تنظيم حزب الله الإرهابي | مركز سمت للدراسات

كيف أوصل حزب الله لبنان إلى حافة الانهيار؟

التاريخ والوقت : الخميس, 8 يوليو 2021

إسماعيل حسن

 

منذ بضع سنوات يعاني لبنان أزمة سياسية لا تسمح له بتشكيل حكومة جديدة، لكن تضاف إلى هذه الأزمة أزمة اقتصادية دفعت الدولة إلى الانهيار والإفلاس التام، في البداية انهارت البنوك وأغلقت أبوابها تاركةً اللبنانيين بلا أموال نقدية، بعد ذلك أفرغت محلات الغذاء وبدأت المستشفيات تسرّح المرضى، والآن بدأ الجيش اللبناني أيضاً بحملة طوارئ كي يتمكّن من تأمين الغذاء والعتاد الشخصي لجنوده.

وهناك أسباب إضافية للأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان، كالفساد في الطبقة الحاكمة وقيادة الأحزاب والطوائف، بما فيهما قادة حزب الله الذين أفرغوا الصندوق العام للدولة، ويمكن القول إنّ حسن نصر الله يتمنى، وليس من اليوم، انهيار النظام السياسي في لبنان الذي يعتمد على مفتاح طائفي، وهذا النظام يحفظ المناصب الأساس للدولة، الرئيس ورئيس الوزراء، في أيدي مندوبين من الطائفتين المارونية المسيحية والطائفة السنية، يؤمن زعيم حزب الله بأنّه حان الوقت لتحتل الطائفة الشيعية المكان المناسب لها في قيادة الدولة، بصفته صاحب القوة العسكرية القوية، ويمكنه أن يصمّم وجه لبنان الجديد كما يشاء، وذلك لتحقيق أهدافه.

خلال الأسبوع الماضي، خرجت مظاهرات غاضبة في كافة شوارع بيروت، حاولت اقتحام فروع البنك المركزي في عدة مدن، احتجاجاً على نقص الأدوية والوقود والمنتجات الأساسية، أما الجيش الذي يواصل أداء مهامه بمعجزة، رغم المسّ بأجر جنوده، فقد نجح في صدّ المتظاهرين، لبنان ينهار دون أيّة حلول تلوح في الأفق.

يدّعي البنك الدولي بأنّه في المئة والخمسين سنة الأخيرة لم تشهد الدولة أزمة اقتصادية أشدّ من هذه، فسعر الدولار تحطّم بشكل غير مسبوق ووزير المالية يحذّر من ظلام دامس سيعمّ الدولة إذا لم يتبقَّ ما يكفي من السولار لتشغيل محطة توليد الطاقة، والهجوم على محطات الوقود يشهد تنازعاً بين السائقين، وأحياناً يطلقون النار كي يحتلوا مكاناً في الطابور الذي لا ينتهي، لبنان يقف الآن على مفترق طرق باستثناء حزب الله، كما أنّ سائر الطوائف الدينية ليست مؤهلة للمواجهة إلا إذا عادت إلى تشكيل ميليشيات مسلحة للدفاع عن طوائفها، وهذا ما يطلقون عليه اسم الحرب الأهلية.

الحكومة مشلولة، وليس هناك من حلّ في الأفق، المواطنون استسلموا من شدة اليأس وفي حال إنهاء العقوبات الأمريكية على إيران فسوف تتدفق الأموال على حزب الله، الجيش الذي يشكّل، حتى هذه اللحظة المرساة الوحيدة لمنع الانهيار الكامل للدولة، يعمل ضمن ظروف صعبة، ومستقبله كجسم موحد ليس واضحاً، لن يصاب نصر الله بالأسى إذا اختفى النظام الحالي بسبب الفساد والوضع الاقتصادي والتوترات السياسية، بينما انهيار النظام القائم سوف يمكّن نصر الله من المطالبة بجزء أكبر من الكعكة اللبنانية، في مواجهة القسمة القائمة حالياً بين الطوائف السنية والمسيحية، سوف يطالب بقسمة بين المسيحيين والسنّة والشيعة. السنّة والمسيحيون هم ركيزة الاقتصاد في لبنان، لذلك فإنّ الانهيار الاقتصادي سوف يشكّل ضربة للطائفتين ويضعفهما في مواجهة الطائفة الشيعية.

في الشهر الماضي، قرّر الجيش تقليص وجبات اللحوم للجنود، وأما الرواتب القليلة في الأصل فتم تقليصها، وأكثر من ثلاثة آلاف جندي تركوا الخدمة العسكرية في بداية السنة؛ لأنّهم لا يتمكنون من إعالة عائلاتهم، والضباط لا يواصلون خدماتهم الدائمة، والمتقاعدون العسكريون اضطروا إلى البحث عن وظيفة جديدة، لأنّ راتب التقاعد لم يعد كافياً لاحتياجاتهم.

في خطاب أمام الضباط أعلن قائد الجيش اللبناني جوزيف عون أنّ الجنود يعانون وجائعون مثل كلّ المواطنين في لبنان، وفي توجه غير مسؤول انتقد القيادة السياسية في لبنان، وتعهّد الرئيسان، الفرنسي والإيطالي، بالتبرع بعشرات الدولارات للجيش اللبناني، بعد قائمة الطلبات التي قدمها قائد الجيش اللبناني لنظيره الفرنسي، حيث طلب عون ضمن قائمة الاحتياجات التي تقدم بها، الدعم بالحليب والطحين وقطع غيار لمعدات عسكرية.

وفي أعقاب مناشدات عون عقِد مؤتمر بمبادرة من الرئيس الفرنسي والرئيس الإيطالي، وبمشاركة ممثلين من الدول المانحة، وتمّ التعهد بالتبرع بعشرات ملايين الدولارات للجيش اللبناني، هذا التبرع لا يشكل أيّ نوع من المساعدة لحكومة لبنان أو إعادة تأهيل اقتصادها، بل هو مساعدة مباشرة للجيش الذي وصل إلى شفا الجوع، وتحاول فرنسا أيضاً إلى جانب أمريكا التدخل بشكل مباشر لإنقاذ الوضع، من خلال تقديم مساعدات مالية ضخمة والضغط والإشراف على إقامة حكومة الحريري دون تأخير، وتقوية الطوائف الأخرى والحدّ من النشاط الإيراني عبر الاتفاق النووي، بما في ذلك الأسلحة الدقيقة التي لدى حزب الله، وإتاحة وجود عسكري أمريكي وفرنسي مشترك في مواجهة شواطئ لبنان لمنع خطط إيران وحزب الله، والهدف من هذه الخطوة إنقاذ لبنان من الانهيار الكامل عبر التدخل المباشر، وعلى إسرائيل أن تعمل على تنسيق مواقفها مع الحكومة الأمريكية، وتحدّد لها الخطوط الحمراء في المواضيع التي تمسّ الأمن الإسرائيلي.

حزب الله يعدّ شريكاً في هذه المواجهة، وواضح أنّه لا يساعد في الخروج من الطريق المسدود؛ بل يلعب لعبة مزدوجة تخدم أهدافه، ومن جهة يبثّ بأنّه لا يسعى إلى حرب أهلية من شأنها أن تنشب في كلّ لحظة إذا ما احتدمت الضائقة، بل ويأمر رجاله بالحفاظ على ضبط النفس، وألا ينجروا إلى استفزازات في الشوارع، ومن جهة أخرى لا يحرّك نصر الله ساكناً كي يساعد في حلّ الأزمة، كما أنّه لا يحاول الضغط على حليفيه، الرئيس عون وصهره باسيل، لإيجاد حلّ وسط.

كثير من اللبنانيين يلقون على حزب الله مسؤولية الوضع الصعب الذي وصلت إليه الدولة، فهو يمسك بمفتاح كلّ ما يجري في لبنان منذ أكثر من عقدين، وهو الذين جرّه أيضاً إلى حلف مشكوك فيه مع إيران ومع بشار الأسد، الذين زودوا تنظيمه بالصواريخ، لكنّه جرّ لبنان إلى مواجهة مع دول الخليج والدول الغربية التي كانت تصل منهم مساعدة مالية في الماضي، كما أنّ أبناء الطائفة الشيعية من مؤيدي نصر الله يطالبونه بحلّ لأزماتهم، وفي كلّ هذا هناك ما يقيّد قدرة المنظمة على المناورة وإلزامها بمواصلة الحفاظ على الهدوء على طول الحدود مع إسرائيل.

في الشرق الأوسط عندما يقف حاكم ما أمام أزمة اقتصادية، فإنّه لا يتنازل أبداً عن مواصلة الاستثمار في بناء جيشه؛ لأنّه متعلق به لضمان سلامته، فالحكّام والأنظمة في الشرق الأوسط ليسوا مستعدين للتخلي عن الأحلام وعن الأيديولوجيات من أجل أن يحلوا أزمات اقتصادية، هكذا يتصرف النظام الإيراني وقيادات حماس الذين يواصلون استثمار أموالهم في الصراع ضدّ إسرائيل، وليس في تحسين الظروف المعيشة لأبناء شعبهم، وحزب الله استثمر هو الآخر في العقد الأخير مئات ملايين الدولارات في حرب سوريا، حيث قتل وجرح الآلاف من مقاتليه، ولاحقاً استثمر مئات ملايين الدولارات في مشروع الأنفاق للتسلل إلى الأراضي الإسرائيلية، والتي كشفها وفجّرها الجيش الإسرائيلي قبل نحو ثلاث سنوات، والآن يستثمر حزب الله مئات ملايين الدولارات في مشروع الدقة الذي يستهدف زيادة ترسانة الصواريخ الدقيقة تحت تصرفه، ويضرب بها أماكن حساسة داخل إسرائيل.

لقد تحوّل حزب الله إلى منظمة سياسية من خلال الوساطة الإيرانية، وبمساعدة إيران تمكّن الحزب من السيطرة بشكل متدرج على الحياة السياسية في لبنان، كما حاز على مخزون سلاح يعتزّ به أيّ جيش نظامي اليوم، والآن لا توجد قوة سياسية أو عسكرية في لبنان تستطيع مواجهة حزب الله، بما في ذلك الجيش اللبناني، لذلك فإنّ الأزمة الخطيرة التي يمرّ بها لبنان حالياً تقرّب نصر الله من تحقيق تطلعاته حول مستقبل الدولة، والتي كانت تلقّب فيما مضى بسويسرا الشرق الأوسط.

 نشاهد أزمة طائفية وسياسية وأيديولوجية وإستراتيجية عالقة، وإذا لم تتشكل قوة سياسية واقتصادية، وحتى عسكرية، قادرة على مواجهة حزب الله، فمن المحتمل أن يتفكّك النمط الطائفي الذي ساد لبنان منذ استقلاله، كما أنّ الحزب عارض بشدة الخضوع لمطالب صندوق النقد الدولي لتنفيذ إصلاحات شاملة في لبنان كشرط للمساعدة الاقتصادية، كونه جسماً يسيطر عليه الغرب.

ولهذا اقترح خلال الأسبوع الماضي أن تزوّد إيران كبادرة صداقة النفط للبنان مقابل الدفع بالعملة المحلية فقط، ورفض خصوم نصر الله في لبنان حالياً هذا الاقتراح رغم الوضع الصعب، لكنّه لم يقل بعد الكلمة الأخيرة، وفي مقابل كلّ ذلك يجمع سياسيون لبنانيون مستقلون على أنّ الحلّ يكمن بتشكيل حكومة مؤهلة، يمكنها أن تتسلم أموال المساعدات والقروض والمنح بالمليارات، هذه الأموال تنتظر قيادة سليمة ومسؤولة يمكنها إدارة هذه الأموال وإجراء إصلاحات حيوية، ولكن لا يبدو أنّ وقت القيادة في لبنان يتسارع في هذه الأثناء نحو ذلك، لأنّ لا أحداً قادر في ظلّ هذه الأزمة على إحداث أيّ اختراق أو تقدّم ملموس، والمتسبّب بتفاقم الوضع الصعب هو الشلل السياسي الذي ألمّ بالدولة منذ الصيف الماضي.

استقالت حكومة لبنان بعد انفجار ميناء بيروت، أما محاولة إقامة حكومة جديدة فلم تنجح حتى الآن؛ بسبب جدال متواصل بين رئيس الوزراء المرشح، سعد الحريري، والرئيس ميشيل عون وصهره ورئيس الكتلة المسيحية جبران باسيل، حول تشكيلة الحكومة، واستغلال حزب الله هذه الأزمة في محاولة للبحث عن دور سياسي ثمين للطائفة الشيعية، وفي نهاية المطاف سيأتي الشخص المناسب لاحقاً وينقذ الدولة من الانهيار.

المصدر: حفريات

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر