داعش في موزمبيق إفريقيا | مركز سمت للدراسات

“داعش” في موزمبيق ومستقبل إفريقيا كمحرك للنمو العالمي!

التاريخ والوقت : الثلاثاء, 6 يوليو 2021

إميلي ستيل

 

ربما تظن أن “داعش” قد انتهى، لكنه على أرض الواقع يثبِّت أقدامه مجدداً بتشكيل أحدث فروعه في جنوب إفريقيا؛ وينتزع الأخضر واليابس من الأرواح وسبل الرزق على طول طريقه.

ففي إبريل الماضي، انسحبت شركة النفط الفرنسية العملاقة “توتال” من موزمبيق، بإعلانها وجود قوة قاهرة تعيق مشروع غاز طبيعي مُسال بقيمة 20 مليار دولار -كان أضخم استثمار خاص في إفريقيا- حيث سحبت الشركة موظفيها من أحد مواقع المشروع في أقصى شمال محافظة كابو ديلجادو، بعد أن اجتاحت جماعة مسلحة تابعة لـ”داعش” بلدة قريبة، في مارس.

غير أن الخسائر البشرية أيضاً تقلل من وطأة هذه الخسائر المالية الجسيمة؛ حيث أسفرت أعمال العنف في موزمبيق منذ عام 2017 عن مقتل أكثر من 2500 مدني. بينما قفز عدد النازحين داخل البلاد ليصل إلى عشرة أضعاف، من 70 ألف شخص عام 2020 إلى 700 ألف شخص عام 2021، والزيادة مستمرة؛ حيث تحول الصراع إلى وحشية تزداد تصاعداً، مع ورود تقارير متواترة عن حوادث قطع الرؤوس والاغتصاب.

وتمثل هذه المشاهد انتكاسة حادة في بلدٍ كان يأمل أن تكون سنوات صراعه قد ولت. فقد وقَّعت حكومة موزمبيق اتفاقية سلام مع المتمردين عام 2019؛ وهي آخر محاولاتها لوقف أعمال العنف المتقطعة التي استمرت منذ عام 1992، تزامناً مع نهاية الحرب الأهلية في البلاد. بينما يراهن الحزب الحاكم بقوة على الغاز الطبيعي باعتباره بوابة موزمبيق إلى الرخاء. لكن على العكس تماماً، تأجل إنتاج الحصة الأكبر من الغاز الطبيعي على النحو المخطط له، وربما بشكل دائم.

بينما يزيد نزاع كابو ديلجادو من اتساع الانقسامات بين صفوف جيش موزمبيق وشرطتها. وأصبحت خطط التدخل الإقليمي غارقة في التنافس؛ فكيف انتهى الأمر بموزمبيق على هذه الحال؟

إن جذور الصراع الدائر في كابو ديلجادو استثنائية من بعض النواحي؛ لكن هذه الجماعات المسلحة أيضاً تكرر نمطاً طالما كان موجوداً في جميع أنحاء إفريقيا، حيث تعمل الجماعات السلفية الجهادية -“القاعدة” و”داعش” ونظيراتهما- على تحويل الصراعات المحلية إلى منصات إطلاق حركة عالمية.

انقسامات عرقية وإقصاء سياسي

بينما يضرب الصراع في كابو ديلجادو بجذوره في الظروف الاجتماعية والاقتصادية المحلية؛ فشمال موزمبيق موطن عدد كبير من الأقلية المسلمة في البلاد، التي طال تهميشها في ما يخص السلطة السياسية الوطنية، وكذلك تُغذي الانقسامات العرقية واللغوية ديناميكية الإقصاء السياسي. وأدى الفساد المستشري، وسلسلة الاضطرابات الاقتصادية -سواء الطبيعية أو التي تسبب فيها البشر- إلى زيادة حدة التوترات الاجتماعية.

وكان ذلك من نتائج صراع الأجيال والأيديولوجيات داخل المجتمع الإسلامي في شمال موزمبيق، وهو ما أدى إلى ظهور الحركة الدينية التي استفحلت لتتحول إلى الجماعات المسلحة المتطرفة في يومنا الحالي. لكن الأسباب المحلية وحدها لا تفسر استفحال الجماعات المسلحة، فقد لعبت التأثيرات الخارجية؛ لا سيما التعليم الوهابي الممول من الخارج، دوراً في تأجيج الفتنة الدينية والسخط الاقتصادي بين الشباب.

وقد أُرسل بالفعل العديد من المقاتلين الموزمبيقيين إلى شبكاتٍ سلفية جهادية موجودة مسبقاً في شرق إفريقيا، والتي أرسلت بدورها أعضاءً إلى دولٍ أخرى بغرض التدريب. ومن جانب آخر، هيأ نمو الاستثمارات الخارجية في كابو ديلجادو الظروف المواتية للاضطرابات؛ حيث لم تتحقق آمال المجتمعات المحلية العريضة في ما يخص الدخل والوظائف. وتأججت أعمال العنف المتصاعدة في عام 2017 بين الحركة الدينية وقوات الأمن لتتحول إلى تمرد متكامل الأركان؛ وهو ما يتطابق مع بدايات جماعة بوكو حرام في نيجيريا.

وحسنت الجماعات المسلحة قدراتها القتالية سريعاً، لا سيما في عام 2020؛ حيث يسير هذا التطور السريع على خطى الجماعات المسلحة الجديدة التي تزايدت قدرتها على الفتك بمعدل أسرع من سالفاتها. وعندما رأى “داعش” الفرصة للتخفيف من خسائره في مناطق أخرى، أقام علاقة رسمية مع جماعة موزمبيق المسلحة عام 2019، وظهر منذ ذلك الحين جنباً إلى جنب مع الجماعات الإفريقية الأخرى التابعة له في حملاته الدعائية.

أبعد من موزمبيق

كما استفادت جماعة كابو ديلجادو من الانضمام إلى “داعش” بحصولها على منافع تكتيكية واستراتيجية؛ بما في ذلك المعدات والمساعدة في التجنيد والتدريب. وتعيث الجماعات المسلحة فساداً في شمال موزمبيق، مسببةً صدمات نفسية بين الأجيال، بتجنيد الأطفال وتلقينهم أفكارها قسراً. بينما يتهاوى النسيج الاجتماعي؛ حيث أصبح النازحون عبئاً على المجتمعات المضيفة لهم.

وتقع ثقة الشعب -المتدنية بالفعل- في حكومة الشمال على شفا حفرة، بعد أن فشلت قوات الأمن، في أواخر مارس، في الدفاع عن المدنيين، وإجلائهم إلى مدينةٍ شمالية بعيدة. بينما يفاقم العبء المالي الذي تتسبب فيه الجماعات المسلحة من سوء وضع الحكومة التي تدفع الفدية؛ لكنها تواجه صعوبة في تقديم معاشات تقاعد للمحاربين القدامى، وهناك تقارير تفيد أن قوات الأمن تطالب اللاجئين بدفع رشاوى؛ مما يقوض شرعية الحكومة بشكل أكبر.

وتمتد الآثار المترتبة على وجود الجماعات المسلحة إلى ما هو أبعد من موزمبيق، فإذا كانت كابو ديلجادو هي أول موطئ قدم للحركة السلفية الجهادية في جنوب إفريقيا، ورغم أن الهجمات لا تزال محلية حتى الآن؛ فقد يتغير ذلك مع جهود “داعش” لتقوية شبكته الإرهابية في شرق وجنوب إفريقيا؛ إذ يمكن أن يصبح شمال موزمبيق منصة إطلاق هجمات إرهابية على عواصم المنطقة، على غرار مسيرة شبكة تنظيم القاعدة في منطقة الساحل.

وقد يشكل احتدام الصراع نفسه في موزمبيق خطراً يهدد استقرار المنطقة؛ لأنه ينطوي على احتمالية أن تتحول البلاد إلى مسرح للمنافسة الجغرافية السياسية المدمرة على الموارد الطبيعية أو الموقع الاستراتيجي على طول ساحل قناة موزمبيق. وأخيراً، يمثل وصول الجهاديين السلفيين إلى الساحل الموزمبيقي أيضاً فرصة محتملة لهم لكسب المال، على الرغم من اختلاف المحللين حول تورط الجهاديين في تهريب المخدرات من عدمه.

وبالإضافة إلى أن التهديدات الأمنية هي التكلفة التي تتكبدها موزمبيق اقتطاعاً من مستقبلها، فإن خسارة العائدات المتوقعة من الغاز الطبيعي تقوض جهود تفادي أزمة مترتبة على الديون، كما تبدد الآمال في إنشاء صندوق للثروة السيادية بغرض دفع عجلة التنمية الاقتصادية. وبذلك تتربع موزمبيق على قائمة خسائر الإرهاب الاقتصادية المتضخمة في إفريقيا، التي زادت على عشرة أضعاف، من 1,54 مليار دولار في عام 2007 إلى 15,5 مليار دولار عام 2016، باعتبار فجيعتها هي الأحدث والأكبر.

بلدان القارة بين مستقبلَين

ولا يزال التصدي للجماعات المسلحة في حالة مدّ وجزر، حتى مع استعداد المقاتلين التابعين لـ”داعش” لاستكمال سيطرتهم على مدينة ساحلية مهمة في أقصى شمال محافظة كابو ديلجادو. وما زالت المناقشات جارية بين موزمبيق والدول الأعضاء في مجموعة التنمية لإفريقيا الجنوبية؛ لكن الخلافات حول طبيعة الدعم العسكري لموزمبيق وكيفية تكوينه أجَّلت اتخاذ القرار، بينما بدأت الولايات المتحدة والبرتغال برامج تدريب عسكرية صغيرة، وأبدت فرنسا استعدادها لمد يد العون.

ويجب أن يولي شركاء موزمبيق المحتملون اهتمامهم لتطوير عملية جمع المعلومات الاستخبارية وتشارُك القدرات؛ حيث يُعرف الصراع الدائر في كابو ديلجادو بقلّة المعلومات، بما في ذلك تلك التي حول قيادة الجماعة وتكوينها، رغم أن المعلومات الاستخباراتية هي شرط لا بد منه لعناصر المواجهة العسكرية وغير العسكرية الفعالة.

ويجب أن ينظر شركاء موزمبيق أيضاً بعين الاعتبار إلى دعم تطوير برنامج الانشقاق والعفو الذي يسمح للمجندين قسرياً، بمن فيهم الأطفال، بالخروج من الجماعة؛ حيث إن القوة العسكرية ليست كافية -رغم أهميتها- لهزيمة الجماعات السلفية الجهادية في موزمبيق، وينبغي أن تتوازى استعادة الأراضي مع تحسين نظام الحكم.

فإرساء سياسات سليمة في موزمبيق يمكن أن يشكل منهجية غير مسبوقة وأكثر جدوى في الحرب على الجماعات السلفية الجهادية في إفريقيا بشكل عام. وغالباً ما يتجاهل صانعو السياسات الضرر الذي تلحقه الجماعات السلفية الجهادية بمستقبل القارة، رغم أن منطقة إفريقيا وجنوب الصحراء من المفترض أن تكون محركاً للنمو العالمي؛ باعتبارها ستكون موطناً لأكثر من مليارَي شخص؛ نصفهم دون الخامسة والعشرين، بحلول عام 2050.

حيث تتأرجح الآن بلدان كثيرة، من بينها موزمبيق، بين مستقبلَين؛ أحدهما نحو التقدم الهائل والآخر نحو استنزاف الموارد والإرهاب. ولا تقتصر المشكلة على موزمبيق أو إفريقيا فقط؛ بل إن الولايات المتحدة وحلفاءها أيضاً سوف ينتفعون من نهوض إفريقيا أو يعانون من ركودها.

ولن تبقى مشكلات القارة الأمنية على حالها؛ بل تخطط الجماعات السلفية الجهادية الإفريقية لهجماتٍ خارجية أو تدعمها بالفعل، وهي تزداد فتكاً عاماً بعد عام، وسوف تؤثر قطعاً على تدفقات اللاجئين التي تتسبب فيها على أوروبا. لذلك ينبغي ألا يتجاهل صانعو السياسة في الولايات المتحدة، الذين يدَّعون الاهتمام بازدهار إفريقيا، المشكلة الجلية كوضوح الشمس.

فالقضاء على الجماعات السلفية الجهادية ومنع عودتها وانتشارها يشكلان تحدياتٍ سياسية خطيرة تعرقل المجتمع الدولي والدول الإفريقية على حد سواء؛ لكن هذه التحديات يجب مواجهتها بمشاركة دبلوماسية أكثر استدامة، ودعم اقتصادي موجه، واستراتيجية خروج آمن من الجماعات، لتقليص فرص الإرهابيين. فما هو على المحك بالنسبة إلى الموزمبيقيين، وملايين الأفارقة، ليس إلا المستقبل.

 

المصدر: كيو بوست

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر