هل كرة القدم رجالية أم نسائية؟ | مركز سمت للدراسات

هل كرة القدم رجالية أم نسائية؟

التاريخ والوقت : الأربعاء, 1 نوفمبر 2017

أمجد المنيف

 

أميل دائمًا للتعامل مع الحقائق، المبنية على أسس معروفة؛ لأن الارتهان للآراء والانطباعات ليس شيئًا عادلاً، يتعلق بالشخوص، إلا أن هذا لا يمكن تعميمه.. لذلك أعتقد بأن أفضل ما أبدأ به الحديث عن قرار السماح للنساء بدخول الملاعب في السعودية، هو الدراسة الألمانية، لباحثين في جامعة ميونيخ، التي أثبتت أن الجنس اللطيف أكثر جدية وحزمًا في الملاعب الخضراء، حيث إن النساء أفضل من الرجال في استغلال الوقت، وأن الرجال يضيعون وقتًا كثيرًا في غرف تبديل الملابس، والاحتفال بتسجيل الأهداف، على الرغم من أن رياضة كرة القدم رياضة خشنة وتناسب الرجال أكثر من النساء.

الدراسة، التي أضعها في بداية حديثي عن قرار السماح بدخول العوائل للملاعب، حلّلت 56 مباراة، وأثبتت أن الرجال يمضون 38% من وقت المباراة، وهم لا يركضون خلف الكرة، وأن 53% من وقت معظم المباريات يضيع بعد تسجيل الأهداف، واللاعب يمضي دقيقة لكي يكمل احتفاله.. بينما النساء يحتفلن في نصف دقيقة فقط. كما أن الرجال يستغرقون وقتًا أكثر بعشر ثوان من النساء أثناء دخولهم إلى أرضية الملعب. وأشارت الدراسة إلى أن الرجال أيضًا، يبقون 30 ثانية أكثر من النساء، مستلقين على أرضية الملعب بعد التعرض للإصابة. فهل نعود لنقول إن لعبة كرة القدم نسائية بالدرجة الأولى؟

أول رد من أول قارئ متعصب سيقول إنني غبي، لا أفرق بين الحضور للملعب، وبين اللعب في المستطيل الأخضر، وقد يبدو محقًا، من خلال الصورة العامة، لكني أرى أبعد من المدرج. أظن أن المرأة ستكون لاعبة يومًا ما، وهذا ليس بعيدًا، ولسنا في طور سرد الممنوعات التي تحولت لأولويات.. لذلك أرى بجديتها –  على ذمة الدراسة –  أكثر من الرجال، لكن قد يختلف الأمر بالنسبة للتشجيع؛ لأن الجنون مذكر!

عودة للقرار، أظن أن عام 2017، هو عام المرأة السعودية بامتياز، ظفرت فيه بالعديد من الامتيازات، ولا تزال مسيرة الإصلاح مستمرة؛ ولهذا جاء السماح بدخول الملاعب مكملاً لسلسلة قرارات تهدف إلى منح المرأة الأهلية، والاعتماد على ذاتها، والفوز بحريتها، في نطاقات مختلفة، كحرية التنقل والاختيار وغير ذلك.

ما أُعلن يعتبر في سياق “الرؤية”، التي تهدف إلى تنويع مصادر الدخل وبناء الإنسان، والاهتمام بتطويره بغض النظر عن جنسه، ومنحه الحقوق بعيدًا عن التصنيفات، وتهيئة الظروف الكاملة لكي يكون منتجًا.

قلت في مقالة سابقة، نشرتها في مجلة دولية، إن هناك تصنيفًا جديدًا للقرارات في السعودية، قرارات ما قبل السماح للنساء بقيادة السيارة، وقرارات ما بعد ذلك.. كل ما بعده مفرغ من الفزاعات، إلا من بعض الأصوات الضعيفة، التي تحتضر، وتراهن على أشياء لم تعد مؤثرة في الإقناع. وهو أمر مصاحب لمعظم قرارات الرؤية.

في “سمت للدراسات”، نشرنا قراءة للدكتور خالد بن عمر الرديعان، أصنفها بالمهمة، عنونها بـ: “كيف نبدد الشكوك حول رؤية السعودية 2030؟”.. لعلي أقتبس منها هذا الجزء: “ينقسم المشككون في جدوى الرؤية إلى فئتين: فهناك المؤدلج الذي لن يرضيه شيء مهما فعلت (حتى لو اقتلعت عينيك وقدمتهما له)، فهو ما يفتأ يشكك بأي خطوة إصلاحية، وينظر فقط إلى جوانبها السلبية، وهي – بالتأكيد – نظرة مجتزأة وغير موضوعية، بل ونظرة مضرة للغاية؛ لأنها تشيع اليأس والإحباط والنقمة.

الصنف الثاني من المشككين، هم مجموعة من الاقتصاديين ممن يطرحون رؤى اقتصادية تقليدية؛ فيقولون كيف لنا أن نقفز إلى اقتصاد المعرفة والنانو والتقنية العالية، وتعليمنا لا يزال يراوح في مكانه، وكيف لنا أن نحرق جميع المراحل للقفز إلى حالة اقتصادية غير مألوفة وغير مسبوقة دون أن يكون لها قاعدة علمية.”

هناك صنف ثالث، أرقبه أكثر في الشبكات الاجتماعية، لديه أسئلة محددة، ترمي الشك في وجه أي قرار، يتصيدون به ضعيفي الحجة، فما إن يسمعوا قرارًا لا يتوافق معهم، وغالبًا يكون الاختلاف فكريًا، حتى يباغتوك بسؤال: يعني هذا أهم من الإسكان؟! أين أنتم عن تطوير الصحة؟! وكل هذه الأسئلة مشروعة، لكنها ليست في سياقاتها، لاعتبارات مختلفة:

أولاً: هناك فرق بين الاحتياج للتطوير، ومنح الحقوق. نقول – دائمًا – إن الحقوق لا يستفتى عليها، ولا تقبل الرهان، أو تقع في أسواق المقارنات.. تكون المقارنة عندما تكون الفرص متكافئة، وكل ما سوى ذلك ليس صحيحًا.

ثانيًا: يفترض مراعاة التخصصات والأولويات، والاحتياج المرحلي. أمَّا الاحتياج الدائم والمستمر، فقد يكون مهمًا في مراحل، ويتراجع أو يزداد في أوقات أخرى.

ثالثًا: عند وجود مشكلة في قطاع أو تخصص ما، لا يعني التوقف، وعدم الاستمرار والنمو والتصحيح في قطاعات أخرى.. هذه ثقافة الحروب: إما صلاح كلي، أو خراب كلي!

لن يتوقفوا، حتى 2030 وربَّما بعده، هؤلاء باقون.. يتمددون، لكنهم لا يؤثرون، من يقرأ التاريخ يرى هذه النماذج صاحبت كل الحروب، في مختلف الحضارات، لكنهم غابوا كما لم يكونوا.

شخصيًا، أعتقد بأهمية القرار، لكن زواياه أشمل وأبعد من دخول ملعب وممارسة كرة القدم، الأمر يتعلق بالأهلية والتمكين والثقة والتناغم، والتفاعل كمجتمع صحي ومتحضر. لا يمكن الوقوف هنا، أو النظر للخلف، أو حتى الأمام. يجب أن يكون التطلع للسماء. لا يفترض أن نسير، يجب أن نحلِّق. والسلام

 

مدير عام مركز سمت للدراسات، وكاتب سعودي*

@Amjad_Almunif

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر