حقوق الإنسان والبيئة في اتفاقيات الاستثمار|مركز سمت للدراسات

حماية حقوق الإنسان والبيئة في اتفاقيات الاستثمار الدولية

التاريخ والوقت : الخميس, 12 أغسطس 2021

جيليان مون

 

أُثيرَت منذ فترة طويلة مخاوف بشأن بعض الآثار السلبية على حقوق الإنسان والبيئة المُترتبة على نظام التحكيم الدولي للاستثمار وتسوية المنازعات بين المستثمرين والدول، والتي بموجبها يسعى المستثمرون الأجانب للحصول على تعويض عن انتهاكات الدولة لاتفاقيات الاستثمار الدولية. وإن خبراء حقوق الإنسان قلقون بشكل خاص من الطبيعة غير المتكافئة للنظام وعدم وجود التزامات للمستثمرين في مجال حقوق الإنسان. ومع ارتفاع تكاليف تسوية المنازعات بين المستثمرين والدول وقرارات التحكيم، فإنها تقوض قدرة الدول على إعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية.

الانتقادات لم تذهب سدى، وتجري عملية إصلاح واسعة النطاق من خلال أنظمة هيئة التحكيم واتفاقات استثمار “الجيل الجديد”.

كانت منطقة آسيا والمحيط الهادي مركزًا على هذا النشاط في السنوات الأخيرة. وقد نشأت العديد من الاتفاقيات الإقليمية والمتعددة الأطراف مثل الاتفاقية الشاملة والمتقدمة للشراكة عبر المحيط الهادي، والشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة. وجنبًا إلى جنب مع هذا الزخم من النشاط، كان هناك انخفاض كبير في عدد معاهدات الاستثمار الثنائية في المنطقة، حيث تم إنهاء العشرات من طرف واحد.

ما نشهده هو “تغيير عصري” للأجيال في قانون الاستثمار الدولي الذي يحدث في معظم المناطق على مستوى العالم. وتوفر اتفاقيات الجيل الجديد مثل الاتفاق الشامل والتدريجي لعبور المحيط الهادئ الحماية للمستثمرين الأجانب، ولكنها تفعل ذلك في سياق تنظيمي يشمل بشكل متزايد المعايير البيئية ومعايير العمل والتنمية المستدامة. كما أن لديها صلة مباشرة أكثر بالجهود الدولية في هذه المناطق، مثل عمل اتفاقيات الاستثمار لمجموعة العمل التابعة للأمم المتحدة والمعنية بالأعمال التجارية وحقوق الإنسان.

لكن الاستياء الأكثر تحديدًا يتعلق بحماية المستثمرين في معاهدات الاستثمار الثنائية، بما في ذلك الحماية من “المصادرة غير المباشرة”، وحماية حق المستثمرين في “المعاملة العادلة والمنصفة”. والعديد من النزاعات المبلغ عنها حول حماية المستثمرين في معاهدات الاستثمار الثنائية تضمنت أيضًا حماية حقوق الإنسان والبيئة. ففي قضية شركة تيكميـد ضد المكسيكأُلغيت رخصة دفن النفايات الخطرة، وذلك استجابةً لمخاوف الجمهور بشأن صحة الإنسان وحماية البيئة، واعتُبر ذلك أنه يشكل مصادرة غير مباشرة للملكية. وفي قضية شركة سويز وشركة إنتراغوا ضد الأرجنتين اعتُبر إجراء الحفاظ على حق الإنسان في المياه إخفاقًا في معيار المعاملة العادلة والمنصفة. وفي قضية شركة أبينغوا ضد المكسيك اعتُبر عدم تجديد ترخيص التشغيل في ضوء المخاوف العامة بشأن حقوق السكان الأصليين المحليين وصحتهم بمنزلة مصادرة غير مباشرة للملكية.

توضح النزاعات من هذا النوع سبب تعبير خبراء حقوق الإنسان عن قلقهم من أن قانون الاستثمار الذي تطبقه هيئات التحكيم يمكن أن يقيد سياسة الدولة المضيفة، ويضع قيودًا على قدرة الدول على إعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية.

ما هي الخطوات التي يمكن اتخاذها لحماية هذا الحيز من السياسات؟ بدأت دول قليلة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، بما في ذلك إندونيسيا والهند، في إنهاء بعض معاهدات الاستثمار الثنائية الخاصة بها من جانب واحد. لكن “شروط البقاء” قد تمنح المستثمرين حقوقًا مستمرة في الحماية لفترات طويلة بعد الإنهاء.

يتفاوض عدد صغير على اتفاقيات الجيل الجديد الثنائية، مضيفًا أحكامًا محددة توضح التفسير المشترك للدول لحماية المستثمر. على سبيل المثال، تحدد اتفاقية حماية الاستثمار الفيتنامية لعام 2020 مع الاتحاد الأوروبي، من أجل التوضيح، الإجراءات التي تتخذها الدولة والتي ستصل إلى رفض المعاملة العادلة والمنصفة (المادة 2.2.5).

وأهم من ذلك، أن المزيد من الدول تشارك في مفاوضات الجيل الجديد من الاتفاقيات الإقليمية ذات الأحكام التفسيرية، ويوضح الملحق ب-9 من الاتفاق الشامل والتدريجي للشراكة عبر المحيط الهادئ، على سبيل المثال، أن الإجراءات التنظيمية غير التمييزية من قبل أحد الأطراف والتي تم تصميمها وتطبيقها لحماية أهداف الرفاهية العامة المشروعة، مثل الصحة العامة والسلامة والبيئة، لا تشكل مصادرة غير مباشرة للملكية، إلا في حالات نادرة.

أحد الأمور غير المعروفة بشأن هذه الاستراتيجية هو هل مجرد الإيضاح كافٍ لإلغاء سنوات من المناهج القانونية المتنافسة التي تتبعها المحاكم، حيث يعترف الكثير بالحق السيادي للدولة في التنظيم بطريقة غير تمييزية لغرض عام، لكن يقدمها على أنها تخضع لالتزامات معاهدة الاستثمار الثنائية أو تخضع لاختبار التناسب من حيث “تأثير” إجراء ما على الاستثمار.

يمكن للدول أيضًا أن تستورد الالتزامات القانونية المحلية صراحةً إلى الجيل الجديد من اتفاقيات الاستثمار الخاصة بها. كما يُلزم اتفاق الاستثمار المشترك بين المغرب ونيجيريا المستثمرين بضمان أن استثماراتهم تعمل بطريقة تتسق مع الالتزامات البيئية والتزامات العمل وحقوق الإنسان المُلزمة للبلد الأصلي والدول المضيفة (المادة 18). ويتفق هذا النهج مع مشروع عام 2020 للمعاهدة الملزمة قانونًا والتي يجري تطويرها من قبل مجموعة العمل التابعة للأمم المتحدة والمعنية بالأعمال التجارية وحقوق الإنسان.

هناك شيئان حاسمان إذا أردنا إجراء أي إصلاح حقيقي. أولاً من الضروري أن يتم تصميم عملية الإصلاح على نطاق واسع – وليس بشكل ضيق – على حد تعبير أحد محامي الاستثمار، وثانيًا يجب دراسة نظام معاهدة الاستثمار “ليس بمعزل عن الآخرين، بل لأنه يتقاطع مع ترتيبات الحكم الأوسع نطاقًا ويؤثر فيها.

كما يلزم معالجة مسألة الشفافية. وسيكون من الصعب تحقيق أي إصلاح حقيقي، إذ تتمسك الدول بممارسات السرية الراسخة منذ فترة طويلة، ولا يزال يُسمح لها بالقيام بها بموجب قواعد الأونسيترال للشفافية الأخيرة واتفاقية موريشيوس. وتوفر القواعد التي تحكم مركز تسوية نزاعات الاستثمار الذي تم إنشاؤه، مؤخرًا، في بكين، والذي سينظر في النزاعات الناشئة عن 136 دولة في “مبادرة الحزام والطريق” الصينية، فرصة لجيل جديد من نظام التحكيم الاستثماري. ومن المخيب للآمال، أن القواعد تنص على أن جلسات الاستماع العامة وقرارات التحكيم هي الموقف الافتراضي، في حين أن الأطراف المتنازعة لها الحق الكامل في الاتفاق على خلاف ذلك. ولا يزال هناك الكثير بحاجة للتغيير.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: eastasiaforum

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر