سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
إسحاق خافيير
أكد مايك بورجيس؛ المدير العام لجهاز الاستخبارات الأمني الأسترالي، في شهادته في أبريل 2021، أن خطر وقوع هجوم إرهابي في الأشهر الاثني عشر المقبلة لا يزال محتملًا. وأشار بورجيس خلال مثوله أمام لجنة تقديرات مجلس الشيوخ إلى أن التنظيمات الإرهابية تعكف باستمرار على تغيير تكتيكاتها واستراتيجياتها حتى لا تصبح عُرضة للخطر.
لذا، يواجه مسؤولو مكافحة الإرهاب العديد من العقبات في التعامل مع هذه التهديد. أولًا، فيما يتعلق بالبيانات، هناك إما نقص في البيانات أو تخمة في البيانات الخام، التي لا يمكن تحليلها بشكل صحيح. ثانيًا، ظهور ما يعرف بالذئاب المنفردة أضاف طبقة إضافية من التعقيد إلى هذه المسألة، وبالتالي عقّد العملية التي كانت تعتبر تنبؤية في السابق. وهناك أيضًا قضايا الرضا عن الذات، وعدم القدرة على الوصول إلى ما يدور في عقل الإرهابيين، وعدم التفكير خارج الصندوق عندما يتعلق الأمر بسياسات مكافحة الإرهاب.
خلال فترتي السبعينيات والثمانينيات، صكَّت الباحثة البارزة في مجال الإرهاب البروفيسورة مارثا كرينشو مفهوم الإرهاب الثوري، وأسبابه، وكيفية تراجعه. وقد دفعها هذا العمل أيضًا إلى دراسة الأسباب التي تدفع الإرهابيين إلى الابتكار، التي عرّفتها بأنها “أنماط سلوك جديدة”. وحددت كرينشو ثلاثة أنواع من الابتكار الإرهابي: الاستراتيجي، والتنظيمي، والتكتيكي. الأول يشير إلى التغيرات في التفكير الاستراتيجي وتوقعات المجموعات، فيما يشير الابتكار التنظيمي إلى التغيرات الداخلية داخل المجموعة، أما الابتكار التكتيكي فينطوي على اعتماد معدات أو أدوات جديدة. غير أن كرينشو لم تضع في دراستها هذه مصفوفات لتقييم التغيرات أو تحديد أحداث أو أسباب محددة تدفع الجماعات الإرهابية لمثل هذه الابتكارات.
دور التكنولوجيا
سعى آدم دولنيك، أستاذ دراسات الإرهاب في جامعة ولونجونج، إلى معالجة هذه الفجوة في دراسته لعام 2015. واكتشف أن الجماعات الإرهابية هي جماعات تدرجيّة وليست ثورية، ذلك أنها تختار تكييف التكنولوجيا وفقًا لأهدافها الاستراتيجية والتنظيمية والتكتيكية. غير أن أبحاث كرينشو ودولنيك المهمة لم تأخذ في الاعتبار دور “الذئاب المنفردة” التي تنفذ هجمات إرهابية، ولا الدور الذي لعبته الشبكات والفروع في المشهد الإرهابي. ومع ذلك، أدركت هذه الأبحاث دور التكنولوجيا، إذ لم تنظر إليها كأداة ثورية فحسب، بل أيضًا على أنها شيء يستخدمه المتطرفون لاستكمال التكتيكات التقليدية. وهذا هو السبب في أن باحثين مثل دولنيك، وجاري أكرمان خلصوا في وقتٍ لاحق، إلى أنه في حين أن الجماعات الإرهابية قد تكون مبتكرة في كيفية تطبيقها للتكنولوجيا، فإن تفكيرها وأفعالها محدودة النطاق، ومن ثم تفتقر إلى ما يمكن أن يصفه البعض بـ “الإبداع الخبيث“.
تجدر الإشارة إلى أن الدين هو المحرّك الأساسي للجماعات الإرهابية التي تنتمي للموجة الرابعة، ما يجعلها أكثر تقبلًا لشن هجمات توقع أعدادًا كبيرة من الضحايا في سعيها إلى إحداث تغيير ثوري. أفراد هذه الجماعات -على عكس الفوضويين أو المناهضين للاستعمار أو اليسار الجدي- محاربون كونيون يعتنقون مفهوم المسيحية “الكارثية” التي تدعو إلى معركة حاسمة بين “الخير والشر”. يرى المحاربون الكونيون العالم من خلال عدسة جامدة من الملعونين (غير المستنيرين) والمنقذين (المستنيرين)، رافضين أي حل وسط لأنه يعني ببساطة في نظرهم “قبول الشيطان ورفض الخلاص”. وتسعى هذه الجماعات إلى الدمار الشامل اعتقادًا منها أنه سيجلب الخلاص المنشود.
لقد أضحتِ التكنولوجيا عاملًا حاسمًا عند دراسة المحاربين الكونيين وابتكاراتهم. فهي تحمل إمكانات المعركة الحاسمة التي يريدونها، وتمنحهم القدرة المحددة لاستكشاف أسلحة وأدوات وأفكار جديدة ونشر “رسالتهم” دون مغادرة غرفة نومهم. على سبيل المثال، تمكّن الإرهابي النرويجي اليميني أندريس بريفيك من إرسال ملخص رسائله الذي ضم 1,500صفحة إلى أكثر من 8,000 شخص عبر الإنترنت قبل أن يشرع في هجماته الإرهابية. كان من الصعب القيام بشيء من هذا القبيل قبل ظهور الإنترنت. على سبيل المثال، في عام 1978، اضطر الإرهابي الأمريكي تيد كازينسكي، الذي أصبح يعرف فيما بعد باسم “مُفجّر الجامعات والطائرات”، إلى إرسال “بيانه” إلى دور نشر المطبوعات التقليدية، وكان الأمر متروكًا لهم تمامًا فيما إذا كانوا سينشرون الوثيقة أم لا.
الحصول على المعلومات والتدريب
من المؤكد أن التكنولوجيا سهّلت نقل المعرفة، ومن ثم أصبح بإمكان الإرهابيين أن يتعلموا ويقلدوا الهجمات الأخرى التي يتم بثها بسهولة أكبر. وفي حين أن برينتون تارانت- الإرهابي الأسترالي الذي قتل 51 مصليًا مسلمًا بالرصاص في كرايستشيرش، نيوزيلندا- كان أول من بثّ هجومًا إرهابيًا، فإنه لم يكن أول من بث على الهواء مباشرة عملًا وحشيًا. ففي عام 2015، أطلق فيستر لي فلانجان، أمريكي الجنسية، النار على أليسون باركر وآدم وأرداهما قتيلين خلال بثٍّ مباشر. وقبل أن يطلق النار على نفسه، حمّل فلانجان، الذي كان عاملًا ساخطًا، مقطع فيديو للحادث وأرسل وثيقة من 23 صفحة تشرح ما قام به. وبعد أشهر عدة، طعن فرنسي، ادّعى ولاءه لتنظيم داعش، بوحشية، ضابطين في الشرطة الفرنسية. وصوّر عبدالله العروسي الهجوم ونشره لاحقًا على فيسبوك. في حين لا يوجد دليل على أن العروسي كان على علم بهجوم فلانجان الذي بثّ على الهواء، فمنذ عام 2015، كانت هناك حالات عدة لأفراد (محمد مراح، مهدي نعموش، أميدي كوليبالي، إليوت رودجر) سجلوا فيها هجماتهم الإرهابية بالفيديو.
كما مكّنتِ التكنولوجيا الأفراد من الحصول على التدريب. فقد اعترف بريفيك، خلال محاكمته، أنه استخدم لعبة “نداء الواجب: الحرب الحديثة” كأداة “للتدريب”. وأشار إلى أن ألعاب الفيديو تقدم العديد من المهام والتحديات للاعبين، ما يساعد في إعدادهم لشنِّ هجمات فعليّة. ومن جانبه، اعترف تارانت بممارسة لعبتي “فورتنايت” و”سبايرو ذا دراجون”.
تفادي الاكتشاف
خلال السنوات القليلة الماضية، شهدت التنظيمات الإرهابية تطوراتٍ ملموسة. وقد أدّت التدابير الفعالة لمكافحة الإرهاب إلى ظهور فروع وأطراف فاعلة منفردة أقل ارتباطًا بهيكل تنظيمي جامد -يمكن القول إن هذا أمر مفيد لفروعها التي قد تفضل أن تعمل كجهات شبه مستقلة أو مستقلة- ما يسمح لها بتجربة تكتيكاتٍ وأدواتٍ جديدة. وقد أوضح بريفيك في رسائله أنه اختار أن يكون فاعلًا منفردًا لأنه رأى أن الحصول على مساعدةٍ من الآخرين لتصنيع متفجرات بدائية الصنع سيزيد من احتمال اكتشافه من قبل الأجهزة الأمنية. وهذا يؤكد حنكته وحرصه على تنفيذ هجماته، حيث بحث عن طرق للتدرب، وتجنب الاكتشاف، وتقليل مخاوفه.
وهكذا، تجسّد قضية بريفيك أسباب تطلُّع المتطرفين إلى الابتكار كونهم يدركون أنهم إذا ما أرادوا تنفيذ أعمالهم العنيفة، فإنهم لا يحتاجون فقط إلى إعداد أنفسهم، بل عليهم أيضًا أن يجدوا سبلًا لتجنب اكتشافهم. ويمكن القول إن الميزات التي منحتها التكنولوجيا لبريفيك، إلى جانب طبيعة الهجوم الذي نفّذه، هي السبب في أن المتطرفين اليمينيين الروس، وبرينتون تارانت، وكريستوفر حسون، وديفيد سونبولي، وغيرهم، قد أشادوا به كبطل.
الخلاصة
عند التفكير في مكافحة الإرهاب، من الأهمية بمكان أن نتذكر أنه في حين أقرت لجنة 11 سبتمبر بوقوع العديد من الأخطاء قبل تلك الهجمات، فقد أكدت أيضًا أن أحد أوجه القصور الرئيسة هو “فشل الخيال”. وأشارت إلى أن وكالات الاستخبارات والأمن كانت تمارس “التفكير الخطي التقاربي” وتفتقر إلى “التفكير التبايني”، وبالتالي، أخفقت في استنتاج صلاتٍ مهمة بين الأفراد والأحداث.
لمجابهة هذه التهديدات بشكل صحيح، يجب تطوير سياسات مكافحة الإرهاب، واستكشاف أساليب الإبداع الخبيث. وإذا أردنا أن نواصل استباق المتطرفين العنيفين، يجب أن نعالج تحيزاتنا المعرفية وأن نفهم أن المتطرفين يبحثون باستمرار عن طرق جديدة لتنفيذ أجنداتهم. وعلى الرغم من أننا نواجه انقطاعًا في وتيرة الهجمات التي تستهدف إيقاع عددٍ كبير من الضحايا، هناك جيل جديد من الإرهابيين ينتظرون أن يصنعوا لأنفسهم اسمًا.
المصدر: كيو بوست
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر