بالنسبة للبعض، فإن التصرفات البسيطة التي تظهر التعاطف مع الآخرين أمر طبيعي وليد اللحظة، لكن الشركات التي تسعى إلى كسب ولاء العملاء على نطاق واسع تعمل على تدريب الموظفين على تلك السلوكيات ومكافأتهم عليها. إلا أن العديد من الشركات بلغت مرحلة تحل فيها التقنية محل التفاعل الوجاهي مع العملاء.
ولهذا السبب تستثمر الشركات الكبرى في قطاعات عديدة، منها التجزئة والاتصالات والخدمات المصرفية والتأمين، لبناء التقنيات وتوفير البيانات وقدرات التحليل التي تلبي توقعات العملاء. وفي خضم العمل الموسع الذي تقوم به تلك الشركات لرقمنة التجربة، فإنها نادراً ما تسأل سؤالًا مهماً للغاية: كيف تعلّم الخوارزميات أن تحب العملاء؟
لا يعني هذا التقليل من أهمية التطورات الجديدة في تحليل البيانات والتقنيات المتقدمة ودورها في تحقيق مستوى غير مسبوق من اللمسة الشخصية والتواصل مع العملاء. إلا أن هذه الفرصة تحمل معها مخاطر جمّة. فبينما تعمل الشركات على بناء عملياتها الرقمية وتصبح أقل اعتماداً على الموظفين في خطوطها الأمامية، فإنها تخاطر بخسارة الروابط البشرية.
وكثيراً ما تفشل المقاييس الرقمية في التعرف إلى الجانب الذي يزعج العملاء، فيما أدت بعض التقنيات إلى استغناء بعض العملاء عن الخدمة أو إثارة استياء عملاء محتملين: ففي بعض الحالات، قامت الحملات التسويقية التي تقوم على تقنيات الذكاء الاصطناعي بإرسال عناصر غير مناسبة للشباب، بينما أظهرت بعض أدوات الذكاء الاصطناعي التي تستخدمها البنوك لاتخاذ القرارات الائتمانية انحيازاً ضد خصائص تتمتع بالحماية، كالعرق أو الجنس.
يتطلع العديد من العملاء للتواصل مع الآخرين في مجالهم، كما أن العدد الكبير من الناس الذين عادوا لزيارة المطاعم والمتاجر في أعقاب الحصول على المطاعيم ضد فيروس كورونا دليل أكيد على أهمية الجانب الاجتماعي عند الشراء. ولهذا فإن عدم بذل جهود واعية تدمج العنصر الإنساني في التجربة الرقمية يعني التوجه إلى عالم تحكمه بدائل تفتقر إلى العفوية والأصالة التي يتمتع بها أفضل موظفي التواصل مع العملاء.
ولا ينبغي أن يسير الأمر بتلك الطريقة، فالشركات التي تدمج أفضل جوانب التجربة التقليدية المركزة على العملاء مع التقنيات الرقمية في هذا الصدد ستتمكن من الدمج بين أفضل المزايا في الجانبين. وبهذا يمكن استحداث تجربة تبهج العملاء بطرق لا تتسنى دون دمج البيانات والعامل البشري معاً. ومن تلك العناصر استخدام البيانات بشكل مكثف لإضفاء اللمسة الشخصية على تجربة العملاء، ووجود نظام محكم للمقترحات والآراء يتمتع بالقدرة على التعلم والتحسن المستمر، وثقافة تضع أولويات العميل في مقدمة أولويات كل قرار يتم اتخاذه، بوجود موظفين يتمتعون بالدافعية والتمكين ويرون في إثراء حياة العملاء أساس الشركة وغايتها.
هناك العديد من التعاملات التي يمكن رقمنتها بشكل يعود بالفائدة على العملاء، إلا أن هناك الكثير من المواقف التي تحتاج إلى لمسة البشرية التي تندمج بشكل سلس مع التقنيات الرقمية.
ولا يوجد قطاع أكثر استعداداً لهذه الفرصة من قطاع الرعاية الصحية، فقد تسارع استخدام الخدمات الصحية عن بعد خلال فترة جائحة «كوفيد- 19»، وأصبحت التفاعلات الرقمية بمثابة قناة معتادة للرعاية.
سيضطلع علماء البيانات والمبرمجون والمصممون بأدوار بالغة الأهمية في تمكين العمل في الخطوط الأمامية الرقمية، لكن الاهتمام بإسعاد العملاء أمر غريب نوعاً ما على الأدوار المرتبطة بالتقنيات بشكل كبير.
ومن المهم للغاية تدريب الموظفين وإيجاد طرق أخرى للحفاظ على التواصل مع العملاء.
وعلى أعلى المستويات، يجب أن يسأل قادة الشركة عن كيفية إدامة اللمسة البشرية ودمجها في تفاعلاتهم مع العملاء، وعن الدور الذي يقوم به الموظفون. ولاتخاذ أولى الخطوات في هذا السياق، لا بد من دراسة عدد من الأسئلة المهمة:
هل تتيح لنا ثقافتنا استخدام التقنيات بشكل يسهّل العمل بما فيه مصلحة عملائنا؟
هل تتمتع منتجاتنا وتجربتنا بالتميز الحقيقي وبالوضوح، سواء تم تقديمها من قبل شخص أو تقنية رقمية؟
هل نعمل على تحديث أنظمتنا للمقترحات والآراء؛ بحيث تتضمن البيانات التشغيلية والمؤشرات الأخرى على المعايير التنافسية؟
كيف يمكننا إزالة الحواجز بين الوظائف الرقمية والتسويق وتجربة العملاء؛ بحيث يمكنها التشارك معاً لتقدم العرض المناسب أو الرسالة المناسبة في كل نقطة من نقاط التواصل مع العملاء؟
ما هي الحالات الدقيقة للاستخدام التي تتطلب التواصل الرقمي أو اللمسة البشرية نختارها أولًا للاختبار والتعلم؟