سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تشن غانغ- جامعة سنغافورة الوطنية
يُمثل تغير المناخ تحديًا خطيرًا للحوكمة العالمية وبقاء الإنسان، ومع ذلك ونظرًا للتكلفة الباهظة للحدِّ من انبعاثات الكربون، فقد أظهرت قوى قليلة قيادة سياسية واقتصادية حتى وقت قريب، عندما أعلن عدد من الدول عن انبعاثات الكربون الرئيسية – الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية – عن تعهدهم بالحياد الكربوني، وقد التزم الاتحاد الأوروبي في البداية بالحياد الكربوني، وهو ما قد يحفز الآخرين على أن يحذوا حذوه.
تعتبر الصين أكبر مصدر لانبعاثات الكربون في العالم، فهي تتسبب في حوالي 28% من الانبعاثات العالمية، وقد كانت بكين في وضع دفاعي منذ “مؤتمر كوبنهاغن” المَعني بالمناخ لعام 2009، حينما تعرضت لتدقيق دولي متزايد، وضغوط بسبب انبعاثات غازات الاحتباس الحراري السريعة النمو، ولقد استخدمت الصين والولايات المتحدة – ثاني أكبر مصدر للانبعاثات في العالم – تقاعس الطرف الآخر منذ فترة طويلة، كذريعة لعدم وضع حد لانبعاثات الكربون المحلية. ولكن منذ وصول الرئيس “شي جين بينغ” إلى السلطة – بسبب إلحاح أزمة المناخ العالمية ووضع حد للتلوث المحلي في الصين – بدأت البلاد في التفكير في التزامات التخفيف الصارمة، وسعت إلى التعاون مع الولايات المتحدة.
في مؤتمر باريس المَعني بالمناخ لعام 2015، تعهدت الصين بأن تصل انبعاثاتها إلى ذروتها بحلول عام 2030، متجاوزة إصرارها على مدى عقد من الزمان، على مبدأ “مسؤوليات مشتركة ولكن متباينة”، التي تستخدمها الصين والعديد من الدول النامية، للمساومة على الإعفاءات من التزامات الحد من الانبعاثات الكمية. وقد زار الرئيس “شي” الولايات المتحدة في سبتمبر 2015، ووقع بيانًا مشتركًا بشأن تغير المناخ مع الرئيس الأميركي – آنذاك – “باراك أوباما”، للتوصل إلى توافق في الآراء قبل الذهاب إلى باريس. توقف هذا التعاون بسبب قمع إدارة “ترمب” لعلوم المناخ والتخلي عن العمل المناخي.
وفي عام 2021 استأنف “شي” التعاون المناخي بحضور مؤتمر افتراضي، مَعني بالتغير المناخي بضيافة الرئيس الأميركي “جو بايدن”، بعد أن التقى المبعوث الرئاسي الأميركي الخاص للمناخ “جون كيري” نظيره الصيني “شي جينهوا” في شنغهاي، وقد يفتح هذا التعاون حوارًا ثنائيًا لصياغة إجراءات ملموسة بين البلدين، مما يبشر بالخير لمؤتمر قمة الأمم المتحدة المعني بالمناخ في نوفمبر 2021 في غلاسكو.
ومع ارتفاع الانبعاثات، لا تزال الصين غير مستعدة لتولي قيادة المناخ العالمي، ومع ذلك فإن كبار القادة ينظرون إلى تعهدات الصين رفيعة المستوى، على أنها أداة فعالة لإثبات أن للصين “السلطة المسؤولة” التي قد تتولى يومًا ما القيادة العالمية. وقد دعا الرئيس “شي” – أقوى زعيم صيني منذ “ماو تسي تونغ” – الصين إلى “قيادة إصلاح نظام الحوكمة العالمي”، وتحويل المؤسسات والمعايير بطرق تعكس قيم بكين وأولوياتها. وكذلك تدرك الصين أن قبولها للمعايير البيئية الدولية، ودعمها لاتفاقية باريس، يمكن أن يعزز من قوتها الناعمة.
ويُعتبر تعاون الصين في مجال المناخ، مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والقوى الأخرى، أمرًا ضروريًا للبلاد لتحسين صورتها، وربما السعي وراء النفوذ أو القيادة الدولية على المدى الطويل.
لا تقدم الصين أي التزامات للتخفيف من مشاركتها مع البلدان النامية، في منطقة المحيطين الهندي والهادئ أو أي مكانٍ آخر، كما أنها لا تحاول الضغط على الدول النامية الأخرى، ودفعها نحو الالتزام بالحياد الكربوني.
إن بطاقة الصين الأبرز لدبلوماسية العالم الثالث، هي “مبادرة الحزام والطريق” التي تؤكد على بناء البنية التحتية على نطاق واسع بغرض التعاون المالي وتسهيل التجارة. وعندما يتم دمج “مبادرة الحزام والطريق” مع جهود الصين المناخية، سيتم توجيه المزيد من الاستثمار نحو البنية التحتية المتعلقة بالتكيف مع تغير المناخ والتخفيف من حدته، بما في ذلك مرافق إمدادات المياه والصحة العامة، وحماية السواحل وتوليد الطاقة المتجددة.
بسبب المخاوف بشأن انبعاثاتها المتزايدة وهيكل الطاقة الذي يهيمن عليه الفحم، يشك الكثيرون في قدرة الصين على أن تكون قائدة المناخ في العالم، لكن الصين أخذت زمام المبادرة تدريجيًا في تطوير الطاقات المتجددة وفي تجارة الكربون. كما تُعتبر الصين رائدة في مجال توليد الطاقة المتجددة العالمية وفي تصنيع المعدات ذات الصلة، حيث ارتفعت حصتها من إنتاج توربينات الرياح العالمية، ومن تصنيع الألواح الشمسية إلى 45% و72% على التوالي.
وفي الفترة من 2010 إلى 2020 زادت قدرة الرياح المركبة في الصين لتسعة أضعاف – من 31 إلى 280 جيجاوات – في حين توسعت الطاقة الشمسية من 2015 إلى 2020 لستة أضعاف – من 42 إلى 250 جيجاوات – وانخفضت تكاليف تخزين الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والبطاريات بشكلٍ ملحوظ منذ العام 2010. ومن المتوقع أن تستمر في الانخفاض بالمستقبل القريب، لذلك من الواقعي أن تُواصل الصين استبدال محطات الطاقة التي تعمل بالفحم بمشاريع الطاقة المتجددة على نطاق واسع. وتشجع استراتيجية “مبادرة الحزام والطريق” الشركات الصينية، على إقامة مرافق للطاقة المتجددة في العالم النامي.
ومن المتوقع أن تنفق الصين بسخاء أكبر على البحث والتطوير في مجال الطاقة النظيفة والتكنولوجيا الخضراء الأخرى في المستقبل. وتشير التقديرات إلى أن خطة الدولة للحياد الكربوني، تتطلب استثمارات بنحو 15 تريليون دولار أميركي على مدار الثلاثين عامًا القادمة.
اكتسبت الصين عبر السنين خبرة وإيرادات هائلة من خلال المشاركة في آلية التنمية النظيفة، وهي خطة “تداول انبعاثات” تابعة للأمم المتحدة، تسمح لدولة صناعية لديها التزام بالحدِّ من الانبعاثات بموجب بروتوكول “كيوتو” بتنفيذ مشروع للحدِّ من الانبعاثات في الدول النامية.
بالإضافة إلى ذلك، إطلاق الصين سوقًا لتجارة الكربون على مستوى البلاد في شنغهاي بحلول يونيو 2021. وسوف يساعد ذلك الصين على لعب دور رائد في تجارة الكربون العالمية وتمويلها، كجزء لا غنى عنه في سعيها لقيادة المناخ العالمي. وعلى المدى الطويل قد ترحب الصين باللاعبين الأجانب بما في ذلك الولايات المتحدة وأوروبا، لتبادل أرصدة الحدِّ من انبعاثات الكربون على هذه المنصة.
فمنذ وقت طويل استخدمت القوى الكبرى، تقاعس الآخرين كذريعة لعدم وضع حد لانبعاثاتها المحلية. أمَّا اليوم وفي إطار السعي وراء النفوذ والقيادة العالميين، فإن القوى العظمى تطرح أهداف التخفيف التي فرضتها على نفسها، لإظهار المسؤولية الدولية والقوة الناعمة. فمن ناحية ستستمر الصين والدول الغربية في التنافس على قطاعات التكنولوجيا الخضراء المتجددة وغيرها، ومن ناحية أخرى فقد يتعين عليهم التعاون، أو على الأقل التوصل إلى توافق في الآراء بشأن ضرورات التخفيف والتكيف الرئيسية، للسيطرة على الانبعاثات وإنقاذ الكوكب.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: eastasiaforum
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر