشوائية السائدة على حساب العقل الملتزم بمسؤوليته النقدية،

ونتائج التجربة العلمية البشرية، والتباين الثقافي الذي يميز المجتمعات

الإنسانية المتفتحة. ويضاف إلى ذلك، أن هذه الرؤية تتمثل في تقديم الأمل

للمرأة، وإنصافها من الإرث الميثولوجي والعادات والأعراف التي تبرر أشكال

التمييز ضدها، وتسوغ الانتقاص من قيمتها، وتخلع المشروعية الدينية على

محتواها العنصري الشمولي.

 

قرار هيئة الرياضة السعودية، مؤخرًا، السماح بدخول النساء الملاعب الرياضية،

أخذ في الاعتبار مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة؛ ليشارك في رسم ملامح

الرؤية الجديدة، بخطوة تأتي ضمن خطوات وطنية أخرى أهم وأعمق تؤسس لمجتمع

مساواة، ديناميكي، متحضر، متعدد، يحترم الكرامة الإنسانية، ووطن

واثق من مصيره ومستقبله يجعل من الإنسان الذي ينتمي له غاية في ذاته..

 

في المسألة الوطنية، ثمة ضرورة لفهم أننا إزاء صراع تنويري هادف وغائي ضد

التعصب الديني والانغلاق على الذات، يبدأ بتحرير الفرد من الفكر الميثي،

أو الأسطوري، الذي يحتقر قيمته الإنسانية ويلغي وجوده الفردي، باعتماده

تفسيرات فوضوية متعددة لتشريعات ثابتة. هذا الصراع التاريخي على تفسير

النص يتضمن نوعين: الأول تقليدي، يرتكز على تصور دوغمائي سكوني للدين

والتشريعات، ويفسر النصوص المقدسة تفسيرًا حرفيًا قاموسيًا للكلمة لا يقبل

التأويل والنقاش بصفتها حقائق إلهية، وهذا يلغي وجود الفرد ويحوله إلى

مجرد آلة، أو وسيلة أيديولوجية، أو روبوت منفذ لأوامر وحجج الفقهاء.

والثاني مجازي معقد، تستبطن طبيعته الوهم والخيال والأساطير الشعبية

والتصورات الخاصة للفقيه لتفسير تجليات الواقع، وخلق نص آخر يختلف تمامًا

عن النص الأصلي! طبعًا، هذه الفوضوية والصراعات بين رجال الدين المسلمين

على تفسير النصوص المقدسة، مسؤولة على مرِّ التاريخ عن خلق وتأجيج الحروب

الدينية العنصرية.

 

ولعل من بين الأسباب الرئيسة في تشكيل ظاهرة الإرهاب الإسلاموي، التي أخذت

رؤيتنا الوطنية السعودية على عاتقها محاربته، هو تصور حركات الإسلام

السياسي المشوه للدين والإله والمقدسات المستمد من هذه التفسيرات. ففي

مجتمع الإسلامويين، الإنسان غير موجود كفرد؛ لأن وجوده الفردي مرتبط بصنم

يقدسه القطيع، وحتى تتكيف مع هذا المجتمع إمَّا أن تكون عبدًا أو جلادًا،

والصنم هنا قد يكون فكرة، أو أيديولوجيا، أو شخصية متخيلة، أو حقيقة

تاريخية أو معاصرة. وهذا ما يجمع مفهوم الأيديولوجيات الإسلامية

المتطرفة المشوه للتوحيد بمفهوم الأوحدية اليهودي! عدا أن للإله

العبري في المأثورات التوراتية اليهودية، بعدًا قبليًا وقوميًا عنصريًا، وسلوكًا

سلطويًا يربط شريعة الإله العبري التي شكلتها الأساطير البابلية، المصدر

التكويني للعهد القديم، بشريعة البشر والملوك وطموحات الأمبراطوريات

القديمة للتوسع والسيطرة على المجتمعات الأخرى، فهو إله سلطة، وتشريعاته

أبعد ما تكون عن القيم والأخلاق.. وبالتأكيد لا يوجد في تاريخ

الأديان والمذاهب، دين أو مذهب، ينبثق من لا شيء، دون أن يتشكل عبر ممرات

مختلفة لتطور الثقافات، أو يتأثر بطقوس وعقلانية الأديان والمذاهب

الفكرية الأخرى المزامنة لظهوره، ضمن سياق تطوره التاريخي الزماني

والمكاني. فالأيديولوجيات والمذاهب الفكرية الإسلاموية التي تشكلت في

الشرق، تأثرت في جملة من تصوراتها الدينية، بالوعي الأسطوري للأديان

الإبراهيمية اليهودية والمسيحية، أو الزرادشتية، ولا يمكن الحكم عليها

وفهمها وتحليل أفكارها إذا ما نزعت من سياقها وحيثياتها التي ظهرت فيها.

 

 

قد يكون أقرب نموذج ديني قديم لفكر هذه الجماعات الإسلاموية المعاصرة،

اليهودية الرعوية قبل حكم الملك سليمان واتحاد القبائل العبرانية، التي

لا تعترف إلا بسؤدد غرائزها الوحشية على المزرعة والمدينة ومنتجاتهما،

وترويض موجوداتهما لخدمتها، وترى حياة الإنسان وقيمته الفردية بعين ميتة

تسلب منه حريته وكرامته، حيث لا تعلو فوق سلطة السيف سلطة، تمامًا مثل

أيديولوجيات الإسلام السياسي اليوم، التي لا تستطيع نقد واقعها المنحط

الحافل بأنواع الاستبداد والجوع للسلطة والعبودية والجرائم الوحشية، بل

ترفع ما تؤمن به من عقائد مزيفة إلى مصاف المقدس لكي لا تمس.. هذا العقل

الرعوي الذي أوجد الإسلام السياسي ووضع تشريعات العهد القديم، هو الذي

يشكل ذهنية القطيع، ويزدهر في أي بيئة تقودها العصا، وتدار بالخوف

والأساطير، ونمط حياة العبيد، وعبادة الموت وكراهية الحياة.. أينما وجد

الإسلام السياسي، وجدت فكرًا بدائيًا مرتحلاً محاربًا للحضارة، يلغي وجود الفرد،

أو يستهلكه بتأليه الطقوس والخرافات والتفكير ككتلة جماعية..

 

أمَّا بالنسبة للإنسانية ووجودها في فكر الإسلام السياسي، فالجماعات الدينية

قد تسمح بها كمبادرة ذاتية، ولكنها لا تسجلها كإنجاز فردي للإنسان الذي

قام بها، وإنما تنسب كفضيلة للجماعة الإسلامية، أو الحزب السياسي، أو

الأمة التي ينتمي لها هذا الفرد أيديولوجيًا..

 

أخيرًا.. أرى أن شرط تطور المجتمع ومحاربة التعصب الديني في القرن الواحد

والعشرين، الشروع في تشتيت سلطة الأيديولوجيا الدينية المتطرفة (اللامركزية)، بحيث يقود الفرد نفسه بمعزل عن وصاية رجال الدين، ويصبح مسؤولاً عن تصرفاته، ومحاسبًا على أخطائه بحق الآخرين أمام القانون، وليس كما يوهمه العقل الفقهي التقليدي بأن التوبة من الوقوع في الخطأ تمحوه، دون الالتزام بإصلاح هذا الخطأ وتوقع المحاسبة عليه قانونيًا والتعهد بعدم تكراره..

 

 

كاتبة سعودية*

Diana_M_Ali@

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر